الشيخ عبد الأمير قبلان: أحداث 11 أيلول أحدثت تحولاً سلبياً في علاقة الغرب بالإسلام

إن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) المنصرم أحدثت تحولاً سلبياً في علاقة الغرب بالإسلام إذ أوجد مفتعلو هذه الأحداث مبرراً للغرب للمضي في محاصرته للإسلام وإلصاق تهم الإرهاب والظلم به، وكما هو معلوم فأن الإسلام بريء من تهمة الإرهاب وممارساته إذ لا يوجد في القاموس السياسي الإسلامي مصطلح إرهاب.

جاء ذلك في لقاء أجرته مجلة المشاهد الأسبوعية في عددها 328 والصادر في 23 – 29 حزيران 2002  مع الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.. نلقي الضوء على بعض مقتطفات من هذا اللقاء..

* ماذا تتوقعون لمستقبل العمل الإسلامي في لبنان؟.

- حقق العمل الإسلامي في لبنان تجليات عدة سواء على مستوى دحر الاحتلال الإسرائيلي عن أرض لبنان أو الدفاع عن وحدته وسيادته، إذ شكلت القوى الإسلامية نواة العمل المقاوم فكان المجاهدون والاستشهاديون صانعي التحرير بفعل تضحياتهم ونضالهم، من هنا فإن هذا العمل الإسلامي شكل أساساً متيناً في تعميق الحس الوطني وبالتالي جسّد أسمى معاني الإيثار في الحفاظ على الوطن وتحرير أرضه.

* هناك من يتخوف من أن تقود المطالب الإسلامية أو الشيعية منها إلى تمزيق وحدة لبنان وهويته؟.

- هذه مخاوف لا مبرر لها وفيها تحامل غير مقبول إذ أن العمل الإسلامي في لبنان يندرج في خانة العمل الوطني الذي يستوعب كل اللبنانيين بمنأى عن توجهاتهم السياسية وانتمائهم الطائفي.

- الإسلام متهم من قبل الغرب بأنه دين دموي، هل يمكن تطبيق الشرع بالتخلي عن الأحكام ذات العلاقة بالحد؟.

- لا أرى وجود أية علاقة بين تطبيق الأحكام الشرعية وبين وصف الإسلام بالدموية، أولاً أن الإسلام متهم بالإرهاب من قبل بعض الدوائر الغربية التي تحاول أن تصنع من الإسلام عدواً لشعوبها فهي تارة تتهمه بالإرهاب وأخرى تلصق به صفة الدموية في تطبيق الأحكام الشرعية.

إن الإسلام دين سماوي تتصل أحكامه الشرعية بأوامر الله عز وجل إذ أن التشريع الإسلامي يستمد تعاليمه من القرآن والوحي الإلهي على لسان رسول الله (ص)، وأي تهاون في تطبيق الأحكام الشرعية يعتبر خروجاً عن الشرع على مستوى العبادات والمعاملات ويدخل صاحبه في دائرة ارتكاب المحرم. أما موضوع إقامة الحد فهو يدخل في إطار تطبيق الأحكام الشرعية المرتبطة بإقامة نظام حكم إسلامي تكون السلطة فيه مبسوطة للحاكم الشرعي العالِم، بأحكام الله سبحانه وتعالى في الأمور الشرعية.

إن تنفيذ الأحكام الشرعية بإقامة الحد يهدف إلى تحقيق العدالة الإلهية في المجتمع، بحيث ينال كل ذي صاحب حقه وينال المذنب عقابه الذي يستحق، وبذلك تتوفر مقومات السلامة العامة للمجتمع ويكون الحكم الشرعي بإقامة الحد عبرة لمن يعتبر.

* هل تخلَّ في الغرب عن القيم والمبادئ، لكن هل تستطيع البشرية العيش بدون قيم؟.

- من دون شك لا يمكن أن تعيش البشرية من دون القيم التي يجب أن تسود في مجتمعاتها وتكون معياراً في تفاعلها فيما بينها. إن الله سبحانه جعل الإنسان خليفة له في الأرض يعمرها بالتقوى والعمران والازدهار والمحبة والتعاون وشاء سبحانه أن يكون الأنبياء والرسل أصحاب قيم إيمانية بعثهم الله رحمة للعالمين بحيث تكون هذه التعاليم الدينية ثوابت ومعايير ينبغي على كل إنسان مدرك أن يلتزم بها ليكفل سعادته في الدنيا والآخرة، إن التخلي عن القيم الإيمانية من قبل الفرد يدخل المجتمع في دائرة العبثية والفوضى فتسود الرذيلة ويعم الفساد في المجتمع بحيث يفقد كل ضوابطه الأخلاقية والإنسانية، ونحن نلاحظ أن تداعيات غياب القيم الإيمانية عن بعض المجتمعات الغربية يؤدي إلى تفشي الجرائم والاغتصاب وأعمال العنف فضلاً عن تعاطي المخدرات والفواحش.

* بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) هل بات الإسلام السياسي محاصراً وفي خطر؟.

- في الواقع إن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) المنصرم أحدثت تحولاً سلبياً في علاقة الغرب بالإسلام إذ أوجد مفتعلو هذه الأحداث مبرراً للغرب للمضي في محاصرته للإسلام وإلصاق تهم الإرهاب والظلم به، وكما هو معلوم فأن الإسلام بريء من تهمة الإرهاب وممارساته إذ لا يوجد في القاموس السياسي الإسلامي مصطلح إرهاب والله سبحانه يقول في كتابه العزيز: (لا إكراه في الدين) (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) فالإسلام دين الانفتاح والحوار والدعوة إلى الله بالحسنى والغرب لا يريد أن يحاور الإسلام، وينفتح عليه بل على العكس هو يريد إيجاد شرخ بين الإسلام وبين المسيحية لمصلحة الصهيونية، لذا نجده يعيق تنفيذ العدالة الدولية في أكثر من موقع يتعرض فيه المسلمون إلى ظلم واضطهاد من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تنحاز إلى إسرائيل وتنفذ مخططات إسرائيل في المنطقة العربية، وهي تعطل تطبيق الفيتو على أي مشروع قرار يدين إسرائيل وينتصر للإسلام والعرب.

* سماحة الإمام، من الذي يصطدم بالآخر القومية أم الإسلام؟ وهل هما قطبان متنافران؟.

- لم يكن الإسلام متنافراً في يوم من الأيام مع القومية، إذ لا يعاب المرء في حب قومه كما قال رسول الله (ص) فالإسلام دين حث على تعميق صلات القربى والمودة بين الأهل والأقارب وأبناء الوطن الواحد على قواعد ومسلمات إيمانية في طليعتها تقوى الله سبحانه وتعالى. ورد الحديث الشريف: (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى) من هنا فإن التقوى تزيل كل الفوارق القومية والإثنية في علاقة البشر لمصلحة الأخوة الإيمانية التي قال الله عنها في الإسلام: (إنما المؤمنون أخوة).

وانطلاقاً من هذه المفاهيم القرآنية حث الإسلام على إيجاد الأمة الوسط التي ترفض التطرف والتعصب وتضبط الانفتاح وتدخل كل العلاقات الإنسانية في دائرة التشريع الديني الذي يتسع لكل أنماط العلاقات الإنسانية، فالإسلام يتعاطى مع القومية وفق الرؤية الدينية التي عبر عنها الإمام زين العابدين (ع) حينما سئل عن حب الرجل لقومه فقال (ع): (ليس من العصبية أن يحب المرء قومه لكن العصبية أن يفضل شرار قومه على خيار قوم آخرين). وانطلاقاً من هذه الرؤية فإن الإسلام يتقاطع مع القومية في كل المواقع والمفاهيم التي يكون فيها مرضاة لله ويتحقق من خلالها ما أراده الله سبحانه لهذه الأمة المباركة بوصفها خير أمة أخرجت للناس تؤمن بالله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا