عولمة البؤس فى الذهنية الثقافية العربية

يعتبر مصطلح العولمة الحديث نسبيا فى الادبيات السياسية العربية مثار جدل وحوار من حيث الايجابيات والسلبيات ويقسم الشارع الثقافى العربى الى مؤيد ورافض وفق المنطلق والتركيبة العقائدية التى يحملها هؤلاء. وما يؤسف له ان المصطلح قد اخذ جل التفكير العربي، وتحول الذهن الثقافى العربى الى مؤطر وممنهج للعولمة اكثر من الذين اخترعوها. فغاب لدى الطرفين ان الذى يحدث هو تطور لنظرية سيادة الاقوى وفق قوانين نظرية القوة بدون حدود، فكان من نتاجاتها ما اتفق عليه الذهن الثقافى العربى وبالعولمة ظلما وبؤسا.

فى هذا العمل نحاول ان نجذر ماهية بؤس العولمة وعولمة البؤس فى الذهنية العربية الثقافية؟

لقد نسب المثقفون العرب فكرة العولمة الى ادعاءات جورج بوش الامل من خلال تأثره بكتابات كل من : صمويل هنتنجتون وفوكوياما بان هناك نظاما عالميا جديدا فى الافق وان الليبرالية قد انتصرت وبالتالى فان التاريخ قد انتهى بالانسان الاخير، ثم اردف الاخير بعمل، بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 بعنوان وانتصر الغرب فى احدى الصحف البريطانية ليؤكد مجددا بان الانتصار قد تحقق فعلا بالرغم من وجود تيارات التطرف الدينى فى العالم وفشلت مرة اخرى ببطلان مفعول نطريته ورؤيته للكون الايديولوجي، والصراع هو صراع الحضارات.

وبالرغم ان العمل الاخير يحاول مجددا شرح بؤس نظرية العولمة، الا ان الذهنية الثقافية العربية سوف تعطيه بعدا تنظيريا وتؤطر له وتقدمه كعمل يستحق كل الاهتمام والترويج له.

ان محتويات مصطلح العولمة والجدل الذى يصاحبها والتيارات والاتجاهات التى افرزتها ثقافية الذهن العربى هى فى الاساس من مبتكرات منظرى نظرية القوة وعلى رأسهم هانز مورجان ثو وهو الذى وضع اللبنات الاولى لنظرية سياسة القوة الكونية والتى انتجت ما اتفق عليه المثقفون العرب بالعولمة وتداعياته.

وبهذا التجاوز وعدم التتبع لمزارع الافكار ونشأتها انقسمت ثقافية الذهن العربى الى تيارات واتجاهات فهناك:

ـ اتجاهات رافضة للعولمة كليا.

ـ اتجاهات تقبل العولمة ببعض تحفظ.

ـ اتجاهات تقبل العولمة بتحفظ.

ـ اتجاهات لا تفهم العولمة وتقبلها.

ـ اتجاهات تقبل العولمة ولا تدركها اداركا ثقافيا.

ان الذهنية الثقافية العربية لم تنتبه بعد الى طبيعة مناقشاتها ووجهات نظرها ومعاركها الفكرية حول المصطلحات والمقولات الوافدة التى تخدم اصحابها والذين اشرفوا على تصديرها، فاسرع المثقفون العرب بالحديث والطرح والتنظير لمسائل عولمة الاقتصاد وعولمة الثقافة وعولمة التجارة وعولة الاتصالات وعولمة القيم وعولمة الفنون والاعلام وغاب عنهم عولمة المواجهة.

فلم يعمل المؤيد او المعارض على فهم المنطوق القانونى للمصطلح وفهمه وترجيعه الى حاضنته الاصلية.

فالحاضنة الاصلية للمصطلح هى نظرية القوة وسياساتها، ومن هنا وجب على ثقافية الحوار العربى العودة الى دراسة نظرية القوة وعدم التسليم بحتمية انتصار المصطلح او رفض المصطلح والعمل عل فهم قوانين نظرية القوة الحاكمة فى عولمة القيم.

هذا الاعتقاد يمكن تعزيزه من خلال ما نشاهده من اطروحات يقدمها الغرب باسم نظرية القوة ويستقبلها المثقفون العرب باسم العولمة. عولمة النموذج الامريكى وعولمة الارهاب وعولمة الانتصارات العسكرية وتمجيدها اين موقعها فى جدلية العولمة؟ فهل اطروحات العولمة يستطيع الغرب تقديمها خارج اطار الاستعمار الجديد وثقافة الاستعمار القديم؟ وثقافية العولمة التى تعتمد على اجتياح ثقافية الاخر من خلال عولمة الهيمنة هل لها صدى فى ثقافة الحوار العربي؟

نشدد هنا ليس هناك شئ يسمى بالعولمة ان كانت واجبة للاختيار او الرفض انما هناك عودة لكتابة تاريخ الانسان بقلم كونى وعودة لتفسير منظومة المصالح من منظور سياسة نظرية القوة، هذا التطور بالطبيعة يشمل ويكال الانسان ومؤسساته وليس هناك مكان للرافض وللذى يقبل بؤس العولمة يدعونا الى سحب ادبياتها من الشارع الثقافى العربى واحلال تفسيرات نظرية القوة وقوانينها نتاجات العولمة البائسة هى افرازات قوانين القوة ونظرياتها وبالتالى فثقافية التداول الفكرى للمصطلح تتطلب العناية الفائقة بادب قانون القوة فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وتجاوز ما يسمى بترف وبؤس العولمة.

المشهد الثقافى لجدلية العولمة عليه ان يعيد ترتيب اولوية المواجهة، واذا كان هناك استعداد مطلوب هو ايجاد مرتكزات منهجية وصناعة ما يمكن تسميته بعولمة المواجهة واستقلال العولمة وتحريرها.

الدعوة هنا ليست حروبية، وانما هى اعادة ترتيب بيت ثقافية الجدل العربى تجاه كل ما هو وافد من مقولات ومصطلحات وعدم الانجرار نحو نظريات بائسة لتشكل بؤسا ثقافيا عربيا. لقد اضافت فلسفة بؤس العولمة خمودا فى ذهنية المثقفين العرب وشكلت مدارس واتجاهات ومعارك فكرية فى غير وقتها وفى غير مكانها، فلم نسمع قط ان هناك جدلا قد حصل حول مصطلح العولمة بكثافة وحجم الجدل الذى قاده المثقفون العرب فى المشرق والمغرب العربي. والسبب يرجع الى تغذية المثقف العربى واستعداده الدائم لاستقبال الوافد دونما البحث فى جذور الافكار ومنبتها. تلك خاصية الثقافة العربية وانسانيتها وانفاحها ولكن الثقافية الاخر ان يجتاح وينفذ ولا تعنيه انسانية النفاذ بدون هيمنة.

والنتيجة هى اصابة الذهن الثقافى العربى ببؤس العولمة من خلال عولمة البؤس الثقافى المعولم، واصبحت الثقافة العربية، ثقافة متلقية مجتهدة فى تشكيل الاتجاهات والمدارس، خدمة مجانية للمصطلحات الوافدة.

الجدل الثقافى الذى ينبغى ان يستمر ويوظف لصالح مدنية حضارة الثقافة العربية يجب ان يبحث فى مشروع نهضوى عوربي، جدلا يتخذ من العوربة منطلقا فى مواجهة جدل العولمة.

والمأزق الثقافى الذى وقع فيه المثقفون العرب هو الاحتضان غير النقدى لمقولة العولمة المرفوضة والمقبولة، والتعامل مع المصطلح من خلال اطروحات الغير ومن موقع التفاعل او الانفعال ليس ذلك فقط ولكن اتعامل مع مصطلح العولمة كأنه خير او شر لابد منه، دونما معرفة الحاضنة الفكرية الام وهى مدرسة نظرية القوة وسياساتها، ومن ثم التعامل مع نتاجاتها مباشرة دونما المرور عبر مظلة مصطلح العولمة وبؤسها.

اجمالا يمكن القول ان تجاوز مصادر المقولات والتقدم لها يحدث وهنا ثقافيا وهو مطلب لثقافات الاجتياح والهيمنة. وكان من الاجدى للجدل الثقافى العربى الانطلاق من خلال جدلية ثقافية عربية فى مواجهة مقولات ومصطلحات نظرية القوة ومناهجها دونما الترويج والانبهار بكل ما هو وافد، ورفض كل ما هو وافد، فجدلية وثقافية الذهنية العربية استوعبت بؤس العولمة واتهمت العولمة بانها هى المسؤولة عن بؤس جدلية الثقافة العربية، فى حين ان المسؤولة هى التوجهات غير الصحيحة نحو عولمة البؤس الثقافى من خلال بؤس العولمة.

عن العرب أونلاين

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا