الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

 (الياسمين المر)

إقامة 4 نجوم في الثقافة العربية

عباس خضر

هيطارقميد

يصف روبرت موزيل ثقافة النازية في ألمانيا الهتلرية بـ(ثقافة قناصي الأرانب). وبعد أكثر من نصف قرن يكتب سلام عبود عن ثقافة البعث في العراق الصدامي أنها (ثقافة فرق الإعدام). وقبله قال القصيمي عن خطاب الساسة العرب في زمنهم الناصري أنه مجرد (ظاهرة صوتية... تحول أقصى الهزائم إلى انتصارات). ولم أتردد في كتاب (الخاكية) من نعت ثقافة ثمانينات وتسعينات القرن العشرين في العالم العربي في زمن دكتاتورية البعث العراقي بـ (ثقافة أكلة لحوم البشر). تلك أزمنة وأزمات مضتْ على الرغم من بقاء الكثير من صورها وبناها في الحياة.

لكن، ماذا سنكتب اليوم عن الثقافة في زمن بوش وابن لادن؟ هل ننعتها بـ(ثقافة الكذب المقدس)؟ ماذا نقول عن الأوطان الجديدة بالاسم والعتيقة بالفعل والعهد الديمقراطي على ظهر الخيول الأمريكية أو على متن بركات الدكتاتوريات العربية؟ كيف نفهم الوعكة الصحية والروحية العربية أمام كلمة (تغيير)؟ كيف يقرأ تاجر السلاح الأمريكي والعالمي والدكتاتور العربي وجيشه وبوليسه ومخبريه ومثقفي الطرفين هذه الديمقراطية؟ هل تقرأ من اليمين إلى اليسار فقط أم من اليسار إلى اليمين وتنتج لنا: (هيطارقميد)؟

إن القراءة (من اليسار إلى اليمين) هي القراءة الأمثل، لأنها تعبر بشكل جلي عن حركة واقع مخيف ومرعب ومختل. ففي زمن ثقافة الـ(هيطارقميد) العربية، أي بالأصح في مسيرة (ديمقراطية بلا ديمقراطيين) أقل ما يمكن قوله في ثقافة عرب اليوم، أنها ثقافة نفق مظلم طويل يقودنا فيه أطرش وأخرس وأعمى ومعتوه.

عيون المها بين الرصافة والجسر

كان لي حديث مع صحفي عراقي عام 2002 في مقهى السنترال في عمان، حول المعارضة العراقية والدكتاتورية وخطاب كل منهما. قلت له: (أني أرى، أن دكتاتورية نظام صدام والبعث ستنهار عاجلاً أم آجلاً ولكننا رغم هذا سنعود ونكتب ضد السلطة الجديدة والأحزاب والحركات وخطابها الثقافي، لأنها لا تختلف في الكثير من صورها عن طبيعة تفكير البعث والكثير من الأحزاب العربية. وسيكون عدونا اللدود هو الذي لبس عباءة المعارضة سابقاً، دون أن يعي معنى المعارضة الفكرية والثقافية، وكذلك الذي سيرتدي لباس السلطة الجديدة). رد عليّ الصحفي العراقي يومها قائلاً: (أنا لدي أطفال ولا قدرة لي على المواجهات... أنت شاب ويمكنك ذلك. وأظنك تبالغ. أما أذا حدث هذا فعلاً، فسأبقى في الظل).

في عام 2006 قرأت مقالة لصاحبنا هذا بعنوان (ثقافة الدم) يتحدث فيه بألم عن الدم العراقي خلال السنوات الأخيرة. وأسأل، هل قرر كاتبنا أن يخرج من الظل بعد أن تحول البيت الشهير (عيون المها بين الرصافة والجسر) إلى (عيون المفخخة بين الجثة والجثة)؟ ألا يظن مثلي أن الوقت متأخر جداً، بعد أن دمرتْ هذه الأحزاب والحركات وممثلوها من المثقفين كل أحلام ما بعد الدكتاتورية والاحتلال؟

تذكرت كلمة قرأتها لصاحب نوبل الروائي الألماني توماس مان عن زمن الديمقراطية الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى التي كانت ديمقراطية طارئة شكلت بسرعة أيضاً وبخلطة غرائبية من جنرالات وعسكر الدكتاتور الألماني فيلهم ورجال المعارضة يومها، هذه الجمهورية المدعوة (بجمهورية فايمار) التي انتهت خلطتها العجيبة بصعود هتلر إلى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية، كانتْ أيضاً ديمقراطية عجولة شبيهة بوجبات الأكلات السريعة وتحت وصايا أمريكية. يقول توماس في عام 1922 عن فايمار الديمقراطية/ الهيطارقميطية بعد سنوات قليلة من تأسيسها: (إنهم يكرهون (يقصد الأجيال الجديدة) هذا الوضع من قلوبهم، وهم لا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن الدولة، وينكرونها كلما أمكنهم ذلك، والسبب الأساسي في ذلك يرجع إلى أن هذه الدولة لم تؤسس بعد انتصار أو عن طريق الإرادة الحرة والرفعة الوطنية، وإنما أسست بعد الهزيمة والانهيار، وأصبحت مرتبطة ارتباطاً لا ينفصم بالعجز والحكم الأجنبي والعار).

ما أغرب التاريخ أيها الهارب إلى الظل!

كاتب أم صحفي أم ناشط؟

في القرن الثامن عشر كانتْ أوربا لا تفرق بين الصحفي والكاتب والناشط وصاحب أو صاحبة صالون أدبي. كل شيء كانتْ تحركه مفاهيم مختلفة عن القرن التاسع عشر والقرن العشرين وما بعده. بعد ظهور دور النشر وحقوق المؤلف وانتشار الصحافة إلى ثورة الاتصالات الحديثة بصورتها الحالية تشكلت منذ أمد ظاهرة مختلفة في الشارع الثقافي الأوروبي وهي ظاهرة التخصيص. الألقاب والمهن لا تطلق جزافاً. هنالك (كتاب ومؤلفون) وهؤلاء يعملون في حيز كتابة الكتب وعلاقتهم بالناشر أكثر منها بمحرر الصحيفة، واذا كتبوا شيئاً للصحافة فهو لا يذكر وقد يكون مرة أو مرتين في العام الواحد ويختصر حضورهم في التلفاز أو في المجلات والصحف على حوارات تتعلق بإصدار جديد لهم أو قضية لهم فيها باع طويل. فهم (مؤلفون وكتاب) أولاً وأخيراً.

الصحفي كائن آخر، هو يؤلف ولكنه ليس بمؤلف متفرغ. يبقى حتى في حالة كتابته أكثر من عمل، كصحفي وكتبه في إطار البحث الصحفي، هذا اذا لم يفكر سلفاً بتخصص آخر. الناشط الثقافي شخصية معروفة أيضاً وتعمل في إطار تنظيم المهرجانات والفعاليات أو الفعاليات التلفازية وغيرها وهذه الشخصية لها حضورها ليس ككاتب إنما كناشط أو إعلامي بشكل عام.

وسؤالي الآن، مَن هو(مَن) في الثقافة العربية؟ من هو الناشط ومن هو الكاتب ومن هو الصحفي ومن هو الناشر؟ من المؤكد أن البعض لديه القدرة على أن يكون البعض من هذا وذاك ولكن، يبقى السؤال: من هو(مَن)؟

صاحب مجلة الكترونية عربية يطرح في سوق الثقافة على أنه أهم الأدباء والكتاب الأحياء، ولكن هذا (الناشط الثقافي) أو (الناشر) ليس لديه أي إصدار أو عمل أدبي. لماذا يقدم كأديب في كل محفل وليس كناشط؟ لا أحد يعرف الإجابة. صحفي لبناني، ورئيس تحرير صحيفة، يعرفه الشرق والغرب باسم الشاعر الكبير، ولكن الجميع يعرفه في الحقيقة عبر مقالاته في الصحيفة التي يترأس صفحاتها الثقافية، وهو صاحب مقال جيد، ولكنه رغم ذلك يطرح كشاعر في كل وادٍ بالرغم من أنه صاحب ديوان يتيم لا يعرفه أحد صدر في سبعينات القرن العشرين! إعلامي تلفازي فلسطيني، يجيد تقديم البرامج السياسية، يقدم صفته (كباحث) في كل جحر عربي على الرغم من أنه لم يكتب بحثاُ واحداً في حياته!

هذه الشخصيات العربية التي تسيطر على الساحة الإعلامية يمكن كتابتها بالاسم الصريح ولكن الأسماء غير مهمة لأن الظاهرة أصبحت عامة ويكاد أن يدخل فيها أغلب الناشطين الثقافيين والإعلاميين والصحفيين العرب، الذين لا يترددون من السطو على صفة (كاتب وشاعر وباحث وناقد ومفكر). متى يبدأ عصر تحديد وتفعيل الفعل والاسم والصفة في الثقافة العربية، لنعرف رؤوسنا من أقدامنا؟!

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا