الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

أسس التنمية الاجتماعية في العراق

د. سعد علي حسين

ليس من شك أن الفرق شاسع بين دخل الفرد في الدول المتقدمة عنه في الدول النامية، وهذا الفرق لا يقف عند حد معين بل يزداد اتساعا نتيجة ازدياد معدل نمو الدخل القومي في الدول المتقدمة عنه في الدول النامية وهذا ينعكس بطبيعة الحال على مستوى دخل الفرد وعلى مستوى معيشته...إلخ، ولذلك تحاول الدول النامية ساعية نحو اللحاق بالدول المتقدمة رغم كل التحديات التي تواجهها في سبيل ذلك في إطار من التخطيط السليم لاستخدام مواردها المادية والبشرية أعظم استخدام ولهذا كان التغيير الاجتماعي والحضاري ضروريا في سبيل تحقيق هذا الهدف، ولعل من أهم أهداف التغيير الاجتماعي في الدول النامية ما يأتي:-

1- زيادة المتوسط الحقيقي لدخول الأفراد.

2- توفير العمل المثمر لكل مواطن.

3- توفير الخدمات المختلفة للمواطنين.

4- تبني سياسة سكانية مناسبة ومتوازنة مع معدل نمو الدخل القومي.

5- الاهتمام بتركيب المجتمع وتنظيماته المختلفة بما يضمن تنمية الجهاز الاجتماعي بالكامل.

وهذا يعني أن التغير الاجتماعي هو عملية تحول من التخلف الاجتماعي والحضاري إلى التقدم الاجتماعي ولذلك فهو يتصل بالإنسان ككائن اجتماعي لأنه المعني بهذا التغيير.

والتنمية ما هي إلا عملية تغيير حضاري، وهذا التغير الحضاري بالغ الصعوبة والتعقيد، ولذلك فالتنمية تتطلب تبديلا اجتماعيا للواقع التاريخي الذي يعيشه المجتمع المختلف بتناول أساليب الإنتاج الاقتصادي وأنماط السلوك الاجتماعي وتبديلا للتجمعات الفكرية والقيمية التي تعوق التحديث والتقديم، ويلازمها في ذلك أساليب محددة ومسالك لتحقيق هذا التغير المنشود.

والواقع أن الإنسان هو حجر الزاوية في أية عملية تنمية، فهو الذي يدفع بعمله النمو إلى حيث يريد المجتمع في ضوء إمكانياته وموارده المتاحة، ولهذا فهو يعتبر أساس مهم ورأسمال مهم في عملية التنمية، وإذا ما أحيط الإنسان بالعناية المكانية والتدريب المثمر واكتملت له مقومات الصحة والعلم أمكنه أن يصنع الحضارة والقيام بالتغير لتحقيق التقدم المنشود.

وقد تم اتفاق المفكرين الاجتماعيين على الإنسان باعتباره أساس التغيير، وعلى تحقيق التنمية الاجتماعية إلا إنهم اختلفوا في تحديد مفهومها، فهي عند المشتغلين بالعلوم الإنسانية والاجتماعية تعني تحقيق التوافق الاجتماعي لدى أفراد المجتمع بما يعنيه هذا التوافق من إشباع بايولوجي ونفسي واجتماعي، وهي عند المعنيين بالعولمة السياسية والاقتصادية تعني الوصول بالإنسان إلى حد أوفى لمستوى المعيشة لاينبغي أن يقل عنه باعتباره حقا لكل مواطن تلتزم به الدولة وتعززه الجهود الأهلية لتحقيق كفاءة استخدام الامكانيات المتاحة إلى أقصى حد مستطاع ونجدها لدى المصلحين الاجتماعيين تعني توفير التعليم والصحة والمسكن الملائم والعمل المناسب لقدرات الإنسان وللدخل الذي يوفر له احتياجاته، وكذلك الأمن والتأمين الاجتماعي والترويح المجدي والقضاء على الاستغلال وعدم تكافؤ الفرص والانتفاع بالخدمات الاجتماعية، في حين نجد أن التنمية الاجتماعية لدى رجال الدين تعني الحفاظ على كرامة الإنسان باعتباره خليفة الله في الأرض.

ومثلما ذكرنا سابقا، فإن جوهر التنمية الاجتماعية هو العنصر الإنساني حيث يتم التركيز على قواعد مشاركة الفرد في التفكير والإعداد وتنفيذ البرامج والمشروعات الرامية للنهوض به وزيادة معدل الرفاهية لأفراد المجتمع والاهتمام بخلق الثقة في فاعلية برامج التنمية التي تنحصر من مجموعات ثلاث هي:

أ‌- مجموعة الخدمات ذات الصلة الحيوية الدائمة بالمجتمع والتي تشخص حياة هذا المجتمع ونظامه الإنتاجي سواء الزراعي أو الصناعي أو غير ذلك.

ب‌- مجموعة الخدمات التدعيمية التي تعمل على الإعداد للمستقبل مثل الخدمات التعليمية والصحية وغير ذلك.

ج- مجموعة الخدمات العامة للتنمية التي تعتبر الهياكل الأساسية للمشروعات مثل السكك الحديدية والطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي.. إلخ التي تعتمد عليها المشروعات المقترحة للتنمية.

وهذه المجموعات الثلاث تعمل ككل متكامل ولا يمكن ان تتم عملية التنمية من خلال وجود إحداها من دون الاخرى، ولذلك فإنه لا يمكن القول بأهمية إحداها عن الأخرى، كما أن تعثر إحدى هذه المجموعات إنما يعني تعثر جهود التنمية الاجتماعية ومن ثم ظهور قصور في الوظائف المنوط بالتنمية تحقيقها سواء المباشرة على الفرد وسلوكه أو على المجتمع بأكمله وترتكز تلك الوظائف في الآتي:

1- تزويد الفرد بالمهارات والخبرات الجديدة عن طريق معاهد التعليم ومراكز التدريب التي تعتبر مصادر القوى العاملة المنتجة في البلاد.

2- تزويد المواطنين بكل ما يعنيهم على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع بما يمكنهم من مسايرة ركب التقدم الحضاري.

3- رفع مستوى الأفراد عن طريق الخدمات الثقافية والإعلامية بكل ما يساعدهم على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية وكذلك تفادي عوامل التخلف الثقافي التي تعوق عملية البرامج التقدمية.

4- تخليص الأفراد من الشوائب الفكرية والأفكار البائدة والعادات والتقاليد البالية الموروثة التي تعيقهم عن التقدم والعمل على رفع مستواهم.

5- صقل شخصية الفرد التي هي جزء من شخصية المجتمع وذلك في إطار القيم الدينية والفكرية.

6- توفير خدمات الأمن والعدالة والدفاع وذلك لتحقيق حياة الاستقرار والطمأنينة والعدالة الاجتماعية لأفراد المجتمع.

ولو نظرنا إلى هدف التنمية الاجتماعية فنجد أنه ينقسم إلى قسمين أساسين القسم الأول وهو الهدف التكنولوجي ويتضمن إعداد القوة البشرية اللازمة لاحتياجات التنمية على مختلف مستويات المهارة والتخصيص، فالعنصر البشري من أهم عوامل التنمية لأن من بين وظائفه الأساسية تطوير وتنظيم وتشغيل كل عوامل الإنتاج كما أنه مصدر المهارات الحرفية والإدارية من رجال الأعمال والمدراء والمنظمين والسياسين والمهنيين.

 أما القسم الثاني وهو الهدف الأيديولوجي فيتضمن إعداد المواطن إعدادا سليما وصحيحا بما يتفق ونظام البلاد وفلسفتها وكذلك ثقافة هذه البلاد التي تمثل طريقة الحياة الكلية لهذه البلاد وذلك لأن كفاءة العامل البشري ومهاراته وتثقيفه مهمة للغاية في عملية التنمية والتقدم، وتطوير العنصر البشري إنما يشمل أشياء كثيرة من أهمها التعليم والنمو في المهارات والرغبة في العمل والتعليم إذا كان عاملا مهما في عملية التنمية فإن هناك مهارات ومستويات معينة من الخبرة العملية والتطبيقية مطلوبة عند غيرها، ويؤدي التعليم الفني والإداري إلى كثير من هذه المهارات والمستويات التي من شأنها تحسين مدى التطوير في قدرات العنصر البشري العملية والفنية بالإضافة إلى أن هذا التطور والنمو سيؤدي إلى زيادة عدالة التوزيع في الدخل والخدمات.

والخلاصة فإن التنمية الاجتماعية مهمة بمجالات الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وإسكان وغير ذلك كما تركز بصفة خاصة على تنمية الموارد البشرية والعمالة أكثر من الموارد المادية وتهدف من خلال هذا الاهتمام إلى إحداث تغييرات في الافراد للتقدم والنمو سواء في الناحية النفسية أو العقلية وغايتها من ذلك إعداد المواطن الصالح القادر على دفع عملية الانتاج.

وينعكس هذا الأمر على العراق باعتباره أحد الدول النامية، فغياب التنمية الاجتماعية في العراق يشكل أحد الملامح الأساسية في العراق، وذلك على الرغم من أن العراق يمتلك من الثروات ما تؤهله إلى أن يحقق تنمية اقتصادية ينجم عنها بالمحصلة تطور وتنمية على الصعيد الاجتماعي، ولعل من أبرز سمات غياب التنمية الاجتماعية في العراق ضعف مستوى التعليم، ضعف المستوى الصحي للمواطن العراقي فضلا عن نقص كبير في عدد المساكن الملائمة وغيرها من المستلزمات الاساسية للحياة بحيث أصبح المواطن العراقي يعاني بشكل كبير من أبسط مستلزمات الحياة، وبما أن العراق مقبل على تغير كبير في الأوضاع السياسية والاقتصادية فإن من الأولويات الأساسية التي يجب أن يتم الاهتمام بها من قبل أي حكومة عراقية قادمة هو العمل على تحقيق تنمية اجتماعية حقيقية تعيد التوازن لحياة المواطن العراقي الذي ظل يعاني الأمرين بسبب الحروب المتواصلة والعقوبات الاقتصادية التي كانت محصلتها الأساسية إنهاك ومعاناة المواطن العراقي، ولذلك حان الوقت لكي نعيد الاهتمام بهذا المواطن لكي يكون للحياة معنى، ورب سائل يسأل عن الأسس التي يمكن من خلالها وعن طريقها تحقيق التنمية الاجتماعية الحقيقية في العراق، ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل بالقول بأن التعليم يعد أحد العناصر الأساسية والمهمة لتحقيق التنمية الاجتماعية الحقيقية في العراق، ولذلك يتوجب على أية حكومة عراقية قادمة أن تجعل التعليم من أولوياتها الرئيسية خصوصا في الوقت الحاضر نتيجة دور التعليم في خلق أجيال متعلمة تساهم في بناء العراق وتعمل على تطوير وتحقيق تقدمه، ويمكن تحقيق هذا الأمر عن طريق زيادة حجم التخصيص الممنوح للتعليم والتدريب على صعيد الخطط الاقتصادية فضلا عن الاهتمام بالتعليم الخاص بمرحلة ما قبل المدرسة (أي رياض الأطفال، والتركيز على المدارس الفنية والمهنية الثانوية والتي تعتبر خطوة مبكرة لتدريب التلميذ بمهارت العمل اللازمة بالإضافة إلى إيجاد ومنح اهتمام خاص لتدريب المعلمين وتأهيلهم وذلك من خلال تأسيس معاهد خاصة لتدريب المعلمين والهدف من وراء ذلك هو تزويد قطاع التعليم بالتوجيهات المهمة لأعداد المعلمين والتفتيش والتأهيل التربوي، وأخيرا وليس أخرا، يجب أن تلجأ الحكومة العراقية إلى إعادة تصنيف المدارس الحكومية بالاتجاه نحو اقامة العديد مما يعرف بـ (المدارس الذكية) التي تتوفر فيها مواد دراسية تساعد التلاميذ على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة ومن المواد التي يتم الاعتناء بها من تلك المدارس أنظمة التصنيع الذكية وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة غير الملوثة وانظمة النقل الذكية، وذلك أن (المدارس الذكية) ستعمل على إدخال البلاد في عصر المعلومات وإتاحة نوعية التعليم الملائمة للبلاد في المستقبل.

أما على المستوى الصحي فيتوجب على الحكومة العراقية القادمة أن تركز على برامج خاصة بتنمية وتطوير القطاع الصحي بالعراق عن طريق تقديم مدى متكامل وواسع وشامل من الخدمات الصحية النوعية وتشمل الرعاية الصحية الأولية والمتقدمة ومن تلك البرامج على سبيل المثال برنامج الحياة الصحية النموذجية وبرنامج الحضانة من الأمراض وبرنامج السلامة الوظيفية والصحية وبرامج خدمات الرعاية الطبية وبرامج القوة البشرية الصحية وأخيرا برامج البحوث والتطوير الطبية فضلا عن زيادة عدد الأطباء والمستشفيات نسبة إلى المواطنين العراقيين.

ويتوجب على الحكومة العراقية المقبلة أن تبذل قصارى جهدها لتحسين مستوى معيشة المواطن العراقي ويكون الاساس في ذلك إيجاد وخلق مرحلة جديدة وتحسين وتطوير هيكلية التوظيف لأنه أساس من تحسين مستوى معيشة المواطن العراقي فضلا من تخفيض مستوى الفقر عن طريق منح إعانات مالية للفقراء خصوصا لمن يعول أسرة وهو معوق أو غير قادر على العمل بسبب الشيخوخة وتأسيس صندوق لدعم الفقراء وانشاء مشروعات اجتماعية موجهة لتطوير الريف والأنشطة الزراعية وتوفير مرافق البنية الأساسية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق النائية الفقيرة بما في ذلك مرافق النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية والمدارس والخدمات الصحية والكهرباء والعمل على إيجاد ضمان اجتماعي للعاملين وأخيرا وليس أخرا التركيز على نواحي الحياة العائلية والاهتمام بالنساء والشباب ووضع برامج خاصة بتطوير العائلة وتقويتها وخلق عائلة صحية ومستقرة ومتجانسة ومن تلك البرامج برامج تركز على الزواج، الوالدين، الأبوة، تطوير المراهقين الاهتمام بتطوير الجانب الثقافي الذي يعد الأساس في تحقيق تنمية اجتماعية حقيقية فضلاً عن الاهتمام بالبعد البيئي، ونقول إنه يتوجب على أية حكومة عراقية قادمة معالجة هذه القضايا بشكل أساسي إذا ما أرادت قيام تنمية اجتماعية حقيقية في العراق.

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا