الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

الإرهاب في الخليج

 عبد الهادي مرهون*

بدعوة من قناة دبي الفضائية كان لي شرف المشاركة في حلقة حوارية عن (الإرهاب في الخليج) ضمن برنامج (بانوراما) الذي يتابع القضايا الساخنة على الصعيدين الإقليمي والعربي، وفي الحلقة ناقش المتحاورون قضية الإرهاب في الخليج حيث تم طرح عدة محاور تبين منها أنه في ظل تنامي ظاهرة العنف الأسود؛ لم تعد الدول العربية والخليجية برمتها مُحصّنة ضد ما قد يأتي من هذا العنف البغيض من تبعات وبالذات في الدول التي كانت ملاذات لرجالات الإرهاب وكوادره، وأعني بها دول الخليج العربي والبعض من مناطق الهلال الخصيب، وهي ذات الدول التي كانت مسرحاً لتشابك خيوط المخابرات العالمية وصراعاتها لمدة أربعين عاماً تحالفت فيها قوى الرجعية مع القوى الرأسمالية والدينية والليبرالية ضد ما كان يُسمى بالمد الأحمر.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 لم تعد الجماعات الإرهابية تستقيم على شكل خلايا بل أضحى تمددها الأفقي رهيباً، فلا غرابة أن نعرف أن عملية (ميلياني) في فرانكفورت، والتخطيط التفجيري ضد أحد الأسواق في مدينة (شتراسبورج) الألمانية قد تم التخطيط له في العاصمة البريطانية، بينما حُضِّرَت وجُلِبَت المتفجرات من أفغانستان، أما منفذو الهجوم فقد جاؤوا من لندن.

وفي عملية مراجعة موضوعية لمثل هذا الحال فإنه لا يُمكن لأحد أن يتنكّر عن حقيقة مفادها أن عوامل الدفع باتجاه تقوية القوى الظلامية قد جلب علينا من الأهوال ما لم يحسبه أحد، وخصوصاً ممن كان يتربع على كراسي الحكم في المنطقة والذين كان همّهم الأول السير وفق خطة المشروع الرأسمالي الكبير في مواجهة الكتلة الشرقية، وصيروا أنفسهم راية في معارك الآخرين، ولم يقرأوا أنه في الوقت الذي كانوا يستحلبون فيه العداء للاشتراكية كان المُستَحلَبُون يجتهدون في استخراج قدر متواز بل وأكبر من الفتاوى والأحكام التي امتزجت مع مفهوم (الضحية) والخاصة بكفر الحكّام وولاة الأمر وحتمية قتال الصليبيين، وفي ذلك الأتون سُلّمت لهم مراكز البحوث ووزارات التربية والتعليم حتى أصبحت الطلائع الشبابية في العالم العربي والإسلامي رهينة بأيديهم.

لقد أهملت حكومات المنطقة مسألة التنمية الشاملة لعقود من الزمن، فأنتجت اقتصاداً مشوها، وهياكل اقتصادية متأرجحة ومُضطربة، وحتى الأموال المُستولى عليها بات استثمارها يواجه شكلاً من أشكال التمييز في الدول الغربية، فأصبحت الدول الخليجية والمستثمرون العرب غير قادرين على توظيفها لا في موطنها الأصلي ولا في استثمارات خارجية حقيقية لأنها معرضة للقيود والمصادرة، وبالتالي أصبح من السهل أن تتدفق على شكل تمويلات للتنظيمات الإرهابية، وذلك هو الذي يفسر أن هناك عدداً من الأثرياء يقودون تلك المنظمات ويجندون قواعدها من المحرومين.

أضف إلى كل ذلك فقد لعبت السياسة الغربية وبالذات الأمريكية دوراً واضحاً في اتساع رقعة الإرهاب بسبب ازدواجية المعايير التي تتبعها، وضعف دور المؤسسات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة في حل كثير من الصراعات في أنحاء عدة من العالم، مثل قضايا التحرر العادلة في فلسطين وكشمير وايرلندا، مما أعطى انطباعاً بغياب العدالة الدولية، ففي الوقت الذي تنظر فيه الولايات المتحدة إلى حماس والجهاد وحزب الله بأنهم أسُّ الإرهاب المُعيق لعملية السلام وترسيخ الديمقراطية تتناسى أدواراً إرهابية نَشِطَة للجماعات المتطرفة في (إسرائيل)، تجاه الشعب الفلسطيني من هدم للبيوت وتجريف للأراضي.

مواقف القوى الدينية

مثّل إصدار الهيئة الإسلامية الأسبانية فتوى دينية تعتبر فيها أسامة بن لادن (القاعدة) حركة متطورة لمنسوب الخطاب الديني المعتدل المناهض لمفاهيم العنف، خصوصاً وأن كل مواقف الإدانة التي عبرت عنها مختلف الحكومات والأحزاب والجمعيات العربية والإسلامية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإلى الآن لم ترتق إلى هذا التوصيف، بل اتبعت أسلوباً أقرب إلى النقد العام منه إلى النقد المباشر ووضع اليد على الجرح، أو أنها كانت تُصدر بيانات إدانة مشفوعة بـ (لكن).

الإرهاب والعراق

وكان العراق في نهايات فترة الحكم الصدامي في 1995 بدأ في تسيير ما سماه ب (الحملة الإيمانية) التي بدأ فيها بإعادة أدلجة فدائيي صدّام، دون الحرس الجمهوري، بفكر تكفيري، وحاك خيوطاً مع قيادات متطرفة في المنطقة بغية الاستعانة بهم في حالة هجوم الولايات المتحدة الأمريكية عليه، وبعد سقوط النظام في 9 ابريل/ نيسان من العام 2003 بدأت هذه العناصر بالتحرك نحو تنظيم صفوفها وفق مناهج دينية متشددة، فأنشأت ما يُسمى الآن بتنظيم (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) أو (الجيش الإسلامي) وغيرها من المُسمّيات، وبدأت في ضرب أي مشروع طموح يسعى العراقيون نحو تحقيقه بدءاً بمجلس الحكم وانتهاءً بالانتخابات العامة، وقد وجد الإرهابيون في العراق ساحة خصبة لقتال القوات الأمريكية الغازية ومن يتعاون معها وصارت دول عربية وإسلامية ماكنة تفريخ للانتحاريين.

وفي ظل هذا الواقع العراقي المرير تبقى المسؤولية في المستقبل على الطلائع السياسية الجديدة في العراق، فعليها أولاً أن تبني مؤسساتها واقتصادها وبُناها الاجتماعية بالقدر الذي يُؤهلها للاستقلال والبدء في توديع الأجنبي، وقبلها يتوجب عليها عدم الشعور بأزمة الضمير من وجود مُحتل جاثم على صدورهم رغماً عنهم لأن الديمقراطية في ظل حراب الاحتلال خيار ليس هناك من يتمناه، لكنه أفضل من ألا تأتي أبداً وتظل شعوبنا على قوائم الانتظار، فاليابانيون بنوا الديمقراطية والاقتصاد في ظل الاحتلال، كذلك الايطاليون والألمان والكوريون الجنوبيون، ولم ينتقص ذلك من ديمقراطيتهم بل هم من يقود العالم الصناعي والديمقراطي اليوم.

ثم إن المسؤولية تقع على دول الجوار بأن تهب لمساعدة العراق وتُحيّد المعادلات الدولية ولو بشكل مؤقت لاسيما أثناء فترة بناء الدولة العراقية، من دون أن تتحسس من هذه التجربة، بل في وسعها الاستفادة من تجربة العراق الذي يزخر بذخيرة من التجارب الرائدة في مجالات الحياة والعلم والمعرفة.

* النائب الأول لرئيس مجلس النواب البحرين