الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

 

رأي عام

الاتصال السياسي

علاء حميد

يظهر الواقع الاجتماعي اليوم، ملامح متنوعة حسب العوامل الفاعلة في مثل هكذا تنوع، مما جعل الحال الاجتماعي يكشف عن سلوكيات وانماط، اخذت تقطع بما سبق وتؤسس لنموذج مختلف، صيغ على ضوء ثقافة (الصورة Image- الرمز Symbol).

هذه الثنائية باتت حاضرة بكثافة في اشكال الاتصال ومتداخلة مع اغلب تفاعلات الحياة (Interaction of everyday life) الاجتماعية ليأخذ الاتصال مفاهيم عديدة، فهو حقل علمي كانت بداياته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تبلورت الرغبة في انشاء علم اتصال مستقل، ومن ثَمَّ ليفرز (الاتصال) توجهات علمية تمحورت ضمن مدرستين عالجت موضوعة الاتصال وهما، المدرسة الامبيريقية Empirical، تحت أشراف (لازارسفيلد) امتازت بسيادة المنهج الكمي (Quantity Method) الذي يميل إلى حصر الظاهرة الاتصالية داخل معطيات رقمية احصائية اما الاتجاه الثاني (المدرسة النقدية) فهو نتاج جهود جماعة فرانكفورت (هوركايمر، أدورنو، إريك فروم) التي ركزت بحوثها على أولوية المحيط الاجتماعي الذي تتم فيه عملية الاتصال؛ يمثل اختلاف المسار العلمي للمدرستين كونه راجعاً لهيمنة تصورات فكرية دون اخرى على تفكير العلماء الذين يثبتون آراء احد الاتجاهين (الامبيريقي/ المحيط الاجتماعي).

 ان مدلول الاتصال بوصفه عملية سيكو- سوسيولوجية، يتفاعل فيها طرفان (مرسل/ مستقبل) لتصبح قاعدة معرفية مهمة، فالنمط الاتصالي لا يحدث في معزل عن مؤثرات ثقافية اخرى، لها اثر كبير في بلورة الظاهرة الاتصالية.

 اما الاتصال السياسي، احد نماذج علم الاتصال، فهو يعبر عن مجموعة من الرسائل المرسلة من جهة الحكام (رجال السلطة) إلى الناخبين بالاعتماد على بعض الدعائم التي هي عبارة عن حوارات، خطابات.... وهكذا بين الاتصال السياسي بان له هدف الهيمنة والتحكم بسلوك الجماعات.

ان سعي الامساك بموجهات التحريض التعبوي للحشود، يفتح حركة الاتصال على مجالات واسعة، تبدأ من بناء الرأي العام، إلى توظيف الثقافة الشعبية.

يسلط هذا التشابك بين مساحات التاثير والتوجه على منظومة العلاقات والتفاعلات، وانتقال المعلومة والرسالة بين مختلف الفاعلين في المشهد السياسي تتوزع صفاتهم على نحو (رجال سياسة، قادة رأي، صحفيون، مستشارون) اوجد التعدد في اهداف الاتصال السياسي، وكثرة الخطابات العامة جدلاً ساخناً بين رجال السياسة والإعلاميين والمستشارين السياسيين، حول الإمساك بمخرجات خطوات الفعل السياسي، لذلك تصبح المعادلة الرئيسية، المتحكمة باليات الاتصال السياسي (علم الوقائع، مدرك، مركز الترميز، قناة النقل، المتلقي).

إن أطراف أوالية الاتصالية تؤكد على ان طرفي المسالة هما (حدث- متلقي)، ومن ثم تصل إلى تشكيل الحشود وتوجيهها، التي لها دلالات ديموغرافية في ادامة الزخم السياسي لصناع القرار الوطني... فيما مضى كان الاتصال السياسي مقتصرا على النخبة الحاكمة التي استفادت من اسلوب التحشيد والتكتل الشعبي، مما افقد تلك الشعوب خصوصية الرأي العام والفاعل في عمل الحكومات المسيطرة لتكتفي، بخطابات التنميط السياسي، مما صنع تباعدا تاريخيا واجتماعيا بين المجتمع وجهاز السلطة تمخض عنه فراغا شغل من قبل الشعبي المهمش، صراع الاشتغال السياسي حول قيادة الراي العام، حرم الحالة السياسية من صناعة مؤسساتها، ففي العراق تبرز بوضوح سمات ذلك الصراع، من خلال السعي المستمر لدعم الهوية الطائفية بين مكونات المجتمع العراقي عن طريق مسرح السلطة.

 نلاحظ ان رمزية الاتصال السياسي العراقي، مدعومة من قبل رموز وصفية تقويمية تنهيضية (Mobilizational) لا تتوقف عند تحليل الاشياء بل تركز على اسلوب مواجهة الاشياء (نوع الكلمات السياسية، صور صناعة النموذج السياسي..).

إن الاسلوب الذي تعمل به وسائل الاعلام في أي بلد يعكس تكوينية النظام السياسي والاجتماعي ونفوذ السلطة ونوع العلاقات الاجتماعية التي تربط بين افراده (قنوات تعبر عن هويات فرعية..) فحين يصوغ الاتصال السياسي مفهوم (الاستحقاق الانتخابي/ الاستحقاق الوطني) تتواجه في هذا النص السياسي الممارسة الانتخابية والسلوك الوطني، وكان هناك افتراق في التأسيس والتثبيت للظاهرة السياسية، ولكن عندما نبحث عن خلفيات هذين المفهومين (الانتخابي/ الوطني)، نجد أن موجهات الانتخابي/ هي حركية الحشود بسبب انفلاق بوابة الفعل السياسي في إبانة نشاط العملية السياسية لتمول نمو التعويض عن ذلك بالعنف المادي المجسد أي مواجهة الضغط الميداني بالاحتماء خلف الديموغرافيا الطائفية.

أما مدلول كلمة (وطني) فهي اعادة صياغة التباين الاجتماعي المنعكس على القدرة السياسية ليعيد الوضع إلى حقيقة هدف الفعل السياسي العراقي (الاستيلاء على السلطة) مما يطابق بين الحرب والسياسة في النموذج العراقي، كون الحرب هي الامتداد الطبيعي للسياسة، فان لهذا الربط والتتابع بين الحرب والسياسة اثاره على تحليل الاتصال السياسي، فالانتصار في الحرب أو الاستيلاء على السلطة يتوجب على الحكام نقل وبث رسائل قادرة على توجيه آراء وسلوكيات المحكومين الوجهة التي يتبعونها.

 لقد ارتهن الخطاب السياسي العراقي بفرعيات الحياة الاجتماعية العراقية (الطائفة، العشيرة،الحزب......) لهذا هناك تركيز على حماسة المشاعر والاحاسيس.

لذا قامت انماط الاتصال السياسي العراقي على حكايات التاريخ وليس على صلابة الجغرافيا، لتتغذى الثقافات الفرعية في الحال العراقي على سرد التاريخ المحكوم بالصورة الداخلية للمكونات المجتمعية، فمن شكل الملبس للرموز السياسية، التي تدعم تاريخية الهوية الاثنية على حساب محددات الارض وتمايز المكان كذلك يتواشج مع هذه المسببات مجموعة من المتغيرات التي أخذت تفعل وجودها (كالفئة العمرية، الانتماء السياسي، أو شبكة العلاقات الشخصية (الداخلية) والقائمة على الوقوف بوجه تاثير الوسائل الاعلامية، العاملة كشروط لانتاج حقيقة اجتماعية أو سياسية معينة، تلك تتشكل من خلال التعامل بين طرفين كعامل يقوم على انتاج المعاني والرموز وتلعب فيه اللغة، الحوار، الحجج دورا مركزيا أمسى الاتصال السياسي العراقي مرهونا بضغوطات الواقع السياسي.

 وكان الواقع هو الذي يوجه بوصلة الاتصال وليس العكس، الا بما نفسر ان يقوم وجود الكتل السياسية على المتخيل الشعبي والمسموع التاريخي، ليزرع مفهوم المحاصصة في أدوار العمل السياسي.

إن المحاصصة فصل تاريخي يمتلك مشروعيته من الحق الطائفي، وليس من الاجتماعي ليديم مشروعيته باستفزاز حساسية الطوائف والاثنيات، فصفات الشخصية الوطنية همشت بفعل الهوية التاريخية دون الانتماء الجغرافي، ليعاكس المقولة السياسية المعروفة (إن قوة الدولة تكمن في جغرافيتها)، بل ليحقق بقاء صلادة المكون الاثني، بمدى حضور التاريخ، ليس كحدث وإنما كممارسة ثقافية اجتماعية تعيد بناء اساسيات التقاطع الثقافي ضمن المحيط السياسي.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا