الأنا – الآخر وازدواجية الفن التمثيلي

الكتاب: الأنا – الآخر وازدواجية الفن التمثيلي

المؤلف: صالح سعد

الناشر: المجلس الوطني للثقافة، سلسلة عالم المعرفة.

يتمحور مبحث هذا الكتاب حول فن التمثيل، حيث يعالج فيه مؤلفه صالح سعد التمثيل، مصطلحاً ومفهوماً، من جوانب عديدة، متخذاً الممثل بشكل عام والممثل المسرحي بشكل خاص متناً لدراسته، ومستعيناً بأطروحات وآراء عديدة تناولت التمثيل في حقول معرفية مختلفة، كالفلسفة وعلم النفس والتأويل، إضافة إلى استعانته بالدراسات المسرحية والأدبية المختصة بهذا الشأن. وينطلق المؤلف في تناوله للمسرح والمسرحانية من مفارقة النص / العرض، إذ أن الأصل الشفاهي للمسرح، بوصفه فناً شعبياً جماعياً يجعله يفترق عن عالم الكتابة، خصوصاً الأدبية، نظراً للعالم المغلق الذي تخلقه الكتابة، كتابة النص، فيما تتطلب الشفاهية عالماً مفتوحاً، وعليه فإن الانتقال منها إلى الكتابة يفقدها سماتها الأصيلة. وتأتي المسرحانية لتعبر عن المفارقة التي تنشأ بفعل الأداء الدرامي، وتصبح أفعال الممثلين طريقة لتأويل ما يحتويه النص المكتوب من معان باطنة. لكن النص المكتوب ليس سوى مدخل أو إشارة إلى نص آخر منطوق ومتحرك، وتأتي المسرحية لكي تجسد الدراما مسرحاً، ناقلة النص من نص مكتوب، ينتمي إلى أدب ينتظر قارئاً، إلى فن مشهدي جماهيري. ويطرح المؤلف أسئلة كثيرة حول الممثل، تعريفاته وحالاته وطبيعته وحقيقته وأصول صنعته، ثم يعرض لصور الممثل المتعددة، ليتوقف عند وجهة النظر التي تقول بأن الممثل هو ذلك الوسيط بين طرفين: النص والجمهور، أو الرابط الحي ما بين مؤلف النص والدلالات الإخراجية والجمهور المتلقي، وهذا يجعله وسيطاً يقف في اللامكان، عتبة أو جسراً يجتازه العابرون من /والى العالمين: الخيالي والواقعي، من هنا يكتسي الفن التمثيلي صورة مرآوية أو خيالية ابسطها تتجسد في مقولة المسرح مرآة الواقع، فيما تغدو القضية بالنسبة إلى الممثل هي ازدواجية الأصل/ الصورة أو الأنا/ الآخر التي تستدعي سلسلة من المفارقات على شاكلة: الممثل/ الشخصية، الممثل/ المتلقي، الشخصية/ المتلقي، النص/ العرض، الكلمة/ الفعل، الروح/ الجسد...الخ. ويتخذ المؤلف هذه الإشكالية مدخلاً لدراسته علم العرض الدرامي القائم على المجاز كتقنية، والذي يعتمد مبدأ الحوار أو التعددية، فالأصل في مهنة الممثل هي الاختلاف وليس التمثيل.

وبالاستعانة بـ (دولوز) يكون الاختلاف في الأصل هو التراتب، أي في العلاقة بين قوة مسيطرة وقوة مسيطرة عليها، بين إرادة مطاعة، وإرادة مطيعة، وهذا الاختلاف هو ما يمنح فن الممثل معناه، كون معنى الشيء هو بين هذا الشيء والقوة التي تستولي عليه. ومن هذا المفهوم الدولوزي للاختلاف، يتخذ المؤلف مرتكزه في استثمار مصطلح الازدواجية التي تترادف عنده مع المفارقة بأشكالها المختلفة، ويستخدمه بشكل مثمر في الفن التمثيلي. حيث يبدأ من تناوله للمحاكاة بوصفها تعبر عن ازدواجية التقليد / المخالفة، ثم الغريزة الوعي، أو الصورة/ الأصل، ثم ينتقل إلى الازدواجية التي يفرضها عمل الممثل، ما بين التحويل والتجسيد، والتي يعود بها إلى الارتباط القديم بين التعبير التمثيلي والطقوس الدينية، وينقل التحويل إلى الداخل وفق مصطلح المعايشة عند ( ستانسلافسكي)، بوصفه فعلاً ابداعياً يحتوي البذرة الأصلية للتخييل، والذي لا يكتمل إلا بوجود قرينه: التجسيد. ويتتبع المؤلف معاني التحويل ليشتق منه التحولية بوصفها طاقة حيوية في الفن التمثيلي، ترتبط بالتجسيد الذي يعبر عن واقع الحضور المادي للشخصية الدرامية، وعن راهنية الفعل التعبيري في المسرح الدرامي، وهذا يقتضي تناول حالات الجسد المختلفة المرافقة للفعل والظهور. وعليه يجري البحث عن تحولات الممثل عبر العصور، كي يكون تاريخ الممثل هو ذاته التاريخ الشخصي المتكرر، والمتنوع في الوقت ذاته، لكل إنسان منذ القدم. وبالانتقال إلى المسرح العربي، يجد المؤلف أن ازدواجية الأنا/ الآخر في فن الممثل هي صورة مجازية للمفارقة الأكثر تداولاً في الثقافة العربية المعاصرة، كونها تتحول إلى الأنا (بالمعنى القومي) والآخر (الغربي)، لكنه يفارقها إلى تناول هموم الممثل وقضاياه في المسرح العربي.

أخيراً، يشكل الكتاب في مجمله دراسة هامة في فن الممثل بشكل خاص والفن التمثيلي بشكل عام، يعرض فيها المؤلف تحولات الممثل وهمومه عبر تاريخ الفن التمثيلي وتجليات هذا الفن في الثقافة الإنسانية المتنوعة، ويستنير بمنهل واسع من الأفكار والآراء المتعلقة به، وهو بذلك يسهم في إغناء المكتبة العربية بكتاب يستحق الشكر عليه.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا