ناشطون عند خط النار

كتب ناو شيموياتشي في صحيفة جابان تايمزJapan Times ، 4 حزيران/ يونيو 2002 يقول:

كان اليوم الأول من نيسان/أبريل وكانت أيسا كيوسو وحوالي مائة غيرها من الناشطين من كافة أنحاء العالم يسيرون في مظاهرة نحو مخيم الدهيشة في بيت جالا، شمال بيت لحم، في محاولة لإعاقة هجوم متوقع من قبل الجيش الإسرائيلي.  كانت معنوياتهم عالية، وهم يصفقون وينشدون أناشيد الاحتجاج بينما الدبابات كانت تقترب.  مع اقتراب الدبابة شعرت أيسا بالوجل المشوب بالتفاؤل "لم أكن أتوقع إنهم سيطلقون النار على مجموعة من المتظاهرين غير العنيفين"، تقول ايسا.  ولكنهم فعلوا ذلك.  أطلق جندي إسرائيلي من على الدبابة رشقات من الرصاص عند أقدام المتظاهرين، فأصيب ثمانية منهم بالشظايا.  

وكانت أيسا واحدة منهم، وقد أجريت لها عملية جراحية الشهر الماضي في اليابان لإزالة قطع معدنية من أسفل ساقها اليمنى.  وكانت أيسا كيوسو، وهي طالبة دكتوراة في جامعة براد فورد بإنجلترا قد سافرت إلى بيت لحم تلبية لنداء من حركة التضامن العالمية، وهي تحالف دولي في معظمه أميركي أوروبي، بقيادة فلسطينية، لمنظمات غير حكومية تعمل على منع عمليات الاجتياح الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية عن طريق العمل المباشر اللاعنفي.  وقد قامت الحركة، التي تعمل بتعاون وثيق مع الحماية الدولية للفلسطينيين على مستوى القاعدة، وهي منظمة أخرى بقيادة فلسطينية تضم العديد من المجموعات الدولية، قامت مؤخراً بتنظيم حملة احتجاج جماعية في الضفة الغربية وغزة ضمت حوالي 600 ناشط من العالم أقاموا مع الفلسطينيين في منازلهم وقراهم لتشكيل "دروع بشرية" ولفت أنظار العالم إلى انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية.

وقد استقطبت الحملة، وهي الثالثة من نوعها منذ كانون أول/ديسمبر 2001، أضواء وسائل الإعلام عندما تسللت مجموعة مؤلفة من عشرة ناشطين من حركة التضامن من بين الجنود الإسرائيليين في الثاني من أيار/مايو لإيصال الطعام إلى الفلسطينيين المحاصرين في كنيسة المهد في بيت لحم، وكذلك إقامة مجموعة أخرى من ناشطي الحركة في مجمع الرئاسة في رام الله (مبنى المقاطعة) إلى جانب الرئيس ياسر عرفات ولمدة شهر، الأمر الذي ساهم في إنهاء ذلك الحصار.  وقد شارك حوالي 2500 ناشط من العالم في حركة الاحتجاجات اللاعنفية هذه بقيادة فلسطينية حتى الآن، وهناك خطط لتنفيذ حملة رابعة خلال الشهر الحالي رداً على الغارات الإسرائيلية المستمرة على المدن الفلسطينية. 

وتؤمن كل من حركة التضامن العالمية (ISM) والحركة الدولية الشعبية لحماية للفلسطينيين (GIPP) بنفس فلسفة المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ، بأن العنف ينتج عنه ردة فعل سلبية لأنه يولد القسوة في قلب العدو.  وبدلاً عن ذلك يهدف ناشطوا الحركتين إلى "تحويل الخصم" عن طريق استخدام أساليب أخلاقية وإظهار عدم الخوف عند التهديد بمهاجمتهم.

وقد يكون من الصعب تصور ذلك بسبب تكرار تقارير وسائل الإعلام حول التفجيرات الانتحارية، إلا أن هذا الأسلوب من المقاومة اللاعنفية ليس جديداً على الفلسطينيين، فجذوره عميقة في الأساليب التي تبنتها الانتفاضة الأولى في بدايتها، تلك الثورة الفلسطينية العارمة التي بدأت في كانون أول/ديسمبر 1987 كرد فعل للاحتلال الإسرائيلي المستمر للضفة الغربية وقطاع غزة.

فقد اقتصر استخدام الفلسطينيين للقوة على إلقاء الحجارة، وهو نشاط رمزي للمقاومة بالدرجة الأولى، نتيجة وعيهم بأن الأساليب الهجومية سوف ينتج عنها بطشاً أكثر قسوة من قبل القوات الإسرائيلية المدججة بالسلاح.  إلا انه عندما صعدت إسرائيل إجراءاتها القمعية رداً على الانتفاضة، وقامت بممارسة الاعتقال الجماعي ونسف المنازل والعقوبات الجماعية كإغلاق المناطق، ازداد الإحباط وفقد قادة المقاومة سيطرتهم على الحركة فلجأ الشعب إلى أساليب أكثر هجومية كاستخدام زجاجات المولوتوف الحارقة. وقد عزا الباحث البريطاني انجدرو ريغبي فشل الانتفاضة إلى هذا التصعيد مشيراً إلى ردة الفعل السلبية لهذا النشاط "مقارنة بمجهود حمل الطرف الآخر على تغيير قلبه وعقله.

ومنذ بداية الانتفاضة الثانية في أيلول/سبتمبر 2000، حاول القادة الفلسطينيون الملتزمون بإيجاد حل سلمي للنزاع الدعوة إلى المقاومة اللاعنفية عن طريق تنسيق النشاطات بين نخبة من المنظمات غير الحكومية، والتي أنشئ العديد منها خلال الانتفاضة الأولى لمواجهة الطلب المتزايد على العلاج الطبي أو للقيام بدور بديل للخدمات الاجتماعية التي أصابها الشلل.

كما نشط هؤلاء القادة في البحث عن العون من الخارج، حيث أن سبب فشل الانتفاضة الأولى مرده جزئياً إلى عدم وجود مراقبين دوليين يمكنهم تشكيل تأثير معتدل على الأساليب الهجومية للقوات الإسرائيلية.  وقد تم تأسيس حركة التضامن العالمي (تأسست في كانون أول/ديسمبر 2000) الحركة الدولية الشعبية لحماية للفلسطينيين (تأسست في أيار/مايو 2001) وهما الهيئتين المنسقتين الرئيسيتين، نتيجة لهذه الجهود (أصبحت حركة التضامن العالمية مؤخراً عضواً في حركة الحماية الدولية)

وتؤكد كيوسو على الدور الحيوي الذي تلعبه الأطراف العالمية في تسهيل النشاطات اللاعنفية، مشيرة إلى أنه رغم عدم مشاركة الفلسطينيين عادة في تظاهرات ومسيرات الحركتين فانهم يكونان محاطين عادة بمجموعات من الناشطين الأجانب وذلك بهدف حمايتهم. "لو كان الفلسطينيون في مقدمة التظاهرة لكان من المؤكد أن النار أطلقت على رؤوسهم أو صدورهم"، تضيف كيوسو. 

إن الإعداد لنشاط ما مسألة معقدة للغاية.  فالمتبرعون من الخارج يتلقون يوماً ونصف اليوم من التدريبات قبل توجههم إلى المخيمات.  ويتكون التدريب من تحديث سياسي وأساليب عملية في التفاوض مع الجنود.  وبدون هذا التدريب هناك دائماً خطر أن يثير المتظاهرون الجنود الذين يلجئون إلى العمل الهجومي ويبدءون بإطلاق الرصاص. 

وتقول كيوسو إنها كانت تنوي مع الأعضاء الآخرين من المجموعة رفع أيديهم إلى الأعلى ليثبتوا أن لا نية لديهم لمجابهة الجنود، وأن يقولوا انهم ينوون فقط الذهاب إلى مخيم الدهيشة.  إلا أن إطلاق النار كان قد بدأ ولم يكن لديهم وقت لمباشرة تنفيذ الخطة.

تصادف اليوم الذي بدأت فيه الحملة الثالثة لحركة التضامن العالمي في 29 آذار/مارس مع بداية عملية عسكرية إسرائيلية مكثفة في الضفة الغربية وعملية تفجير انتحارية في القدس الغربية.  وهي أول عملية انتحارية تقوم بها فتاة.   وبعد أن تبين أن الفتاة من سكان مخيم الدهيشة فقد توجس سكان المدينة، ومعظمهم من المسيحيين خيفة من رد إسرائيلي انتقامي.

في الليلة التالية مكثت كيوسو في مخيم لاجئين آخر في بيت لحم لإظهار التضامن مع الفلسطينيين.  "كان أحد الفلسطينيين يرتجف وهو يقدم القهوة والشاي، بينما كان آخرون يقلبون محطات التلفزيون بتوتر ظاهر في محاولة للحصول على أية معلومات (عن العمليات الإسرائيلية) يستطيعون الحصول عليها"،  تتذكر كيوسو.  كانت كيوسو نفسها خائفة، بعد أن تنبهت الى إنها قد تُقتل إذا ما تمت مهاجمة البلدة.  أبقت جميع ممتلكاتها بالقرب منها حتى تتمكن من الهرب إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مع مضيفيها الفلسطينيين لدى إعطاء الإشارة.

وقعت أحداث إطلاق النار يوم الأول من نيسان/أبريل في هذا الجو المتوتر.  بعد أخذها إلى المستشفى عادت كيوسو إلى الفندق، لتستيقظ في تلك الليلة على صوت هدير هائل.  كانت خمس دبابات تدخل مدينة بيت لحم مؤذنة ببداية احتلال المدينة الذي استمر حتى العاشر من أيار/مايو (اجتاح الجيش الإسرائيلي المدينة مرة أخرى يوم 25 أيار/مايو مع غيرها من مدن الضفة الغربية وقراها) 

يعود اهتمام كيوسو بالقضية الفلسطينية إلى فترة الانتفاضة الأولى.  ورغم أن الفلسطينيين كانوا بالنسبة لها أكثر الشعوب اضطهاداً في العالم، وقد تجاهلهم المجتمع الدولي، فقد شعرت إنها قضية وقت ليس إلا قبل أن يحصلوا على حريتهم.  ولكنها شعرت بخطئها عندما رأت الرد الإسرائيلي يتطور ويصبح أكثر حنكة خلال الانتفاضة الثانية.  ورغبة منها في رؤية الوضع بنفسها قامت بزيارة مخيم الأزهار في بيت لحم في كانون الأول عام 2000 لتأخذ صوراً لتري العالم ماذا يحصل في المناطق المحتلة.   وفي طريق عودتها إلى برادفورد قامت بإعطاء محاضرات وتنظيم ورش عمل وعروض لشرائح صور فوتوغرافية.  أما قرارها بالوقوف بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين فقد جاء بعد تفكير وتقييم حريص حول الطريقة الأكثر فاعلية لمساعدة الفلسطينيين.

"لا أعتقد أن اللا عنف هو دائماً التكتيك الصحيح".  تقول كيوسو "ولكن لا خيار لدينا سوى الاستمرار لأنه لا يوجد لدينا أي بديل.

- النص الأصلي باللغة الإنجليزية وقد قامت خدمة Common Ground الإخبارية بترجمته إلى العربية.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا