الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

نماذج معالجة المعلومات في الذاكرة

* د.غالب محمد رشيد الأسدي

  إن حقيقة وجود ثلاثة عناصر تؤثر في عملية تذكر المعلومات المختلفة التي يتعرض لها الإنسان خلال حياته اليومية وهي ترميز المعلومات Information coding والتخزين Storing لهذه المعلومات في مخازن مفترضة في الخلايا الدماغية واسترجاعها Retrieval عند الحاجة مرة أخرى ، دفعت علماء النفس لابتكار أو وضع نماذج فرضية يمكن من خلالها تفسير الكيفية التي تمكن الدارسين من تفسير أسباب النسيان والتوقع للكيفية التي يتم بها حفظ المعلومات ومن ثم استعادتها مرة أخرى عند الحاجة، فضلا عن معرفة سير العمليات الثلاث منذ إدخال المعلومات إلى جهاز الذاكرة إلى حين استرجاعها مرة أخرى بعد مرور مدد زمنية متباينة. لذلك ظهرت كثير من نماذج معالجة المعلومات في الذاكرة، لا سيما في عقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكن من الناحية العملية بقيت النماذج التي لها قدرة على تفسير معظم المتغيرات التي هي جزء من عملية التذكر والنسيان، فكلما كان للنموذج قدرة في إظهار تفسيرات مقبولة علمية لأسباب التذكر والنسيان أصبح أكثر قبولا واعتمادا من قبل العلماء والباحثين والدارسين في ميدان الذاكرة. لذلك ظهرت نماذج يمكن الاعتداد بها في تفسير أسباب التذكر والنسيان.

من أشهر هذه النماذج أنموذج برود بنت Broadbent model الذي اقترحه عام 1970م وأشار فيه إلى وجود نوعين من الذاكرة، الأولى ذاكرة قصيرة المدى تتعامل مع الأحداث اليومية، والثانية ذاكرة طويلة المدى تتعامل مع تاريخ الفرد لمدد زمنية طويلة، توصل إلى تلك الحقائق من خلال دراسة أدمغة المصابين باضطراب الذاكرة Amnesia)) (1)، وهنالك أنموذج أخر قدمه ووف ونورمن Waugh &Norman Model، اللذان اقترحاه عام 1965 م وهو لا يختلف كثيرا عن أنموذج برود بنت في المحتوى، لكنهما يريان إن الذاكرة القصيرة المدى منفصلة بعملها عن الذاكرة الطويلة المدى، أي لا يوجد ارتباط فيما بينهما وإنما كل ذاكرة تعمل بشكل منفصل عن الذاكرة الأخرى (2).

إن الأنموذج الذي قدمه اتكنسون– شيفرن سنة 1968م وتم تطويره في سنتي 1971م و 1977 م يعد من أكثر النماذج قبولا من قبل العلماء والباحثين في موضوع الذاكرة، لأنه يشير بوضوح إلى جميع مكونات عملية التذكر والنسيان، كما يعزو سبب النسيان إلى الفشل في احد العناصر أو أكثر من العناصر المكونة لعملية التذكر (3). ويفترض هذا النموذج أن المعلومات التي يتلقاها الفرد تدخل إلى الذاكرة القصيرة المدى Short-Term Memory عن طريق التسجيل الحسي Sensory Register فأما أن تبقى في هذه الذاكرة عن طريق الإعادة أو التكرار Rehearsal أو تفقد من خلال التضاؤل أو الخفوت Displacement or Decay، فضلا عن ذلك قد تنتقل إلى الذاكرة الطويلة المدى Long – Term Memory عن طريق تكرار المعلومات التي تهم الفرد، فالتكرار هنا لا ينتهي بالمحافظة على المعلومات في الذاكرة القصيرة المدى، بل أيضا يسبب انتقالها إلى الذاكرة الطويلة المدى (4). وقد جاءت معظم الأدلة على وجود هذه المنظومة في عملية التذكر عن طريق التجارب في الاستدعاء الحر Free-Recall، إذ يشاهد أفراد العينة عددا كبيرا من الكلمات غير المترابطة التي تقدم بصورة متتالية، وبعد نهاية المشاهدة يطلب من أفراد العينة استدعاؤها دون مراعاة الترتيب الذي عرضت فيه سابقا، فهذا الأنموذج يفترض بأنه خلال الاستدعاء الحر تكون الكلمات الأخيرة القليلة لا تزال موجودة في الذاكرة القصيرة المدى، في حين أن الكلمات الباقية تكون دخلت إلى الذاكرة الطويلة المدى، ومن هنا فإن توقع استدعاء الكلمات التي توجد في بداية القائمة عالية أيضا، وذلك لان هذه الكلمات تعرضت إلى الإعادة والتكرار قبل انتقالها إلى الذاكرة الطويلة المدى. وبما إنه كلما ازدادت الكلمات المدخلة إلى الذاكرة القصيرة المدى فإن كفاية الإعادة والتكرار تأخذ بالانخفاض، فإن الكلمات التي في بداية القائمة كانت لها أفضل الظروف للانتقال إلى الذاكرة الصغيرة المدى، ومن هذا فإن استعادتها فيما بعد تكون جيدة (5).

إن الفائدة العملية المتوقعة من مثل هذه النماذج في العملية التربوية هي تفسير الكيفية التي تنتقل المعلومات بها إلى ذاكرة الطلبة، فضلا عن الكيفية التي تحدث فيها عملية خزن تلك المعلومات، وأفضل السبل التي يمكن لنا بوصفنا تربويين أن نضمنها في المناهج وطرائق التدريس كي نضمن أفضل الظروف المناسبة لنقل المادة وتعليمها للطلبة، والوسائل التي يمكن لنا استخدامها في استرجاع المعلومات التي تعلمها الطلبة مرة أخرى أو عند الحاجة إليها في المستقبل، والتي يفترض أنها موجودة في مخازن بعد أن تعلمها الطلبة، وبالتالي فإن جميع هذه الإمكانيات والوسائل تجعلنا في مواقف تربوية تساهم مساهمة فعالة في أحداث أفضل تعلم ممكن، وتندرج جميع تلك المواقف بالتأكيد في خدمة العملية التربوية والقيمين عليها، وهي غاية من الغايات التي يتطلب من التربويين تحقيقها والسعي الحثيث من أجل توافر أفضل الظروف الممكنة لضمان حدوثها وبشكل فعال في العملية التربوية.


الهوامش

1- تريفرز، علم النفس التربوي، ترجمة موفق الحمداني وحمد دلي الكربولي، جامعة بغداد، 1979، ص 277

2- هولس، ستوارت وآخرون، سيكولوجية التعلم، ترجمة فؤاد أبو حطب وآمال صادق، دار مكجروهيل للنشر، الرياض، 1983، ص 457

3-  Sprainthall,N,A & Sprainthall ,R.C , Educational Psychology ,

4thEd,Random house, NewYork,1987,p263

4-  المصدر نفسه ص 275

5-  Atkinson,L&others, Introduction to Psychology, 10th Ed , Har court brace Jovanovich,NewYork,1990 ,p290

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا