مخيمات لاجئين.. أم أقفاص أسر؟

في زمن العولمة التي طالت ولا زالت تطال مختلف أوجه الحياة، وبعد أحداث 11 أيلول، ازدادت حالة الجالية الإسلامية سوءاً، بل وصل الأمر إلى بحث خطط شاملة لمكافحة الهجرة سواء المشروعة أو غير المشروعة، بل تصدت بعض الدول الأوروبية إلى معاملة اللاجئين معاملة عنصرية، تمثلت بأشكال عدة كان آخرها حجر اللاجئين في معتقلات تفتقر إلى المعاملة الإنسانية التي تهين فلم تشفع لهم الحوادث الأسطورية التي عانى منها الباحثون عن سبل النجاة بعد أن استقر غير الناجين منهم في قعر المحيط الباسيفيكي فيما انتهى المطاف بمن ظل حياً منهم في تلك المحاجر.

ولعل مدينة ودميرا الأسترالية تعتبر نموذجاً صارخاً.

ودميرا مصطلح (أبو رجيني) الأصل يعني (رامي الرمح) تلك المدينة التي استخدمها الأميركيون والبريطانيون حقلاً لتجاربهم العسكرية فضلاً عن اتصافها بطقس حار قاري لوقوعها في نطاق خط العرض المتداخل مع خط الاستواء حتى سماها الجيولوجيون بـ hellish  الجهنمية لكثرة الأخاديد والتضاريس الوعرة فيها حتى أن الصحافة الأسترالية قد كتبت مراراً حول هذه المنطقة الوعرة.

وما يزيد الأمر صعوبة هو المزايدة التي تعرض لها المهاجرون حيث تعاطت الحكومة الأسترالية مع أوضاع هؤلاء البائسين بقوة وأدى هذا السلوك إلى موت العشرات منهم في شكل مأساوي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان بل يتنافى مع طبيعة النظم الحضارية والقوانين التي ينطق بها الدستور الأسترالي.

الحكومة الأسترالية برئاسة زعيم المحافظين جون هاورد ووزير الهجرة فيليب راووك، دعوا إلى سياسة متشددة في الحملة الانتخابية ضد قوى المعارضة التي طالبت بإدخال اللاجئين بحسب القوانين الأسترالية في ظل السكون المريب للجالية العربية الكبيرة.

أستراليا خسرت صورتها إعلامياً في العالم كبلد منفتح ومتسامح بسبب هذه المعتقلات الصحراوية التي أطلقت عليها تسمية ثقوب الجحيم، حتى أن الصحافة العالمية قامت بحملة انتقادات قوية ضد الحكومة الأسترالية ففي الأحوال العادية لا يتجاوز عدد المقالات المنشورة في أوروبا وأميركا عن مئة مقال شهرياً، لكن الأعداد ارتفعت حتى تجاوزت 800 مقال يجمعها قاسم مشترك هو انتقاد أستراليا وحكومة رئيس وزرائها جون هوارد بسبب هذا الموقف اللإنساني تجاه لاجئي القوارب.

وبذلك تعد أستراليا واحدة من أكثر دول العالم خرقاً بشأن طلبات اللجوء للذين يصلون إلى أراضيها بطرق غير شرعية.

ولم يكن مركز كورتين الذي يقع في أقصى الشمال الغربي من أستراليا بأفضل حال مما هو في ودميرا، فهي تقع في صحراء شاملة وجرداء ولا أثر لأي تجمع بشري هناك ولا يمكن وصفها إلا بالمنفى الخارجي، فدرجة الحرارة تصل في هذا المركز (كورتين) إلى أكثر من أربعين درجة مئوية في الوقت الذي لا تتوفر فيه الأماكن الكافية لتأوي المقيمين فيه من حرارة الشمس خلال النهار، فضلاً عن افتقار الناس لأي وسيلة يقضون بها أوقات فراغهم أما الليل فلا يمكن لأحد أن يغادر هذه الأكواخ خوفاً من الأفاعي السامة.

الملل واليأس أدى إلى إصابة الكثيرين منهم بأمراض نفسية بل وعقلية أدت بهم إلى الانتحار، وفي إحصائية أوردتها إحدى الصحف أكدت أن عدد المنتحرين في هذه المعتقلات يعادل عشرة أضعاف عدد المنتحرين في جميع أنحاء أستراليا.

ولعل سبب الإضراب الذي قام ويقوم به اللاجئون كل يوم يؤكد هذه الحقائق المريرة، فوكالات الأنباء في سدني أوردت خبراً عن جماعات معنية بحقوق اللاجئين في أستراليا قالت أن عد المضربين عن الطعام قد تجاوز 375 لاجئاً كوسيلة استخدمها هؤلاء التعساء لتحسين ظروفهم والإسراع بالبت بطلباتهم.

وقد تجاوز الأمر مسألة الإضراب بأن قام 45 فرداً بخياطة شفاههم احتجاجاً على هذه المعاملة القاسية، ومما يزيد الأمر خطورة هي وجود أعداد كبيرة من الأطفال الذين فقدوا ذويهم ويعامل هؤلاء أسوة بالباقين من اللاجئين البالغين.

تلك صورة عن حال اللجوء والهجرة في أستراليا ولعلها ستكون في بقية الدول التي تزمع أن تؤسس المعتقلات الخاصة بالمهاجرين في أوروبا للحد من الهجرة واللجوء دون النظر إلى الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الجنوب في العالم وخصوصاً العالم الإسلامي، حيث الفارق الواضح بين حالة المجتمعات في الجنوب وحالتها في الشمال فلا سبيل إلى المقارنة، بالإضافة إلى افتقار الوضع الأمني في بلادهم حيث يسود انتهاك الحريات والكرامة الإنسانية ويتعرض الناس لأشد أنواع القمع والتنكيل وخنق الحريات والتعبير عن الرأي، إلا أن العالم الغربي يساند الكثير من الأنظمة الديكتاتورية ويغض النظر عن تجاوزاتها.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا