الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

المجدد الشيرازي الكبير

الفتوى التي حافظت على وحدة المسلمين والرسالة التي انقذت حياة الملايي

اعداد: علاء حسين

صادف يوم الرابع والعشرون من شهر شعبان المعظم ذكرى وفاة المجدد الكبير سماحة آية الله العظمى السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي قدس سره الشريف صاحب ثورة التنباك ضد الاستعمار الإنجليزي.

وقد أرتينا تسليط الضوء على بعض المقاطع التاريخية من حياته التي ترشدنا لكيفية معالجة بعض المفاصل اليومية الملتهبة في واقعنا المعاصر.

لقد وافقت حكومة الشاه ناصر الدين القاجارية سنة 1312 هجرية على منح إمتياز زراعة وتجارة التبغ في إيران للشركة البريطانية، وهذه كانت بّوابة لدخول الإستعمار في بلاد الإسلام وفرض الهيمنة السياسية والإقتصادية والثقافية على المسلمين في ايران، وبالتالي في غيرها من بلدان المنطقة.

فلم يمض على توقيع هذه المعاهدة الإستعمارية الخطيرة وقت طويل حتى تصدّى لها الإمام الميرزا الكبير المجدد السيد محمد حسن الشيرازي بإصدار فتوى حرَّمت إستعمال التنباك وهذا نصّها:

(إستعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن إستعمله كان كم حارب الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف).

كانت فتوى المجدد الشيرازي الكبير بمثابة ثورة ضد الإستعمار البريطاني، فقد أيقظت العالم الإسلامي وإعطته الوعي السياسي في تاريخه الحديث، حيث تنبَّه المسلمون بفضلها الى الأخطار التي يسببها النفوذ الأجنبي في بلادهم.

ولم تؤثر الفتوى هذه على الشعب الإيراني فقط، بل سرى أثرها حتى الى بلاط الشاه، فعندما شاع خبر الفتوى بين الناس ترك جميع افراد الشعب الايراني التدخين وكُسرت كُل نارجيلة وكُل آلة تستعمل للتدخين حتى ان نساء وخادمات القصر الملكي في طهران كسرن كل نارجيلة وجدت في زوايا القصر (النارجلية كانت آلة  التدخين في ايران آنذاك وكانت تستعمل على نطاق واسع) وقد حدث كلّ ذلك في فترة قصيرة والشاه لايعلم بما حصل، فطلب من خادمه المُقرّب اليه أن يُعدّ له نارجيلةً حسب الاُصول وان يأتيها اليه على عادته في فترات معينه من كل يوم، فذهب الخادم وعاد دون ان يأتي بنارجيلة معه فغضب الشاه ونهره بشدةٍ فأجابه الخادم بالقول: عفواً سيدي لم تبق في القصر نارجيلة واحدة الاّ وكسرتها الخانمات (السيدات) وهنّ يقلن: ان الميرزا الشيرازي قد حرّم التدخين.

وهكذا ترك الملايين من مواطني ايران آنذاك التدخين عملاً بفتوى الميرزا الشيرازي فاضطر الشاه الى فسخ الامتياز مع الشركة الانجليزية ودفع ما خسرته بسبب ذلك، وقد تكون فتوى الشيرازي قد تسبب في خسارة الحكومة الايرانية في حينه لكنها صانت بلاد الاسلام من تغلغل النفوذ الاجنبي ومن الاحتكارات الاستعمارية، ومن هنا كانت فتوى الميرزا الشيرازي نابعة عن تبصّر وبُعد نظرٍ وحرصٍ شديد على صيانة أرض الاسلام وحماية مصالح المسلمين بوجه اطماع الاجانب.

نبذة عن حياته

السيد محمد حسن الشيرازي، المشهور بالمجدد، عميد اُسرة الشيرازي. ولد في 15 جمادي الاولى سنة 1230 هجرية، وتوفي عام 1312 هجرية. هاجر الى مدينة النجف الأشرف سنة 1259 هجرية ثم الى مدينة سامراء المشرفة عام 1291 هجرية.

تربّى في حجر خاله المفضال السيد الجليل الميرزا حسين الموسوي طاب ثراه.

تتلمذ عند العلماء الأعلام أمثال : السيد حسن المدرس، والمحقق الكلباسي وصاحب الجواهر، والشيخ مرتضى الأنصاري.

آلت إليه المرجعية سنة 1281 هجرية بعد وفاة استاذه الشيخ مرتضى الأنصاري.

قارع الإستعمار البريطاني في ايران وقاد ثورة التنباك بإصدار فتواه المشهورة. كما وقف بوجه الفتنة الطائفية التي أحدثها ملك أفغانستان عبد الرحمن خان، حيث أخذ يقتل الشيعة هناك وعمل المنائر من رؤوس القتلى في كل مكان.

وقد تسالم المؤرخون على وصف الامام المجدد الشيرازي الكبير بأنه:

إماماً عالماً فقيهاً ماهراً محققاً، رئيساً  دينياً عامّاً وورعاً نقياً، ثاقب الفكر، بعيد النظر، مصيب الرأي، صائب الفراسة، يوقّر الكبير ويحنو على الصغير، ويرفق بالضعيف، اُعجوبة في أحاديثه وسعة مادته وجودة قريحته.

وتسنّم المجدّد الميرزا محمد حسن الشيرازي بعد استاذه الشيخ مرتضى الانصاري رحمة الله عليه  منصب الزعامة الدينية للشيعة وتصدّى للمرجعية العليا مدة ثلاثين عاماً بلا منازع ؛ وذلك لقوة شخصيّته الاسلامية الفذّة التي رعت شيعة العالم وقادتها الى قفزات متقدمة. ولها تاريخ مشرق قد أعجبت الصديق والعدو على السواء، فمواقفه الجريئة وأفكاره الناضجة قد جدّدت في حياة الامة روحها وبعث فيها النشاط والتطلعات الكبيرة، فلقبه كبار العلماء بالامام المجدّد.

بدأ يدرس العلم منذ الرابع من عمره. وخلال عامين وأربعة أشهر فرغ من تعلّم الكتابة وقراءة القرآن الكريم واللغة الفارسية وشرع في مطالعة الكتب العربية، وبلغ العشرين من عمره وهو حائز على درجة الاجتهاد في الشريعة الاسلامية.

الفتوى التي حافظت على وحدة المسلمين

من المعروف ان مدينة سامراء تسكنُها اكثريّةٌ مُسلمة سنّية وفي هذه المدينة يُوجد مرقدُ الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وموقع غيبة الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومن هذه الناحية تُعتبر سامراء مدينة مقدسة جداً بالنسبة للشيعة الذين يسافرون اليها جماعات وفرادى لزيارة العتبات المقدسة فيها، ولهذا فهي مُلتقى السنة والشيعة كليهما، وفي الماضي حينما كانت الانتماءات المذهبية والطائفية على أشدّها الى حدّ انها كانت تتخذ طابع التحدّي كان يحصل بعض المناوشات والنزاعات بين الفريقين.

وعندما نقل السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي حوزة درسه وسدة رئاسته الدينية الى مدينة سامراء حاول بكل جهد الوقوف ضدَّ أي عمل أو قول قد يُثير حفيظةَ السُنّة على الشيعة أو بالعكس بل سعى الى أن تسود روح السلم والوئام والتعايش الودّي بين الفريقين، أما اذا ما وقع شيءً ينبأ عن تصادم فانه كان يبادر على الفور الى تطويقه وحلّه بالحسنى، لانه كان يعلم جيداً ان القوى الأجنبية الطامعة تتربص وتتحين الفرص لأستغلال أي نزاع أو تصارع بين الطوائف الاسلامية في تحقيق غاياتها الاستعمارية وفرض هيمنتها على المسلمين جميعاٍ، ومن هنا كان يحرص على وحدة الكلمة الاسلامية.

وفي هذا الصدد نقل حفيدهُ العلامة المحقق المفضال السيد رضي الشيرازي (نزيل طهران) حكايات تُنبيء عن حكمته وتبصّره وحرصه على صون روح الوئام بين المسلمين.

قال: عندما شرع السيد الميرزا الشيرازي ببناء مدرسته الدينية العلمية الكبرى في مدينة سامراء وهي من جملة المنشآت التي اقامها في هذه المدينة خلال سنوات اقامته فيها، تشجّع المسلمون السُنّة بدورهم لبناء مدرسة دينية لعلمائهم، ولكنهم لم يتمكنوا من إتمام بناءها نظراً لانهم كانوا يفتقدون المال اللازم لها ولم يكن أمامهم من حيلة سوى الرجوع الى السيد الشيرزاي لطلب مساعدة مالية منه، وعندما ألتمسوا منه مثل هذه المساعدة قام على الفور بتلبية طلبهم وزوّدُهم بمنحةٍٍ مالية سخيّة، وكانت هذه اللفتة الكريمة منه عاملاً من عوامل الانسجام والوئام بين سكان الدينة.

وحصل أن تشاجر رجل مسلم سنّي مع رجل دين شيعي في سامراء واشتدّ النزاع بينهما فتدخل آخرون في الصراع ممّا ادى الى تفاقم الموقف ووصل الأمر الى أن بعض الجُهّال قاموا برشق بيت السيد الشيرازي بالحجارة والأساءة اليه فشاع الخبر في انحاء البلاد وكاد أن يتطور الموقف الى نزاع مسلح  وفتنة طائفية عويصة لولا حكمة وتبصّر السيد الشيرزاي وقيامه بتطويق الازمة وتهدئة الحالة بنفسية الزعيم المسالم والمصالح الرؤوف الذي يضعُ مصلحة الامة والدين فوق كل اعتبار، وأرادت جهاتٌ اجنبية طامعة أن تستغل الموقف لصالحهها، ومن هنا قام القنصلان البريطاني والروسي في بغداد بالسفر الى سامراء لاعلان تأييد حكومتيهما للسيد الشيرازي لكسب ودّه ولتحقيق غاياتهما في النكاية بالحكومة العثمانية، وعندما وصل القنصلان الى سامراء رفض الشيرازي استقبالهما والاجتماع بهما وأبلغهما بالواسطة أن ليس هناك ما يدعو للقلق لقد حصل شيء ما بين ابنائنا ونحن قادرون على تجاوزه بالحسنى ولسنا بحاجة لمساعدة أحد.

ومن جانب آخر أعلن رؤساء العشائر العربية القاطنة في منطقة الفرات الاوسط وهي تدين بالمذهب الشيعي تأييدهم للسيد الشيرازي وأبلغوه أن ثمانين ألف رجل مسلم بالسيوف المشهرة مُستعدون لخوض المعركة الى جانبه وأنهم رهن إشارته فردّ عليهم السيد بالقول ليست هناك حاجة لذلك فنحن كفيلون بحلّ ما وقع بين ابناءنا وتجاوزه بالسلم والمصالحة، وبهذه الصورة استطاع السيد الشيرازي أن يُهدّأ الموقف ويحولَ دون تأزمّه وأن يسدَّ الطريقَ على المُتربصين الدوائر ضدّ المسلمين ومصالحهم العليا، وعندما علم والي بغداد العثماني بهذا الموقف النبيل للسيد الشيرازي سافر الى سامراء ومعه كتاب شكر من السلطان العثماني، وحالما وصل الى سامراء استقبله السيد الشيرازي بوصفه فرداً مسلماً حيث أعرب له الوالي عن آيات شكر حكومته وعن تقديره له على مساعيه الحميدة في تجنب البلاد الاسلامية من الوقوع في فتنة طائفية لاتحمد عقباها وكادت أن تكون كارثة على الحكومة العثمانية، خاصة وانها كانت في صراع خفي ومعلن مع الحكومة البريطانية آنذاك، وكانت الحكومتان تستغلاّن المواقف والأحداث والوقائع في دول الشرق الاوسط ضدّ بعضهما بعضا.

بيدَ انَّ الوالي العثماني حسن باشا كان هو في الأصل منشأ النزاعات والمشاجرات بين السنة والشيعة في سامراء لحقدٍ دفين في نفسه على الميرزا الشيرازي، إذ أنه كان قد زار الميرزا فلم يعتن به، جرياً على عادة السيد في عدم الاهتمام بالمسؤولين الحكوميين فحقد الوالي عليه واوغر بالشيعة بعض المتعصبين من الأهالي في سامراء ممّن ثقل عليهم توطّن الميرزا الشيرازي في بلدهم.

وبالرغم من أن الحكم العثماني في العراق كان يُعاديه ويضع العراقيل امامه ويثيرُ حفيظةَ بعض الفرق الاسلامية ضدَّه الاّ أنه لم يرض اطلاقاً بالدخول في محاور سياسيةٍ ضدَّ الحكم ولم يقبل بمساعدة أية جهة غير اسلامية وفي هذا الصدد كان ردَّه على عرض المساعدة من جانب بريطانيا في الفتنة الطائفية التي وقعت في سامراء سنة 1311 هجرية (ان لا حاجة لدسّ أنف بريطانيا في هذا الامر الذي لايعنيها، لاننا والحكومة العثمانية على دين واحد وقبلةٍ واحدة وقرآن واحد) ويبدو من ذلك بجلاء أنه كان حريصاٍ على وحدة الجماعة الاسلامية رغم الخلاف المذهبي مع الدولة العثمانية، وقطع الطريق أمام تدخلات القناصل الاوربيين، وخاصة الانجليز الذين كانوا ينشطون لاقامة أوسع العلاقات مع القيادات الاجتماعية والأعيان في المدن والريف داخل العراق تمهيداً لأحتلاله وهو ما حصل بالفعل.

وممّا يجدر ذكره هنا أن اسلوب الحكم الذي مارسه الأتراك خلال فترة سلطتهم على العراق كان اسلوباً بتميّز الى حدّ كبير بالتعصب الشديد ضدّ الشيعة، ومن هنا فان الشيعة كانت تتحيّن الفرص دوماً للخروج على طاعتهم وللثورة ضدّ حكمهم وقد تمثلت مناهضة الشيعه للحكم التركي المُتزمت والمتعصب في سلسلة من الثورات والانتفاضات الشعبية التي قامت بها القبائل الشيعية. القاطنة في منطقة الفرات الأوسط، وكذا أهالي المدن الشيعية المقدسة في العراق مثل كربلاء والنجف.

رسالته انقذت حياة الملايين الشيعة وأوقفت إبادتهم

في عام 1880 للميلاد بعد أن وجدت بريطانيا نفسها مجبرة على الانسحاب من أفغانستان عمدت إلى تنصيب عميل لها على البلاد، يكون مطيعاً لها ومنفّذاً لأوامرها ورغباتها وأهدافها.

وكان الخيار البريطاني المناسب هو (عبد الرحمن خان) الذي كان معروفاً بقساوة القلب وعديم العاطفة والرحمة، كما كان أنانياً ومستبداً وعنيداً وحقوداً، وكان يحتقر شعبه ويشعر بعقدة الحقارة والضعف والدونية أمام الانجليز، كما كان معروفاً بحقده وكراهيته وعدائه لجميع القوميات الافغانية والقبائل البشتونية عدا قبيلته، وكان حقده وعداءه للمسلمين الشيعة والهزارة أشد وأكثر.

وكان (عبد الرحمن) شديد العداء والكراهية للعلماء، لأن حظّه من العلم كان قليلاً جداً، وكان يشعر بعقدة الحقارة أمام العلماء والمثقفين ولذا كان يحط من مكانة العلماء والمثقفين، ويكيل عليهم السباب والشتائم والإهانات. وكان أول عمل يقوم به بعد الاستيلاء على منطقة ما، هو تخريب المدارس والمساجد والمراكز العلمية والثقافية وزج العلماء والمثقفين والمفكرين والفنانين وأصحاب المهارات والمهن في السجون. وعندما استولى (عبد الرحمن) على مدينة هراة دمّر أكثر من خمسين مدرسة ومسجداً وحسينية. كما هدم (مصلّى هراة) الذي كان يعتبر نموذجاً رائعاً وفريداً من نوعه في الفن المعماري في آسيا الوسطى، وتراثاً إسلامياً وحضارياً متميزاً في أفغانستان.

ورغم الارهاب الذي كان يمارسه (عبد الرحمن) وسياسة البطش والاستبداد والقتل الذي اعتمده لارساء قواعد نظامه الجائر، لم يستسلم الشعب الأفغاني، وبدأت أصوات المعارضة ترتفع من هنا وهناك، وانطلقت ثورات شعبية عديدة ضد عبد الرحمن، وكان الثائرون من السنّة والشيعة والبشتون والأزبك والهزارة والطاجيك لديهم هدف واحد، هو القضاء على نظام (عبد الرحمن) الجائر، وكانت أهم تلك الثورات: ثورة القبائل البشتوتية، ثورة التركستانيين وثورة المسلمين الشيعة الهزارة.

فتوى التكفير: مبرر لقتل الشيعة

وقد سعى (عبد الرحمن) للحصول على مبرر ديني وشرعي للقضاء نهائياً على المسلمين الشيعة في هزارستان، لأنه كان يدرك بأن التوسل إلى الأساليب الدينية والمبررات الشرعية هو السبيل الوحيد لإثارة جميع القبائل الأفغانية (السنية) ضد المسلمين الشيعة. فاستغل جهل الناس وتخلّفهم الكبير واعتقادهم الراسخ بالعلماء ورجال الدين، في سبيل تحقيق أهدافه المشؤومة.

وبالفعل فقد طلب (عبد الرحمن) من علماء البلاط إصدار فتوى تكفير المسلمين الشيعة، باعتبارهم متمردين وخارجين على السلطان العادل! ومع الأسف فان عدداً من علماء السوء ووعاظ السلاطين استجابوا لطلب (عبد الرحمن) وأصدروا فتوى تكفير المسلمين الشيعة!! ويقال بأن عبد الرحمن كان قد حصل على فتوى تكفير المسلمين من علماء نجد والحجاز وإن (علماء) الأفغان استندوا على ذلك وفيما يلي الترجمة العربية لنص الفتوى:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى على المسلمين واتباع المذهب الحنفي الحنيف، ان الأمير عبد الرحمن خان حفظه الله المنان، من شرور البدعة والطغيان، قام بتأديب الهزارة البغاة الأشرار، وبعد أن ظفر على بعضهم، حصل جنود الأمير المنصور على ورقتين من كتاب يسمى (تحفة المواج) في إحدى المناطق التابعة للهزارة الأشرار، وتتضمن الورقتين أبيات كلها سب وشتم وإهانات صارخة للخلفاء الراشدين الثلاثة، سيدنا أبي بكر الصديق، وسيدنا عمر الفاروق، وسيدنا عثمان ذي النورين (رضي الله عنهم جميعاً)، الذين هم أئمة وقدوة المسلمين. وقد قام ظل الله في الأرض الأمير عبد الرحمن خان، بارسال الورقتين الى محكمة الشريعة النبوية العليا في كابل للتحقيق والبت في الأمر، وإبداء رأيها وحكمها الشرعي في المسألة. وبعد أن اطلعت المحكمة على أبيات الكفر والضلال، ومن أجل أن تقطع الطريق على الروافض، وتسلب منهم فرصة الإنكار والتقية والبراءة من مضمون أبيات الرفض، حصلت المحكمة على كتاب (حياة القلوب) تأليف (محمد باقر المجلسي) ووجدنا نص مضامين تلك الأبيات في ذلك الكتاب المعتبر لدى الروافض. وبعد التحقيق والتحري ثبت لدى محكمة الشريعة النبوية العليا وبدون أدنى شك رفض وكفر وارتداد الهزارة، وبناءً على هذا نحكم نحن في محكمة الشريعة النبوية العليا في كابل بكفر وارتداد الهزارة ووجوب قتلهم قبل التوبة وبعدها. إننا واعتباراً من اليوم نعتبر الهزارة مرتدين وبغاة، ومفسدين في الأرض، وإن قتلهم، وتمزيق صفوفهم، وهدم بيوتهم، وسبي نسائهم، هو عين الجهاد، وقوام للدين، ونصرة للإسلام والمسلمين، إن أمر الأمير العادل عبد الرحمن خان بوجوب محاربة الهزارة البغاة فرض واجب على كل من يمكنه القيام بذلك، وان من قتل أحداً من الهزارة أو قتل دون ذلك يعتبر شهيداً ومجاهداً وغازياً وناصراً للدين الحنيف ورسول الإسلام. كما ان قتلى الهزارة مخلدون في النار والجحيم.

إننا نقدم هذا الحكم الشرعي الى الأمير العادل عبد الرحمن خان ونرجو من جلالته ومقامه الكريم، ابلاغ هذا الحكم الى كافة المسلمين في أفغانستان، ليعلم جميع المسلمين الأفغان بكفر وارتداد الهزارة، ووجوب القضاء عليهم في كل مكان.

التوقيع:

المولوي مير فضل الله - مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي مير محمد  -  مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي مير نظام الدين  - مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي عبد الملك - مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي عمر عمران - مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي مير سيد ظاهر - مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي عبد الحميد   - مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي محمد اسلام  -  مستشار محكمة الشريعة النبوية في باميان

حرب الإبادة والمقاومة المستميتة:

بعد حصول (عبد الرحمن) على فتاوى تكفير المسلمين الشيعة، وجد الظروف مناسبة أكثر من أي وقت آخر للانتقام من المسلمين الشيعة. فبادر الى إرسال عدد من وعاظ السلاطين الى أقاليم ومدن البلاد، لابلاغ الناس فتوى التكفير، وحث الناس على التطوع والمشاركة في قتال الهزارة. وقد طبعت عشرات الآلاف النسخ من الفتاوى لتوزيعها في مختلف المدن والقرى والأرياف، واستدعى (عبد الرحمن) زعماء قبائل البشتون ولاسيما الحدودية ودعاهم الى ارسال مقاتليهم للمشاركة في الحرب ووعدهم بتوزيع أراضي وأموال وممتلكات الهزارة عليهم ويكون لهم ما غنموه من الأموال وما أسروه من النساء والغلمان. وبهذه الأساليب الخبيثة تمكن (عبد الرحمن) أن يجنّد عشرات الآلاف من أبناء القبائل البشتونية. لاسيما القبائل البدوية لمحاربة الهزارة، كما أرسل (125) ألفاً من قواته النظامية الى هزارستان. وبدأت الحرب غير المتكافئة بين المسلمين الشيعة الذين كانوا يدافعون عن مقدساتهم ووجودهم وبين جيش مدمج بأحداث انواع الأسلحة. وأمر عبد الرحمن بأسر المئات من أبناء الهزارة الذين كانوا في المناطق الواقعة تحت سيطرته، واستخدامهم كدروع بشرية في القتال. وبدأت المعارك بعد هجوم واسع شنته القوات الحكومية من جميع المحاور على مواقع المسلمين الشيعة الذين لم يكن أمامهم خيار سوى المقاومة المستميتة والتصدي بقوة للحملات الوحشية. ومع ان المسلمين الشيعة كانوا يعرفون عدم جدوى المقاومة وان المهاجمين لن يتركوهم وشأنهم حتى اذا انهزموا لمرات عديدة. لكنهم فضلوا المقاومة حتى الموت في ساحة القتال دفاعاً عن العقيدة والايمان والكرامة على الاستسلام، كما انهم كانوا على يقين بأنهم سيقتلون سواءً قاوموا او استسلموا. وفي ربيع عام (1892م) بدأ الهجوم الواسع لقوات عبد الرحمن من خمسة محاور هي: كابل وغزنة وقندهار وهرات ومزار شريف. وكان (السردار عبد القدوس خان) المعروف بقساوة قلبه وعدائه الشديد للمسلمين الشيعة يقود العمليات. وقد اصدر هذا المجرم وبناءً على تعليمات عبد الرحمن امراً بقتل جميع الرجال الهزارة دون تمييز بين مسلح وغير مسلح، وحرق المزارع واتلاف المواد الغذائية، كما أمر بفرض حصار اقتصادي محكم على هزارستان. وبالرغم من اتساع دائرة العمليات العسكرية والتفوق العددي والتكنولوجي لقوات (عبد الرحمن) الا انها لم تتمكن من التقدم في المناطق الشيعية وكانت تواجه مقاومة عنيفة في جميع المحاور. واستمرت هذه المقاومة المستميتة اكثر من سنة كاملة. وفي صيف عام (1893م) شددت قوات عبد الرحمن من هجماتها واستخدمت المدافع الميدانية المتطورة لضرب مواقع المدافعين، كما ان الحصار الاقتصادي وانتشار المجاعة وأنواع الأمراض المعدية بين سكان المنطقة، أثّر في معنويات المدافعين، وتمكنت قوات (عبد الرحمن) من اختراق بعض المواقع وإيجاد ثغرات في تحصنات الهزارة. واستولى على المناطق الشيعية بالتدريج واضطر المدافعون الى الانسحاب الى منطقة (اورزكان) القلعة الطبيعية الحصينة للمسلمين الشيعة.

وقد ارتكبت قوات (عبد الرحمن) مجازر واسعة في المناطق الشيعية وحولتها الى مسالخ حقيقية وقتلت عشرات الآلاف من الأبرياء من النساء والاطفال والشيوخ وحفرت مقابر جماعية دفن الناس فيها وهم أحياء. بعد انسحاب المقاتلين الشيعة إلى (اورزكان) فرضت القوات الحكومية طوقاً محكماً على المنطقة وجرت اشد المعارك وأشرسها في تلك المنطقة واستمرت عدة أشهر ولكن أخيراً سقط ذلك الحصن المنيع بعد استشهاد المدافعين والمقاومين. واستولى عبد الرحمن على جميع مناطق هزارستان بعد قتال دام اكثر من عام ونصف. وقام (عبد الرحمن) بارتكاب جرائم ومجازر واسعة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل قام بمصادرة أفضل الأراضي الزراعية وتوزيعها على القبائل البدوية الحدودية التي كانت تحت حماية الانجليز والمناطق المغتصبة هي (اجرستان، جورة، اورزكان خاص، كيزاب، تيري، دهراود، داي چوپلن) وهذه المناطق تعتبر من افضل مناطق افغانستان من الناحية الزراعية حيث خصوبة الأرض ووفرة المياه فضلاً عن الموقع الاستراتيجي.

وبعد سيطرة (عبد الرحمن) على المناطق الشيعية (هزارستان) بادرت مرتزقته الأشرار الى ارتكاب مجازر واسعة وجرائم فظيعة في مختلف المناطق، ولم يتركوا جريمة الا وارتكبوها. لقد كانت التعليمات المعطاة للجنود واضحة وهي القضاء الكامل على الهزارة. وقد استخدمت مرتزقة عبد الرحمن ابشع الأساليب في القتل والتعذيب والتنكيل، وكانت تقوم بحرق القرى وهدم المساجد وحرق المزارع والأشجار وإبادة المواشي، كما أنها كانت تمنع الناس من دفن الموتى والقتلى حتى إن أغلب الجثث كانت تتفسخ وسط البيوت. وقد انتشرت نتيجة ذلك مختلف الأوبئة والأمراض حتى ان بعض الجنود اصيبوا بأمراض خطيرة انتشرت في المنطقة. ومن أساليبهم الوحشية، قطع أطراف المعتقل، وتركه ينزف حتى الموت، ومنها تسليط الكلاب المتوحشة على المعتقل وهو مقيد وتنهش الكلاب من لحمه حتى يموت. ولعل من ابشع جرائمهم وأفظعها ذبح الاطفال والرضع أمام عيون أمهاتهم واغتصاب الفتيات المسلمات والاعتداء على النساء بحضور أقاربهن. ومنها تجريد الطاعنين في السن من النساء والرجال من ثيابهم وشدّ وثاقهم وتركهم في العراء دون طعام وشراب حتى الموت. وكان جنود (عبد الرحمن) يتلذذون من قتل الأطفال وكانوا يعتبرونه لعبة مسلية ومثيرة. حيث كانوا يرمون الاطفال الى الأعلى ثم يتلقونهم بسيوفهم ورماحهم ويقطعونهم إرباً إرب. أما عن معاملتهم مع أسرى الحرب، فحدث ولا حرج، حيث كانوا يقطعون انف الاسير وأذنيه، ويدخلون سيخاً حديدياً ساخناً في عينيه، بعد ذلك كانوا يقطعون يديه ورجليه ويستمرون في طعنه وضربه بالسيوف والخناجر حتى الموت.

وكان لدى كل واحد من الضباط عدد من الكلاب المدربة على أكل لحوم البشر والفتك بالإنسان خلال لحظات. وكان يقدم الى الكلاب في كلّ وجبة أسير شيعي مقيد وكانت الكلاب تفتك به وتأكل من لحمه. وكان في أغلب الأحيان يعلّقون الأسير في غصن شجرة ويبقرون بطنه ويخرجون أحشاءه، ثم يتركون الكلاب المتوحشة لتأكل من أحشائه ولحمه. بعد عام كامل من القتل الوحشي والتصفية الجسدية اصدر (عبد الرحمن) أمراً بوقف قتل الهزارة، وأجاز بيع وشراء أسرى الهزارة، بشرط أن يدفع كل من يبتاع شيعياً (10%) أي عُشر ثمنه للدولة. ويقال بأن مرتزقة (عبد الرحمن) اعتقلت (400) امرأة شيعية في منطقة (داية) بولاية غزنة وكان من المقرر نقلهن الى العاصمة لعرضهن في أسواق النخاسة، وعندما وصلن فوق جسر على نهر (جاغوري) رمين بأنفسهن في النهر وغرقن في أمواجه. ويقال بأن (40) فتاة من منطقة (اورزكان) هربن الى الجبال من مرتزقة (عبد الرحمن) وعندما شعرن بأنهن أمام طريق مسدود صعدن الى قمة صخرة عالية رمين بأنفسهن في وادي سحيق، دفعة واحدة فتقطعت أوصالهن والتحقن بالرفيق الأعلى. وكانت كبيرة الفتيات تسمى (شيرين) وقد صار اسمها رمزاً ونشيداً في هزارستان. وبعد ان اصدر (عبد الرحمن) مرسوماً بجواز بيع وشراء المسلمين الشيعة، خفت المجازر الوحشية. ونشطت اسواق النخاسة في كابول وقندهار وغزنة وهرات والمدن الأخرى.

وكان الأسرى من النساء والرجال والأطفال يؤخذون الى كابل والمدن ليباعوا في محلات خاصة.

وقد ورد في المستندات الحكومية (بأن القاضي (ملا خواجه محمد) قاضي المحكمة الشرعية في (ارزكان) بعث الى الامير عبد الرحمن خان مبلغ 1940 روبية من الضرائب المأخوذة عن بيع (1293) امرأة وطفل شيعي في ارزكان). وفي مدينة قندهار تم بيع (666، 46) بين امرأة وفتاة وشاب وطفل.

رسالة الإمام الشيرازي توقف إبادة الشيعة

وكان مسلسل ابادة المسلمين الشيعة مستمراً بكل وحشية وقساوة وبربرية الى أن اخبر الشيخ الآخوند ملا كاظم الهروي صاحب كتاب (كفاية الأصول) المجدد ميرزا حسن الشيرازي عن الأوضاع المأساوية للشيعة في افغانستان فبعث رسالة شديدة اللهجة الى (ناصر الدين شاه) ملك ايران، وأمره أن يطلب من بريطانيا الايعاز الى عبد الرحمن بوقف مجازر المسلمين الشيعة، وهدد سماحته في حال استمرار المجازر فانه سيتخذ قرارات حاسمة. وابلغ (ناصر الدين شاه) رسالة الإمام الشيرازي الى الانجليز الذين طلبوا من عميلهم عبد الرحمن وقف المجازر فورا. وبناء على أوامر الانجليز أوقف (عبد الرحمن) مسلسل ابادة المسلمين الشيعة وأمر بانسحاب قوات الجيش من هزارستان.

لقد كانت رسالة الإمام الشيرازي سبباً في وقف ابادة المسلمين الشيعة، ومن الغريب ان وسائل الاعلام والصحف الاسلامية التي تكتب عن حياة الإمام الشيرازي، لم تتطرق حتى الآن الى هذه الرسالة التاريخية الهامة التي انقذت حياة عدة ملايين من المسلمين الشيعة، ولا شك في أنها أهم بكثير من فتوى (التنباك). مع ان اعمال القتل ومسلسل ابادة المسلمين الشيعة خف الى حد كبير الا ان عملية التجويع والقهر والاذلال استمرت وقد حرم المسلمين الشيعة من جميع حقوقهم الاجتماعية والانسانية وأصبحت مناطقهم محرومة من كل الخدمات وحتى الآن تعتبر المناطق الشيعية من اكثر المناطق حرماناً في أفغانستان.كما رأينا هذه الحالة في العراق أيام حكم المجرم الطاغية صدام.


المصادر

 (1) http://www.s-alshirazi.com

 (2) افغانستان في مسيرة التاريخ، مير غلام محمد غبار.

 (3) المختصر المنقول في تاريخ الهزارة والمغول: ملا محمد فضل ارزكاني.

 (4) بحر الفوائد، يوسف رياضي.

 (5) تاريخ شيعة افغانستان، حسين علي يزداني.

 (6) افغانستان في خمسة قرون، مير محمد صديق فرهنك، المجلد الأول.

 (7) نظرة على ماضي وحاضر افغانستان، طالب قندهاري.

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا