الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

حقيقة سياسة الإرهاب ومكافحة الإرهاب

(قراءة في المسكوت عنه أمريكياً)

 د. عامر حسن فياض*

في سياق سلسلة العدوانات والاحتلالات الأمريكية الجديدة يشهد عالم اليوم انتقالاً من عولمة (مركزية الذات الأوربية) إلى عولمة (مركزية الذات الأمريكية).

فإذا كان المهيمن الأمريكي قد اتكأ لتسويغ خطابه العدواني الاحتلالي، راح بلسان الرئيس الأمريكي (بوش الابن) يضيف إلى ما تقدم من المسوغات مسوغاً جديداً عبر مقولته البدائية غير الحكيمة التي تفيد بأن (من لا يقف خلف أمريكا في حربها ضد الإرهاب، فإنه يقف ضدها) أي ما معناه بالقصدية الحقيقية الأمريكية (من لم يكن يقبل بهيمنتنا عليه فهو ضدنا).

وبقدر تعلق الأمر بالمسوغ الإضافي في خطاب الهيمنة الأمريكي نحو الآخر والمتمثل بـ(الإرهاب ومكافحة الإرهاب) فإن القراءة اليقظة له تكشف لنا عن أن حيوية هذا المطلب تكمن في تناقضاته التي جمعت ما بين سياستي (الفوضى) و(البناء) الأمريكية في العالم في سياسة أمريكية واحدة هي سياسة (الفوضى البناءة) أو (الفوضى الخلاقة) التي تعبر عن عدم جدية الإدارة الأمريكية في مكافحة الضار بالعراق النافع للإدارة الأمريكية. فهذه السياسة الأمريكية الفوضوية الخلاقة تعمل بحدية على تجفيف منابع الإرهاب في العالم وفي الوقت ذاته تسببت، قسراً، بمنبع جديد للإرهاب في العراق لتجعل من هذا البلد حاضنة لكل منابع الإرهاب وحلبة بديلة لكل حلباته في العالم.

كما أن هذه القراءة اليقظة لسياسة (الإرهاب ومكافحة الإرهاب) تكشف لنا أيضاً عن جرائم (إرهاب السكوت عن الإرهاب) ويكفي أن نتذكر بهذا الشأن الجرمي الإدارة الأمريكية في السكوت عن دوافع الإرهاب وتجاهل مسبباته الحقيقية وجرائم الإدارة الأمريكية في السكوت عن التمييز ما بين الإرهاب وحروب التحرير، وكذلك جرائم سكوتها عن الإرهاب الصهيوني ابتداء من إرهاب العصابات وصولاً إلى إرهاب الدولة المنظم.

إرهاب السكوت الأمريكي عن دوافع الإرهاب وتجاهل مسبباته

بعد الهجمات الانتحارية على المواقع الحيوية الأمريكية في أيلول عام2001، والعدوان على أفغانستان تحت يافطة (الإرهاب ومكافحة الإرهاب) ليس من الصحيح القول أن هناك عالما محكوما بـ(عودة الحروب) فهذه الحروب لم تختف أبداً لكي تعود.

والحقيقة أن الاكتفاء بعرض أحداث أيلول الأمريكية واستعراض أهوالها دون تحليل للأسباب وتأمل للبواعث والدوافع تجعل المرء، قطعاً، يدين الفعل. وليس من إنسان يستطيع التصفيق لمثل هذا الفعل سوى متوحش بدون قلب لا تهتز مشاعره لمحنة الموتى الأبرياء ومعاناة المدنيين الأحياء. بيد أن عرض واستذكار هذا الحدث الايلولي الأمريكي لا ينبغي أن يمنع التأمل العقلاني بحيث نضع ما جرى في سياق الصيرورة وتحت سؤال لماذا؟. إن الإرهاب من حيث المبدأ يمثل جريمة، ولكل جريمة ثلاثة أركان تدخل في صيرورتها هي (الأداة- الهدف- الدوافع) والمسكوت عنه أمريكياً وغربياً في أحداث أيلول الأمريكية هو عدم الحديث عن الدوافع!

فلماذا هذا الحزن والتأثر لقضية الشعب الأمريكي فقط دون غيرها من القضايا الحزينة المليئة بالعدوانية الإرهابية الدامية إن لم يكن ذلك تعويضاً عن الصمت حيال عذابات الشعوب الأخرى غير الأمريكية وغير الصهيونية؟

وإذا أردنا أن ندافع جميعاً عن مبادئ عالمية إنسانية، فلماذا ينبغي أن نتوقف فقط عند حدود الدفاع عن ما يتصل بالإنسان الأمريكي والأوربي دون غيره؟

وإذا كانت الإدانة الانتقائية تبدو هي أحدى ثوابت العلاقات الدولية في ظل الهيمنة الأمريكية، فلماذا هذا التأثر والانفعال فقط بالمأساة الأمريكية، وعدم الاكتراث بل التجاهل المقصود عالمياً لما يجري في فلسطين من احتلال وإرهاب ولما جرى في العراق من حصار وما يجري له من احتلال وحرمان، فهل القيم الأخلاقية والإنسانية جرى تدنيسها في أمريكا أكثر مما يجري تدنيسها في العوالم الأخرى؟

في حقيقة الأمر وفي إطار الفهم (الصيرورة) والتفحص المتأني البعيد عن الانفعال وعن التآمر على العقل، نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تفضل دائماً البحث عن (كبش فداء) لتبرير وتغطية فشلها في سياستها الخاطئة وأدائها الاحتلالي السيئ إزاء بلدان وشعوب العالم. تلك السياسة التي يصفها الكاتب الأمريكي (ستانلي هوفمان) بأنها عبارة عن (مبدأ تزييف الإدراك وتزييف التحليل أيضاً لأنها تبسط المواقف الشديدة التعقيد وتتميز بالصيغ الجاهزة حيث تستر حقائق بالغة التداخل إلى مجرد شعارات مقدسة. كما أنها تتميز بالسطحية لأن هذه الشعارات تكشف عن نوع من الجهل بالصيرورة السياسية والتاريخية والاجتماعية التي ينبغي أن تكون موضع اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية).

وعلى أساس مثل هذا الرأي تريد الولايات المتحدة الأمريكية فرض تحالفات وتدخلات واحتلالات دولية وفق تصورها ورؤيتها هي لمفهوم الإرهاب تحت شعار (مكافحة الإرهاب)، فالعدو هنا (أي الإرهاب) هو عدو هلامي غير واضح، وغير محدد المعالم، بل هو العدو اللامتوقع وحتى المجهول. وتحت ذريعة (مكافحة الإرهاب) بالصيغة الأمريكية هذه تفوّض الإدارة الأمريكية نفسها في عمل ما تحب ضد من تكره حتى لو دخلت في متاهات الاحتلال ومستنقعاته ونتائجه الوخيمة على الشعب الأمريكي وعلى شعوب البلدان التي تتورط حكوماتها في مثل هذه التحالفات الاحتلالية العدوانية والإرهابية أصلاً.

جريمة إرهاب السكوت الأمريكي

عن التمييز ما بين الإرهاب

وحرب التحرير

على عكس الرأي القديم المهمل الذي كان يعتنقه المؤلفون ورجال القانون والسياسة في الغرب ومن بينهم الأمريكان، فإن حركات التحرير الوطنية تتميز عن الإرهاب، فقد كسبت هذه الحركات الشخصية قانونية دولية، وهذا الوضع مبني على حق الشعوب التي تمت لها هذه الحركات في تقرير مصيرها. وهذا الحق هو من المبادئ التي اعتمدها القانون الدولي ونصت عليها القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1950، كما نصت عليه أيضاً إعلانات وعهود وحقوق الإنسان ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام ذاته.

إن حق الشعب في تقرير مصيره يجب أن يمارس بالطرق السلمية والديمقراطية عبر الاستفتاء العام، ولكن إذا حرم الشعب من الحق في تقرير مصيره بهذه الوسيلة السلمية فلا يعود أمامه من خيار سوى اللجوء إلى استخدام القوة، فيحق له عندها أن يشكل حركات التحرير الوطني الخاصة به، وعلى هذا الأساس مثلاً قامت منظمة التحرير الفلسطينية وقد منحت هذه المنظمة عام1974 صفة المراقب الدائم في مختلف أجهزة وهيئات الأمم المتحدة ومؤتمراتها، واشتركت في أجهزة المنظمة الدولية ووكالاتها المتخصصة، وفي بالمؤتمرات الدولية حول المعاهدات الجماعية التي عقدتها الأمم المتحدة، كما اشتركت أيضاً في المؤتمر الدبلوماسي للقانون الإنساني في النزاعات المسلحة، وتم قبول منظمة التحرير الفلسطينية عند أكثر من مائة حكومة بوصفها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي كانون عام1980 اتخذت الجمعية العامة الأمم المتحدة قراراً يدعو الدول الأعضاء إلى تقديم التسهيلات والامتيازات والحصانات الضرورية لتأدية المهام إلى حركات التحرير الوطني المعترف بها وذلك وفقاً لميثاق (فينا) حول تمثيل الدول. واضح أن هناك اتفاقا عاما على أن حركة التحرير الوطني تستطيع أن تكون من الناحية القانونية، طرفاً في نزاع مسلح. وأن حروب التحرير الوطنية هي ليست نزاعات داخلية محلية. وقد سبق أن اضيفت عام 1977 إلى اتفاقيات جنيف عام 1948 وثيقتان حول القانون الإنساني للنزاع المسلح نصت الاتفاقية الأولى على أن تدرج ضمن النزاعات الدولية المسلحة النزاعات المسلحة التي يقاتل فيها الشعب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي، أو ضد أنظمة عنصرية، وذلك خلال ممارسة الشعب لحقه في تقرير المصير. وهذا النص كان قد وفر لحركات التحرير الوطني وضعاً مساوياً لأي طرف من أطراف النزاع الدولي المسلح، واعترف لها بحق استخدام القوة من أجل ممارسة حقها في تقرير المصير. وقد أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/60 الصادر في 9 كانون أول عام1985، على شرعية حرب التحرير فنص على الآتي (..وإذ تؤكد (الجمعية العامة) من جديد أيضاً الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية وعنصرية ولغيرها من أشكال السيطرة الأجنبية، وإذ تقر شرعية كفاحها، ولا سيما كفاح حركات التحرير الوطني وفقاً لمقاصد ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بالتعاون والعلاقات الودية بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة،.. تدين جميع أعمال الإرهاب أينما وجدت وأياً كان مرتكبها).

وقد أكد من جديد قرار الجمعية العامة رقم42/59 في 7 كانون أول عام1987 على شرعية كفاح حركات التحرر الوطني. من جهة أخرى، لا يمكن اعتبار حرب التحرير التي تشنها حركات التحرير الوطني عملاً إرهابياً. فقد عرفت الحرب بأنها (نزاع مسلح ودموي بين جماعات مسلحة ومباشرة بين جماعتين منظمتين أو أكثر). إذاً حركات التحرير هي جماعات منظمة ومعترف بها دولياً، وهي تستخدم القوة العسكرية في مواجهة القوة العسكرية للدولة العدوة بهدف تحرير أرضها. أي أن طبيعة عملها العسكري هذا يتميز عن الأعمال الإرهابية، لأن الإرهاب يضرب ضربته بطريقة أحادية الجانب.

بكلمة أخرى، عادة ما يكون الإرهاب وحده سيد الموقف أثناء العملية، لأنه يضرب بحيث لا يكون الخصم مسلحاً أو قادراً على استعمال سلاحه في مكان بكونه الطرف الوحيد المسلح بين الأطراف المتنازعة خلال العملية الإرهابية. وهذا ما يفسر أن في الإرهاب لا تحصل عملية مواجهة بالمعنى الحرفي للكلمة حيث تشتبك الأطراف المتنازعة والمسلحة في مكان جغرافي معين وفي فترة زمنية محددة، بيد أنه قد يحصل مثلاً أن يجد الإرهابي نفسه في مواجهة مسلحة مع طرف آخر مسلح، وقد يحصل بينهما عراك مسلح، إلا أن هذا العراك لا يكون داخلاً في حساب الإرهابي عند تصميمه وبدء تنفيذه العملية.

من هذه الزاوية تتميز حرب التحرير عن الإرهاب، غير أنه من الممكن حدوث مثل هذه الأعمال أثناء سير عمليات الحروب النظامية التقليدية، مثلما تلجأ الجيوش النظامية إلى قصف المدن والأهداف المدنية واستخدام الأسلحة المحرمة للقيام بمجازر جماعية، كما فعلت القوات الأمريكية في حرب فيتنام وفي العدوان على العراق واحتلاله، بهدف ثني الخصم عن متابعة الحرب أو المقاومة، دون أن تأخذ بالاعتبار القوانين والأعراف الدولية. والجدير بالذكر أن حركات التحرير الوطني تتوسل أساليب العنف في عملها عندما تكون في موضع ضعف، فتتخذ حروب التحرير شكل أعمال العنف وهنا تكون (حرب العصابات) بمثابة (سلاح الأضعف) على رأي الجنرال (بوفر).

إرهاب السكوت الأمريكي عن الإرهاب الصهيوني

إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وظفت الايلولية لتغطية فشلها في التعامل مع الغير، فإن الكيان الصهيوني راح ومنذ أول برهة يوظف الملف الأيلولي الأمريكي لتغطية أورامه العنصرية والإرهابية ضد الشعب الفلسطيني واستغلاله، لا لوقف (الانتفاضة/ الثورة) في فلسطين بل لتصفيتها وهدم بنى ومؤسسات وركائز السلطة الفلسطينية تحت ذريعة (مكافحة الإرهاب) ناهيك عن توزيع الأدوار باتقان بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية وإسرائيل للعدوان على شعوب البلدان الإسلامية في سياق عولمة (مكافحة الإسلام) بوصفها (أي تلك العولمة) الطبعة الجديدة للاستعمار القديم.

وكما أن الإدارة الأمريكية لم تدرج ما قامت به في أربعينات القرن المنصرم من أعمال إبادة جماعية في هيروشيما وناكازاكي في خانة الأعمال الارهابية، فإنها رفضت وترفض دائماً ادراج إسرائيل ضمن قائمة الإرهاب. ففي فلسطين لجأ المستعمرون والاستيطانيون الصهاينة منذ عام1937 إلى استخدام جميع الأعمال الارهابية من أجل تحقيق أطماعهم، ليس فقط ضد المواطنين الفلسطينيين إنما أيضاً ضد البريطانيين، وطالت بعض هذه الأعمال اليهود أنفسهم.

فقبل تأسيس دولة إسرائيل عام1948 اتبع الصهاينة إثني عشر تكتيكاً إرهابياً، أربعة منها جرت خارج حدود فلسطين فشكلوا بذلك طليعة الإرهاب الدولي، وأدخلوا الإرهاب للمرة الأولى إلى المشرق العربي ومغربه. وقد مارست الحركة الصهيونية مند ذلك التاريخ الإرهاب بمختلف أشكاله فقامت بتصفية الأشخاص المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية، كما قامت بابادة الجنس البشري. ففي 16 أيلول عام1948 تم اغتيال وسيط الأمم المتحدة في فلسطين (الكونت فولك برنادوت) ومعاونه الفرنسي العقيد (سيرو). وفيما بعد نشرت (نيويورك تايم) بتاريخ 12 أيلول1988 خبراً مفاده أن أثنين من إسرائيل وهما (يهوشلوا رايتلر) و(ميتثولام ماركوفر) ذكرا على شاشة التلفاز الإسرائيلي بتاريخ 11 أيلول 1988 بأنهما كعضوين في (عصابة شتيرن) الصهيونية قاما مع عضوين آخرين في العصابة باغتيال (برنادوت) و(سيرو).

والجدير بالذكر أن عصابة (شتيرن) الصهيونية كانت في ذلك الوقت بيد لجنة مركزية صهيونية تتألف من ثلاثة أشخاص من بينهم (اسحاق بيزرنيتسكي) أي (اسحاق شامير) فيما بعد (أي رئيس وزراء إسرائيل الأسبق) وقد أصدرت هذه اللجنة الأمر بهذا الاغتيال.

إما جرائم إبادة الجنس البشري التي اقترفها صهاينة إسرائيل في أرض فلسطين فهي كثيرة وأولها مذبحة (دير ياسين) التي تمثل قمة الإرهاب، حيث قتلت عصابة (الأرغون) الاسرائيلية الصهيونية التي ترأسها (مناحيم بيغن) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق (250) شخصاً من ضمنهم (100) إمرأة وطفل عن سابق تصور وتصميم. وقد جرفت أطلال (دير ياسين) عام1980 بهدف إقامة مستعمرة صهيونية مكانها.

ومنذ ذلك الوقت وسجل إسرائيل الإرهابي حافل، بل إن الإرهاب الصهيوني بعد تأسيس دولة إسرائيل تحول من إرهاب عصابات إلى إرهاب الدولة فخرقت هذه الدولة جميع المواثيق والاتفاقات المتعلقة بتحريم العنف والإرهاب، ولم تأبه للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن. ويكفي أن نتذكر الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت المدني عام 1968 واجتياح لبنان عام 1982 وما رافق ذلك من مذابح وقتل وتدمير وإرهاب وتشريد وغارات على المخيمات.

والأكثر من كل ذلك فأن الأعمال الإرهابية والإجرامية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حتى يومنا هذا تكاد أن تصبح أعمالا لحظوية وليست يومية. ويكفي أن نتذكر أن السلطات الإسرائيلية اغتالت في السنة الأولى للإنتفاضة الأولى عام1987 أكثر من 400 فلسطيني، وجرحت حوالي46 ألف آخرين واعتقلت حوالي30 ألف غيرهم، معتمدة أعنف أساليب الإرهاب ومن بينها أساليب القتل وتكسير العظام. أما اليوم وعلى امتداد عمر (الانتفاضة/ الثورة) الثانية فإن إسرائيل تستخدم شتى ضروب وأدوات الإرهاب، ورغم ذلك كله تريد إسرائيل من العالم أن ينسى الاحتلال ومقاومة الاحتلال.

وبين السكوت الأمريكي عن الحق والنسيان العالمي للحق يظل عالمنا المعاصر بلا قيم وبلا مبادئ في سياق العولمة الأمريكية غير البريئة، فما العمل؟

ما العمل؟

نأمل إلا يظل الشرق هو الخاسر مرتين دائماً في تعامله مع الغير والجديد الوافد منه على شكل أفعال وأفكار وسياسات، ومن بينها (سياسة مكافحة الإرهاب) أو (عولمة مكافحة الإرهاب). فالخسارة الأولى تتمثل في قطيعة الشرق المسلم مع الوافد الجديد بصيغة التجاهل. والخسارة الثانية كانت تتمثل بقبول (الشرق المسلم) المتأخر لهذا الوافد الجديد بصيغة الاضطرار المتأخر أيضاً للتكيف والمواكبة مع حقائق العصر ومستجداته.

وإذا كانت (عولمة مكافحة الإرهاب) هي السياسة الوافدة على الجميع في جميع أنحاء العالم، فهي بصيغتها البريئة تقتضي أن نتعامل معها ونقبلها كحقيقة. فكيف نتعامل مع هذا الضيف الذي لم يستأذن ولم ينتظر الإذن بالدخول أينما ذهب؟

هل نتعامل مع هذه السياسة وفق صيغة التجاهل؟ أو نتعامل معها بالمواجهة وفق صيغة الشتم؟ أم نتعامل معها بالاختراق وفق صيغة المشاركة فيها؟ إن دروس الماضي لابد أن تدفعنا إلى إنتاج حكمة تسقط بها خيارات التجاهل والقطيعة والمواجهة بالشتم التي تعودناها في التعامل مع الجديد الوافد.. حكمة مفادها الاختراق بالمشاركة وطرح البدائل ضمن إطار آليات معقولة سواء بالمنافسة بل وحتى لو اقتضى الأمر بالصراع. وبقدر تعلق الأمر بحقيقة سياسة الإرهاب فإن مفتاح التعامل السليم معها إدراكها كحقيقة قائمة أولاً، وحقيقة ذات منظورات متعددة وتفسيرات مختلفة ثانياً. وهذا الإدراك سيمّهد لنا فهم دروبها الوعرة وكذلك المستقيمة. فكما إن هناك منظوراً أو تفسيراً أمريكياً لسياسة مكافحة العولمة يريد الهيمنة العالمية بأساليب الترغيب والترهيب، كذلك هناك المنظور الإنساني البريء لسياسة مكافحة الإرهاب الذي لا يسكت عن دوافع الإرهاب ويميز ما بين الإرهاب والتحرير ولا يسكت عن الإرهاب الإسرائيلي.

وهنا على المسلمين أن يسجلوا حضوراً من خلال بذل لصياغة منظور وتفسير يعني العالم ويخدمه لسياسة مكافحة الإرهاب، بدلاً من الانشغال غير المجدي بعدم الانشغال بعولمة مكافحة الإرهاب، وبدلاً من الانشغال غير المجدي أيضاً بشتمها فقط لأنها تقوم على مفهوم أمريكي غير بريء وفعل أمريكي أو إسرائيلي سيء وشرير.

وعلى أساس ما تقدم سيمثل هذا المنظور وهذا التعامل الإسلامي مع عولمة مكافحة الإرهاب منظوراً وتفسيراً وتعاملاً حكيماً معها بصيغة المشاركة وطرح البدائل النافعة للإنسان والإنسانية.

* كلية العلوم السياسية- جامعة بغداد