ردك على هذا الموضوع

تحقيق: تماثيل ونصب تشيع ثقافة العنف

ما هي نظرة المثقف والأديب تجاهها؟

علي عطوان الكعبي

 

عندما تقيم الدول والشعوب النصب والتماثيل، إنما تفعل ذلك اعتزازا بمبدعيها وتخليدا لهم، وعلى الأصعدة الحياتية والفكرية كافة، بمفردات مواقفها الوطنية والإنسانية المشرفة، لإشاعة معان أخلاقية وإبداعية سامية، حفلت بها سير أولئك المبدعين على طول محطات حياتهم ولتأكيدها كقيم عظيمة في الذاكرة الجمعية للشعوب من خلال وضعها في الشوارع والساحات العامة، كفضاءات بصرية تعمل على تحفيز فضائل جمة في نفوس الأجيال.

ولم نجد في شعوب العالم شعبا احتفظ بنصب أو تماثيل تمجيدا لقاتل أو تخليدا لطاغية، ليس لأن الشعوب لا تمجد طغاتها حسب، إنما لأن هذه التماثيل لا يمكن أن تشيع إلا مفاهيم الظلم والقتل، والطغيان، فضلا عن تأكيدها، وبالرغم من كل ذلك، فإن الطغاة كثيرا ما يعمدون إلى إقامة مثل هذه النصب والتماثيل الشخصية وفق قياسات خاصة تتجاوز حدود المنطق والعقل، في الحجم والعدد، إضافة إلى نصب وتماثيل تروج لثقافتهم وسياستهم، التي غالبا ما تتميز بوجه أحادي النظرة والمفهوم، انطلاقا من الآفاق الشمولية في السلطة والحكم، وعلى الصعيد العراقي اندفع النظام الدكتاتوري المنهار للعمل على ترسيخ مثل هذه العملية، في بنية المجتمع العراقي عموما، أفقيا وعموديا كجزء من ثقافة أحادية عنيفة، بإقامة نصب هنا وتمثال هناك، حتى غصت شوارع بغداد وساحاتها بكتل إسمنتية لم ترق في الكثير منها، إلى مقاييس جمالية معينة غالبا ما كانت تخلخل مديات الرؤية للمواطن وهو يطالعها تحت القسر والإجبار ونتيجة لديمومة المشاهدة المستمدة من شواخص مكانية كتلوية، وقد يبرر البعض أن وجودها إنما هو جزء من تاريخ حقبة زمنية مرّ بها البلد، إلا أن المسألة هنا لا تتعلق بالتاريخ أبدا، بقدر تعلقها بما تنتجه وتروج له هذه التماثيل من ثقافة هي جزء من موروث سلطوي قمعي أشاع مفاهيمها، فهل تستطيع مثلا الإبقاء على تمثال لجندي إسرائيلي في بلدةٍ فلسطينية، بحجة أن ذلك جزء من تاريخ بلد، إن ذلك لا يمكن تصوره أبدا.

وعندما توجهنا بسؤال إلى أدباء ومثقفين حول هذا الموضوع مفاده: على الرغم من سقوط النظام الدكتاتوري إلا أننا نجد نصب وتماثيل في شوارع بغداد وساحاتها ما زالت قائمة تشيع ثقافة العنف؟ وقد اختلفت الإجابات حسب رؤى أصحابها ونظرتهم لهذا الأمر:

(إن علاقات ثقافة الاستبداد شاخصة ليست في الشوارع حسب، بل حتى في البيوت)

قاسم السومري - مخرج مسرحي

إن النصب والتماثيل التي تملأ الشوارع هي علامات لمنتج ثقافي اجتماعي، وطالما كانت المرحلة الماضية وحتى التي سبقتها هي ثقافة استبداد وعبادة الفرد وإشاعة ثقافة القسر والإقصاء والقتل، فمن المؤكد أن نجد علاماتها شاخصة ليست في الشوارع فحسب، بل حتى في داخل البيوت، وإذا ما سقطت بعض التماثيل التي كانت تشير إلى الرأس الأكبر الدكتاتور الأكبر، بقيت رموز تشير إلى ما تبقى من ثقافة الاستبداد داخل المجتمع، ليس فقط في نتاج السلطة، وإنما في نتاج المجتمع، ومن الضروري ليس إزاحة النصب فقط، وإنما تعمل الثقافة بأنساق متكاملة لتشيع ثقافة التسامح، ثقافة السلام، ثقافة الديمقراطية.

