مساوئ النظرة السطحية إلى ظواهر الأشياء في الحياة الاجتماعية

من محاضرات العلامة السيد جعفر الشيرازي

ضمن سياق المحاضرات الأسبوعية التي تنعقد في بيت الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) في مدينة قم المقدسة، ألقى سماحة السيد جعفر الشيرازي محاضرة توجيهية قيمة ركزت على ضرورة الاهتمام بجوهر الأشياء، وأهمية الاعتقاد ومنزلته في الإسلام الحنيف، وهذا جانب مما جاء في هذه المحاضرة:

غالباً ما ينظر الناس إلى الأشياء نظرة سطحية، ويطلقون الأحكام وفق هذه النظرة، ظاهر الشخص لا يدل على حقيقته، بل إن هذا الظاهر يخفي وراءه الحقيقة، فاذا راجع إنسان ما الطبيب – على سبيل المثال – فإنه يحصل أن ينظر هذا الطبيب إلى ظاهر ذلك الإنسان، ويتوصل من خلاله الى واقع معين، ولكن الطبيب المتخصص الحاذق لا يكتفي بالظواهر، وإنما يعمد الى إجراء تحاليل مختلفة، لكي يشخص حقيقة المرض.

فلا ينبغي أن يقصر الإنسان نظره على ظاهر الأشياء والأشخاص، بل عليه أن يصوب نظره نحو الحقيقة، يقول تبارك وتعالى في القرآن الكريم، بخصوص المشركين، (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) الروم: 7؛ إذن يجب على الإنسان أن ينظر دائماً الى الواقع، دون الاكتفاء بالظاهر، فإذا فعل ذلك، فإن الكثير من تصرفاته وأعماله ستتغير إيجاباً.

يجب أن يحسن كل شخص الظن بالناس بشكل عام، بغض النظر عما إذا كان مظهرهم مناسباً أم غير مناسب..

في معركة الجمل، سأل بعض الأصحاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قائلاً: يا أمير المؤمنين! أنا في حيرة من أمري، إذ أرى في هذا الطرف صهر رسول الله (ص) وخليفة المسلمين، وأنظر إلى الطرف الآخر فأرى صحابة رسول الله (ص) وزوجته، وابن عمه.. فعلى الطرفين أناس ذوو اعتبار ومكانة.. فماذا أصنع؟ فقال له الإمام (ع): لا يجب أن تنظر الى ظاهر الأمر، بل عليك أن تعرف الحق، فإذا عرفت الحق، فستعرف أهله.. ولا يعرف الحق بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.

وفي رواية عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال ما مبناه: إذا ثارت الفتن واضطربت البلاد فلا تسارعوا إليها، بل كونوا حيالها مثل جمل لم يبلغ من القوة بحيث يركب، ولا من العمر بحيث يحلب.

وهكذا، لا ينبغي أن يحصر الإنسان نظره في ظواهر الأشياء، بل يتعداها الى الحقائق، وإن كان الظاهر قد يدل أحياناً على الحقيقة.

وهناك قضية أخرى تتعلق بجانب التعامل مع الناس، فإذا صادفنا شخصاً رديء المظهر، فلا يجب أن ننظر إليه نظرة استصغار او استهزاء، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب..) الحجرات/11.

ولقد جاء في بعض الروايات أن أكثر أهل الجنة هم أفراد، كان الناس يظنون فيهم البلاهة والحقارة، وفيها أيضاً أن أولئك الذين كانوا موضع تحقير الناس واستهزائهم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة يخاطبون أهل جهنم بالقول: كنتم تسخرون منا في الدنيا واليوم نحن نسخر منكم؛ ولذلك تؤكد آيات الذكر الحكيم على حسن الظن بالناس.

نستخلص من هذا البحث المختصر، النتائج التالية:

1- ليس للإنسان بحال أن يعتمد على ظواهر الأشياء، بل عليه أن يصوب فكره ونظره نحو الحقائق.

2- يجب أن يحسن الظن بالناس بشكل عام، بغض النظر عما إذا كان مظهرهم مناسباً أم غير مناسب.

الاعتقاد أهم من العمل:

في الإسلام، العقيدة أهم من العمل، نعم، العمل مهم ولكن الاعتقاد أهم منه؛ فإذا كان المرء غير صحيح العقيدة، فإنه يحرم من الجنة، أما إذا كان صحيح العقيدة، وكان في عمله بعض الخلل، فإنه يمكن أن يحظى بالغفران، أو يعذّب بعض العذاب، ثم يرد الجنة.

إذا صلى الإنسان وصام، لكنه مثلوم العقيدة، بطل صومه وصلاته؛ ذلك لأن العقيدة الصحيحة هي التي تسوق الإنسان نحو الحق.

يقول تبارك وتعالى في محكم التنزيل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..) النساء/48، أي إن غفران سائر الذنوب الأخرى، التي هي دون الشرك، أمر يخضع للمشيئة الإلهية.

فلماذا كل هذا التأكيد في الآيات والروايات على موضوع العقيدة والاعتقاد؟.

والجواب هو أن فكر الإنسان وقلبه  وعقيدته، تسوقه نحو الأعمال الصالحة.

في بعض الدول الغربية وغيرها، ترى الناس أحراراً في فعل المحرمات، ولكن في عين الوقت ترى في نفس تلك الدول أفراداً يتمتعون بإيمان يفوق إيمان نظرائهم الذين يعيشون في البلدان الإسلامية، فأولئك استحكمت العقيدة في نفوسهم أكثر من هؤلاء.

كان العرب قبل الإسلام، من أذلّ الأمم وأوضعها، بيد أنهم حينما تشرفوا بالإسلام، تقدموا على سائر الأمم الأخرى، وأضحوا أهل فكر مستنير وقيم مثلى. والسبب في ذلك هو العقيدة التي تشربت بها نفوسهم، بفعل ودور رسول الله (ص).

والآن – أسفاً – صار المسلمون إلى وضعٍ لا يحسدون عليه، نتيجة ضعف عامل الإيمان في نفوسهم. نعم يمكن أن يؤدي الإنسان المسلم في الظاهر الصلاة والصيام، ويلتزم ببعض المظاهر الإسلامية، ولكنه في واقعه يفتقد لحقيقة الإيمان؛ إذ لو توفرت فيه حقيقة الإيمان لظهرت في عمله من فور.

فعلى سبيل المثال، إذا ذهب أحدهم إلى الطبيب، وبعد الفحص والتدقيق قال له أنت مصاب بمرض السرطان، ويلزمك أن تخضع سريعاً لعملية جراحية، وإلا استفحل المرض وقضى عليك. هنا إذا أيقن المريض بصدق كلام الطبيب، لبادر إلى تهيئة تكاليف العملية الجراحية واستعد لها، حتى وإن كان من أفقر الناس؛ ذلك لأنه حصل له اعتقاد بصحة كلام طبيبه، وبخلافه، فإذا لم يحصل له هذا الاعتقاد، لقعد عن التجهز للعمل الجراحي، من جهة الكلفة، وإن أيد كلام الطبيب في الظاهر.

ممكن أن يدعي الإنسان المسلم في الظاهر، أنه يعتقد بالنبي الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (ع)، ويردد يومياً  شهادة أن محمداً رسول الله، ولكن هل لهذه الأقوال أثر في نفسه ووجوده؟! إذا كان عمل العبد فاسداً، يصبح معلوماً أنه غير صادق فيما يقول ويدعي، أما إذا كان عمله صحيحاً، فهو صادق في قوله، كما أن اعتقاده صحيح.

إذا أنقص شخص في المكيال، في بيعه – والقرآن الكريم يصرح بأن مصير هذا النمط من الناس حفرة من نار في جهنم – فقد كشف عن عدم اعتقاده بالآيات الشريفة الواردة في هذا الشأن، وإن ادعى في الظاهر اعتقاده بالقرآن الكريم.

وإذا لجأ شخص ما إلى الكذب في حديثه مع الناس، فقد علم عدم اعتقاده بالآيات القرآنية الواردة في موضوع الكذب - حوالي 38 آية -.

كما أن قطع صلة الرحم، يعني عدم اعتقاد القلب بالقرآن وبكلام النبي الأكرم (ص) وأهل بيته (ع). ولقد جاء في رواية أن الرحم يتعلق بعرش الرحمن - نظراً لأهميته -  ويدعو الله عز وجل قائلاً: من قطعني اقطعه، ومن وصلني فأوصله إليك يا ربي.

وفي رواية: لا تقل حين ترى طول سجود العبد وركوعه، ما أكثر إيمانه! بل انظر إلى صدقه في الحديث وأمانته.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا