الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

بناء الدولة العراقية.. النشأة والتكوين..

من أقلية حاكمة إلى أكثرية محكومة

 * أزهار الغرباوي

في معنى الدولة:

كثرت المحاولات التي تطرقت إلى تفسير نشأة الدولة واتخذت اتجاهات مختلفة وتباين مناهج وثقافات ووجهات نظر الفلاسفة والمفكرين السياسيين الذين اهتموا بالموضوع والافتراضات النظرية والتأملات الفلسفية التي اعتمدوها غير أن جميع هذه النظريات كانت تدور حول أحد أركان الدولة الأساسية وهو ركن السلطة السياسية.

وعليه فإن البحث في أصل فكرة الدولة وتطويرها يختلط مع البحث في نشأة السلطة السياسية وأساسها.

هنالك كثير من النظريات التي تبحث في أصل نشأة الدولة: النظريات الدينية والنظريات التعاقدية والنظريات غير التعاقدية.

وسنركز هنا على نظرية القوة التي تعتبر من النظريات غير التعاقدية وقد جاء تركيزنا عليها كونها الأقرب والأنسب تفسيرا لنشأة الدولة العراقية!!

إذ آمنت هذه النظرية بأن القهر والقوة هما أساس نشأ’ الدولة، بل هما الأساس في قيام أي نظام سياسي حيث كانت الجماعات الأولية تعيش في صراع مستمر مع بعضها، وإذا ما تمكن زعيم القبيلة أو العشيرة في تلك المجتمعات البدائية التأسيس لسلطته وفرضها على إقليم معين فكأنه حقق بذلك أحد أبرز مقومات نشأة الدولة التي إذا ما أرست وعائها فإنها لا يمكن بأٍي حال من الأحوال التخلي عن القوة والسيطرة والغلبة، إذ هي بحاجة لاستخدام كل ذلك لفرض سيادتها داخليا وخارجيا فكأن الدولة هي من صنع قانون الأقوى والسلطة في الدولة تتمركز لدى الأقوى.

والسلطة في الدولة تتمركز لدى الأقلية التي لها القوة والنفوذ تلك القوة التي يمكن أن تكون مادية أو أدبية أو دينية أو فكرية أو اقتصادية!!.

مدخل تاريخي للدولة في العراق:

1-   النموذج الملكي- البرلماني: إن العراق الحديث هو النتاج التاريخي لعملية التوحيد السياسي والاقتصادي للولايات العثمانية الثلاث: الموصل، بغداد، البصرة، هذه الصيرورة التاريخية تعززت بعاملين مهمين:

الأول: سياسات الحكومة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى.

الثاني: النمو لمتزايد لما عرف بالحكومة القومية والاستقلالية.

وبذلك يمكن القول إن تفاعل هذان العاملين أسهما إلى حد ما في تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة عام 1920 ومن ثم ميلاد الدولة العراقية الحديثة إلا أن هذه الصيرورة التاريخية لم تبدأ إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقبل ذلك، عانى العراق من أوضاع سيئة أعاقت نمو الوعي الوطني فيه، وعطلت حدوث أية تغيرات اجتماعية- اقتصادية أو فكرية مهمة، وبالتالي تعطل قيام الدولة العراقية فيه.

والسؤال الذي يثار بهذا الصدد: لماذا هذا التأخير في تشكيل الدولة؟ إن الإجابة على هذا التساؤل يتطلب منا العودة قليلا للوراء، إذ بعد الغزو المغولي عام 1285، دخل العراق في عهد جديد من التخلف والسيطرة الأجنبية، كبديل عن عهود الرقي والحضارة والتطور، وساد التخلف كافة جوانب الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، بل حتى السياسية.

وقد تحول العراق لولاية من ولايات الدولة العثمانية إذ كانت بغداد المنفى الذي يرسل إليه الولاة الذين فقدوا حظوتهم لدى الباب العالي، فقد كان يطلب منهم خلال فترات ولاياتهم جباية الضرائب، والأموال وإرسالها للاستانة، وبذلك ظل مفهوم الدولة في العراق عائما طوال تلك الفترة، إذ كانت الأقلية العثمانية- الأجنبية- هي التي تحكم الأغلبية العراقية!!

ظلت علاقة الدولة بهذه الجماعات تقوم على أخذ الضريبة بالقسر، وقد عرف العهد بالزراعي، إذ كانت تمردات القبائل والاضطراب الدائم فيه أهم سماته.

ومن ثم ولدت الدولة الحديثة في العراق، كما هو الحال بالنسبة لمعظم الدول العربية الجديدة على يد القوى الاستعمارية الغربية، كبريطانيا التي سعت إلى مد نفوذها فيه، منذ فترة ليست بالقصيرة، فقد تتوج اهتمامها ذلك باحتلال العراق أثناء الحرب العالمية الأولى1914-1918 ثم أخضعته لانتدابها المباشر (1920-1932) فخاضت البلاد آنذاك صراعا سياسيا مع بريطانيا للتخلص من كل أشكال النفوذ والهيمنة.

وبذلك يمكن القول أن الدول العراقية الحديثة قد انبثقت في ظل الاحتلال البريطاني، وتشكلت في ظل مركب فريد، جمع بين الحديث والتقليدي، جامعة الجهاز الإداري- العسكري البريطاني، بممثلي الجماعات المحلية من أشراف وتجار، وممثلي طوائف، وقد أنضاف لهذين المكونين الحديث والتقليدي، الخارجي، الداخلي، عنصر ثالث هو الملك فيصل، وجماعة الضباط الشريفين، وهما الضباط العراقيين الذين خدموا في الجيش العثماني المدحث، وتحولوا لصف الشريف (حسين بين علي) أثر اندلاع ما عرف بالثورة العربية عام 1916م.

ولكي نفهم طبيعة العلاقة بين الجهة الحاكمة والطبقة المحكومة فيتلك الفترة، لا بد أن نحدد كليهما، فالجهاز البريطاني هو جهاز بيروقراطي وعسكري حديث قام على هيكلة وضوابط بيروقراطية، تسلسل الرتب والمراتب، قواعد العمل الملزمة للجميع، التدرج، الضبط.. إلخ.

أما ممثلو الجماعات المحلية فهم شخصيات تقليدية استمدت أهميتها ووجاهتها من تنظيمات وقيم وأعراف المجتمع الزراعي، وكانت جماعة الضباط الشريفين تقف في الوسط باعتبارها نخبة حديثة صاعدة من المجتمع الزراعي التقليدي ذاته، بفعل نشوء تنظيم هو الجيش الدائم كجزء من البيروقراطية المعاصرة.

وما كان لجهاز الإدارة البريطاني الحديث العمل الموحد لو قدر له أن يدير كل هذا المجتمع المتجزئ لان تكاليف إدارته وضبطه كانت عهد ذاك مكلفة للخزينة البريطانية ولكن من جانب آخر لا بد أن تبسط نفوذها، ولو لا وجود ممثلي الجماعات التقليدية أي قادة الجماعات الحضرية (المنقسمة على أساس ديني/ طائفي)، وقادة الجماعات الريفية (القبائل)، لما أمكن لجهاز السيطرة البريطانية وحده بسط هيمنته على كل أجزاء العراق بدون حروب دائمة، أو بدون تكاليف باهضة، وهو ما سبق أن حدث حقا خلال ثورة 1920 التي أثبتت فشل الخيار البريطاني المنفرد.

لقد اعتمدت شرعية الدولة الأهلية على ثنائية مماثلة لمكونات القوة فيها، انعكست على بنية الدولة ونعني بذلك استيراد ملك من أشراف قريش (عائلة الشريف حسين في مكة)، وقد كان ذلك بالارتكاز للمفاهيم الفقهية التقليدية: الخلافة في قريش والتنصيب الجديد على أساس ترتيبات انتخابية برلمانية على الطراز الأوربي.

إن هذا النمط في الشرعية قد ارتكز على قاعدة متينة من التقاليد الدينية عهد ذاك وسط ممثلي الفئات الحضرية، وقاعدة أضيق من المفاهيم القومية العربية الجديدة التي برزت وسط الانتلجنسيا الناشئة حديثا في أجهزة الدولة العديدة: الضباط، الإداريون، الطلاب.

لقد ارتكز هذا النمط من المشروعية إلى منظومتين متباينتين نسبيا من الثقافة السياسية:

الأولى: تمثلت في التقاليد الدينية (الخلافة في قريش) المميزة للفئات التقليدية الحضرية في العراق العشرينيات من القرن الماضي، وكانت هذه القاعدة واسعة جدا اجتماعيا.

الثانية: ارتكزت إلى التقاليد الدينية المحدثة (الخلافة للعرب) التي ميزت تفكير الفئات الجديدة من الانتلجنسيا وهم الضباط الشريفين وكبار الموظفين (الأفندية) في الأجهزة العثمانية، وقد كانت قاعدة هؤلاء أضيق اجتماعيا من قاعدة الفئة الأولى.

وبذلك يمكن القول أن ثنائية الخلافة العربية، بمعناها الديني ومعناها الأثني ساعدت في توطيد مقبولية الملك العربي المستورد من الخارج وتجاوز انقسام المجتمع التقليدي في العراق، انقساما حادا إلى طوائف وجماعات ما كان لها أن تتفق على اختيار ممثل من إحداها.

فقاد ذلك لبناء نظام سياسي/ ملكي/ برلماني في العراق/ ارتكز على عدة عناصر: الأسرة الهاشمية، الضباط الشريفون، الشرعية العليا من الطبقات المالكة من (تجار، ملاك، أشراف)، ويتم تبنيه بوسائل انتخابية حديثة.

لقد نمت الدولة المركزية باطراد في تلك الفترة، من حيث نظام الضبط (المؤسسة العسكرية)، والإدارة (الجهاز المدني)، والخدمات (التعليم والصحة)، بل تجاوزت ذلك الميدان الإنتاج المادي (بناء الصناعات، والهياكل الارتكازية... الخ).

وبذلك يمكن القول أن هذا النموذج الملكي البرلماني- الليبرالي الذي استمر من عام 1921 إلى عام 1958 كانت هذه الدولة تستمد شرعيتها من الأسرة المالكة (المنحدر الهاشمي)، ومن التفويض الدستوري (التراضي مع المجتمع)، مثلما كانت تستمد ثورتها العسكرية من الجهاز العسكري والإداري البريطاني الأكفأ من تسلح العشائر.

وكانت هذه الدول تستمد قوتها من زجها الفئات وطبقات الأعيان والمشائخ في أجهزة الدولة والحكم، بإشراكها وتقاسم النفوذ والثروة معها، من تجار وارستقراطية تركية لسادة وأشراف المشايخ وأغواته.

وكانت وسيلة المشاركة السياسية في هذا النوع من الدولة: إدخال هؤلاء في مجالس الأعيان والنواب، وفي الوزارات وكانت هناك أيضا المشاركة الاقتصادية التي تمثلت بتوزيع الأراضي على الشيوخ وعلى الضباط الشريفين والسادة وغيرهم باعتبارها رمز الثروة والجاه في مجتمع زراعي قبلي الطابع.

2-   دولة العسكر أو الثورة في العراق:

بدأ نموذج الدولة الأولى يحتضر لعدة أسباب منها أن الإمبراطورية البريطانية التي دعمت الحكم الملكي بدأت تفقد جبروتها العالمي كما إن الطبقات الوسطى الحديثة بدأت تتوسع بفعل نظام التعليم الحديث لتطالب بالمشاركة السياسية والمشاركة الاقتصادية.

هذان التحولان خلقا أوضاعا جديدة لم تحاول الدولة التكيف معها، فسقطت لغياب العامل الخارجي المساند- كما ذكرنا سابقا- ولغياب القوى الاجتماعية الداخلية المساندة ولغياب الشرعية خصوصا أمام صمود الأيديولوجيات الرأسمالية في الخمسينيات والتي نزعت شرعية الكثير من النظم.

لقد وجدت الفئات الوسطى الحديثة لنفسها فرصة غزو أجهزة الدولة من أسفل، بعد أن كانت مستعبدة من أعلى، فوجدت منفذا للتعبير عن نشاطها في الأحزاب السرية، التي عبرت عن ظهورها السياسي الشديد خلال فترة الأربعينيات، ويمكن القول إن ما ساعد على بروزها فيتلك الفترة أيضا هو اتساع قاعدة الطبقات الاجتماعية الجديدة، وظهور الطبقات الاجتماعية القديمة، كما أن عدم استجابة النظام السياسي لهذا التغير أوقعه في عدة أزمات متتالية أودت به آخر الأمر، الأمر الذي فسح المجال لهذه الفئات الجديدة في اختراق قمة الدولة عام 1958م، على يد الفئات العسكرية الوسطى (الجندي، السياسي).

لقد انتهى النموذج البرلماني- الليبرالي في العراق عام 1958، ليحل نموذج آخر هو النموذج العسكري التسلطي الشعبوي، وهذه الصفات تفسر لنا أو تصور تركيبته فالقيادة السياسية تقع بيد الجيش الممثلة بكبار العسكر، والنظام السياسي في النموذج التسلطي، لأنه افتقر إلى أجهزة التمثيل السابقة من برلمان ومجلس أعيان، وهو شعبوي أي بمعنى أنه ادعى أنه يستمد سلطته من (الشعب) وليس من الدستور، واعتمد أيديولوجيا على خليط من كل شيء من (الوطنية) و (الاشتراكية) ومن التيارات الأخرى.

هذه النظم فتحت المجال لصعود قطاع من الطبقات الوسطى الحديثة لكنها انهارت تحت وقع صراعها الداخلي، وفشلها في كل ما وعدت به من تنمية وتطوير وتقدم وتحرير.

فلا بد من القول أن تجربة النظم العسكرية في العراق توالت في انقلابات متلاصقة بدءا منذ عام 1958 حتى عام 1968 وهو الذي مثل المرحلة الثالثة الجديدة في تشكيلة النظام السياسي في العراق، والتي عرفت بمرحلة الحكم الشمولي.

إذ معروف أن حزب البعث الذي جاء للسلطة أو مرة كان من أجل إقامة نظام عسكري عام 1963، لكنه فشل في تحقيق ذلك وكان فشله ذلك تجسيدا لفشل كل نماذج الحكم العسكري التسلطي، لذلك فإن عودته الثانية عام 1968 كانت قد ولدت لديه القناعة بضرورة اعتماد نمط جديد للحكم، وهو ما نسميه بالحكم الشمولي.

إذ أدرك أن الاعتماد على العسكر لن ينفع، جربه عبد الكريم قاسم وفشل (1958-1963)، كما كان الاعتماد على الحزب من خلال تعزيز علاقات التلاحم الفكري والسياسي فيه لا يكفي، فقد جربه البعث نفسه، وفشل في (شباط/1963- تشرين الأول/ 1963)، أما الاعتماد على الأقرباء والعسكر كما فعل عبد السلام عارف (1963-1968) فلا يكفي هو الآخر.

لقد اختارت قيادة البعث المدنية في العراق وبالذات صدام حسين، صورة النظام الشمولي، إذ سعى الرئيس العراقي المخلوع إلى بناء دولة تقودها قوتان:

-       حزب البعث، باعتباره أداة حديثة للتعبئة والتنظيم.

-       وجماعات القرابة، باعتبارها أداة اجتماعية تقليدية للتعبئة والتنظيم.

وهذا ما جعل النخبة الحاكمة في العراق تجمع عناصر قوة الأحزاب الأيديولوجية، وعناصر قوة التلاحم القرابي والعصبية العشائرية، وبالطبع فإن نظام الحزب الواحد اندمج بنظام العشيرة اندماجا قويا رغم حصول بعض الاحتكاكات بين هذين الوجهين انتهت إلى تمردات من الحزب على القرابة، أو انقسامات واحترابات داخل صفوف الأقرباء.

وقامت الدولة الشمولية السابقة بخيارات سياسية واقتصادية واجتماعية مدمرة على المدى البعيد، إذ اعتمدت سياسية الإقصاء القومي بدل التكامل التدريجي، وسياسية الاحتكار السياسي، بدل التوسيع التدريجي للمشاركة وسياسية الإقصاء القومي (التهجير) بدل سياسية الاندماج الوطني.

لقد نشأ في ظل الحكم الشمولي أيضا قطاع في حاضنة الدولة وبفضل مقاولاتها توزع على الأقرباء والانسباء والموالين، ورغم الخطاب (البعثي، الاشتراكي) شهدت الفترة عام 1958 إلى 1980 صعود (800) مليونيرا، أما بعد الحرب العراقية- الإيرانية، فقدر عددهم (3) آلاف في وقت بدأت الطبقات الوسطى فيه تعاني من صعوبات جمة.

هذا الوضع كان يواجه احتمالين: أما إصلاح النظام الشمولي، خصوصا بعد بدء تفكك آخر معاقله في (أوربا الشرقية)، أو اللجوء إلى مخرج عسكري، أي ضخ توترات المجتمع نحو الخارج، وبذلك سقطت النخبة الحاكمة في شمل العسكرة والتوسع الإقليمي.

فكان خيار الحرب مع إيران، وخيار ضم الكويت، ثم الإصرار على خوض الحرب فيها، أخطاء استراتيجية مدمرة، أريد منها إسكات أو إخماد التوترات الداخلية باسم ضرورات مواجهة الأعداء في الخارج.

وقد نجح النظام الحاكم خلال الحرب مع إيران في توليد نزعة تكاتف وطني داخلي، أسهم في تدعيم الجبهة الداخلية، كما نجح في ضمان دعم إقليمي وعالمي وفعال له، لو لا إنه أسهم في استنزاف ثروات العراق وإضعاف قدراته الاقتصادية خصوصا وإنه دولة شديدة الاعتماد على عائدات البترول.

بعد حرب الخليج- 1991 وغزو النظام السابق لدولة الكويت، بدأت عوامل القوة الأخرى من عطف دولي وتماسك وطني داخلي تتبخر تماما، فكانت انتفاضة عام 1991، اصدق مثال على الانهيار (رغم فشلها الواضح بحكم عفويتها الشديدة) وكذلك الحصار الاقتصادي الذي فرض على شعب العراق.

ولا بد من القول إن الدولة الشمولية لا بد لها من مقومات تسهم في بقائها ودمومتها وهي:

1-   الحزب: باعتباره أداة تعبئة وضبط أيديولوجي لسير الدولة والمجتمع، وقد أخذ هذا الجهاز يتآكل في السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام السابق، بسبب عمليات الطرد والتصفية وكذلك الانعدام أو الضعف الإيماني بعقائدية أفكاره.

2-   المؤسسة العسكرية والجهاز الأمني: التي اختزلت بشكل كبير في قدراتها البشرية وقاعدتها اللوجستية.

3-   العنصر الاقتصادي: سواء ريوع النفط التي بددت فوائضها خلال الحرب أو من خلال دور الدولة فيه كمنتج ومالك.

4-   انهيار الطبقات الوسطى التي تحولت قطاعاتها المتعددة على الراتب إلى سديم من الشحاذين علما انها كانت عماد حكم البعث وقادته، بل إن بعض الفئات بلغت مرحلة المجاعة ولم تؤمن بقيم الأفكار الاشتراكية التي نمت وتربت عليها.

5-   الدولة الشمولية: التي تعتمد في شرعيتها على الأفكار الاشتراكية، وتسويغ نظام الحزب الواحد، المستمدة من نماذج أوربا الشرقية، التي انهارات تباعا.

أخيرا فإن الدولة أية دولة لا بد لها من اعتراف قانوني وسند خارجي من النظام العالمي القائم على شرعية الدولة القومية أما بالنسبة للعراق فقد انقلب الوضع فيه رأسا على عقب وتحول بذلك لبيئة غير مؤاتية، لكيلا نقول مناوئة للنموذج الشمولي.

وبذلك أثبتت تجربة حكم العسكر والفكر الشمولي فشلها في العراق 2003، بعد أكثر من خمسة وثلاثين عاما من الأخطاء والتداعيات التي سجلت آخر صفحاتها في التاسع من نسيان- 2003.

والتساؤل المطروح اليوم وبقوة على الساحة السياسية العراقية، هو هل ستظل الثقافة السياسية في العراق ثقافة انقلابات واستيلاء عنيف على السلطة من قبل أقلية حاكمة وكتل شتى للحصول على مواقع السلطة والنفوذ، أم سيفتح المجال لإشاعة ثقافة التعددية والمرونة السياسية والإصلاح السياسي لإفساح المجال للأكثرية المحكومة أن تدلو بدولها في تقرير مصيرها؟

* باحثة في مركز الدراسات الدولية- جامعة بغداد.


المصادر:

1-   مجلة النبأ: مقال بعنوان (مستقبل الدولة منشور في مجلة النبأ المجلة الشهرية الصادرة في لندن 10/كانون الثاني/1998، ص21-23.

2-   د. وصفي عمر نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق، أطروحة دكتوراه منشورة في مركز دراسات الوحدة العربية، 1986، ص 34-37.

3-   د. ثامر كامل، الدولة في الوطن العربي على أبواب الألفية الثالثة، بغداد 2001، ص45، 59، 82.

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا