الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

دول الاتحاد الأوربي والإرهاب (الإسلامي)

 د. حميد السعدون

 مركز الدراسات الدولية/ جامعة بغداد

سأركز في هذه المقالة على شكل التعامل الذي تمارسه دول الاتحاد الأوربي مع ظاهرة الإرهاب (الإسلامي) ابتداءً، فإن القارة الأوربية في المنحى التاريخي، كانت بؤرة نشطة لشبكات الإرهاب الفكرية السياسية والمالية والدينية، ولو عدنا إلى العصور الحديثة، لوجدنا أن التأسيس الفكري والسياسي لهذه الظاهرة قد ابتدأ مع الثورة الفرنسية عام1789م، فيما نظَّر له الثائر (بابوق) ليتخذ منه (روبسبير) منهجاً سياسياً مارسه ضد زملاء الثورة وأعدائها على حد سواء، ثم جاء (بابوبكين) ليتخذه منهجاً أساسياً لفكره.

إذن فالإرهاب بشكله الحالي المتعارف عليه، عرفته القارة القديمة منذ بدايات عصر التنوير، دون أن ننسى أن أي فكر بما فيه الفكر الديني، فيه سمات عنف وسمات تسامح، يضاف إلى ذلك أن أشكال الإرهاب التي حدثت في هذه القارة سببت حروباً طويلة، مثلما حصل في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إزاء ذلك فأوربا إلى حد ما عاشت وتعايشت مع هذه الظاهرة، خصوصاً وأن نسختها المحدثة وكانت بارزة في منظمات (بادرماينهوف) في المانيا، أو (الألوية الحمراء) في ايطاليا، أو نشاطات انفصالي الباسك (إيتا). ولذلك كان كل الارهاب الذي يعيشه العالم وليس أوربا لوحدها، إرهاباً مرتبطاً بفكر سياسي أو رؤى سياسية، ولم يكن موصوفاً بأي شكل ديني محدد، مثلما يجري وصف الإرهاب في الوقت الحاضر بأنه (إسلامي)، وتأكيداً استباقياً لمثل هذه الطروحات، فأوكد أن الإرهاب ليس وصفة إسلامية، إنه صناعة عالمية، حيث هناك الكثير من الإرهاب المسيحي واليهودي والهندوسي والإلحادي والبعثي، لكننا لم نسمع توصيفاً محدداً إزاءه، رغم أن احتكاكات هذه الأديان مع بعضها، قد يولد تماساً عنيفاً. وإزاء ذلك، فإنه بالنتيجة ممارسة ليس لها دين أو وطن، بل إنه نتاج الحراك الاجتماعي العنيف الذي تمر به كل مجتمعات الجنس البشري في أوقات مختلفة من حياتها ومراحل تكوينها.

ودول الاتحاد الأوربي في تعاملها مع هذه الظاهرة، تعيش أزمة متناقضة، فجميع دولها علمانية لا تجعل من الدين فيصلاً في ارجحية المعاملة بين الناس، لكنها تخشى إزدياد العنف والدمار في بلدانها، مما دفعها دفعاً أن تشرع بعض القوانين التي تتقاطع والحقوق المدنية لشعوبها وتتعدى على حقوقهم الديمقراطية، ودفع مؤسساتها الرسمية لتتعامل مع هذه الظاهرة بتشنج واضح، مما ساعد في صعود التيار اليميني الأوربي لسدة الحكم، مثلما حصل في النمسا واسبانيا وهولندا والبرتغال...الخ. هذا اليمين استرجع صدى السنين الغابرة وما تعرضت له أوربا من اخطار بسبب اندفاع جيوش (المحمديين) ويقصد بها جيوش الدولة العثمانية مع بدايات القرن السادس عشر، وبشكل عميق في وسط وجنوب القارة الأوربية، حتى كادت أن تحتل العاصمة النمساوية- فيينا- مما تطلب تحالفاً مسيحياً واسعاً امتدت مساحته الجغرافية من نهر (الفستولد) في بولندا، حتى نهر (التايمز) في انكلترا.

هذا الاسترجاع التاريخي نشّط فاعليته أمران:

الأول: الهياج والانفلات الأمريكي في محاربة هذه الظاهرة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر2001، بحيث جعلت معادلة الصداقة والتحالف من عدمها، مع جميع الدول مرتبطة بهذا الموضوع. هذا الأمر، منح الأجهزة الخاصة وخصوصاً الأمريكية منها مثل (F.B.I) مساحات واسعة من التأثير والنفوذ في مستوى القرار السياسي الأوربي، دون أن نسقط من الاعتبار، التداخل الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو ومؤسساته العسكرية والأمنية المتعددة. ترافق مع ذلك، حملة فكرية واسعة انطلقت من الولايات المتحدة تؤكد بأن الصدام الحضاري القادم، سيكون طرفاه الاساسيان هما الحضارة الإسلامية من جهة، والحضارة الغربية بكافة نماذجها من جهة أخرى. ولعل في كتابات (هانتنغتون) و(فوكوياما) و(بايبيس) نماذج لاسهامات تلك الحملة، هذه الحملة التي انطلقت باندفاع مترافقة مع الانفراد الأمريكي بشؤون العالم السياسية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة على حركة ونشاطات اجراءات السياسة الدولية، بما فيها اسهامات المنظمة الدولية، الأمر الذي يستوجب علينا جميعاً أن نساعد على قيام مركز دولي معادل، بما يكافيء هذه القوة المفرطة في منظور السياسة الدولية. وفي عالم اليوم لا نجد من المؤهلين للعب هذا الدور، إلا منظمة الاتحاد الأوربي، وهذا ما يجب، أن تحسبه حتى المنظمات الإسلامية العاملة والنشطة في الساحة الأوربية، والتي لم تنفك في إدانة الدور الأمريكي المتحيز لكافة أعداء الإسلام، وفي المقدمة من ذلك حمايتها ورعايتها ودعمها للجهود الصهيونية في فلسطين المحتلة.

والثاني: الأشكال غير المنضبطة وغير الواعية من الدعاة الإسلاميين المتواجدين في دول الاتحاد الأوربي والمرتبطين فكرياً بالخط السلفي غير القادر على التفاعل بإيجابية مع ما يحيط به، بحيث بات الأمر حدياً في نتائجه النهائية، مما ولد إضافة نوعية للاختراق عن شكل الموائمة الحضارية التي ينادي بها الإسلام. وكانت نماذج (أبو حمزة المصري) في بريطانيا، والانفعال غير المبرر لقانون الدولة الفرنسية في منع ارتداء الرموز الدينية في المؤسسات الرسمية، ما أعطى أن تكون هذه النماذج أدوات تعطيل وفوضى وتطاول على القوانين الوضعية المستندة عليها جميع دساتير دول الاتحاد الأوربي، وبما يشيع من قبولية الدعاوى الأمريكية عن خطورة الإسلام على جميع نماذج الحضارة الغربية. علماً أن دوائر الفكر السياسي العالمية، تشهد في الوقت الحاضر، حواراً بين التيار الليبرالي الذي يعطي الأولوية للجانب الإجرائي في الديمقراطية من منطلق أولوية مبدأ العدل على المضامين القيمية للتصورات، والتيار الطائفي أو التمييزي، الذي يدعو إلى إخضاع الآلية الديمقراطية للتعددية الثقافية والقومية القائمة، بحيث تكون مجرد تنظيم إجرائي لها. وقد بدأت المجتمعات الأوربية تتعامل مع هذا الحوار غير المألوف لديها بعد تنامي الهجرات العربية والإسلامية إليها، التي غيرت تركيبة نسيجها القومي. يضاف إلى ذلك، أن تراجع نموذج الدولة القومية نفسه في ظل حقائق العولمة، أدى إلى انبثاق هويات خصوصية جديدة على مستويات عديدة، محلية وثقافية واجتماعية. لذلك فإن هذا التدفق البشري كان شكلاً ايجابياً فيما تعامل بإيجابية مع حقائق المجتمع الذي يعيش فيه، وشكلاً سلبياً حينما صنف الأمور على مبدأ الفقه القديم المعبر عنه بـ: دار الحرب ودار السلام. في حين أن المطلوب منا، أن نشيع فقه الشراكة والتعايش والاتصال والمصلحة بين أبناء الكوكب الأرضي على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وهذا ما يذهب إليه الإسلام في حقيقته، بعيداً عن التعبيرات المتزمته والمتشنجة التي وفدت على التطبيقات الإسلامية في هذا الوقت. ولا يفوتنا أن نشير في هذا الجانب إلى خطورة ردود الفعل المتبادلة بين الإسلاميين ومحيطات مجتمعاتهم الأوربية، وبطريقة تتسم بالعنف والدموية، بما يعطي الإيحاء بالرسالة المشّوهة لحضارة من يفعلها، وفي نموذج مقتل المخرج الهولندي (فان كوخ) أو في ذبح الفتاة المسلمة في السويد لأسباب اجتماعية، مؤشرات دلالة على خطورة ما يحدث، مما يعرض الإسلام لحملة تشويهية غير منصفة، يساهم بها بعض أبنائه بأفعالهم غير الواعية.

وفي الأوضاع العراقية المتولدة من الاحتلال الأمريكي له، فقد نشطت الولايات المتحدة الأمريكية وبقوة في إبعاد الدور الأوربي أو دور المنظمات الدولية الايجابي في المساهمة في تهدئة هذه الأوضاع إن لم يكن أنها فعلت العكس. ولعل في مقتل المبعوث الدولي (ديميلو) في مقر عمله في بغداد، أو في الخطف المقصود لرعايا الدول الأوربية من عصابات الفوضى والإرهاب، والتعامل معهم بطريقة عنيفة وقاسية نماذج لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن المناخات والأجواء التي تحققت بها مثل هذه الأعمال.

إن الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر، تنبّهت للفجوات التي لم ترَ حجمها بما يمكنها من كونية دورها بشكله الإمبراطوري على المسرح العالمي، وهذا ما سعت إليه وبطريقة تتنافى وقواعد القانون الدولي، فكانت مؤشرات الدلالة في احتلال أفغانستان 2001 وفي احتلال العراق 2003، وفي السعي لأن تكون الساحة العراقية القاعدة الرئيسة للإرهاب الدولي، مع ما يسند ذلك من تواجد كثيف وبارز في دول آسيا الوسطى الإسلامية، حيث المكامن الواعدة للنفط وأحد أهم القواعد الرئيسة للحركات الإسلامية المتزمتة، وكأنها تريد أن تقول بتلك الأفعال، إن ضرورات دورها الكوني تستوجب منها إعادة النظر بقانون ماكندر، مع ما يستوجب ذلك من خرائط سياسية جديدة تتماهى ومصالح المهيمن.