(طوفان الجوع يهدد العالم غداً)

أضواء على مؤتمر القمة العالمي للغذاء

أذاعت منظمة السكان والبيئة التابعة للأمم المتحدة تقريراً عن الزيادة المحتملة لسكان العالم، جاء فيه أن العالم غداً (بعد خمسين سنة) سيصبح عشرة مليارات نسمة مما يجعله مقبلاً على مجاعة رهيبة نتيجة هذا النمو المخيف للسكان الذي سيكون من نتيجته عدم كفاية ما تنتجه الأرض لمن عليها من بشر.

اليوم يعيش على سطح البسيطة حوالي ستة مليارات وفي عام 2050 سيصبحون عشرة، فكيف سيعيشون؟ الإجابة غير مؤكدة لأننا لا نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل بشكل حاسم، ولكن الشيء المؤكد حدوث تغير كبير، يولد 5 مواليد جدد في كل ثانية، وبالتحديد يموت شخصان في كل ثانية في هذا العالم، وبذلك يزداد العالم 3 في كل ثانية، وهو ما يعادل 36000 نسمة في اليوم.

وبناء على ذلك بدأت يوم الاثنين في العاصمة الإيطالية روما، أعمال قمة الغذاء تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وبمشاركة قادة وزعماء 185 دولة، غالبيتهم من الدول النامية، ومن المنتظر أن يشارك في جلسات القمة (كوفي آنان) الأمين العام للأمم المتحدة، و(رومانو برودي) رئيس المفوضية الأوروبية و(خوسيه ماريا أثنار) رئيس وزراء أسبانيا الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، كما تشهد القمة حضوراً عربياً متمثلاً في الوفود المصرية والجزائرية والتونسية والسودانية والخليجية، كما يشارك في هذا الحدث التاريخي نحو أربعة آلاف شخص وعلى رأسهم الرئيس الإيطالي (كارلو أتزيليو تشامبي) بالإضافة إلى مسؤولين في منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية غير الحكومية.

وتأتي القمة لتكثيف الجهود في سبيل تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996 الذي اعتمده ممثلو 185 دولة بالإضافة إلى المجموعة الأوروبية وهو تخفيض عدد الجياع إلى النصف عام 2015 حيث أن وتيرة التقدم المحرز نحو تحقيق ذلك الهدف المنشود كانت بطيئة للغاية حتى الآن.

وقد أشار (جاك ضيوف) مدير الفاو إلى أن أهم أهداف القمة الحالية هو إيجاد السبل لتنفيذ تعهدات الدول الغنية بتوجيه نسبة 7% من دخلها القومي سنوياً بمكافحة ظاهرة الجوع في العالم، وأكد (ضيوف) أن الخطط التي وضعت لاحتواء أزمة الجوع قد منيت بالفشل بسبب انخفاض مستوى المعونات المخصصة لإغراض التنمية وتكريس الدول الكبرى لمواردها في خدمة السباق الدولي للتسلح ومحاربة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر.

وتذكر إحصائيات الفاو أنه في الفترة من 1997 إلى 1999 بلغ عدد من يعانون نقص الأغذية في العالم 815 مليون شخص منهم 777 مليون شخص في الدول النامية و27 مليون في الدول التي تمر بمرحلة تحول، و11 مليون في الدول الصناعية، وتشير منظمة الفاو إلى أنه لبلوغ الهدف من قمة عام 1996 فأنه من الواجب خفض عدد الجياع بمقدار 20 مليون نسمة كل عام وهو ما يزيد كثيراً عن المعدل الراهن البالغ ثمانية ملايين مؤكدة أن الهدف المنشود ما زال ممكناً في حال اتخاذ التدابير لتصحيح الوضع.

ومن المرتقب أن يؤكد زعماء العالم التزامهم واتخاذ تدابير محددة لضمان تحقيق الغايات المنشودة واستعراض التقدم المحرز منذ قمة عام 1996 وتعبئة الإرادة السياسية والموارد اللازمة للمضي قدماً بوتيرة أسرع.

وستقدم منظمة الفاو خلال القمة الوثائق الضرورية للتحديات القائمة أمام تحقيق أهداف قمة 96 لتدارسها من قبل القمة في إطار عدة اجتماعات رفيعة المستوى بما في ذلك اجتماعات لجنة الأمن الغذائي في المنظمة التي تتابع التقدم المحرز على طريق استئصال الجوع.

كما ستدرس القمة نطاق سوء التغذية حيث يعاني جزء من سكان العالم في شكل وآخر من أشكال سؤ التغذية حيث المتعذر على من لا يحصلون على كفايتهم من الطاقة أو المغذيات الهامة لكي يعيشوا حياة موفورة الصحة والنشاط وكذلك ستناقش القمة جودة الأغذية وسلامتها في ضوء قلق الرأي العام من ذلك وإيجاد المواصفات المقبولة دولياً والمستندة إلى أساس علمي لحماية صحة المجتمع مع ضرورة مواكبة تلك المواصفات لأسلوب إنتاج الأغذية ومعالجتها وتحضيرها من الحقل إلى المستهلك ومراقبة التلوث في أي مرحلة من سلسلة الأغذية.

وهنالك أيضاً مشكلة توفير الغذاء للمدن حيث أنه بحلول 2005 سيكون أكثر من نصف العالم مقيمين في المدن وهو ما يخلق صعوبات في التوفيق بين العرض والطلب والنقل والتبريد والبيع في الأسواق مما قد يؤدي إلى خسائر وارتفاع الأسعار.

ويحتاج توفير الغذاء للسكان في المدن إلى خبراء من جميع القطاعات للنقل والزراعة والتغذية والصحة العامة للعمل على توفير الغذاء المأمون وبأسعار معقولة وبنوعية جيدة وسيتم أيضاً عرض مشكلة فيروس (الإيدز) باعتباره متلازم مع الأمن الغذائي، وسبل المعيشة في الريف حيث تشير الإحصاءات إلى أن 95% من المرضى بالإيدز يعيشون في الدول النامية، وقضى الوباء على جهود عشرات السنين من التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخرب المجتمع الريفي.

وتستعرض القمة الفرص الهائلة التي يتيحها الاستخدام المناسب للتكنولوجيا الحيوية لتحسين الأمن الغذائي مثل زراعة الأنسجة والواسمات الجزيئية التي تستخدم بتربية النباتات التقليدية مع الحذر من المخاطر المحتملة للكائنات المحورة وراثياً على صحة الإنسان والبيئة في ضوء سيطرة المصالح التجارية على تطوير التكنولوجيا الحيوية.

وتستعرض القمة أيضاً تحدي إنتاج ما يكفي من غذاء لتلبية احتياجات ملياري فم جديد مع المحافظة في الوقت على قاعدة الموارد الطبيعية وتعزيزها حيث أن مستوى معيشة الأجيال الحالية والمقبلة يعتمد عليها.

وتتوقع استقراءات منظمة الفاو تصاعد استمرار الضغوط على البيئة مع توقع زيادة عدد السكان إلى ثمانية مليارات نسمة بحلول عام 2030 كما يتصدر موضوع المياه والأمن الغذائي جدول أعمال القمة حيث أن وفرة المياه تتباين تبايناً كبيراً بين الأقاليم حتى تكاد تصل إلى حد الندرة الكبيرة في بعض المناطق ورغم ذلك فأن هناك موارد مائية غير مستغلة مع ضرورة الدقة في الري تجنباً للأضرار البيئية التي أصبحت منتشرة بالفعل وتجنب انتشار الأمراض التي تنقلها المياه.

ومن الملاحظ أن المؤتمر استبق انعقاده تظاهرة حاشدة تضم أكثر من 10 آلاف شخص من مناهضي العولمة طافت شوارع العاصمة الإيطالية روما في مسيرة سلمية قبل ساعات من بداية فاعليات قمة الغذاء. وقد طالب منظمو المسيرة الذين ضموا أعضاء أحزاب يسارية وفلاحين بما أسموه السيادة الغذائية بأن يتاح لكل دولة تطبيق السياسات الزراعية الخاصة بها وبما يتفق مع أوضاعها، كما طالب المتظاهرون منظمة الفاو بعدم الإذعان للضغوط التي تمارسها الشركات متعددة الجنسيات والولايات المتحدة لتوجيه سياسات الغذاء والزراعة في العالم بما يتفق مع توجهاتهم كما ناشد المتظاهرون والذين حملوا لافتة كتب عليها (الأرض والكرامة) الفاو بإصدار قرار دولي يمنع استخدام المحاصيل المعدلة وراثياً بعد أن ثبتت فشلها في حل أزمة الفقر في العالم لارتفاع تكلفتها وما تشكله من تهديد لصحة الإنسان على المدى البعيد.

وقال الناشط الفرنسي الشهير (جوزيه بوف) الذي أصبح واحداً من رواد الحركة المناهضة للعولمة لوكالة رويترز (المواد المعدلة وراثياً ليست حلاً للجوع) وأضاف قائلاً (كل ما هنالك أن الشركات العالمية الكبرى تريد السيطرة على كل حقوق البراءات الخاصة بإنتاج البذور، فحقوق براءات الاختراع هذه تمكنها من أن تفرض على المجتمع الزراعي العالمي البذور التي تبيعها) كما هاجم بوفيه حقول تجارب على حاصلات معدلة وراثياً في فرنسا وقال: (هناك حاجة لخطة لوقف المواد المعدلة وراثياً لا بد من وقف جميع أشكال براءات الاختراع المتعلقة بالحياة).

ومضى يقول (إن المواد المعدلة وراثياً لن تفعل شيئاً حيال الجوع.. لن تمكن المزارعين من إنتاج المزيد لأن البذور المعدلة وراثياً باهضة الثمن) وفي الختام قال بوفيه (هنالك حاجة لتغيير قواعد اللعبة، ليس مقبولاً أن يتعرض 840 مليوناً للموت جوعاً).

هذا وأعلن أن دراسات منظمة الفاو حددت الاحتياجات المالية الإضافية اللازمة لتفعيل التوصل لهدف قمة الغذاء بخفض عدد الجياع إلى النصف وتبلغ 24 مليار دولار سنوياً، على أن تخصص الدول الصناعية موارد إضافية تبلغ 16 مليار دولار.

وعليه فقد أكد الإعلان الجديد عن المؤتمر حق كل فرد في الحصول مادياً واقتصادياً على أغذية سليمة ومغذية أتساقاً مع الحق في الغذاء الكافي والحق الأساسي لكل فرد في التحرر من الجوع، وإشارة إلى ضرورة دعم أقل الدول نمواً والبلدان المتضررة من الحروب الأهلية أو النزاعات العنيفة أو تلك المعرضة للكوارث الطبيعية والتصحر مع ملاحظة أن الاحترار العالمي وتغير المناخ قد يكون لهما آثار وخيمة على أمن الناس والأمن الغذائي على الأخص في هذه البلدان وذكر أن الدول التي يمر اقتصادها بمرحلة تحول تواجه صعوبات في تلبية احتياجات أمنها الغذائي أثناء عملية الإصلاحات الموجهة في السوق.

وأعرب الإعلان عن قلقه إزاء الاتجاه الانخفاضي في ميزانيات الدول النامية وجملة المساعدات الإنمائية الرسمية ومحفظة مؤسسات التمويل الدولية المخصصة مباشرة للزراعة والتنمية الريفية، وعبر الإعلان عن القلق العميق من أعباء الديون على الدول النامية وبالأخص الدول الفقيرة المثقلة بالديون والتأثير السلبي لهذه الديون على الموارد اللازمة للأمن الغذائي.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا