بمناسبة حلول ذكرى عاشوراء

آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي يستقبل الوفود العلمائية والجماهيرية المعزية باستشهاد أبي الأحرار (ع)

بمناسبة حلول شهر محرم الحرام، توالت وفود العلماء والمؤمنين المعزّين باستشهاد سبط الرسول الأكرم (ص) الإمام أبي عبد الله الحسين، على مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله الوارف)، في مدينة قم المقدسة.

ففي اليوم الأول من شهر محرم استقبل سماحة السيد المرجع جموعا غفيرة من الجماهير المؤمنة، والسادة العلماء وفضلاء الحوزة العلمية، وكان من بينهم آية الله العظمى السيد الفاطمي الأبهري.. حيث عقد مجلس عزاء حاشد، تناول خلاله عدد من خطباء المنبر الحسيني المعروفين في إيران، الأبعاد المختلفة لواقعة كربلاء، والانعطافة العظيمة التي أحدثتها في التاريخ الإسلامي، من سائر الجهات.

إلى ذلك، استقبل سماحته وفد من السادة العلماء والخطباء القادمين من محافظة أصفهان لزيارة المرقد الشريف للسيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (ع) في قم، حيث ألقى فيهم كلمة قيّمة حول الذكرى الأليمة، جاء فيها:

إن الإمام الحسين (ع) عَبرةٌ وعِبرةٌ، أما العَبرة، فهي الدمعة؛ إذ قال(ع): (أنا قتيل العَبرة).

وأما العِبرة فهي الأسوة والقدوة، حيث نقرأ في الزيارة: (وإنك عِبرةٌ لأولي الألباب).

وقال سماحة المرجع: إن ذكر الإمام أبي عبد الله الحسين، قد ورد، فيما نعلم، على لسان نبي الله آدم (ع)، وذلك حين جاء إليه جبرئيل (ع) وعرض عليه أسماء الخمسة المطهّرين (ع)، فقال له آدم (ع) شاكياً: ِلمَ أحسُّ بالفرح حين تذكر لي أسماء الأربعة، ولكن ما أن تأتي على ذكر الخامس تجري دموعي وتثور زفرتي؟!.

وهذه العبارة (تثور زفرتي) تقال للشخص الذي يبكي كثيراً بحيث يصل إلى مرحلة الشهيق والزفير.. والشهيق: النفس الذي يجذبه الإنسان بصعوبة وصوت.. والزفير: النفس الذي يخرجه الإنسان من رئتيه بصعوبة وصوت أيضاً.. والعبارة التي جاءت في الرواية، هي بالنص: (تثور زفرتي)؛ فالثورة هي الهيجان، أي هيجان العاطفة.

وأضاف سماحته: ومن ألقاب سيد الشهداء (ع) الثائر.. إلى غير ذلك من التعابير والصفات الكثيرة حول الإمام الحسين(ع) والتي بلغت المئات، مما لم يذكر لغيره من الأئمة المعصومين(ع)؛ فيا حبذا لو اضطلع العلماء والمحققون بدورهم المطلوب لاستشفاف خصال وخصائص الإمام (ع)، من الموسوعات والمصادر التاريخية الصحيحة، والنظر إليها بعين الدقة والتدبر؛ وعند ذاك سنجد أن الخصائص الحسينية سترتفع إلى أضعاف ما هو جارٍ الآن على الألسن.

إذن قصة الواقعة المفجعة ابتدأت منذ عهد آدم (ع)، وتوالى ذكرها على لسان جميع الأنبياء (ع)، كنوح وإبراهيم (ع)..، وقد أثبتت الروايات الصحيحة أنهم مروا جميعاً بعرصات كربلاء، كل نبي بظاهرة خاصة، وتجسمت لهم صور الفاجعة هناك، وكادت نفوسهم تذوب حزناً وحسرةً على مقتل ريحانة النبي الخاتم (ص)، وأهل بيته، والثلة المؤمنة من أنصاره.. بل هنالك قضايا خارقة للعادة - والكلام لا يزال لسماحة السيد المرجع - وهي خلاف القضايا التكوينية، قد حصلت لأبي الأحرار (ع) ولم تحصل لأحد غيره.

وأردف سماحة السيد صادق الشيرازي يقول:

في الروايات عبارة (أقرح جفوننا).. وعن الإمام الحجة (عج): (ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً)؛ مما يعني أن المآقي تجفّ فتذرف دماً.

هذه من جملة خصائص الإمام (ع)، علماً أن المتداول منها بيننا كثير، لكن التي لم تصلنا أكثر بكثير مما في أيدينا؛ إذ أحرق أو أضيع أو أتلف الكثير من الكتب الفريدة، في مقاطع تاريخية معروفة؛ بفعل سياسات الحكام الجائرين، والتعتيم الإعلامي الكثيف الذي مورس في عهودهم على شيعة أهل البيت(ع)، وبالذات على تفاصيل وأسرار كثيرة متعلقة بالنهضة الحسينية..

ثم تطرق السيد المرجع خلال حديثه إلى أهداف الثورة الحسينية، مستشهداً بحديث للإمام الصادق (ع)، جاء فيه: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة)..

وأكد سماحته القول: إن الله أراد للحسين (ع) وضعا خاصاً من أول الخلق إلى منتهاه، لأجل أن يكون الحسين (ع) مناراً يهدي الله به الكفار والمنحرفين، وينقذهم من كفرهم وانحرافهم.

وختم سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) حديثه بالقول:

فواجبنا أن نوصل صوت الحسين (ع) إلى العالم؛ إذ إن عبارة (ليستنقذ) هي في حد الاقتضاء، كما يعبر الفقهاء والأصوليون، فالواجب أن نوصلها إلى مرحلة الفعلية.. فلنحاول أن نقيم الدين، كما قال تعالى: ] وأقيموا الدين[ ، عبر سيد الشهداء (ع)، عبر العِبرة والعَبرة.

وعلى صعيد متصل، استقبل سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي وفداً كبيراً من المؤمنات اللاتي قدمن من محافظة يزد الإيرانية، إلى مدينة قم المقدسة، لزيارة مرقد السيدة فاطمة المعصومة (ع)، وقد ألقى سماحته كلمة بالمناسبة خلال هذا الاستقبال، ومن ضمن ما قاله:

كان الهدف من ثورة الإمام الحسين (ع) إحياء الدين الذي سعى حكّام بني أمية، تحت غطاء الإسلام، إلى طمس معالمه ومحو آثاره؛ أي إن ما بناه الرسول الأكرم (ص) والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وفاطمة الزهراء والإمام الحسن بن علي (ع)، كاد يذهب هباءً، لولا الهزة العنيفة التي أحدثتها الثورة الحسينية في عموم أرجاء المجتمع الإسلامي.

وقال: والواجب الملقى على عواتقنا أن نسعى جاهدين في سبيل تحقيق هدف الإمام الحسين (ع).. وكل هذه المجالس ومراسيم العزاء الحسيني، بمثابة مقدمات تفضي إلى تحقق الهدف الأصلي لسيد الشهداء(ع).

ولقد كان الحسين (ع) عالماً بكل ما سيجري عليه، حتى أنه أخبر البعض بذلك، وحين سئل عن سبب خروجه إلى كربلاء، قال: (فبم يمتحن هذا الخلق). نعم إن شهادة الإمام الحسين (ع) امتحان واختبار مستمران للمؤمنين، وفي شهر محرم من كل عام، تقام مراسم العزاء، بغية تنبيه وتذكير من قد ينحرف عن مسيرة الحسين (ع).

والذي أريد أن أقوله للأخوات المؤمنات أن الشيء الذي بذل لأجله الحسين (ع) دم قلبه، هو القرآن؛ حتى يضع الناس القرآن نصب أعينهم، ويحترمونه ويجلّونه ويتعلّمونه ويعلّمونه..

وأضاف سماحة السيد المرجع:

من الضروري أن نهتم بتعلم الدين وتعليم أحكامه في هذا الشهر، حتى ينال الإنسان المؤمن الحظوة عند الإمام الحسين(ع).

وأكد سماحته على بعض النقاط بالنسبة للنساء، كما يلي:

1- التزام صلاة الجماعة؛ أي إن الأخوات المؤمنات يسعين لإقامة صلاة جماعة نسوية ويواظبن عليها؛ فإن الرسول الأكرم (ص)، مع أنه كان يؤم صلاة الجماعة في المدينة، وتشترك النسوة في هذه الصلاة، خلف الرجال، إلا إنه (ص) عيّن إحدى النساء لتؤم الصلاة بهن جماعة، وخصّص لهن مؤذنا يؤذن لصلاة الجماعة للنساء بصورة مستقلة، كما ورد ذلك في كتاب الصلاة للهمداني.

2- من الضروري أن نضع برنامج عمل يومي لأنفسنا، ونخصص ولو مقدار خمس دقائق نحاسب فيها أنفسنا، ونرى كم من العمل الحسن فعلنا في يومنا، ونزيده، وكم من العمل السيء فعلنا، ونحاول أن لا نكرره؛ إذ ورد في الحديث الشريف: (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم).

وفي ختام كلمته، اخذ سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي يجيب على أسئلة الأخوات المؤمنات..

كما استقبل السيد المرجع وفداً ضمّ طالبات حوزة (مكتب فاطمة) من محافظة أصفهان الإيرانية، حيث ألقى سماحته كلمة توجيهية قيّمة أكّد خلالها على ضرورة عدم التواني في إقامة الشعائر المرتبطة بذكرى عاشوراء الحسين (ع)، وتجنب قولة (لا) في أية قضية أو موضوع متعلق بسيد الشهداء(ع)، قائلاً:

إن قضية الحسين (ع) تختلف عن كل القضايا الأخرى، فهي قضية خطرة وحساسة جداً، وإن الله سبحانه وتعالى سيجازي كل من يتهاون في قضايا أبي عبد الله (ع)، في الدنيا، وله في الآخرة عذاب عظيم.

هذا، ثم ركّز سماحة السيد المرجع بحثه حول موضوع التعليم والتعلم، ومن جملة ما قاله في هذا الصدد، ما يلي:

في الآية القرآنية المباركة ] وأقيموا الدين[ وفي الآية الأخرى ] إن الدين عند الله الإسلام[ ؛ فالمراد من الآية الأولى هو إقامة الإسلام، فلابد أن نعمل جاهدين لنبلّغ الدين إلى كل من لا يعلم شيئاً عنه، أو يعلم عنه القليل، بل يتعدى الأمر إلى لزوم تبليغ الدين إلى من يجهل ولو مسألة واحدة من مسائله؛ فإن سيد الشهداء (ع) إنما خرج إلى كربلاء لهذا الغرض (إقامة الدين)..

وقال سماحته: إن أبا الصلت الهروي سأل الإمام الرضا (ع): كيف يمكن إحياء أمركم، فأجابه الإمام قائلاً: (يتعلم علومنا ويعلمها للناس).. وهو ما يعني أن الواجب تعلم جميع علوم أهل البيت (ع)؛ فإن الجمع المضاف (علومنا) يفيد العموم، ثم لا يكتفى بذلك، بل يصار إلى تعليمها الناس.

وختم سماحة السيد المرجع حديثه بالقول: إن العمل الذي تقومون به (الدراسة في الحوزة) ليس فقط من الواجبات الكفائية، بل هو في وضعنا الحالي من الواجبات العينية.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا