الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

المواطنة وتحديات العنصرية والقومية والطائفية

 

*نعمة العبادي

- رؤية إسلامية- ([1])

قبل الدخول في التفاصيل نقدم مجموعة أمور:

1- إن الأسباب التي دعت إلى اختيار هذا الموضوع هي:

أ- هناك دعاوى يتناقلها مجموعة من دعاة الوطنية أو غيرهم، مفادها بأن الدين بصورة عامة والإسلام بصورة خاصة عامل إعاقة للوحدة الوطنية وهو السبب في تفتيت هذه الوحدة. لذا فإننا نرد بالبرهان على هذه الدعوة.

ب- يتجاوز في تدليلنا من هذه المحاضرة على مسألة الرد وندعي بأن الأساس الوحيد الذي يمكن أن تستقر عنده الوحدة الوطنية في العراق هو الإسلام.

جـ- كون الموضوع من أهم إشكاليات الساعة، وله اشد العلاقة بمستقبل العراق.

2- ما نطرحه هنا، هو رؤية نظرية نرسمها من خلال النصوص الموثوقة (القرآن الكريم- السنة المطهرة- افتاءات كبار العلماء) لذا قد يختلف أو يتخلف الواقع عنها. ومع هذا فهي ليست معلقة بالهواء وإنما تكشف عن ممكن قابل النزول وبتمامه إلى أرض الواقع.

3- إن ذكر بعض الشواهد من حياة المسلمين لا يعني تبني أحقيتها أو عدمه، وإنما نتعامل معها كجزء واقعي من التأريخ الإسلامي.

التفاصيل

إن الإسلام يتخذ ضابطة محددة في تكوينه للجماعات، وهذه الضابطة هي (الولاء لله الواحد الأحد). فكل من ينتسب إلى هذه الضابطة وتنطبق عليه فأنه يدخل في جماعة المسلمين بغض النظر عن موطنه وعن لغته وعرقه مكونا بذلك أمة (وهي كيان معنوي له ثقافة واحدة ومنطلقات وأهداف واحدة). وهو على مستوى الطموح يتأمل إلى تحويل العالم أجمع إلى امة إسلامية مستنداً إلى الوعد الإلهي (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (سورة التوبة 33).

ولكنه لا يظل في حدود هذا الأمل وإنما يتعاطى مع الواقع ويتحرك باتجاه الطموح. فالواقع الذي يجسد تكتلات متفرقة وأجزاء متباينة هي الشعوب والدول المكونة للعالم. وكما هو معروف في الثقافة السياسية ان عناصر الدولة (الشعب- الأرض- السيادة) فان مفهوم المواطنة ويعني المشاركة من خلال الانتساب إلى الوطن، قد تبلور وأصبح هو الضابطة التي تجمع الأفراد (مختلفي الدين والعرق والقومية والمذهب) في بلد واحد وتحت سيادة واحدة.

والإسلام الذي لا يعجز أمام أي تغيير ويتحرك بايجابية في كل الظروف، لم يتقاطع مع المواطنة؛ بل انه لا يعترف ويناهض وبشدة معاول تمزيق وحدة المواطنة وهي (العنصرية- القومية السلبية- الطائفية- الاختلاف الديني).

سنبحث في جواب هذا السؤال: هل للإسلام تصورات محددة لبلورة مفهوم المواطنة يتجاوز التمايزات العنصرية والقومية والطائفية والاختلاف الديني بين أبناء الدولة الواحدة من اجل بناء مجتمع إنساني متماسك يتساوى فيه جميع أبناء الوطن؟

لا يخفى على احد الصراعات الدامية التي عاشتها الإنسانية على امتداد عمودي الزمان والمكان، وكان الأبرز من هذه الصراعات ما دار بسبب الاختلاف العرقي أو القومي أو الديني. وتم اضطهاد الجماعات وتقتيلها وحرمانها من حق العيش تحت وطأة هذا الاختلاف. ولو أردنا أن نعدد الشواهد لا حصر لها. فقد اشتد شابور ملك الفرس في بغضه للنصارى واجبرهم بالقهر للدخول في دينه. وأرسل لقتل النصارى في باجرمي وسلوح والأهواز والدير الأحمر وأربل وآشور والموصل ونينوى والمرج والجزيرة والفرات. وقتل ذي نؤاس اليهودي من المؤمنين النصارى في اليمن عدداً غفيرا، حتى ذكر القران الكريم في سورة البروج (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)).

وهكذا الاضطهاد الذي مورس ضد شيعة أهل البيت (ع) وتاريخه طويل وما فعلته أمريكا بالهنود الحمر السكان الأصليين وما جرى في البوسنة والهرسك وصربيا وغيرها من نقاط العالم. وهكذا كانت نزعة تميز العرق سببا لاحتقار الآخرين كما في اليونان عندما صنفوا العالم إلى (يونان وبرابره) وعند الألمان واليهود وحتى سرت هذه الحمى لدى جماعة من العرب، فأخذوا يفرقون وفي ظل الإسلام بين العرب وغيرهم وأسموهم بـ (الموالي).

وإذا أردنا أن نتتبع أسباب هذا السلوك اللاإنساني، المستعلي على الآخرين والمتعدي عليهم، نجدها كالأتي:

1- التعصب الممتزج بالجهل الذي يولد الحالات العدوانية وغير العقلانية في التعامل بين أفراد الجماعات البشرية.

2- وجود أشخاص وفئات لها مصالح معينة في إثارة الصراع العنصري والطائفي أو ممارسة الاضطهاد العنصري والطائفي.

3- التحريك الاستعماري لتمزيق أبناء الشعب الواحد مما يؤدي إلى سهولة السيطرة عليه والتحكم في رقاب أتباعه.

وعندما نقرا موقف الإسلام تجاه هذا التمايز وهذه الصراعات الظالمة، نجده يتحرك بشكل مباين لها في السلوك ويقرر حقيقة مختلفة تماما عنه.

فأما موقف الإسلام من العنصرية، فهو ينطلق من النص القرآني الشمولي الذي يتحدث عن هذه المسألة بغاية الوضوح والشفافية، يقول تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات 13). ومن النص يقرر الإسلام:

1- جميع الناس مخلوقون من ذكر وأنثى هما اصل البشر.

2- إن ظاهرة التنوع في الشعوب سنة إلهية تكوينية أرادها الله ولو شاء لجعلها واحدة.

3- إن الغاية من التنوع لا التفاخر والتباهي والتعالي وإنما التعارف فيها والتعاون.

4- إن الأساس في المفاضلة بين الأفراد والشعوب هو طاعة الله سبحانه وتعالى.

أما سلوك الاستعلاء بسبب الاختلاف العرقي، فان الإسلام يسميه بـ (العصبية) فالعصبي من يعين قومه على الظلم. وفي لسان العرب، العصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته ويحامي عنهم والعصبة الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويتعصب بهم. وتواترت السنة المباركة في ذم وتقريع هذا السلوك الشائن. فعن الإمام الصادق (ع) عن الرسول (ص) قال: مَن تعصب أو تُعصِب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه. وفي حديث آخر: من كان في قلبه حبة خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة في أعراب الجاهلية. وفي خطبة الوداع قال النبي (ص): يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وادم من تراب. أكرمكم اتقاكم، ليس لعربي على أعجمي فضل إلا التقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب. وروي أن امرأتين أتتا علياً (ع) إحداهن من العرب والأخرى من الموالي، فسألتاه فدفع اليهما دراهم وطعام بالسواء، فقالت إحداهن: إني امرأة من العرب وهذه من العجم. فقال: إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلا على بني إسحاق. والنصوص بذلك كثيرة، وهي جميعا تتفق على نظرة المساواة في الحقوق والواجبات ولا يعير أي أهمية لاختلاف العرق وإنما تحارب التميز على هذا الأساس. وبذلك يفتح الإسلام مجال التعايش المتكافئ واسعا بين الجميع المختلفين عرقاً على ارض وطن واحد. وهذه هي الوحدة الوطنية المنشودة.

ويدعم هذه النصوص السيرة العملية التي تتعالى على الاختلاف العنصري والقومي ولا تجده مبررا للتمايز، حيث سجلت سلوكاً متوازنا يعكس الشعور الصحيح بالمواطنة. ومن الشواهد على ذلك:

1- الاختلاف القومي بين القيادة والقاعدة: فعلى كل مستويات القيادة (السياسية- الفكرية والدينية- العسكرية) كان هناك اختلال عرقي أو قومي أو مذهبي ولم يضر هذا الاختلاف بالمتابعة والانقياد. فالدعوة العباسية الأولى إمامها عربي هاشمي والكوادر من العرب والفرس واغلبهم من الخراسانيين، وحلفاء الدولة العثمانية من الترك والأتباع من عرب وكرد وأتراك.

2- التزاوج: فلم يقف حائلا أي اختلاف غير موضوعي بوجه التزاوج. وقد سجل التاريخ زواج أشراف الإسلام من القومية العربية لنساء من قوميات أخرى كما في أهل البيت (ع).

3- بقاء القوميات بعد دخول الإسلام: لم يطالب الإسلام أي جهة وصل إليها بان تتخلى عن قومياتها أو تبدلها، لأنه لا يجد في ذلك ما يؤدي إلى الفرقة والتشتت.

4- التحول من قومية إلى أخرى: إن التحويل دليل ضعف الحس العنصري القومي لدى المسلمين. ولم يعتبروا هذا العمل ذا بال وبالتالي يؤكد عدم الشعور بالتميز.

أما علماء الإسلام فلم يجدوا الاختلاف القومي حائلا ً بوجههم في اتخاذ مواقف النصره والتأييد ومن الشواهد على ذلك ما حصل عندما طالبت حكومة البعث الكافر من السيد محسن الحكيم (ره) بالإفتاء بكفر الأكراد في أيام النزاع الكردي. فرفض ذلك وأفتى بأنهم إخوتنا في الإسلام ولا شرعية لهذا الصراع.

إذن فالإسلام صريح في قوله وفعله تجاه أي تمايز ينطلق من اختلاف العرق أو القومية. وهو يؤكد على وحدة الحقوق والواجبات. وبالتالي فهو خير داعم ومؤكد للمواطنة المتوازنة المتساوية المتعادلة.

الإسلام والطائفية

تشدد الإسلام في محاربته لأي نزاع ينطلق من الاختلاف المذهبي وتعدد وجهة النظر في فهم النصوص الإسلامية. وكان واضحا في تأكيده على الوحدة وان الاختلاف في الاجتهاد لا ينبغي له أن يخرج عن دائرة الحوار بالتي هي أحسن. كما انه لم يتحيز لجماعة دون جماعة. ومعالجات القران الكريم لهذا الاختلاف واضحة وفي نصوص جلية غير قابلة للتأويل. يقول القران الكريم: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)) سورة الحجرات. وقال في موضع اخر: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) سورة التوبة. وقال (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)) سورة آل عمران. وقال (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) سورة آل عمران (103). فهذه النصوص تكشف عن موقف الإسلام من جهة الاختلاف في الرؤية داخل الإطار الإسلامي وتشدد على الوحدة والتلاحم. ومن جهة أخرى فأن نصوصاً حددت حدود الإسلام الذي به تعصم الدماء والفروج والأموال. فعن البخاري: قال رسول الله (ص): (من شهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من العمل). وعن الإمام الصادق (ع): (الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة ألا اله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان). وبهذه النصوص يتحدد الإطار الإسلامي العام الذي تنحفظ فيه جميع التنوعات في الرؤية دون أن تكون مدعاة للتقاطع والتنابز والتشاتم.

وأما عن نصوص العلماء. فاذكر في بيان موقف الإسلام من جهة التنوع الطائفي (المذهبي) تجسّـد هذه الكلمة الرائعة لواحد من ابرز رواد الوحدة الإسلامية، وهو الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله تعالى) يقول:- وهيهات أن يسعدوا ما لم يتحدوا، وهيهات ان يتحدوا ما لم يتساعدوا، فيا أيها المسلمون لا تبلغون الاتحاد الذي بلغ به إباؤكم ما بلغوا بتزويق الألفاظ وتنسيق العبارات أو نشر الخطب والمقالات وضجيج الصحف وعجيج الأقلام. وليس الاتحاد ألفاظا فارغة وأقوالا بليغة وحكما بالغة مهما بلغت من أوج البلاغة وشأو الفصاحة ملاك الوحدة في الأمة وحقيقة التوحيد هنا صفاء النية وإخلاص قوية وأعمال جد ونشاط. وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم احد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ويتغلب عليه فيسكت ولا العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق أو دعا إلى عدل انك مفرّق أو مشاغب بل ينظر الآخرون إلى طلبه فان كان حقا نصروه وان كان حيفا أرشدوه وأقنعوه وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميمه والشقيق لشقيقه لا بالشتائم والسباب والمنابزة بالألقاب فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معا حطبا ويصبحا معا للأجنبي لقمة سائغة وغنيمة باردة.

وقد عرف اليوم حتى الأبكم والأصم من المسلمين إن لكل قطر من الأقطار الإسلامية صوتاً من حيتان الغرب أو أفعى من أفاعي الاستعمار فاغرا فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه. أفلا يكفي هذا جامعا للمسملين ومؤججا لنار الغيرة والحماس في عزائمهم؟ أفلا تكون شدة تلك الأيام وآلام تلك الشدة باعثة لهم على الاتحاد وأماتة ما بينهم من الضغائن والأحقاد وقد قيل (عند الشدائد تذهب الأحقاد) وكيف يطمع المسلم أن يكتسح أخاه ويستعبده وهو شريكه في البلاد من أقدم العهود وابعد الأجداد، أفلا تسوقهم المحن والمصائب التي انصبت عليهم صب الصواعق من الأجانب إلى إقامة موازين العدل والتناصف فيما بينهم ويحتفظ أهل كل قطر على التعامل الانتفاعي والتوازن الاجتماعي).

ولا اعتقد إننا نحتاج إلى مزيد من التعليق على هذه النصوص الجليّة الواضحة التي تؤكد بان الاختلاف المذهبي لا ينبغي له أن يفرق المواقف وان الانتماء للوطن الواحد يمكن أن يكون رابطا يجمع الجميع تحت لواء واحد وفي خندق مواجهة واحد. وبذلك يحارب الإسلام احد فتائل التعويق البغيضة للوحدة الوطنية.

الإسلام والأديان الأخرى

لا يجد الإسلام أية موانع تحول دون التعاون والتكاتف مع أبناء الأديان الأخرى، ما زال الأساس للتوحد موجود. ففي نص قرآني واضح يقول (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة البقرة 62) وفي نص آخر يقول: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (سورة آل عمران 199) ولكونه يلتفت في نظرته إلى إن أهل الكتاب ليسوا على حدٍ سواء في إيمانهم وسلوكهم فمنهم المؤمن ومنهم الكافر الذي يتخذ الشر طريقاً له. وكذلك فان العلاقة بين أهل الكتاب تختلف باختلاف نظرتهم وعلاقتهم مع الإسلام. يقول تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) (سورة المائدة 82). ومن هنا فان الإسلام لا يجعل العلاقة مطلقة مع أهل الكتاب، بل تتحرك بحسب القرب الإيماني، فيرشد موجهاً: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (سورة المائدة 51).

ومع كل ذلك فإن الإسلام كان متوازناً وإنسانيا في علاقته مع أبناء الأديان الأخرى. وجسد في واقعه العملي صور مشرقة لا يتأتى لأي وثيقة إنسانية أو سلوك عملي أن يداني صورته في احترام الآخر. ومسك الختام لهذه الفقرة نذكر مقطعا رائعا من الوثيقة السياسية المهمة التي تسمى بـ (عهد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) إلى مالك الأشتر عندما ولى الأشتر على مصر. وذكر له في هذه الوثيقة تفاصيل كثيرة عن حقوق وواجبات القيادة والرعية فقال: (إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فأملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت أو كرهت واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

نخرج من جملة النصوص الإسلامية السابقة بحصيلة مهمة مفادها: إن الإسلام له تصور واضح للمواطنة وهو يدعو إلى التعايش والتسالم والإنصاف بالحقوق والواجبات، ويناهض وبشدة جميع معوقات الوحدة الوطنية من عنصرية وقومية وطائفية واختلاف ديني.

لذا فإن اعتماد الإسلام هو الضمانة الوحيدة لالتئام الصفوف وتوحد أبناء الشعب العراقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات العراق – النجف.

[email protected]

1- المقال عبارة عن محاضرة تم إلقائها في مركز الدراسات الدولية التابع لجامعة بغداد

 

 ([1]) المقال عبارة عن محاضرة تم إلقائها في مركز الدراسات الدولية التابع لجامعة بغداد

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا