بيان صادر عن المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بمناسبة حلول ذكرى عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على رسوله الأمين محمد المصطفى وآله الطاهرين.

وبعد، فقد شاء الله عز وجل أن يجعل من استشهاد الإمام الحسين (صلوات الله عليه) عَبرة ودمعة، وعِبرة وأسوة، لا فحسب للأجيال التي تلته، بل حتى للأنبياء والرسل (على نبينا وآله وعليهم الصلاة والسلام) الذين تلاهم الإمام الحسين (عليه السلام).

أما العَبرة والدمعة فقد بدء بها خالق الخلق مع خلق آدم (عليه السلام) إذ ذكر له جبرائيل (عليه السلام) الخمسة الأطهار محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال له آدم: (ما بالي إذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي) وواصله الله تعالى مع الأنبياء في قصص مرورهم بأرض كربلاء المقدسة ومعاناتهم فيها واستمر ذلك على امتداد العصور حتى قال الحسين (عليه السلام): أنا قتيل العَبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى) وأما العِبرة والأسوة فقد أشار إليها الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لجده الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين وهو يخاطب الله تعالى مشيراً إلى الحسين (عليه السلام): (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة).

فالعباد: لا خصوص فئة، أو أمة، أو جيل.

والاستنقاذ: وهو إشارة إلى ما منيت به الشعوب ـ ولا تزال ـ من الارتطام في شتى ألوان المآسي والكوارث التي أساسها الجهل والضلالة.

والحيرة: التي عمت معظم الناس في مسيرهم ومصيرهم.

هذه هي البنود التي تشكل جانباً من أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في أقواله وأعماله من خلال تاريخ عاشوراء.

وما أجدر بالمؤمنين في كل مكان أن يقوم كل واحد منهم ـ على شتى الأصعدة ـ بما يمكنه من التعبئة العالمية في مجال العَبرة والدمعة، بإقامة المجالس الحسينية والشعائر الحسينية التي هي الامتداد الظاهر لشعائر الله عز وجل، وقد وصفها القرآن الحكيم بأنها (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

وهي التي جعلت من الجزع المذموم شرعاً في عامة المصائب، ممدوحاً ومأموراً به ومأجوراً عليه إذا كان من أجل عاشوراء، وفي سبيل سيد الشهداء (عليه السلام).

وهي العَبرة والدمعة التي تواترت وتكاثرت من أهل بيت العصمة والرسالة (عليهم السلام) حتى أقرحت جفونهم وقال عنها الإمام الرضا (عليه السلام) فيما روى عنه للريان بن شبيب (إن يوم الحسين أقرح جفوننا).

وهي التي أدمت تلك العيون الطاهرة من ولي الله الأعظم صاحب الزمان المهدي المنتظر (صلوات الله عليه وعجل فرجه الشريف) حتى روى عنه في زيارة الناحية: (ولأبكين عليك بدل الدموع دماً).

وفي مجال العِبرة والأسوة، التي أعلن عنها الإمام الحسين (عليه السلام) مرات عديدة منذ خروجه من مدينة جده الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وفي مكة المكرمة، وعلى امتداد الطريق إلى كربلاء المقدسة، وفي كربلاء، وليلة عاشوراء، ويوم عاشوراء، عبر خطبه ورسائله وكلماته، وعبر تعامله في هذه المسيرة الظافرة وتلك العِبرة القيام بالعمل الجاد من أجل انقشاع الجهل والضلالة عن عامة البشر.

ولا يتحقق ذلك إلا بتضافر الجهود والاخلاص لله سبحانه، والتضحية بنسبة عالية في سبيل توعية عباد الله تعالى، ومد نور أهل البيت (عليهم السلام) إلى كل صقع ومكان ومدينة وقرية، وبيت وصريفة، ورجل وامرأة، وفتى وفتاة.

وتطبيق نهج الإمام الحسين (عليه السلام) في الاستفادة من عاشوراء لانقاذ عباد الله تعالى من المظالم المعاصرة، والقتل والسفك، والتشرذم والتعذيب، والاستهانة بالكرامات التي يتعرض لها اليوم كثير من الناس، والمسلمون خاصة في مختلف أقطار الأرض.

ولتعميم أصول الإسلام وفروعه ـ عبر جميع وسائل الإعلام والتبليغ ـ في شتى مجالات الحياة.

والله المسؤول أن يوفق الجميع لهذه العِبرة والأسوة، ولتلك العَبرة والدمعة، وهو المستعان.

29/ ذي الحجة الحرام/ 1422هـ

قم المقدسة               

صادق الشيرازي           

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا