العولمة تنتج العبودية.. عبيد ورقيق ابيض واسود على حافة العالم السفلي

مع التطور الحضاري والتقني الذي اجتاح العالم لازالت القيم الاخلاقية والانسانية تعيش اسوء عصورها وانحطاطها. فمع الغاء العبودية والرق في العصر الحديث اخذت دواليب العولمة تنتج اشكالا جديدة من الرق المقنن والمشرع في دساتيرهم. اذ لاتشكل العولمة الا عملية سحق للطبقات الفقيرة تجعلها تتحول الى عبودية يمتلكها اصحاب الرساميل الضخمة. فهل حلت مشكلة العبودية والرق ام انعصر الاسترقاق قد عاد بقوة باشكال جديدة...؟

فقد ذكر تقرير صادر عن إحدى منظمات حقوق الإنسان الدولية أن عدد البشر المستعبدين في العالم ارتفع إلى سبعة وعشرين مليون إنسان.

وقد تزامن إصدار هذا التقرير مع عقد جلسة خاصة بالأمم المتحدة حول العبودية.

وأشار التقرير إلى أن ملايين الفتيات اللاتي يعملن كخادمات في المنازل يجبرن على ما ممارسة ما وصفه "بالعبودية الجنسية".

كما ذكر أن إجبار الأطفال على ركوب الجمال في سباقات الهجن في دولة الإمارات العربية المتحدة، والعمالة بالسخرة في باكستان والسودان.

وذكر التقرير الصادر عن "المنظمة الدولية لمناهضة العبودية" أن العبودية هي نتاج للفقر والضعف وغياب الإرادة السياسية.

وكانت الولايات المتحدة قد صادقت الأسبوع الماضي على تقرير أعدته جماعة دولية، وخلص إلى أن العبودية لا تزال تمارس في السودان.

ودعا التقرير حكومة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى المبادرة بالقيام بحملة ضد العبودية، ولتحرير جميع العبيد.

وقد تعرضت الحكومة السودانية لاتهامات من قبل "المنظمة الدولية لمناهضة العبودية" بعدم التحرك من أجل إنهاء العبودية.

وتشير التقديرات إلى أنه ما بين خمسة آلاف وأربعة عشر ألف إنسان في السودان أجبروا على العمالة بلا أجر منذ عام 1983.

وانتقدت "المنظمة الدولية لمناهضة العبودية" ممارسة العبودية في موريتانيا، مشيرة إلى أنه لم يبذل سوى القليل من الجهد لعتق العبيد ومعاقبة المستعبدين، منذ صدور قانون يحرم العبودية عام 1981.

وذكر التقرير أن أكثر من ألف إنسان أنقذوا من العمالة بالسخرة في البرازيل العام الماضي، لكن أعداداً كبيرة من البشر لا تزال مستعبدة.

وأشار إلى أنه في عدة مناطق بباكستان، وخاصة إقليم السند، يجبر الرجال والنساء والأطفال على العمل لفترات طويلة بلا أجر نظير مبالغ زهيدة تدفع مقدماً.

ويذكر أن الكثيرين ممن يجبرون على العمل بالسخرة في مختلف أرجاء العالم هم من الأطفال.

ويقول النشطاء في مجال مناهضة العبودية إن الملايين من الفتيات اللاتي يعملن كخادمات في المنازل محرومات من التعليم ومن الحريات الأساسية ويتعرضن لسوء المعاملة، كما أن الكثيرات منهن يجبرن على ممارسة الجنس.

ولا يقتصر الأمر على الفتيات، فالفتيان أيضاً يقعون ضحايا للعبودية. إذ يقول التقرير إنه في كل عام يجبر المئات من الصبية من دول جنوب آسيا، الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والعاشرة على ركوب الهجن في السباقات التي تقام في دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الخليج، والتي تعد من الرياضات الخطيرة.

هذا في العالم الثالث اما في العالم الاول فقد كشفت احصائيات لوكالة المخابرات الأمريكية عن ان عدد النساء والاطفال الذين يتم المتاجرة بهم تعدي‏700.000‏ سنويا يذهب‏50.000‏ منهم الي امريكا وحدها‏.‏ ويأتي معظم هؤلاء الضحايا من الدول الشيوعية التي ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه الي مجموعة دول‏، وانتشرت فيها البطالة والفقر مما دفع الكثيرين الي السعي وراء اوهام العمل في اي مكان في العالم بحثا عن مصدر للرزق ثم يفاجأوا بالكارثة الكبري التي تنتظرهم وهي انهم وقعوا فريسة لعصابات تهريب الرقيق‏، تقوم بتسخيرهم للقيام بأعمال حقيرة او في اعمال منافية للأخلاق‏.‏ ويعتقد معظم الناس ان مصطلح تجارة الرقيق الابيض قد اختفي من قاموس السياسة من زمن بعيد‏، لكن الواقع غير ذلك مع الاسف‏، ففي اماكن كثيرة من العالم يعاني سكانها من الفقر الشديد وانعدام سبل الحياة‏، مما يجعلمهم فريسة سهلة لعصابات تهريب الرقيق الابيض التي تستغل ظروف حياتهم الصعبة لتحصد من ورائهم المكاسب الكثيرة‏.‏

وقد جاء في تقرير حديث للأمم المتحدة ان تجارة الانسان اصبحت صناعة تجلب سبعة بلايين دولار وهي بذلك تأتي بعد تجارة المخدرات والسلاح‏، وان كانت المخدرات تباع مرة‏، وتنتهي باستخدامها‏، اما الانسان فإنه يمكن أن يباع اكثر من مرة فالعملية يدخل فيها عدة وسطاء كل يأخذ نصيبه من الصفقة‏.‏ جاء هذا علي لسان كاثرين ماكماهون مؤسسة جمعية التحالف من اجل القضاء علي العبودية والتجارة المشبوهة‏.‏ ومقرها مدينة لوس انجلوس‏، والتي تقدم مساعداتها لضحايا هذه التجارة وتسعي لتخليصهم من براثن هذه العصابات وتعمل علي توفير مأوي آمن لهم وتعتبر كاثرين ماكماهون واحدة من بين الاصوات الكثيرة التي تنادي بمحاربة تجارة الرقيق الابيض‏.‏

فنجد ايضا منظمة الاصوات الحيوية‏، ومقرها واشنطن وهي منظمة اهلية تدافع عن حقوق المرأة وتضم من بين اعضائها شخصيات وقيادات نسائية من كل انحاء العالم ممن عملن في المجال السياسي والدبلوماسي ولهن خبرات واسعة في قضايا المرأة العالمية‏، وتركز هذه المنظمة جهودها علي ثلاثة محاور اساسية وهي‏:‏ تعظيم دور المرأة في المجتمع والسياسة‏، وزيادة نشاط المرأة في مجال الاعمال ومحاربة تجارة الرقيق وغيرها من صور انتهاك حقوق الانسان‏، ويتم ذلك عن طريق تعليم المرأة حتي لا يصبح من السهل سقوطها في أيدي عصابات الرقيق الأبيض ومساعدة الضحايا الذين سقطوا بالفعل حتي لا يعاملوا كمجرمين في الدول الاخري ومطاردة هذه العصابات من منطلق قانوني حتي يمكن القضاء عليها‏.‏

وعن طريق الولايات المتحدة ينتقل الرقيق الابيض الي غيرها من الدول‏، كما يقر المسئولون الحكوميون الامريكيون بوجود الرقيق الابيض في اراضيهم خاصة في ولايات نيويورك وكاليفورنيا وفلوريدا و الذين فروا من الفقر في بلادهم سعيا وراء الحلم الامريكي علي انه طوق النجاة من حياتهم البائسة‏، وغالبا ما يصدمون بكابوس الاستغلال في اعمال منافية للأخلاق‏، تهدر فيها آدميتهم وكرامتهم ولا يجدون في النهاية المقابل المادي الذي يستحق منهم هذه الحياة المهينة‏، وفي نفس الوقت لا يمكنهم الفكاك من هذا الفخ الذي وقعوا فيه وإلا تعرضوا هم واهلهم للتنكيل والتعذيب من قبل هذه العصابات‏.‏

ومن الغريب ان تنشط هذه التجارة المشبوهة بعد‏11‏ سبتمبر بالرغم من زيادة الاجراءات الأمنية من اجل محاربة الارهاب‏.‏ فمع التشديد في اجراءات الهجرة المشروعة تزداد علمليات التهريب غير المشروعة‏.‏ وقدكانت هناك محاولات عديدة من جهات مختلفة معنية بحقوق الانسان ومنع عمليات تهريب الرقيق الابيض‏، ولكنها حتي الآن اثبتت عدم جدواها‏.‏ فبعض الدول لديها قوانين مشددة تمنع تجارة الرقيق وتحاكم القائمين عليها غير ان هناك دولا أخري تعاني فساد المسئولين فيها‏، مما يجعلهم يتغاضون عن هذه التجارة بل والاكثر من ذلك فبدلا من محاسبة مرتكبيها فإنهم يتعاونون مع هذه العصابات ويبتزونها وقد سبق ان اصدرت الولايات المتحدة في العام الماضي تقريرا مفصلا يعرض لهذه المشكلة في العالم وانتقدت فيه عجز ثلاث وعشرين دولة عن محاربة تجارة الرقيق الأبيض‏.‏ وإذا كانت امريكا تدعو الدول الاخري لمحاربة تجارة الرقيق الابيض‏، واصدر الكونجرس منذ عامين قانونا لحماية ضحايا التعسف وتجارة الرقيق ونادي فيه بفرض اشد العقوبات علي هؤلاءالتجار وزيادة برامج التوعية عن هذه التجارة‏، الا ان حكومة بوش تباطأت في تمويل هذه البرامج ولذا تري ليندا سميث مؤسسة جمعية الامل المشترك في فانكوفر وهي عضو سابق بالكونجرس ان عقوبة تهريب المخدرات في معظم دول العالم اكبر بكثير من عقوبة تهريب البني آدم نفسه‏.‏

وقد سمحت امريكا أخيرا لضحايا تجارة الرقيق الابيض بالحصول علي تأشيرة خاصة تمنحهم حق الهجرة المشروعة والاقامة الدائمة فيها‏، في مقابل ان يقوموا بالتعاون مع السلطات الامريكية للإرشاد عن هؤلاء التجار وان كان هذا الامر صعب التنفيذ نظرا لتخوف الضحايا من رد فعل هؤلاء التجار ضدهم مما يهدد حياتهم وحياة اهليهم بالخطر‏.‏

ومازالت الجهود المبذولة في هذا الموضوع قليلة ولن يتحسن الحال الا بزيادة الوعي بمدي خطورة هذه المشكلة‏.‏ ومن تلك الجهود دعوة منظمة الأمم المتحدة الدول المشاركة فيها الي توثيق بروتوكول في نهاية هذا العام يحرم ويعاقب تجارة الرقيق الابيض خاصة بين النساء والاطفال ويعمل علي مساعدة وحماية ضحاياه‏.‏

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا