الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

الوباء السلطوي

 وتجاوز ثقافة النخبة

 * آمنة الذهبي

تعد عملية تجاوز ثقافة النخبة خطوة مهمةً وهدفاً تسعى القوى السلطوية لتحقيقه من أجل ضمان استمرارها في السيطرة على المجتمعات، ويحدث ذلك عن طريق غزو ثقافة الفئات وصياغة ثقافة أخرى لها معاييرها المحكومة بثقافة السوق، وخلق أزمات اقتصادية تشغل الطبقة المثقفة في البحث عن طريقة للخروج منها على الصعيد الفردي بالدرجة الأساس، وكل ذلك من أجل سلب الخصوصية الثقافية وقطع صلة الطبقات الاجتماعية ببعضها، وبالنتيجة البعيدة المدى خلق جيل لا علاقة له بماضيه وتراثه يعمل على تدمير حضارته من حيث لا يقصد في أغلب الأحيان وتعمل تلك السلطة عن طريق تأكيد النجاح الفردي وتجميع الثروة واقصاء الثقافة الوطنية وإحتكار الصناعة الثقافية وخلق حالة من الإنبهار أمام المثقف الوطني والتخلي عن الخصوصيات الوطنية إلى جانب إيجاد البطالة وإهمال البعد الاجتماعي والإنساني وإضعاف النفوذ الثقافي بإزدياد تفككه وخلق عادات وأعراف اجتماعية جديدة وتقليص الجوانب الاجتماعية واضعاف المسؤولية العامة وخلق حالات من التوتر الاجتماعي والغربة واللامبالاة لدى الأفراد. (1)

 وتتعامل الثقافة الجديدة التي تحل محل ثقافة النخبة مع الإنسان على أنه مصدر ربح، وتروج لعمليتها التدميرية على إنها لحاق بركب التقدم والتكنولوجيا لأن تكوين هوية عالمية نهج قد يلقى قبولاً لدى الكثيرين في حين أنه في حقيقة الأمر خنق لأفق الثقافة وتضييقه حتى تكون الثقافة الحقيقية في بوتقة أحادية تقوم على أساس إضعاف قوة المجتمع على العمل الجماعي وتقليل دور المثقفين في الاهتمام بالأحداث المحلية في بلدهم.

إن عملية تجاوز ثقافة النخبة هي عملية تجاوز للقيم والقوانين وليست كما تروج لها الحكومات التسلطية، حيث يفصح (مايكل جي. غينون) أحد أبرز أساتذة القانون في جامعة كالفورنيا في الولايات المتحدة عن الموقف الغربي الهادف إلى فرض رؤيته النابعة من رؤية الولايات المتحدة الأميركية كواقع حال لأحادية القطب وفرض رؤيته على العالم بالقوة قائلاً أن الفكرة القديمة القائلة بالمساواة في السيادة بين جميع البلدان كبيرها وصغيرها مفهوم أجوف، وصار واضحا أن كل ما تتضمنه القوانين الدولية من حقوق للشعوب، سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اقتصادية، تنتهك من الغرب الذي صار يعني أميركا. (2)

ويصفها عالم الاجتماع الأميركي المعاصر (فكتور بالريدج) بالقول: أن ما يسود العالم هو أسلوب حياة ونظام تكون على أسس ومعطيات الراسمالية الذي تمثله أميركا ويرى أن فرض القيم الغربية على العالم بصورة عامة والشرقية (العربية) بصورة خاصة يأتي في سياق إمبريالية حضارية. في حين يرى صاموئيل هنتنغتون، إن الذين يدافعون عن قيمهم الثقافية الوطنية والدينية وخصوصياتهم الاجتماعية في مواجهة الإمبريالية الحضارية إنما ينطلقون من وعي زائف، بينما يرى (أركون) أن الهيمنة الثقافية موجودة في كل مجتمع إذ أن الطبقة السائدة في المجتمع تهيمن على المجتمع كله بثقافتها الخاصة وتفرض على الجميع مقاييسها العقلية من ذلك نستنتج أن بأمكان السلطة التي تهيمن على الحكم في مجموعة معينة أو دولة تعمل على القطرية يمكن أن تسير الامور لصالح أفكارها وأهدافها إذا ما نجحت في جمع مقاليد الأمور بيد الطبقة الثقافية المؤيدة لها من دون مواجهات صدامية، ويحدث ذلك غالباً عن طريق تعميم ثقافة هذه الفئة وإن كانت أقلية، وتوفير الدعم المادي والمعنوي وتوفير الأجواء المناسبة لبروزها على حساب النخبة والأمثلة على ذلك عديدة، وقد يبدو ابرزها حملة تغييب دور المثقف العراقي على مدى العقود الثلاثة الماضية وإبراز ثقافة الطبقة المؤيدة للسلطة على أساس أنها الأفضل من أجل مصلحة الوطن وبذلك برزت شخصيات عديمة الإمكانيات أدارت أكثر من مؤسسة إعلامية أو دبلوماسية وأحيانا عسكرية فكانت الشخص غير المناسب في المكان المناسب كما يقول المثل المعروف. وبالإمكان دونما صعوبة منهجية تعميم هذه الرؤية على المنطقة العربية بكاملها.

ويقودنا الموضوع هنا إلى البحث في الثقافة الاسلامية على اعتبار أن المسلمين هم الطبقة السائدة في المجتمع العربي من حيث العدد.

 

خريطة الطريق الخلاصية

للعولمة في الخطاب الإسلامي أكثر من موقع فقد أكد الاسلام أن الناس جميعا أمة واحدة، تجمعها الإنسانية وإن فرقتها الأهواء والمصالح، قال تعالى..{كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}(البقرة 213) وقال تعالى{إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} (الانبياء،92) وقال تعالى{ومن آيته خلق السموات والأرض وإختلاف السنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيت للعاملين} (الروم22 ) إذن ليس في الإسلام إختلاف في المعاملة بسبب إختلاف اللون والقومية والإقليمية وإنما بالعمل ليكون العدل هو السائد، كما حث الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المساعدة والعون قال.. (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). إن الثقافة التي يدعو الإسلام الناس للتمسك بها ليست حكراً على طبقة أو قوم أو زمان أو مكان وإنما جاءت إنسانية تفسح المجال أمام الجميع لبناء إنساني مشترك.

 وقد لا نغالي أو نتجه عكس موضة الطروحات السائدة هذه الايام بتأكيدنا بأن مستقبل العالم الحديث سوف يتعزز لصالح ثقافة الإسلام لأنه يرسم خريطة الطريق الخلاصية، وبذلك ينفصل عن إشكالية العولمة، المنمذجة غربيا- بشكل عام، وأمريكيا– بشكل خاص– عبر نمذجة الأمركة.

 ونجد المؤرخ توينبي يقر (بأن المسار الأنساني نحو العالمية سيحتاج إلى عطاء الإسلام في القضاء على العرقية بجميع تفرعاتها وفي التخلص من مظاهر الإنحطاط). 3

إشكالية تحديد الهوية الثقافية

يواجه النظام السلطوي مباشرة مسألة تحديد الهوية وهو تحدٍ يرتبط بالضرورة بتحديد الإرادة والهوية الجماعية، وهذا يعني أن إختراق الثقافة هو إختراق للشخصية، أو أن الإختراق يبدأ بالشخصية وصولا إلى الثقافة والمثال الأوضح على ذلك إن الهوية القومية ليست مجرد ملامح وسمات ظاهرية على ما تخبرنا به الأنثربولوجيا وعلم الاجتماعي السياسي، بل هي تعبير عن عملية تشكيل تاريخي، كما أن الطريق إلى إكتشافها تاريخي، والثقافات والهويات القومية تختلف فيما بينها بدرجة ومدى الاختلاف الذي نجده في تاريخها وتجاربها (4)، من جانب آخر نلاحظ أن الإختراق الثقافي ومع مركزية وشمولية الثقافة الإسلامية بدأ من خلال إنكسارات البنية السياسية العربية منذ أن أصبحت الدولة القطرية حقيقة دولية قبل أن تكون حقيقة وطنية وقومية وهي حقيقة دولية لأن مصالح الدول الأجنبية والكبرى منها بصفة خاصة مرتبطة بهذه المنطقة أي بالدول القطرية العربية (5).

إن الوحدة الثقافية للمجتمع لا تؤسس ضرورة قاعدة واقعية للوحدة إذا تجلت في المشاعر والعواطف فقط، من غير إرادة فاعلة وقدرة على الفعل الحضاري المتمثلة بنخبة مسلحة بثقافة أصيلة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية أولاً ثم الخارجية في حال بروزها شريطة عدم السعي إليها وكل ذلك لا بد أن يتم في ظل قيادة مؤثرة، وتجاوز ثقافة النخبة ليس سوى عملية ثقافية قد تدعمها القوة العسكرية الخارجية وفي أحيان كثيرة القوة العسكرية الداخلية التابعة للسلطة إلى جانب وسائل الإعلام والدعاية من أجل مصالح اقتصادية أو تجارية هي في أغلب الأحيان مصالح سياسية تتلخص في حفاظ الحزب أو الفرد الحاكم المتحكم بدفة السلطة.

وعملية تجاوز ثقافة النخبة عملية منظمة لها مميزاتها مثلما لها اهداف وأهم هذه المميزات أنها عملية تنطوي على قصد عدائي من جانب معين بإزاء مجتمع آخر مما يجعله تهديدا حقيقيا للأمن الثقافي لذلك المجتمع بصورة خاصة من خلال المحاولات المنظمة التي تقوم بها جماعات معينة لتشويه ثقافة مجتمع أو فئة من ذلك المجتمع، وغرس قيم غربية فيه وربطها أمام الآخرين بصفات بعيدة عنها، ثم إنشاء فئة اجتماعية ثقافية محلية تحمل قيم غريبة تغرس أنساق التعليم والفكر المرتبط بالسلطة. 

نتائج تجاوز ثقافة النخبة

 إن عملية تسريب الفكر الذرائعي إلى ثقافة المجتمع المبتلى بتغييب مثقفيه هي أهم عملية في إقناع المجتمع بضرورة مايحدث، إن كانت الجهة التي تقوم بعملية التغييب تلك تهتم بمسألة الإقناع، وأبرز تلك الذرائع التي مرت علينا في العراق هي التصدي للولايات الولايات المتحدة الأميركية التي تتحالف مع إسرائيل ضدنا بصورة خاصة وضد الوطن العربي عامة، وبذلك حققت السلطة المنفعة والتبعية الفكرية والسياسية وأدى كل ذلك إلى نتائج وخيمة منها:

1.    إرباك تفكير المواطن العربي بسبب التضليل الإعلامي الهائل.

2.  تبديد الصفات الثقافية العربية المتمثلة بالتسامح والكرم والإنفتاح على الآخر دون خوف من غزو فكري إستناداً إلى الدين.

3.   خلق القطيعة بين الاجيال بسبب لجوء المثقفين من النخبة إلى أحد حلين هما السفر وترك الوطن يرزح تحت وطأة السلطة أو الإعتكاف والدخول في صومعة من الصمت والتغييب الإختياري.

4.    تخريب القيم العربية الإسلامية وحرمان المجتمع من عناصر قوته.

5.  تسخيف المبادئ العربية(القومية والانسانية) وترسيخ التجزئة والتخلف والإساءة إلى النماذج القيادية العربية وتهديد المشروع النهضوي.

6-فرض (الإنموذج الاميركي) في الحياة والسلوك والقيم، إنطلاقا ًمن القول المأثور(كل ممنوع مرغوب) والإساءة إلى التجارب العربية على صعيد الفكر والسياسة والاجتماع.

·        باحثة عراقية مقيمة في الولايات المتحدة.

·        تدرس في جامعة اوهايو.


الهوامش....

1-       حكمت عبد الله البزاز. العولمة والتربية، منشورات دار الشؤن الثقافية العامة، بغداد 2000، ص 60.

2-       حسب الله يحيى. اين تكمن اثار العولمة الثقافية والتربوية. مجلة الحكمة، بغداد، العدد 27، حزيران – تموز، 2002.

3-   بركات محمد مراد. ظاهرة العولمة، رؤية نقدية، كتاب الامة، سلسلة تصدر عن وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، قطر، العدد، 845، 1422 هجرية، ص 167.

4-       كريم محمد حمزة. الاختراق الثقافي، المفهوم، المرجعية و الوسائل، مجلة دراسات اجتماعية، العدد السادس 2000، ص 43.

5-       محمد عابد الجابري. التنمية البشرية في الوطن العربي، بيروت، 1996، ص 12.

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا