العنف الكوني.. وتحولات الارهاب العالمي الجديد

الكتاب: فرط الإرهاب .. الحرب الباردة

الكاتب: فرانسوا هايزبور ومؤسسة البحث الاستراتيجي

الناشر: وديل جاكوب/ باريس - ط1/2001م

منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات، تبنت الأمم المتحدة عدة قرارات تناولت فيها الإرهاب الدولي، وتركزت أساساً في أعمال الاستيلاء على الطائرات، وتحويل مسارها، وتهديد ركابها، التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ودعت الدول والمنظمات الدولية المعنية إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحة الأعمال الإرهابية ومعاقبة مرتكبيها.

وكان أول قرار صدر بهذا المضمون هو قرار الجمعية العامة رقم 2551 للدورة 24.

ومنذ عام 1972م كثفت الأمم المتحدة حملتها ضد الإرهاب الدولي، ودخلت مرحلة جديدة أكثر عمقاً تتميز بالشمول والاتساع، وذلك من خلال تناول الإرهاب بمختلف صوره وأشكاله، وتلمس الظروف والأسباب التي تؤدي إليه وبواعث مرتكبيه في محاولة للتوصل إلى تعريف محدد للعمل الإرهابي والاتفاق على وسائل التعاون الدولي لمكافحته. وصدرت عدة قرارات طيلة العقود الماضية منها:

القرار 102 الدورة 31 الصادر سنة 1976م.

القرار 145 الدورة 43 الصادر في 1979م.

القرار 159 الدورة 42 الصادر في 1987م.

القرار 51 الدورة 46 الصادر في 1991م.

ورغم الجهود المبذولة إلا أنها كلها لم تثمر عن إيجاد تعريف محدد للإرهاب الدولي، فبالإضافة إلى الاختلاف في وجهات النظر بين الدول، هناك صعوبات أخرى تتمثل في تعدد البواعث والدوافع لارتكاب تلك الجريمة وتنوع صور وأشكال الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى اختلاف نظرة القانون الدولي الجنائي لظاهرة الإرهاب، عن نظرة القوانين الجنائية المحلية للدول المختلفة.

وقد أصبح هذا العجز مستمراً حتى بعد أحداث 11 أيلول التي أفرزت وجهاً جديداً للإرهاب لم يكن موجوداً من قبل.

ينطلق مؤلفو هذا الكتاب من التأسيس لمصطلحهم الجديد (فرط الإرهاب) فيقولون عنه:

إن ما يمكن أن نسميه (فرط الإرهاب) هو الانقلاب الأكثر وضوحاً، متمثلاً في التدمير الشامل الذي أصبح ممكناً بالنفاذ إلى التكنولوجيات المعاصرة، والطبيعة الرهيبة لمنظمي الانفجارات. ومثاله الإرهاب الذي ظهر في 11 سبتمبر..

وفرط الإرهاب الذي يتحدث عنه الكتاب يعد (وثيقة نوعية) في الإرهاب الدولي. والقطيعة التي أحدثها مع (الإرهاب التقليدي) تكمن في طريقة التنفيذ التي تتأسس على نزعة (ميتازفيقية) -كما يقول المؤلفون- لا تنتمي إلى عالم البشر الذي نعيش فيه، بل إلى عالم يتمحور حول الجنة والنار ويفتقر لأي محدد سياسي بإمكانه وضع سقف لعمل هذه التنظيمات.

وحسب المؤلفين فإن (الثلاثاء الأسود) جاء في الوقت الذي بدأ فيه العالم الخروج من مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ويرى المؤلفون أن هناك تزامناً بين هجوم 11 سبتمبر وهذا التطور الأساسي، وهذا التزامن له تداعيات عميقة على النظام العالمي..

لفهم هذه الانعكاسات يذكر الكتاب بعض المعطيات العالمية وتطوراتها عشية هجمات 11 سبتمبر من خلال رصد الانحراف الأحادي الجانب في السياسة الأمريكية، الذي دشنه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينون، وأكده الرئيس الحالي بوش..

من مظاهر هذا الانحراف الأحادي الجانب:

1- المواقف الأمريكية في البوسنة بين سنة 1992م و1995م.

2- القوانين الأمريكية التي تعاقب الشركات الأجنبية التي تستثمر في الدول (المارقة).

3- رفض واشنطن التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

4- انسحاب الولايات المتحدة من بروتوكول كيوتو لحماية البيئة.

5- رفضها توقيع بروتوكول مراقبة معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية.

6- رفضها الدخول في مفاوضات حول تهريب الأسلحة من العيار الصغير.

7- إعلانها نية عدم المصادقة على اتفاقية إنشاء محكمة الجزاء الدولية.

ويرى الكتاب أن العنف السياسي في الشرق الأدنى والأوسط يتغذى من الدورة الجهنمية (اضطهاد - عنف - اضطهاد) حيث أن العنف الأكثر وحشية هو في أغلب الأحيان الوسيلة الوحيدة الممكن تصورها من طرف الدولة للتحاور مع المعارضين.

ولفهم العوامل التي تقود إلى العنف، يعمد الكتاب إلى دراسة:

1- مكانة الفرد في هذه المجتمعات والتي هي مهمشة في ظل سيطرة الجماعة.

2- انعدام الحريات.

3- ضيق مجال التعبير الحر وانعدامه في بعض الأحيان.

4- البدايات الديمقراطية التي ما زالت مقيدة.

5- غياب هامش المعارضة السياسية.

ويرى مؤلفو الكتاب أن من ملامح الإرهاب الجديد هو أن (المجموعات) الإرهابية) في السابق كانت تتبع أهدافاً وطنية محددة، وذات قاعدة نضالية واضحة المعالم. لكن اليوم مع تنظيم ابن لادن، ابتعدت المجموعات الإرهابية عن أهداف وطنية محددة جغرافياً؛ الإرهابيون الجدد تبنوا عنفاً كونياً، ويرفضون العالم الغربي. وتعد انفجارات نيويورك وواشنطن بداية لإرهاب جديد قطع كل حوار مع الغرب، ويرغب في تدمير رموزه، وبدون شك كذلك تدمير سكانه، على حد تعبير الكتاب.

ويرى المؤلفون أن هذا النوع من الإرهاب أدى إلى تمزيق الحدود المفهومية بين مصطلحي الإرهاب والحرب؛ إذ إن التغيير الأساسي الأول هو أن الولايات المتحدة استهدفت من الداخل ليس من قبل الدولة وإنما من قبل تنظيم غامض الملامح.

فلأول مرة في التاريخ تتمكن منظمة غير دولية (نسبة إلى الدولة) من أن تتبوأ مكانة من نفس مستوى التدمير الذي تتمتع به دولة ذات سيادة. وهذه النقلة النوعية تجعل قضايا الصراع والتهديد تطرح بطريقة غير معهودة.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا