إعلان شيعة العراق وما أثير حوله من شبهات

اثار "اعلان شيعة العراق" موجة من الاهتمام في الاعلام العربي واعلام المعارضة العراقية، وهو امر قلما يحدث في الساحة العراقية، الامر الذي يشير الى اهمية هذا الاعلان من جهة، والى حيوية ابناء العراق ووعيهم المتميز في متابعة المشاريع والطروحات التي تخص واقع العراق ومستقبله.

وكان لاهتمام العراقيين بما ورد في الاعلان، اهمية خاصة تفوق الاهمية التي حظي بها في وسائل الاعلام العربية المختلفة. ولا نميز في ذلك بين المؤيدين والمعارضين لأننا نؤمن بأن وجهات النظر المختلفة تساهم في انضاج المشروع، وان من الضروري ان يشارك كل عراقي في هذا النقاش المفتوح، من اجل تقديم افضل الحلول لصوغ مستقبل العراق، باعتبار ان الغد هو مسؤولية كل ابناء الشعب العراقي.

وقد وصلني الكثير من التأييد والملاحظات والمقترحات ووجهات النظـر المختلفة، مما يجعلني اتقدم بخالص شكري اليهم جميعا، واخص بالشكر والتقدير الكامل السادة الموقعين على الاعلان باعتبارهم خطوا خطوات عملاقة وشجاعة في كسر حاجز الخوف والتردد، ووضع الاصبع على نقطة الخلل ومصدر المأساة في العراق.

وما اسعى اليه هنا هو الوقوف عند الآراء المعارضة للاعلان. فمن خلال متابعتي للسادة المعارضين وجدت انهم ينقسمون ثلاث فئات:

فئة لم تقرأ الاعلان القراءة المطلوبة ولم تستوعب مقاصده وابعاده الوطنية، فاساءت فهمه وكانت ملاحظاتها تاليا غير دقيقة، ونحن نأمل من خلال هذا التوضيح ان تعيد رؤيتها للاعلان.

واخرى تعيش حالة الخوف من الصراحة والوضوح التي طرحها الاعلان، فقد اعتاد اصحابها القبول بما هو موجود وعدم اثارة مثل هذه المواضيع. ونتمنى ان يستوعب هؤلاء ان الخوف من تشخيص المشكلة هو موقف سلبي يزيد المشكلة تعقيدا وتفاقما، وان هذا الخوف لم يعد له اي مبرر بعدما اصبح الحديث عن الطائفية في العراق امرا مفروغا منه،  وان من الحكمة الالتزام هنا بقول الامام علي عليه السلام: "اذا هبت امرا فقع فيه".

اما الفئة الثالثة فهي المستفيدة من استمرار الحالة الطائفية، ومصالحها مرتبطة ارتباطا وثيقا بسياسة الاضطهاد الطائفي ومعاداة الشيعة، وهذه الفئة محاطة بجدار حديد مما يجعل الحوار معها امرا عسيرا.

وسأتناول هنا اهم ما اثير الى الآن حول الاعلان:

1- الاعلان ليس جزءا من المبادرة الاميركية ازاء العراق

تعود جذور "اعلان شيعة العراق" الى العام 2000 وفي فترة كانت فيها الساحة العراقية تعيش ما يشبه حالة الركود في الطروحات السياسية، سواء من جانب اطراف المعارضة او من جانب المجتمع الدولي، فالولايات المتحدة لم يكن لديها تصور حول الطريقة التي يمكن فيها تغيير نـظام الحكم في العراق، وقد طرحت آنذاك مشروع العقوبات الذكية ظنا منها انه يمثل استراتيجية فاعلة يمكن من خلالها ازالة نظام الحكم وتقويض وجوده من السلطة. غير ان المشروع كان ابعد ما يكون عن الهدف المعلن له، وقد عكس قصور الرؤية الاميركية في فهم طبيعة النظـام العراقي، والآليات الموضوعية التي يمكن ان تساهم حتى في اضعاف النظام وليس في ازالته.

وخلال تلك الفترة سيطرت على الشعب العراقي في الداخل والخارج حالة من الاحباط النفسي وتعزز لديه اقتناع بأن الولايات المتحدة غير جادة في ازالة النظام، وان موقفها السلبي من الانتفاضة الشعبية (آذار 1991) لا يزال مسيطرا على عقلية صانع القرار الاميركي.

في تلك الاجواء الخاملة سياسيا والمشحونة شعبيا، كانت مبادرة نخبة من شيعة العراق في بريطانيا الى تفعيل الهم الشيعي العراقي وبلورته علميا وعمليا، وقد دفعها الى ذلك تصاعد الحديث في الاوساط الشيعية العراقية في الداخل وفي ساحات الهجرة المختلفة مع تجميع الرؤى الشيعية التي طرحها رجال الشيعة وعلماؤهم وسياسيوهم والدخول في بحوث موضوعية تهدف الى دراسة ابعاد المشكلة الطائفية في العراق. وقد عقد اول اجتماع بتاريخ 2/2002 وحضره اكثر من خمسين شخصية شيعية. ولم توجد وقتها اية احكام او تصورات مسبقة، انما عقد الاجتماع تحت شعار ضرورة تبادل وجهات النظـر واجراء عمليات تبادل عام للافكار في ما يمكن تسميته "عصف العقول". وعندما انتهى الاجتماع الاول وضعت نقطة البداية لفكرة الاعلان على اساس تقديم تصورات شيعة العراق في شأن المستقبل العراقي.

ان صدور اعلان شيعة العراق في ظل التطورات التي تشهدها القضية العراقية وتصميم الادارة الاميركية الحالية على اطاحة نظام صدام دفع البعض الى محاولة الربط بين الموقف الاميركي والاعلان. وهذه المحاولة للربط بين الامرين لم تكن بريئة عند البعض ممن اثاروها، فهي ترمي الى القاء ظلال من الشك والشبهات على الاعلان والقائمين عليه وموقعيه وتصوير هذا التحرك على انه استجابة للسياسة الاميركية حيال العراق او تناغم معها. اما الحقيقة فهي غير ذلك، فاذا كانت الحملة الاميركية ضد النظـام العراقي تصاعدت بعد احداث 11 ايلول من العام الماضي، فان الجهود لاصدار اعلان شيعة العراق قد بدأت قبل ذلك بفترة طويلة.

فالعديد من اللقاءات والاجتماعات التي عقدتها نخب شيعية من مختلف الاتجاهات الفكرية والانتماءات السياسية جرت في غياب اي تحرك اعلامي او سياسي اميركي لاسقاط النظام.

فـ"اعلان شيعة العراق" تحرك وطني لشخصيات عراقية شيعية معروفة بمواقفها الوطنية، اساسه الوعي بأن بناء مستقبل العراق السياسي لا بد ان يقوم على اسس صحيحة تتجاوز السياسات الخاطئة التي عانى منها العراق عبر اكثر من قرن، تلك السياسات التي بنيت على اساس الاضطهاد الطائفي والتمييز العنصري. واول الاسس التي يسعى الاعلان اليها هو الغاء الطائفية السياسية في العراق.

2- النخبة ومشكلة تمثيل الشيعة

يطرح البعض ان الاعلان لا يمثل كل شيعة العراق انما يمثل النخبة التي وقّعته او ايدته.

ان المتمعن بقائمة موقعي الاعلان والتي قاربت المئتين يجد ان هذه النخبة تمثل كل الوان الطيف الشيعي العراقي الفكرية والثقافية والسياسية ولم تقتصر على لون معين دون بقية الالوان، ففيه الاسلاميون والقوميون والديموقراطيون والليبراليون والمستقلون وغيرهم. فالاعلان من الوثائق النادرة التي حظيت بهذا التأييد الواسع من مختلف فئات شيعة العراق. وهذا امر له اهميته الكبيرة في واقع الساحة العراقية التي عاشت حساسيات مختلفة بين الاطراف، باعتبار ان الاتفاق على صيغة فكرية وسياسية لا بد  ان ينسجم مع متبنيات كل طرف ورؤيته للواقع وللمستقبل، وهذا ما حال دون حدوث اللقاء بين الفصائل العراقية، حتى في دائرة الفكر الواحد، كالدائرة العلمانية او الاسلامية. بل ان الوسط الشيعي لم يشهد طوال تاريخه مثل هذا الجمع المتفق على وثيقة واحدة، رغم وحدة الهم الشيعي، والاشتراك الوثيق في التوجه والرؤية.

وكحقيقة اجتماعية فان النخبة تمثل ضمير الشعب وفئته الواعية وعنصر التوجيه والقيادة للرأي العام فيه. وهي عندما تتحرك ضمن مشترك جماهيري او فكري او سياسي، فانها تعبر عن حالة شعبية عامة. ان من الضروري التمييز بين التمثيل الرسمي والتعبير الشعبي، ونعتقد ان ما يثار حول الاعلان في مسألة التمثيل والنخبوية، انما هو ناجم عن الخلط بين المفهومين.

فالتمثيل الرسمي يحتاج الى آليات محددة ومعروفة قد تأتي بالانتخاب او الاتفاق او غير ذلك، اما التغيير فهو حق مشاع يمارسه كل فرد ضمن دائرته الاجتماعية او السياسية او المذهبية او الدينية، وله الحق في التعبير عن وجهة نظره كاملة، وقد يكون التعبير فرديا او يكون جماعيا، والحالة الثانية هي ما حققها الاعلان حيث كان التعبير المشترك لموقّعيه، عن هموم شيعة العراق وتطلعاتهم الوطنية لحل ازمة وطن فتكت به الطائفية والديكتاتورية والمركزية. والاكثر من ذلك انه كان تعبيرا عن جماعات اخرى وقطاعات واسعة من شيعة العراق، هذا اذا لم نقل انه يتسع ليشمل السنة والشيعة والاقليات الاخرى، لو نظرنا اليه نظرة متجردة عن الحساسيات وقرأناه على اساس انه اعلان مبادئ، وان مبادئه الكبرى هي مكافحة الطائفية والديكتاتورية والمركزية.

3- مطالب اقلية ام اكثرية

رغم ان الشيعة هم الغالبية السكانية في العراق الا ان السياسة الطائفية التي اعتمدتها الحكومات العراقية المتعاقبة تعاملت معهم وكأنهم اقلية. وهذا ما ترك آثاره على نفسية الفرد الشيعي في شكل لاشعوري، ولم يكن مسموحا له بأي حال من الاحوال ان يعترض على هذا اللاشعور او يحاول حتى مجرد التخلص منه، ضمن واقع سياسي واداري صارم فرض عليه فرضا من جانب السلطات.

ان اعلان شيعة العراق لا يمثل قائمة بالمطالب الشيعية بقدر ما هو رؤية شيعية لمستقبل العراق اساسها رفض الطائفية والعمل على الغائها،  ولئن طرحت بعض المطالب في الاعلان فلأنها تعالج ابرز مظاهر الطائفية السياسية التي تمارس في العراق ضد الاكثرية الشيعية. وعلينا ان نتذكر ما اشرنا اليه وهو ان الاعلان يمثل اعلان مبادئ في الدرجة الاولى وانه يسعى الى تحديد الخطوط العريضة للمستقبل العراقي والمتمثلة في الديموقراطية واللامركزية ومكافحة الطائفية، ضمن عراق موحد يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات في ضوء مواد الدستور وفقراته.

ان موقّعي الاعلان لم يكن كل همهم ادراج قائمة تفصيلية بالمطالب الشيعية، وتسجيل ما يريدون وما يرفضون، انما كان هدفهم هو خدمة الوطن العراقي، ووضع الاسس التي تساهم في اخراجه من ازماته الحالية ومنع تواصل حلقات التدهور والديكتاتورية في مستقبله.

4- اعلان شيعة العراق لا يستهدف استفزاز احد

كان من آثار السياسة الطائفية زرع الخوف في قلوب الشيعة من الافصاح عن انتمائهم المذهبي، وخشيتهم من تهمة الطائفية. لقد مورست عبر عقود من السنين عملية غسيل للأدمغة فبات من العسير على اي شيعي عراقي ان يعلن انتسابه للتشيع دون ان تلاحقه تهم عديدة اولها الطائفية، وانه لمن السخرية ان يتهم بالطائفية ضحاياها.

ولأن الاعلان اراد ان يعبر بوضوح عن رؤيته لمستقبل العراق، وسعيه الجاد في محاربة الطائفية واجتثاثها  من الحياة السياسية العراقية، فانه عمد الى تسمية الاشياء بمسمياتها متجاوزا كل العقد ومشاعر الخوف، انطلاقا من ايماننا بأن ما يمر به العراق من ظرف حساس يحتاج الى الوقوف عند المسميات الدقيقة للمفاهيم والتصورات، فالعموميات والحالات الهلامية لا تخدم الشعب العراقي بأي شكل من الاشكال، انما تخدم اولئك المغرضين الذين الفوا التحرك ضمن الحالة الطائفية.

ان ابرز مظاهر الطائفيين الحقيقيين في العراق هي انكار وجود الطائفية، في الوقت الذي يمارسونها كل يوم.

نعم العنوان من شأنه ان يستفز اولئك الطائفيين الذين ظنوا ان طول الممارسة الطائفية وقسوتها في العراق من شأنها ان تزرع الخوف في نفوس الشيعة وتدفعهم الى الاحتماء خلف انتماءات سياسية او عقائدية وهي انتماءات لم تفلح في حمايتهم من التمييز الطائفي، ففي كل التيارات الفكرية السائدة في الساحة العراقية يمارس التمييز الطائفي بمختلف الصيغ والاشكال. وتلك حقيقة ميدانية لا يمكن انكارها، وهي من الثوابت الواضحة في تاريخ العراق.

5- الولاء للوطن وليس للطائفية

ويثير البعض مشكلة الانتماء اذ يرون في طرح الانتماء المذهبي تقديما للولاء للطائفة على الولاء للوطن. والواقع ان الاعلان حين يدعو الى الغاء الطائفية السياسية انما يسعى الى تكريس الولاء للوطن، ففي ظل السياسة الطائفية التي  تمارس في العراق يكون الولاء للطائفية بديلا من الولاء للوطن او مقدما عليه. فكما ان احساس العراقي الكردي او التركماني بانتمائه القومي لا يؤثر على ولائه للوطن فان احساس العراقي الشيعي بشيعيته لا يضعف من هذا الولاء، فالوطن هو الاطار الواسع الذي يجمع كل المكونات القومية والمذهبية. والانتماء اليه والمساهمة في بنائه والدفاع عنه هو القاسم الذي يوحد الجميع. لقد عملت السياسة الطائفية والعنصرية التي مورست في العراق على تقسيم العراقيين الى مواطنين من درجات مختلفة، حيث عومل الشيعة على انهم مواطنون من الدرجة الثانية. وفي ذلك تجريح للمنظومة الوطنية العراقية، وتجاوز للقيم الوطنية الصحيحة.

6- الشيعة اكبر ضحايا النظام

بعض منتقدي "اعلان شيعة العراق" يرون ان جرائم نظام صدام موجهة ضد الجميع فلماذا هذا التركيز على الشيعة دون غيرهم. نعم ان النظام طاول بظلمه مختلف فئات المجتمع العراقي، غير ان ابراز الظلم الذي يتعرض له الشيعة لا ينكر ما تعرضت له الفئات الاخرى من ظلم وتعسف وجور. هذا اولا، وثانيا ان حجم الظـلم الذي تعرض له الشيعة وسعته ليس لهما مثيل في تاريخ العراق، فلقد حرموا من ابسط حقوق المواطنة وعوملوا باستمرار على انهم مواطنون من درجة دنيا ومنعوا من ممارسة حقوقهم الثقافية والدينية والسياسية من منطلق طائفي صارخ.

لقد مارست السلطات في العراق، خصوصا النظام الحالي، نهجا طائفيا، امتد الى مناهج التعليم ومؤسسات الدولة خصوصا المؤسسة العسكرية وميادين الاقتصاد المختلفة، ادى الى تهميش دور الشيعة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في العراق.

لقد مارس النظام اساءات متعمدة ومتواصلة للتراث الثقافي والديني للشيعة، وعمل على التشكيك بعروبة المواطن الشيعي وعراقيته والطعن في قيمته الاخلاقية.

ويكفي ان نشير الى ان اكثر من مئتي الف شيعي قتلوا على يد النظام خلال احداث انتفاضة 1991 حسب تقرير فان ديرشتول المقرر العام لحقوق الانسان في العراق المكلف من جانب الامم المتحدة اضافة الى قتل المئات من علماء الدين الشيعة وحرق المكتبات وضرب أضرحة ائمة الشيعة بالصواريخ والاسلحة الثقيلة.

لقد تكشف الوجه الطائفي للنظام في شكل صارخ خلال الانتفاضة حين رفعت قوات النظام شعار لا شيعة بعد اليوم، والذي يعني عزم النظام على استئصال الشيعة وتغيير التركيبة السكانية للعراق.

اننا عندما نتحدث عن ظلامة الشيعي فاننا نتحدث عن ظلامة العراقي، تماما كما هي الحال عند الحديث عن مظلومية اي مواطن عراقي آخر، ولا يعني ذلك ابدا التقليل من الظلم الذي تتعرض له بقية الفئات العراقية.

7- الطائفية في العراق قانون غير مكتوب

ان ابرز مظاهر الطائفية في العراق هو انكار الطائفيين وجودها في الواقع العراقي مع انها من ابرز المظاهر السياسية والاجتماعية في هذا الواقع. فرغم عدم وجود قانون مكتوب بتقنين الطائفية الا انها المادة الثابتة في القوانين العراقية. ويكفي المنصف ان يلقي نظرة على المؤسسة العسكرية العراقية ليكتشف دون عناء سياسة التمييز الطائفي التي تمارس فيها. فالمراتب العليا في الجيش العرقي تشهد استبعادا واضحاً للشيعة حيث لا يشكلون اكثر من 5 في المئة من مجموع قيادات الجيش، والامر ذاته ينطبق على مؤسسات الدولة الاخرى اذ يشكل الشيعة اقلية في المواقع القيادية في تلك المؤسسات.ولعل الوزارة العراقية نموذج صارخ في هذا المجال، فرغم ان حزب البعث الحاكم حزب علماني ويشكل الشيعة فيه الاكثرية العددية الا ان الحقائب الوزارية التي تعهد اليهم لا تشكل الا نسبة ضئيلة لا تذكر، والقضية ذاتها تنطبق على المواقع القيادية في حزب البعث العراقي.

8- من هم الشيعة؟

في معرض تعريفه للشيعي اشار "اعلان شيعة العراق" الى ان المقصود بالشيعي كل فرد له ولاء او انتماء الى مذهب اهل البيت. فالشيعي هو كل من ينتمي الى المذهب الجعفري بالولادة او بالاختيار، فالشيعة ليسوا عرقا او جنسا او قومية، انما الكيان الشيعي يتشكل من فئات اجتماعية متنوعة عانت من الاضطهاد الطائفي على مدى قرون طويلة. وهذا التعريف ينطلق من الواقع العملي وليس  من منطلقات فكرية عقائدية.

فالانتماء الى الشيعة بهذا المعنى لا يرتبط بايمان الشخص او التزامه بتفاصيل المذهب الجعفري، وانما يعود الى انحدار الشخص اسريا او قبليا او تاريخيا الى الشيعة، وهو امر يجعله مادة للاضطهاد الطائفي الذي مارسته الانظمة في العراق.

ونعيد مرة اخرى الى الاذهان ما ورد في نص الاعلان، من ان هذا التعريف هو تعريف واقعي عملي وليس تعريفا فكريا عقائديا نظريا. وكان الدافع وراء اعتمادنا هذا التعريف القاموسي هو محاولة استيعاب الدائرة الشيعية بكل انتماءاتها السياسية والفكرية والثقافية.

9- الديموقراطية وحدها لا تكفي

يرى البعض ان الديموقراطية وحدها هي الحل الشامل لمشكلة الانسان العراقي، وبذلك فان معالجة المشكلة الطائفية تندرج في شكل طبيعي ضمن حلول النهج الديموقراطي، وعليه فهؤلاء يرون انه لا حاجة الى تسليط الضوء على المشكلة الطائفية والبحث عن السبل الكفيلة بمكافحتها.

فنقول: شكلت الديموقراطية احد الاسس الثلاثة التي طرحها الاعلان في رؤيته لمستقبل العراق اذ جاء فيه: "يطرح هذا الاعلان نظرة الشيعة لمستقبل العراق، والتغييرات الاساسية التي يجب اعتمادها من اجل تحقيق العدل والمساواة، وهو يرى بأن العراق من اجل ان يعيش مستقبله الذي يتطلع اليه شعبه، فانه لا بد من اعتماد الاسس التالية: 1- الديموقراطية. 2- اللامركزية. 3- الغاء سياسة التمييز الطائفي".

وهذه الاسس الثلاثة تشكل اعمدة لمستقبل الوضع السياسي في العراق من وجهة نظرنا، ولا يمكن الاستغناء عن احدها، فهي مترابطة ومتكاملة، فغياب احدها يؤثر سلبا على العناصر الاخرى. فالديموقراطية لا يمكنها معالجة مشكلات العراق دون تزامنها مع الغاء السياسة الطائفية المتجذرة في الواقع السياسي العراقي. كما ان عدم التناسق والتساوي في مكونات المجتمع العراقي قوميا ومذهبيا بحاجة الى اعتماد سياسة لامركزية تحول دون ان تؤدي الممارسة الديموقراطية الى فرض الغالبية على بقية المكونات. كما ان اللامركزية مقدمة ضرورية لبناء مؤسسات المجتمع المدني.

10- النظام وراء اثارة المخاوف الطائفية

واثار البعض ان النظام الحاكم هو الذي سيستفيد من هذا الطرح، بدعوى استنفار السنة وتأليبهم ضد الشيعة، مما يجعلهم يوفرون حماية قوية للنظام.

والحقيقة ان نظام صدام عمل دوما على اثارة المخاوف الطائفية وتوظيفها  لحماية نظامه. ففي ذروة المواجهة بين الشعب العراقي والسلطة سعى النظام لتصوير تلك المواجهة على انها صراع شيعي - سني. غير ان وعي العراقيين بطبيعة النظام فوت عليه هذه الفرصة، وخلال احداث انتفاضة 1991 سعى النظام الى اثارة السنة وتخويفهم من المنتفضين ورفعت قواته شعار "لا شيعة بعد اليوم" السيئ الصيت، غير انه لم تسجل حادثة واحدة لمقتل سني في المناطق الشيعية التي سيطر عليها الثوار.

ان الوعي السياسي للشعب العراقي بلغ من النضوج حدا لم تعد تنطلي عليه حيل النظام وسياساته الماكرة. وسعي النظام لتوظيف الاعلان لاثارة المخاوف من الشيعة لا يبرر التوقف عن التصدي لحل مشكلات العراق الكبرى وفي مقدمها المعضلة الطائفية، وهو شبيه الى حد كبير بدعوة الكرد للتخلي عن مطالبهم المشروعة بحجة ان النظام سيستغل هذه المطالب سياسيا والادعاء بأن الكرد يسعون لتقسيم العراق.

11- الغاء الطائفية ضمانة لوحدة الصف الوطني العراقي

واخذ البعض على الاعلان بأنه طرح يهدد وحدة الصف الوطني العراقي. لكن غاب عنهم ان "اعلان شيعة العراق" ليس تنظيما سياسيا جديدا او اطارا لتنظيمات سياسية ينافس الاطر الموجودة في الساحة السياسية العراقية، وانما هو رؤية لمستقبل العراق السياسي تقوم على اساس الدعوة الى الغاء التمييز الطائفي واقامة الحياة السياسية الدستورية واعتماد الاساليب الديموقراطية وبناء الدولة على اساس اللامركزية. وما نأمله ونتطلع اليه هو ان تتبنّى الاطر السياسية العراقية بمختلف انتماءاتها الفكرية وتنظيماتها السياسية المبادئ والاسس التي يدعو لها الاعلان. فلا مجال لانقسام الصف الوطني العراقي الذي تجمع غالبية مكوناته على طائفية النظام وديكتاتوريته.

والاكثر من ذلك ان المبادئ العامة للاعلان هي مبادئ وحدة وطنية حيث تشترك فيها كل الفصائل العراقية وهذا ما يتمثل في مطالبتها بالديموقراطية واللامركزية ومكافحة الطائفية، وهي الاسس التي قام عليها اعلان شيعة العراق.

12- الحوار بين مكونات المجتمع العراقي الاسلوب الانفع لحل مشكلات العراق

ويقال ايضا ان اعلان الشيعة مطالبهم، سوف يؤدي الى ان يقدم غيرهم مطالبه ايضا.

ونحن نقول اننا نتطلع لأن تقدم اي فئة من فئات المجتمع العراقي مطالبها، لتجري عملية حوار بناء بين هذه الفئات وصولا الى رؤية مشتركة تعيد بناء العراق سياسيا بما يحقق مصالح مختلف فئاته الاجتماعية والسياسية.

لقد طرح الكرد رؤيتهم لادارة العراق ومستقبله، والتي ترتكز على ركيزتي الديموقراطية والفيديرالية، وها نحن نطرح رؤية شيعة العراق لمستقبله السياسي وهي رؤية تقوم على ركائز الغاء الطائفية والديموقراطية واللامركزية. ومن المفيد للعمل الوطني العراقي ولمستقبل العراق السياسي ان تبادر بقية مكونات المجتمع العراقي الى طرح رؤاها في هذا المجال. ونحن نتطلع الى ان يبادر اخوتنا السنة الى اعلان موقفهم في رفض احتكار السلطة من جانب اي فئة من فئات المجتمع العراقي ونبذهم سياسة التمييز الطائفي والاضطهاد العنصري التي دأبت الانظمة على انتهاجها في العراق.

13- الاكراد يطالبون بدعم "اعلان شيعة العراق"

يبدي بعض الاخوة الكرد مخاوفهم من ان طرح مسألة التمييز الطائفي ضد الشيعة في العراق سيؤدي الى الاضرار بالقضية الكردية من خلال سحب الاضواء عنها.

ان "اعلان شيعة العراق" في معرض تشخيصه لأمراض الواقع السياسي العراقي اشار الى انها تتمثل في ثالوث (الديكتاتورية والتمييز الطائفي ضد الشيعة والاضطهاد العنصري ضد الكرد) وعلى اساس من هذا التشخيص اكد الاعلان على المعالجة الصحيحة والناجعة لهذا الواقع الذي يقوم على اسس ثلاثة ايضا وهي الغاء سياسة التمييز الطائفي والغاء سياسة الاضطهاد العنصري واقامة الديموقراطية. وهذه الاسس كما اشرنا سابقا مترابطة ومتكاملة فلا يمكن الغاء الاضطهاد العنصري في ظل الديكتاتورية والامر يصدق على السياسة الطائفية. ان تصور أن مشكلة العراق الوحيدة هي الاضطهاد الذي يتعرض له الكرد تصور ناقص لا يمثل صورة الواقع العراقي كاملة وهذا لا يقلل من شأن المطالب الكردية المشروعة ولا يبرر السياسات الظالمة التي انتهجتها الانظمة ضد الكرد من ابناء شعبنا العراقي.

لقد وقف الشيعة، دوما مع اخوتهم الكرد في مختلف التاريخ السياسي للعراق ضد الحروب العنصرية التي شنتها الانظمة المتعاقبة ولعل ابرز تلك المواقف فتاوى علماء الشيعة بتحريم قتال الكرد. والشيعة يتطلعون الى وقوف اشقائهم الكرد معهم من خلال كشف الجرائم التي يتعرضون لها على يد الانظمة خصوصا نظام صدام، ودعمهم مطالبهم في الغاء سياسة التمييز الطائفي في العراق.

14- الاعلان لا يدعو الى دولة شيعية في العراق ولا يهدد امن المنطقة

دأب البعض على اثارة المخاوف من الشيعة في العراق بحجة ان الغاء الطائفية وانصاف الشيعة من شأنه ان يهدد استقرار الدول الاقليمية خصوصا المملكة العربية السعودية والكويت. والواقع الذي شهدته المنطقة خلال العقدين الماضيين كشف بما لا يدع مجالا للشك ان النهج الديكتاتوري والطائفي هو الذي كان وراء زعزعة الامن والاستقرار في المنطقة، وكان غزو الكويت وضرب مدن المملكة السعودية احدى نتائج ذلك النهج. ثم ان العلاقات التي تقوم بين الدول والشعوب اساسها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بينها، بصرف النظر عن التقسيمات الطائفية والعرقية، بل ان من مصلحة الشيعة في العراق توفير الامن والاستقرار في المنطقة لأنهم اكثر المتضررين من حالة القلق الاقليمي التي اوجدها النظام.

كما ان الاعلان لم يدعُ الى دولة شيعية في العراق وانما يسعى الى الغاء الطائفية السياسية، ورفض تمذهب الدولة، وهو امر يؤدي الى استقرارالاوضاع السياسية في العراق والذي ينعكس في شكل ايجابي على امن المنطقة واستقرارها.

والامر الآخر الذي يطرحه البعض هو ان احتلال الشيعة موقعهم الطبيعي في الدولة العراقية ومؤسساتها من شأنه ان يجعل العراق امتدادا لايران. وهذا الامر هو الآخر مبني على جهل بالفروق التاريخية والاجتماعية التي تميز شيعة العراق عن الشيعة في ايران.

15- الخوف من تغيير التركيبة السكانية في العراق

يركز البعض في حملته ضد "اعلان شيعة العراق" على فقرة وردت في الاعلان الذي نشر في وسائل الاعلام والتي تشير الى ضرورة ان ينص الدستور العراقي على تأكيد ان الشيعة هم غالبية الشعب العراقي.

والحقيقة ان هذه الفقرة قد وردت في مسودة الاعلان ضمن الحقوق السياسية وجرى حذفها خلال النقاشات التي سبقت الاعلان، باعتبار ان كون الشيعة هم الاكثرية العددية في العراق امر مفروغ منه ولا حاجة لتثبيته في اي نص دستوري او غيره، اضافة الى ما يوحيه هذا التأكيد من وجود نية لتكريس الحالة الطائفية. وهو امر جاء الاعلان ليتصدى له ويسعى لالغائه. وقد جرى تصحيح هذا الخطأ، اذ رفعت هذه الفقرة واعلن عن ذلك في وسائل الاعلام في حينه.

على انه لا بد من الاشارة الى ان التأكيد على استخدام تعبير الغالبية الشيعية في اكثر من موضع في الاعلان ينطلق من الخوف من محاولات يقوم بها النظام لتغيير التركيبة السكانية في العراق، كما حدث في الثمانينات عندما استقدم ملايين المصريين، وما يتردد في الفترة الاخيرة عن محاولات اسكان الفلسطينيين في العراق.

16- وحدة العراق لا يحفظها التمييز الطائفي او الاضطهاد العنصري

يروّج النظام والدوائر القريبة منه مقولة ان استبعاد الشيعة عن المواقع القيادية في الدولة قد حفظ وحدة العراق، وهي مقولة غريبة اذ متى كانت اية غالبية عنصرا من عناصر تهديد الوحدة الوطنية في اي بلد من بلدان العالم.

ان الذي يهدد وحدة العراق هو السياسة الطائفية التي يمارسها النظام ضد الشيعة وسياسة التمييز العنصري ضد الكرد، والتي ادخلت العراق في حروب داخلية متواصلة وفتحت الباب امام احتمالات التقسيم.

لقد اصبحت مقولة حفظ وحدة العراق فزاعة لتخويف العراقيين اولا، ودول المنطقة والعالم ثانيا، من ان اطاحة النظام الحالي ستؤدي الى تقسيم العراق وهو امر سيخشاه العديد من هذه الدول ولا يقبل به.

ان وحدة العراق الحقيقية انما تتحقق من خلال وحدة مكوناته القائمة على اساس التعامل مع العراقيين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ومسؤوليتهم جميعا في بناء العراق وحفظ امنه واستقراره وسيادته، وليس من خلال حملات الابادة التي يشنها النظام ضد الكرد والشيعة.

اما القول بأن الشيعة يفتقدون الى الخبرة في الحكم، فهو ان صح انما يعود الى السياسة الطائفية التي مورست بحقهم ولم تُتح لهم تسلّم مواقع القيادة في الدولة والجيش، فهو نتيجة وليس السبب ولا يصح ان يظل مبررا لاستمرار التمييز الطائفي ضدهم.

17- دور رائد لعلماء الشيعة في الاعلان

يتساءل البعض عن دور علماء الشيعة في الاعلان، وانه لم يحظ بتأييدهم ومشاركتهم. والحقيقة انه كان لابرز علماء الشيعة دور اساسي في مختلف المراحل التي مر بها الاعلان بدءا من الأفكار الاولية التي طرحت قبل اكثر من عامين وانتهاء بالصيغة الاخيرة التي صدر بها. وقد ضمت قائمة الموقعين عددا كبيرا منهم من امثال: السيد حسن الموسوي الشامي، الشيخ فاضل السهلاني، السيد محمد زكي السويج، السيد محمد الموسوي، والسيد زكي بحر العلوم. فيما شارك بعض الفقهاء وكبار العلماء باصدار تأييد خطي للاعلان ومبادئه.(موفق الربيعي - النهار اللبنانية)

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا