مشدداً على ضرورة تصحيح الأوضاع الثقافية في بلاده

محسن كديور: لا وجود لخطوط حمراء على حرية الفكر والتعبير عن الرأي في الإسلام

طهران / النبأ: في مقابلة أجرتها معه شبكة أخبار (إيسنا) للطلبة الجامعيين في إيران، قال الدكتور محسن كديور: الخط الأحمر الوحيد لحرية إبداء الرأي، هو أن يبادر صاحب الرأي إلى إشهار السلاح، وما عدا ذلك لا يوجد شيء اسمه خطوط حمراء، في ظل النظام الإسلامي، كما أنه لم تفد الروايات الواردة عن الرسول الأكرم (ص)، والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، وأئمة أهل البيت (ع)، ما يدل على وجود حدود معينة، أو ما نصطلح عليه بالخطوط الحمراء، على صعيد حرية الفكر والتعبير عن الرأي.

وأضاف الدكتور كديور، الأستاذ المحاضر في جامعة (تربيت مدرس)، ورئيس لجنة الدفاع عن حرية الصحافة في إيران:

خلال السنوات الست الأخيرة، وإثر انبثاق حركة الإصلاحات المعاصرة، شهدنا اتخاذ بضعة خطوات صوب حرية الرأي، ونتوقع أن تحظى هذه الخطوات بقدر أكبر من الوضوح والشفافية، ولكننا ما زلنا على فاصلة كبيرة جداً، عن الحد المطلوب والمبين في القانون الأساسي، وفاصلة أبعد عما كانت حكومة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، والحكومة  التي أرسى دعائمها الرسول الأكرم (ص)، في هذا المضمار.

وعبر الدكتور كديور عن اعتقاده بأن: حركة الإصلاحات الجارية حالياً في إيران، لم تستطع حتى الآن أن تسلك المسلك المطلوب والذي يتمحور حول شعارها المركزي (حرية الرأي والتعبير) الذي هو بحق القلب النابض للتنمية السياسية والديمقراطية، وقوامها، كما هو واضح.

وشدد رئيس لجنة الدفاع عن حرية الصحافة في إيران على القول: نستطيع أن نتحدث عن حرية الرأي، حيث تخلو سجون البلد من سجناء الرأي السياسي، والعقيدة، والإعلام والصحافة.. أو إذا ما جرى اعتقال شخص بتهمة سياسية، أو مزاولة عمل صحفي معارض، فإنه يلزم أن يجري التعامل معه بهذا العنوان، أي سجين سياسي، وأن يعرّف بهذه الصفة في جميع الأحوال، ولو أردنا أن نجيب على هذا السؤال: هل هناك وجود لحرية الرأي في إيران أم لا؟ فإنه يلزمنا أن نلقي نظرة على السجون وطبيعة المسجونين في بلادنا.

وذكّر الدكتور كديور بأن حرية الرأي واليبان ليست مطلباً جديداً منحصراً بفترة الإصلاحات الجديدة في إيران، وإنما هي مطلب قديم للشعب الإيراني يعود عهده إلى مرحلة حركة النهضة الدستورية (مشروطة).. مشيراً بهذا الصدد إلى العلامة الميرزا النائيني الذي يعد أحد أعمدة النهضة الدستورية، قائلاً: أتمنى لو كان العلامة النائيني حاضراً بيننا، ليرى أننا ما زلنا على منعرج ضيق باتجاه (كلمة الحرية الطيبة)، وحتى نصل إلى هدفنا، ينبغي علينا أن نخطو خطوات كثيرة جداً، ورغم المساعي والمحاولات التي قامت بها النخبة وأصحاب الفكر المتنور، خلال القرن الأخير من تاريخ إيران على هذا الصعيد، إلا انه ما زال أمامنا الكثير الكثير من الموانع.

وأوضح بالقول: إن مفكرينا لا يتمتعون بالحرية الكافية لبيان نتائج أبحاثهم، وهم ليسوا مطمئنين، فيما لو أعلنوا عن توجهاتهم الفكرية، ونتاجاتهم الثقافية، على بقائهم في منأى من الخطر؛ لأنه سيصار إلى التعامل معهم بالحراب السياسية والأمنية، بمنتهى السهولة والبساطة!!.

وأظهر أستاذ جامعة (تربيت مقدس) أن إحدى علائم حرية الرأي، هي أن يتمكن أولئك المخالفون بطبعهم للحكومة، من التعبير عن استدلالاتهم وآرائهم العلمية، وأن لا يساقون إلى المراكز الأمنية، أو يجري الضغط عليهم بطرق أخرى، لمجرد امتلاكهم لرأي مخالف لسياسات الحكومة.

ويعتقد الدكتور كديور أنه يمكن الشروع بحوار الحضارات عبر إجراء الاتصالات والحوارات مع المفكرين الذين يمثلون مختلف المذاهب والتوجهات الحضارية والفكرية في العالم، على أن نؤمن بأن بوش، ورئيس وزراء انكلترا، ورئيس جمهورية فرنسا.. الخ، ليسوا هم وحدهم الذين يمثلون الغرب، بل هناك وجه آخر للغرب متمثل بالفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرهم..

وفي معرض إشارته إلى قول المرحوم عبد الهادي الحائري بأن الغرب يمتلك وجهين؛ وجه متمثل بالاستعمار، ووجه آخر متمثل بالعلم، أضاف الدكتور كديور: يجب أن تكون لدينا معرفة تفصيلية بكل وجهي الغرب، لكي لا ننخدع بالوجه الاستعماري له، وفي نفس الوقت نستطيع أن نتعامل ببصيرة منفتحة مع وجهه الآخر الذي قوامه العلم والمعارف، وفي هذه الصورة فقط يمكن أن نأخذ من الغرب ما يتناسب مع ثقافتنا بعد تشذيبه وتهذيبه.

وأكد قائلاً: ليس من المنطقي أن نجعل حدوداً جغرافية للعلم؛ ذلك لأن جميع الناس ينشدّون للعلم، وبناءً على هذا فإن المهم فقط هو المادة العلمية التي يعرضها العلماء. وفي هذا الإطار فإن قدوم المفكرين الأجانب من الطراز المتقدم إلى إيران، يمكن أن يعد نافذة مهمة لزيادة اطلاع الجامعيين وأصحاب الفكر المتنور وطبقة النخبة في بلادنا، حول ثقافة الغرب وتوجهاته ومذاهبه الفكرية والفلسفية، الأمر الذي لم يحظ - وللأسف - بالاهتمام الكافي من قبلنا، لا سيما في القرن الأخير.

لأجل أن نعيش عالمنا اليوم - والكلام للدكتور كديور - ليس أمامنا من حل سوى النزول إلى مضمار التبادل العلمي والثقافي مع هذا العالم، وإلا فإن استمرار مقاطعة المجامع العلمية العالمية، ستؤدي إلى حرماننا من التقاط أنفاسنا في عالمنا المتجدد، ثم نحن نستطيع، عبر مشاركتنا في الحوارات الثقافية والعلمية التي تجري على سطح العالم، أن ندافع عن ثقافتنا وحضارتنا، بشكل معقول ومتناسب مع مقتضيات العصر.

وفي سياق تذكيره بما سمعه من الفيلسوف الغربي (هابرماس) وهو قوله: (ما عرفته عن إيران أفضل مما سمعته عنها) قال كديور:

ما يعرفه العالم أو يشيعه عنا هو ذو وجهة سياسية فحسب، ولذلك فإنه قلما تبرز الأمور الواقعية لمجتمعنا هناك، وعليه فإن تنظيم وعقد اللقاءات مع مفكري البلدان الأخرى، هو في مصلحة الطرفين، لأن الآخرين الذين يريدون معرفة إيران، سيسألون من هؤلاء الزائرين لبلدنا.

وقال موضحاً تعطش الجامعيين الإيرانيين لمعرفة وجهات نظر المفكرين المعاصرين: على مسؤولي المؤسسات والمراكز الثقافية أن يظهروا عناية كافية بمغزى الاحتفاء الواسع الذي حظيت به محاضرة (هابرماس) التي ألقاها في جامعة طهران حيث قدم الأساتذة والطلبة الجامعيون بشوق لمعرفة آخر مستجدات الثقافة الغربية الجديدة والاستماع مباشرة إلى من يمثلها خير تمثيل، وإنه ليبعث على الأسف أن لا يتمتع مفكرونا ومثقفونا بما يتمتع به مفكروا الغرب من ميزات وإمكانات أمنية ومادية، مضيفاً: إن الأرقام التي تثير فينا اللوعة على هجرة العقول الإيرانية المتخصصة إلى الغرب، لهي دليل على عجزنا عن توفير الحد الأدنى من الأمن الثقافي في مجال البحث العلمي والنشاط الفكري العام.

إلى ذلك، أظهر السيد كديور اعتقاده بأن الشرط الأساسي للنمو الثقافي هو الحرية، والحرية تعني أن المخالفين للحكومة يستطيعون التعبير عن آرائهم، ويعيشون أحراراً، دون أن يحرموا من حقوقهم الاجتماعية وامتيازاتهم الأخرى. وقدوم المفكرين والفلاسفة من البلدان الأخرى إلى إيران يعني، من جملة ما يعني، أن أفضل طريق لدعم نمو الثقافة الدينية، هو توفير المناخات اللازمة للتفكير الحر، وهو ما نحتاجه في ظروفنا الحالية أكثر من أي شيء آخر..

وفي معرض بيانه لوجهة نظره ومفهومه الخاص عن حرية الفكر، قال:

المراد من حرية الفكر، حرية الانتقاد؛ وهو ما يعني أن الحرية لا تعرف خطوطاً حمراء، لذا يجب العمل على إيجاد أجواء تستطيع من خلالها الأفكار القوية، من طريق النقد والتحليل الموضوعي، أن تدحض الأفكار الضعيفة الميتة وتزيلها من الساحة، ولا نستطيع تحقيق ذلك عن طريق قنوات الحوار وحسب.

وبخصوص حملة الانتقادات الأخيرة التي شنتها الصحف المحافظة على مسألة قدوم المفكرين الأجانب إلى إيران، قال:

إن سبب عدم ارتياح الصحف التي تمثل تيار أصحاب النفوذ، والأقلية الحاكمة، في الدولة من الزيارات التي يقوم بها المفكرون الأجانب إلى بلادنا، واضح تماماً، وهو أنه عندما يبدأ البحث والنقاش الحقيقي المثمر مع هؤلاء، تبدأ الأفكار الضعيفة، لا سيما ذلك الفكر البالوني الفارغ، بالانحسار والانكسار؛ لذا فمن الطبيعي أن يشعر أصحاب الأفكار العديمة القيمة، بالقلق من قدوم المفكرين المتنورين الأجانب إلى إيران؛ والذين سيقومون حتماً بعرض أفكارهم ونظرياتهم.

وأردف كديور يقول: إذا صار البناء أن نقاطع جميع المفكرين، لمجرد اختلافهم معنا، فإنه يلزم أن نحيط إيران بجدار مثل جدار الصين، وأن نعيش داخل حدودنا حياة المستنقعات الخالية من أي تبادل ثقافي وفكري، على حين أن حرية الفكر المطلوبة تعني المواجهة الحية، بالنقد والتحليل والفحص، مع الأفكار والنظريات كائناً ما كانت.

وفي الختام صرح رئيس لجنة الدفاع عن حرية الصحافة في إيران، الدكتور محسن كديور، بالقول: إن العلم حقل خاص ومستقل تماماً عن السياسة، ولا تعارض بينهما البتة، ويجب أن نفصل بين العلم ومسائله، والسياسة وشؤونها؛ فمثلاً إذا وجد عالم له نظرية خاصة في حقل الرياضيات، فهذا لا يعني في أي حال أنه صاحب موقف ذي بال في السياسية، في مجال السياسة يتم الرجوع إلى السياسييين، وما الاستقبال والاحتفاء الذي لقيه (هابرماس) في إيران إلا لامتلاكه قدرات ومواهب عقلية في الفلسفة وعلوم الاجتماع والسياسة، دون أن يعتنى بمواقفه السياسية الشخصية.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا