الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

الفقر والتخلف الاقتصادي

 

مصطفي محمود محمد

الكثير من الكتاب لا يفرق بين الفقر والتخلف رغم وجود فوارق جوهرية بينهما إذ إن هناك بعض الدول المتقدمة يوجد بها فقراء وهو ما يعتبر دليلا هاما علي سوء توزيع الدخل القومي، ورغم هذا لا توصف بأنها دولة فقيرة أو دولة متخلفة وبالمثل هناك دول الجنوب يوجد بها أغنياء كثيرون غير أنه لا ينفي حقيقة كونها دولا فقيرة.. أيضا وجود فقر في دولة غنية لا تعتبر هذه الدولة متخلفة، والعكس صحيح.

ويهتم هذا البحث بدراسة الفرق بين الفقر والتخلف مع التركيز علي مقاييس التخلف غير متجاهلين مقاييس الفقر في الفكر الاقتصادي التقليدي، يتم ذلك من خلال تعريف الفرق بين الفقر والتخلف في المنظور اللغوي، ثم لمعرفة الفروق الجوهرية بين الفقر والتخلف ومقاييس التخلف في الاقتصاد التقليدي، ويتعرض البحث أخيرا لمعرفة الفرق بين الفقر والتخلف في المفهوم الإسلامي.

أولا : الفرق بين الفقر والتخلف من المنظور اللغوي

يعرف ابن منظور في كتابه لسان العرب الفقر (هو الحاجة وفعله هو الافتقار والفقير هو الذي نزعت فقره من ظهره فانقطع صلبه من شدة فقره أو الفقير المكسور الفقار يضرب مثلا لكل ضعيف).

أما التخلف فيقول ابن منظور:

خلف الليث: الخلف ضد قدام وجلست خلف فلان أي بعده والتخلف التأخر وفي حديث سعد: فخلفنا فكنا آخر الأربع أي أخرنا ولم يقدمنا.

ومنه الحديث الذي أخرجه مسلم (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) أي إذا بعضهم علي بعض في الصفوف تأثرت قلوبهم ونشأ بينهم الخلف وفي الحديث (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)- متفق عليه-. يريد أن كلا منهم يصرف وجهه عن الآخر ويوقع بينهم التباغض فإن إقبال الوجه علي الوجه من أثر المودة والألفة (1).

ثانيا: الفرق بين الفقر والتخلف وكيفية قياس التخلف في الاقتصاد التقليدي

1- التخلف الاقتصادي- مفهومه- كيفية قياسه

في البداية يجب أن نشير إلى أن التخلف الاقتصادي ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد ومعني ذلك أنها ظاهرة تتفاعل في إيجادها جميع جوانب المجتمع بدرجة أو بأخرى حيث أن التخلف الاقتصادي لا يوجد في مجتمع ما بمفرده متعايشا مع تقدم سياسي واجتماعي وإنما يوجد وسط تخلف سياسي واجتماعي وثقافي ومن ثم فإن توفير نظام سياسي واجتماعي وثقافي رشيد يمكن أن يحقق مستوى اقتصادياً متقدماً.

والتنمية الاقتصادية وهي مطلب غالب الدول النامية لا تتم في صورة أحادية حيث أنها عملية إنسانية شاملة تتطلب متغيرات اقتصادية وكذلك عوامل نفسية واجتماعية(3).

وبالتالي فإن الانصراف نحو التركيز علي المتغيرات الاقتصادية وحدها دون الوضع في الاعتبار الأهمية النسبية لباقي المتغيرات الأخرى الثقافية والاجتماعية والسياسية هو تشويه لحقيقة ومعني التخلف الاقتصادي.

1/1 مفهوم التخلف الاقتصادي

لفظ العالم الثالث يطلق علي الدول المتخلفة والتي تتمثل في الدول التي يقل متوسط الاستهلاك والرفاهية المادية لسكانها عن البلاد المتقدمة وذلك علي الرغم من إمكان تحسين الأوضاع الاقتصادية فيها بوسائل معروفة وواضحة (4).

ومن خلال هذا التعريف فإن مفهوم التخلف الاقتصادي يفترض وجود موارد كافية يمكن استغلالها والاستفادة منها ولكن لا يتم استغلالها وبالتالي فهذا التعريف يميز بين الدول الفقيرة التي تقل فيها الموارد والثروات، وقد تكون هذه الدول الفقيرة راغبة في التقدم، ولكن لفقر إمكانياتها المادية تقعدها عن النمو أما الدول المتخلفة فسبب تخلفها لا يرجع إلى محدودية الموارد الإنتاجية كما في الدول الفقيرة بقدر ما يرجع إلى الاستخدام الرديء للموارد الاقتصادية، وهذا الاستخدام الرديء قد يأتي في صورة إهمال الموارد تماما أو الاستخدام الجزئي لها أو سوء استخدامها كأن تستخدم في نشاط صحيح بنسبة خاطئة أو تستخدم في نشاط خاطئ من الأصل، هذا إلى جانب أسباب أخري قد تأتي من خارج العملية الإنتاجية كالبيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية وآثار خصائصها السلبية عليها وكذلك الآثار السلبية للعلاقات الاقتصادية الدولية كالاستثمارات الأجنبية وطبيعة المنتجات المتبادلة.

والتخلف الاقتصادي ينشأ في بيئة مختلة اجتماعيا وحضاريا حيث أن الدول المتخلفة اقتصاديا متخلفة حضاريا أيضا.

ومما سبق نخلص إلى أن التخلف الاقتصادي ليس مرادفا للفقر وإنما هو خلل اقتصادي وحضاري واجتماعي ساعدت علي نشوئه عوامل عديدة وتميزت الدول المتخلفة بوجود موارد ضخمة مع توافر إمكانيات بشرية ومادية لازمة للارتفاع بمستوي المعيشة ومع وجود تخلف في طرائق الإنتاج والتنظيم الاجتماعي والتطبيقات الاقتصادية لاستغلال هذه الموارد ومن ثم النهوض بالدولة المتخلفة والوصول بها إلى درجات عالية من النمو الاقتصادي.

1/2مقاييس التخلف الاقتصادي

استخدمت في قياس ظاهرة التخلف الاقتصادي وتحديد مداها ومستوى أو درجة التقدم أو التخلف بين الدول المختلفة معايير متعددة.

فمثلا معيار مستوي متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي أتخذ معيارا مناسبا للتفرقة بين الدول المتخلفة والدول المتقدمة وترتيب الدول المتخلفة بالنسبة لبعضها البعض، ويعتبر بعض الباحثين أن الدول المتخلفة هي التي يقل فيها متوسط دخل الفرد في السنة عن مقدار معين من الدولارات أو أن الدول النامية لا يتجاوز فيها دخل الفرد في السنة عن 1/4 متوسط دخل الفرد الأمريكي (4).

كما تقسم دول العالم المختلفة إلى مجموعات تبعا لمستويات متوسطات الدخل.. هذه المجموعات هي الدول الشديدة التخلف والمتخلفة نوعا والدول المتقدمة نسبيا والدول المتقدمة.

ويعتري هذا المقياس قصورا واضحا حيث لا يكفي وحده كمعيار دقيق للدلالة علي الأوضاع الاقتصادية ومستويات المعيشة في الدول المتخلفة وطرق التوزيع فيها كما أنه علي الرغم من انخفاض مستويات الدخول الفردية في الدول النامية بصفة عامة إلا أن هناك من هذه الدول دولا نفطية يزيد فيها متوسط دخل الفرد عن متوسط الدخل الفردي السائد في كثير من دول العالم تقدما.

ولتلافي القصور في هذا المقياس فإن بعض الاقتصاديين يري أن يضاف إلى هذا المقياس بعض المقاييس الأخرى التي تعبر عن مستوي الاستهلاك من سلع أساسية وبعض سلع الرفاهية الاجتماعية كالمياه والكهرباء والتلفزيون والمستوي التعليمي للسكان ومستوي الرعاية الصحية المتوفرة لهم (5).

وهي جوانب هامة توضح نواح من معيشة السكان إلا أنها لا تعبر عن كافة النواحي التي يتعين التعرف عليها للحكم علي مدي تقدم دولة أو تخلفها كإهماله لنواحي هامة كالانتاجية والعمالة ومستوي الفن الانتاجي والادخار والاستثمار ومدي توافر الموارد الانتاجية للاقتصاد وطبيعة استغلال الموارد المتاحة ومدي التناسق بين قطاعات ومؤسسات الاقتصاد المختلفة.

وقد أدي ذلك إلى وضع أكثر شمولية للتفرقة بين الدول النامية والدول المتقدمة وهو مدي قدرة الدولة علي توفير احتياجات السكان الاقتصادية والاجتماعية والبيولوجية والنفسية وغيرها من سائر الاحتياجات الإنسانية ووفق هذا المعيار فإن (الدولة المتخلفة هي التي توفر لسكانها من احتياجاتهم قدرا أقل مما توفره الدول المتقدمة) (6).

إلا أنه معيار غير قابل للقياس في حد ذاته ولا يوجد هناك طريقة لترجمته إلى مقياس عملي لتقدير مدى إشباع هذه الحاجات لعدم وجود معايير موضوعية لتقدير هذه الاحتياجات والتي تختلف باختلاف الأفراد والبيئات والفترات الزمنية وغيرها من عوامل أخري عديدة ولأنه أيضا لا يبين الموارد المتاحة للمجتمع ومدى استغلال هذه الموارد وأساليب هذا الاستغلال أو تكلفته.

ونخلص مما سبق بأنه من الصعب الوصول إلى تعريف مانع جامع لا يعتريه القصور لمقياس التخلف الاقتصادي وليس معني ذلك إسقاط أدلة هذه المعايير التي أبرزت درجات التخلف ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن هذه المعايير تتبع مدارس فكرية تختلف عن واقع الدول المتخلفة ولذا فإن هذه الدراسات التي تنبع من تلك المدارس عادة ما توصي بعلاج لهذه المشاكل من خلال سياسات واستراتيجيات إنمائية قد لا تناسب ظروف هذه الدول النامية وحاجتها إلى وسائل معينة للعلاج أو أنها تفرض عليها من خلال مؤسساتها الاقتصادية طرقا لا تتناسب مع بيئتها الاقتصادية ولا تتفق مع استراتيجيتها الاقتصادية ومن ثم تقع فريسة لحالة من التبعية الفكرية والاقتصادية.

الفرق بين الفقر والتخلف في المفهوم الإسلامي

1-المفهوم الإسلامي للفقر

يري أنه (عدم القدرة علي الحصول علي الاحتياجات الضرورية لعدم توافر أسباب العيش الكريم الرغد وهو ما يعني العوز والتعرض للجوع والحرمان والإملاق) (7).

ومن ثم فجهود التنمية وعمارة الأرض في الإسلام تهدف إلى رفع مستوي المعيشة وتحسينه بانتظام بما يكفل توفير حد الكفاية لجميع الأفراد أي اغناء كل فرد بحيث يكون قادرا علي الإنفاق علي نفسه وعلي من يعول وذلك تمييزا له عن حد الكفاف الذي يعد الحد الأدنى للمعيشة.

ولا يقتصر توفير حد الكفاية علي ضرورات الحياة اليومية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بل يمتد إلى ما يلزم لتهيئة حياة كريمة للفرد مثل توفير الرعاية الطبية والتعليم الأساسي وسبل الزواج أي كل ما يجعل الفرد يلحق بالمستوي المعيشي السائد في المجتمع.

والفقير في المفهوم الإسلامي هو من لا يملك قوت يوم وليلة لقوله (ص) (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقيل وما حد الغني يا رسول الله ؟ قال شبع يوم وليلة)- رواه أبو داوود (8).

2- المفهوم الإسلامي للتخلف الاقتصادي

فإن الناظر في القرآن الكريم والسنة النبوية ليدرك أن الإسلام ينظر إلى التخلف علي أنه تراخ عن العمل والسعي في طلب الرزق وعمارة الأرض بشكل فعال فإن الله قد أعطي للإنسان العديد من الثروات والنعم التي لا تحصي وطالبه بعمارة الأرض يقول تعالي {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} (هود 61) وأن الإسلام يساعد الفقراء من مال الصدقة ولا يساعد المتخلفين أو القاعدين عن العمل بغير عذر وحديث الرسول (ص) مع الرجل الذي يريد مسألة وباع له الرسول ما يملكه في بيته عن طريق المزاد وقال له اذهب واحتطب وبع ولا أرينك إلا بعد خمسة عشر يوما  لهو دليل بين علي مقت الرسول للقاعدين والمتخلفين.

وهكذا فرق الإسلام بين الفقر والتخلف واعتبر الفقير له حق معلوم في الزكاة وموارد بيت المال أما المتخلف عن ركب التقدم فقد لعنه وتوعده إذا سأل وهو قادر علي الكسب.

وعمارة الأرض وهي مطلب شرعي غير مقصور علي البعد المادي المتمثل في إنتاج ما من المنتجات بل يشمل أبعادا أخر اجتماعية وثقافية وأخلاقية حيث تهدف عمارة الأرض إقامة مجتمع المتقين الذي يتمتع بمستوي معيشي طيب يصل إليه بزيادة الإنتاج إلى أقصي حد مع استشعار تقوى الله في ذلك فإذا أصيب المجتمع بمصيبة التخلف ومن ثم فإن هناك ثلاثة معايير يمكن النظر إليها علي أنها تفرقة بين الدول المتخلفة والدول المتقدمة وذلك في المفهوم الإسلامي:

1- وجود الموارد الطبيعية الملائمة.

2- وجود الجهد البشري الفعال الذي يتعامل مع تلك الموارد أو يحيلها إلى منتجات نافعة.

3- وجود القيم التي تضمن بصفة مستمرة تفاعل الجهد البشري مع الموارد ومن ثم دوام عملية الإشباع المتزايد للحاجات.

إذا تواجدت تلك العناصر مجتمعة يعتبر المجتمع مجتمعا متقدما أو بالتعبير القرآني مجتمعا يحيا حياة طيبة تجمع بين رغد العيش واطمئنان النفس يقول تعالى {من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} (النحل 97).

وتعد عمارة الأرض من أهم الأعمال الصالحة.

وإذا تخلف فيه عنصر من العناصر السابقة فقد المجتمع طيب الحياة فإذا خلا من الموارد الطبيعية المناسبة فعليه أن يبذل قصارى جهده في تعويضها وإلا كان فقيرا وليس متخلفا ما دامت بقية العناصر قائمة.

وإذا فقد الجهد البشري في عمليات الإنتاج مع توافر الموارد فإنه في تلك الحالة يعتبر متخلفا ففي إمكانه التقدم ولم يفعله وإذا فقد مجموعة القيم الصالحة التي تضمن دوام التلاحم ونمو الإنتاج وعدالة توزيعه فإن ضخامة إنتاجه الاقتصادي لن تستمر طويلا وإذا كان متقدما فهو تقدم وقتي سرعان ما يزول يقول تعالي {ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} (النحل- 112).

 ومما سبق نخلص إلى أن الإسلام ربط المشكلة بالإنسان وبما هو عليه من قيم أي ربط المشكلة بجذورها الثقافية والاجتماعية العميقة مع عدم تجاهل عنصر المال ولا عنصر النشاط الاقتصادي للإنسان أي العنصر المادي في التقدم.

3- ظاهرة التخلف الاقتصادية في المجتمعات الإسلامية وكيفية قياسها

 إن جميع البلدان الإسلامية تعاني اليوم من التخلف الاقتصادي فهذا لا خلاف حوله حيث وقعت هذه الدول في قارة التخلف الاقتصادي كما أن معظم تلك البلدان قد أخفقت في أن تكون لها آلية نمو ذاتية نابعة من داخلها فقد نتج التخلف الاقتصادي من تمزق النظام الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية بسبب الهيمنة الأجنبية الطويلة وأدي شلل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى عجزها عن الوفاء بحاجات الناس وإحداث تطور حقيقي، حيث ربط الاستعمار اقتصاده باقتصاديات الدول الإسلامية تكملة له وكارتباط التابع بالمتبوع حيث حرص الاستعمار علي عدم السماح للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية أن تلعب دورا في إحداث عملية نمو ذات جذور محلية بل علي العكس، فقد حرص علي أن تحدث التنمية الاقتصادية علي يد أنواع من المؤسسات الغربية.

4- قياس التخلف الاقتصادي في المفهوم الإسلامي

 حيث ركز المنهج التقليدي علي معدل تزايد الدخل الفردي الحقيقي كمقياس للتنمية والتخلف الاقتصادي وزاد عليه مؤشرات أخري مثل معدل البطالة والعدالة في توزيع الدخل وغيرها إلا أن هذا المقياس لا يصلح وحده لقياس التخلف في المفهوم الإسلامي حيث يري أحد الباحثين أن المقياس الصحيح يجب أن يتعدى استخدام كل نماذج النمو الإجمالية المبسطة والتي تهتم بالتركيز علي الحد الأقصى لمعدل النمو علي أنه المؤشر الوحيد للتنمية وأن عدم تحقيقه يمثل صورة للتخلف إذ أن هناك المقياس الاجتماعي ومدي توزيع ناتج التنمية علي مستحقيها (11).

 ويقترح البعض مقياسا آخر للتخلف الاقتصادي بعد رفض مقياس دخل الفرد في المتوسط ويسمي المقياس الإسلامي وهو الوضع الحقيقي لكل فرد في المجتمع في صورته الحقيقية المتمثلة في السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها (12)، علي أنه لم يتضح الفرق بين هذا المقياس ومعدل الدخل الفردي الحقيقي الذي بسطته كتابات التنمية الاقتصادية في المنهج التقليدي.

 ويقترح آخرون مقياسا للتخلف والتقدم من خلال مدي الالتزام بالإسلام كعقيدة أو شريعة ويمكن في ذلك استخدام مؤشرات معينة مثل مدي الأخذ بالأصول والمبادئ الدستورية في نظام الدولة ومدي إقامة المؤسسات الإسلامية ونشر الدعوة وتوفير المساجد وأجهزة البر وجهاز الحسبة وما إلى ذلك (13).

 ومما سبق نخلص إلى أن محاولة تفسير ظاهرة التخلف التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية من منظور إسلامي تحتاج منا إلى وقفة للتعرف علي ماهية هذه المجتمعات وذلك لأن ظاهرة التخلف لها سمات عامة تشترك فيها الدول المختلفة بغض النظر عن الدين والذي يجعل ظاهرة التخلف في الدول الإسلامية لها سمات خاصة بها هو أن كثيرا من المجتمعات الإسلامية في زمننا قد ورثت الإسلام كدين تؤدي فرائضه الدينية علي أحسن تقدير أما ما يتعلق بما يتطلبه الدين الإسلامي من ممارسات يومية وأنظمة وغيرها فلا وجود له ولهذا فإن تفسير ظاهرة التخلف التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية الحالية لا تختلف مع ظاهرة التخلف التي تعاني منها الدول غير الإسلامية بما تشتمل عليه من سمات، والمسألة لم تعد مسألة انتقال الجنوب من حالة التخلف إلى مصاف الشمال المتقدم علي الرغم من أن هذا الانتقال شبه مستحيل بل إن المسألة هي كيف يمكن تحقيق نموذج عالمي بديل يتجاوز الأزمة الحضارية التي بلغتها تجارب الدول المتقدمة نفسها وهي تجارب قامت علي مفهوم السيطرة ذي حدين : سيطرة الإنسان علي الإنسان وسيطرة الإنسان علي الطبيعة وهو مفهوم كانت نتيجته تفاوتا في المشهد بين بلدان أو طبقات غنية تتمتع بمستوي معيشي واستهلاكي مرتفع وبين بلدان أو طبقات ما زالت تشكو من الجوع والحرمان والفقر والجهل والبؤس والتخلف من جهة وإخلالا رهيبا في النظام الطبيعي إلى حد بات يهدد مستقبل الحياة علي الأرض من جهة أخري.

وبالتالي تبقى الحاجة إلى نموذج بديل يتجاوز هذه النماذج ومنظومة أخري تحقق المصالحة بين الإنسان والإنسان من جهة والإنسان والطبيعة من جهة أخري وكله لا يأتي إلا من خلال العودة إلى تعاليم الله وشريعة السماء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث في شؤون الاقتصاد الدولي

الهــوامــش:-

1- موسوعة المحدث، الاسطوانة الليزر الإصدار 8.3، 1999.

 2- د. حمدي عبد العظيم، فقر الشعوب بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 2000، ص 12.

3- د. صلاح الدين نامق، الجوانب الأخلاقية في التنمية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993- ص18.

4- د. محمد زكي شافعى، التنمية الاقتصادية، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 19.

5- المرجع السابق، ص 20.

6- أميرة عبد اللطيف مشهور، الصناعات البيئية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، 1976، ص 30.

7- د.حمدي عبد العظيم، مرجع سبق ذكره، ص 20.

8- الإمام بن حزم، المحلى، الجزء السادس،، دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ، ص 152.

9- خورشيد أحمد، التنمية الاقتصادية في إطار إسلامي، ترجمة الدكتور رفيق المصري، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، العدد 2 مجلد 2 – السعودية، عام 1985، ص 45.

10- د. شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1979، ص 80.

11- د.عبد المنعم عفر، مشكلة التخلف، مرجع سبق ذكره، ص 30.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا