تحولات قاسية وتغيرات نفسية عميقة لدى ‏الجيل الناشئ في روسيا تركت أثرا في القيم والمفاهيم

لم يعد اغلبية تلاميذ الصفوف الابتدائية في المدارس ‏الروسية يرغبون في أن يصبحوا رواد فضاء أو طيارين أو حتى جنرالات كما كان الحال ‏في العهد السوفيتي.

ويقول علماء النفس الروس ان التحولات السياسية والاقتصادية القاسية التي ‏شهدتها روسيا خلال الأعوام العشرة الماضية تركت أثرا وتغيرات نفسية عميقة لدى ‏الجيل الناشىء الذي يعاني من تبدل القيم والمفاهيم في المجتمع من جهة وحالة من ‏الصدام والتصادم مع أولياء الامور الذين يصرون على التمسك بقناعاتهم القديمة على ‏أساس أنها الاجدى والافضل.

وفوجىء المربون الاجتماعيون بان اغلبية تلاميذ المدارس الروسية الذين شاركوا ‏في دراسة للرأي ميالون لأن يصبحوا رجال أعمال وتجارا وخبراء في المجالات المالية ‏والبنكية والكمبيوتر.

وأعرب بعضهم عن طموحه بان يصبح "قبضاي" وهي الصفة التي يطلقونها في روسيا على ‏رجال العصابات والمافيا الذين جعلتهم السنوات الحالية من علية القوم في روسيا.

ويبدي أولياء الامور الروس استياء عميقا من تراجع الدور الذي كانت المدرسة ‏تلعبه في حياة أطفالهم وأبنائهم كمؤسسة تربوية وتحول هذه المدارس للنهج التجاري ‏في معالجة قضايا التعليم.

ويعتبر معلمو المدارس الروسية من أكثر الشرائح الاجتماعية بؤسا في روسيا ‏الاتحادية ويكاد لا يمر يوم دون مشاركة جزء منهم هنا وهناك في اضطرابات ومظاهرات ‏احتجاجا على الأوضاع المعيشية وقلة الرواتب والمعاشات.

وفي الواقع يبدي أغلبية أولياء الامور أسفهم لالغاء منظومة التعليم السوفيتية ‏التي كانت تضمن للتلاميذ تلقي مستوى مرموق من المعرفة خلال عشر سنوات من الدراسة ‏من جهة وكانت تضع التلميذ ضمن مثلث العائلة - المدرسة - الشرطة الذي لا يمكن ‏التمرد عليه أو الالتفاف حوله من جهة أخرى.‏

وبالرغم من إقرار الدستور الروسي بحق التعليم المجاني للجميع بدون استثناء الا أن النزعة التجارية لدى المؤسسات التعليمية بما في ذلك المدارس ‏ورخاوة الانضباط المدرسي دفع الملايين من أطفال روسيا إلى الشوارع دون رقابة ‏خالقين بذلك مشكلة اجتماعية باتت تؤرق المسؤولين الحائرين في إيجاد حل لها.

وكان من الطبيعي في ظروف تردي مستوى التعليم والانضباط أن يتجه بعض الأباء ‏لإرسال ابناءهم إلى المدارس الخاصة باهظة التكليف التي يزداد عددها كل عام لتكرس ‏مزيد من الفوارق الطبقية بين الروس.

وذكرت المجلة الروسية في عددها الأخير أن عدد المدارس الخاصة في روسيا بلغ في ‏عام 2000 - 607 مدرسة يتلقى التعليم فيها 53 ألف تلميذ من مجموع 20 مليون تلميذ ‏يرتادون سنويا الفصول المدرسية.

والأهم من ذلك فإن موجة المدارس الخاصة أدت إلى تقليص عدد المدارس الحكومية ‏التي بلغ عددها عام ألفين 67 ألف مدرسة مقارنة مع 68500 في عام 1995.

وتشير المراجع التربوية إلى أن سواد مبدأ "التعليم للقادرين" خلال سنوات ‏الإصلاح أدى فعليا إلى إغلاق المدارس في المناطق النائية في سيبيريا والشرق ‏الأقصى وإغلاق مئات المدارس المسائية التي كان يتلقى التعليم فيها كبار السن ‏الطامحون في الحصول على التعليم المتوسط والعالي.

وتشير الدراسات إلى أن الأغلبية العظمى من أولياء الأمور عاجزون عن دفع أقساط ‏أبنائهم في المدارس الخاصة ويطالبون الدولة بالعمل على رفع درجة الكفاءة الهابطة ‏في المدارس الحكومية لكي يحصل أبناؤهم على مستوى كاف من التعليم يؤهلهم للالتحاق ‏بالمعاهد والجامعات التي باتت في السنوات الأخيرة حكرا على أبناء الذوات الذين ‏تلقوا تعليما متميزا في المدارس الخاصة.

وأعربت المطربة الروسية المعروفة ايرينا أوتييفا خلال برنامج تلفزيوني ‏عرضته القناة الثقافية عن سخطها من سياسة التعليم التجاري قائلة إنها قضت عمرها ‏في العمل لدى الدولة مقابل ملاليم وها هي الدولة تريد غسل يدها من واجب تعليم ‏الابناء.

واعترفت أوتييفا بأنها مثل الملايين من المواطنين الروس غير قادرة على تحمل ‏نفقات التعليم الخاص أو التجاري إذا ما جرى إقراره على مستوى البلاد.

وإذا كانت الدولة تحاول بكافة السبل تدبر أمر تمويل التعليم المجاني في ‏المدارس فإن الأوضاع في المعاهد والجامعات خرجت عن نطاق السيطرة حيث يسود الطابع ‏التجاري ليس فقط في عملية قبول الطلبة والتسجيل الجامعي بل وحتى في الأداء ‏التعليمي.

وارتفع بصورة ملحوظة عدد المعاهد والمؤسسات التعليمية التجارية وفتحت أغلبية ‏الجامعات الحكومية بما في ذلك جامعة موسكو العريقة أقساما وكليات للتعليم التجاري ‏في الوقت الذي حافظت فيه على مبادئ التعليم المجاني.

وأوضحت المجلة الروسية سابقة الذكر أن سياسة الإصلاح في نظام التعليم أدت إلى ‏كساد التعليم في المؤسسات المهنية المعروفة باسم المدارس المهنية والصناعية حيث ‏تقلص عدد الدارسين فيها من 5ر2 مليون طالب في عام 1987 إلى 150 ألف طالب في عام ‏2000.

والأكثر من ذلك فإن السياسة التعليمية الجديدة تسمح بطرد الطلاب المتخلفين ‏دراسيا بعد الصف التاسع بينما كانت تقضي المنظومة السوفيتية بضرورة العمل معهم ‏حتى النهاية لكي تبقى آفاق التطور والتغير أمامهم مفتوحة.

وتنصح المراجع التربوية في روسيا السلطات بأن تجد حلا شاملا وعاجلا لمشكلة ‏التعليم والتعامل معها كقضية تربوية سياسية محذرة من أن السياسة الحالية ستؤدي ‏إلى تكريس مبدأ التعليم للقادرين وليس للجميع وتقسيم الناس إلى فئة المتعلمين ‏وفئة الجهلة .(كونا)

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا