تهمة إسرائيلية جاهزة اسمها (معاداة السامية)

 

من السلوك المدان الذي أضحى مثار سخرية واستهجان لدى الرأي العام العالمي، هو توجيه تهمة (معاداة السامية) التي توجهها جزافاً القوى الإعلامية الإسرائيلية، ضد كل من ينتقد عنصرية الصهيونية، وبطلان فرض كيان دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية، وما تقترفه هذه الدولة اللاشرعية بحق الشعب الفلسطيني صاحب الحق في وطنه فلسطين من تنكيل وقتل وتشريد...

ومن فهم هذا الواقع المرير المفروض على أناس المجتمع الفلسطيني، يلاحظ أن الإعراب عن أي تضامن إنساني مع الحقوق الفلسطينية يرتفع هنا أو هناك، فإنه يجابه بتهمة سياسية جاهزة تطلقها أبواق إسرائيلية صهيونية، وتتناقلها أجهزة إعلام غربية تحت لافتة (معادة السامية) لكن محاولة تعميم تلك التهمة لم تعد تنطلي على أحد، وليست قابلة للتصديق، فقد جاءت مناسبة تنشيط عمل أجهزة الإعلام الدولية عبر الأقمار الصناعية والانترنيت التي تنقل الأحداث الإجرامية المعادية لكل ما هو فلسطيني داخل فلسطين المحتلة أولاً بأول، لتعطي الصورة الفاضحة لمؤامرة الوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية.

ففي دراسة متخصصة وثقها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، تبين أن الصهاينة متخوفون من حدوث تحول جوهري في الرأي العام الدولي، ضد دولتهم المحتلة - إسرائيل - وأشارت الدراسة إلى: (أن التاريخ يشير إلى أن اليهود عندما يوضعون في الزاوية، يلجأون إلى حيلهم القديمة التي استخدموها كثيراً وهي التظاهر بالضعف والاضطهاد واللعب على عقدة الذنب لدى الغرب تجاههم منذ حقبة النازية... وإن هذا ما يحدث الآن بشكل واضح... إن اليهود يستخدمون شعار معاداة السامية ويصدقه الغرب وتردده وسائل الإعلام دون محاولة اكتشاف ما ينطوي عليه من مغالطات سابقة... و... إن معاداة السامية تعني في المفهوم الغربي والإسرائيلي معاداة اليهود فيما تشير القواميس الشهيرة في الغرب إلى أن اللاسامي هو الشخص الذي يعادي اليهود... و... أن ذلك يأتي على الرغم من أن الشعوب السامية لا تقتصر على اليهود فقط وإنما تشمل العرب أيضاً... إن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لمؤلفها الدكتور عبد الوهاب المسيري تشير إلى أن العرب هم أكثر الجماعات السامية قرباً مما يمكن تسميته الخطاب الحضاري السامي الأصلي... و... إن الساميين ينتسبون وفقاً للموسوعة إلى سام بن نوح وهم عاشوا مع شعوب أخرى في شبه الجزيرة العربية والشام والعراق وتحدثوا بمجموعة من اللغات المتقاربة هي اللغات السامية وتضم هذه الشعوب الآشوريين والبابليين والكنعانيين والفينيقيين والعموريين والعبرانيين وغيرهم).

ووثقت الدراسة المذكورة بجلاء: (أن العبرانيين) (أي اليهود القدامى) ينتمون إلى الشعوب السامية فيما لا يمكن اعتبار كل اليهود ساميين على أساس أن أعداداً كبيرة من الأفراد غير الساميين قد تهودت و... انه انطلاقاً من هذا فإن العداء للساميين يعني العداء للعرب أيضاً وليس لليهود فقط ولكن اليهود استطاعوا احتكار النسب لصالحهم دون غيرهم واستخدموه سياسياً بشكل كبير.

ثم تذهب الدراسة الآنفة - لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية - إلى تحليل أكثر تبياناً لمواجهة بطلان النظرية الصهيونية إذ جاء في نصها: (إن من المغالطات التي ينطوي عليها مفهوم اللاسامية أيضاً أن اليهود خلطوا بين معاداة إسرائيل ومعاداة اليهود أو الساميين فكل شخص ينتقد إسرائيل أو ممارساتها السياسية والأمنية يعتبر من وجهة نظرهم معادياً للسامية...).

وفيما يحتدم الجدل الآن حول من هو السامي المعتدي ومن هو السامي المعتدى عليه.. ذكر مؤخراً راديو لندن في موقعه على الانترنيت أن رواية (موت ناقد) للأديب الألماني مارتن فاسلر.. البالغ من العمر 75 سنة الذي يعد من الشخصيات الأدبية المعروفة في ألمانيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. قد أتهم بمعاداة السامية لكن الروائي فاسلر قد عبر عن استغرابه لهذا اللغط الذي أحيط بروايته رافضاً تهمة معاداة اليهود أو السامية الموجهة إليه).

واستطرد كاتب الرواية فاسلر - وهي رواية تبحث عن تاريخ ماضي ألمانيا - بجملة تؤكد حسن قصده فيما كتبه بروايته (موت ناقد) إذ قال مدافعاً عن نفسه: (... أنا لم استخدم كلمة يهودي سوى مرتين في روايتي التي لا يمكن أن تكون معادية للسامية). ثم يختتم فاسلر تصريحه بالقول:(علي أن أعيش هنا، ... فمن المستحيل أن يجد المرء فرصة للتعبير عن رأيه حول الماضي، وهذا بالنسبة لي شيء مريع).