(إن بقاء هذه التماثيل يعتبر بقاءً للنظام)

صباح حسن زنكنه- كاتب صحفي

ويرى الكاتب الصحفي صباح زنكنه أن من الضروري أن تسعى وزارة الثقافة إلى إزالة هذه الأصنام، لأنها تذكر بشكل مستمر بأيام العهد البائد للنظام المنهار، وهذا يعني أن أثر النظام السابق لم يزل باقيا، كما أن بقاءها شاخصة مؤشر بأن ثقافة البعث في القتل والتدمير باقية أيضا، وعلينا أن نقتلع التمثال الرئيسي الذي هو تمثال صدام الحقيقي لكي تنتهي كل هذه التجاوزات.

(إن غالبية هذه النصب تشير وترمز إلى موضوعات تكرس العنف وثقافة العنف وأكاذيب انتصارات الطاغية)

كريم شغيدل - شاعر

وبيّن الشاعر كريم شغيدل أنه سبق وكتب موضوعا حول إعادة بناء الفضاء البصري للمدينة العراقية، وضمن هذا الفضاء البصري، هو موضوع النصب والتماثيل التي زخرت بها ساحات وشوارع بغداد العاصمة، وغالبية هذه النصب كانت تشير وترمز إلى موضوعات سياسية تكرس العنف وثقافة العنف وتكرس بعض وقائع وأكاذيب انتصارات الطاغية في حروبه الخاسرة جميعا، وكنت بالتحديد أشير إلى نصب الأسرى الموجود بالقرب من الجامعة المستنصرية، وحقيقة هذه الأكذوبة التي كان يراد منها الدعاية النفسية أو التوجيهية والدعائية للحرب وللعنف، كانت قد عكست صورا بشعة تلوث ذائقة المواطن وهو يمر في الصباحات المشرقة أمام هذه الجدارية الكبيرة التي تبرز البشاعة التي لا تتناسب مع المكان في طريق الجامعة، وفي القياسات الفنية وجدت أن هذا الفنان أو النحات قد أخفق في كثير من القياسات الفنية، فاللوحة مشوهة في أبعادها وفي تعبيراتها، لأنها لم تكن مبنية على حقيقة، فالحقيقة تعكس فنا رفيعا، وكذلك نصب الشهيد الذي أتفق غالبية المختصين من نحاتين ونقاد وتشكيليين على أن هذا النصب لم يكن يحتوي على رموز مباشرة للعنف، ولا بأس من بقائه كثروة فنية ومعمارية للبلد، مع تغيير في دواخله أو بعض التفاصيل الداخلية التي تشير إلى حروب الدكتاتور السابقة مع الجارة إيران، أو بغزوه الكويت وبمجرد رفع هذه التفاصيل يصبح النصب جاهزا، وحقيقة أني مع فكرة الاحتفاظ ببعض الثروة الفنية المعمارية مع تخليصها من هذه الرمزية التي تكرس العنف وتكرس ثقافة العنف.

(هناك نصب لرموز فاسدة وقاتلة يفترض أن يكون مكانها نصب لشهداء المقابر والمفقودين)

رسول خضر الزبون - شاعر

وتحدث الشاعر رسول الزبون عن المعاني الضمنية لهذه التماثيل والنصب، من خلال بقاء بعض منها بعد سقوط النظام الدكتاتوري تمجد ثقافته التي تصب بنيرانها باتجاه المظلومين وهي تملأ ساحات بغداد وشوارعها، لترسيخ أفكار ومعاني تتمحور حول الحرب، في عقول الصغار والكبار على حدّ سواء من ضمنها جدارية الأسرى وتمثال عدنان خير الله الذي يفترض أن يكون مكانه نصب لرموز الشهداء في المقابر الجماعية والمفقودين، علينا الآن البحث عن أفق جديد لإعادة هيكلية هذه النصب وإزالة ما ينشر ثقافة العنف منها.

(من العيب أن تكون هذه النصب في عصر فيه جواد سليم)

صادق الصائغ - شاعر

نعم هذه المخلفات نجدها في كل مكان فحياتنا ملأى ببقايا نظام دكتاتوري دماره يملأ العيون والعقول، وقد آن الأوان أن نحس أو نحسس الآخرين بأن لدينا منظورا لقلع الماضي وجعل الأمل مكانه وهذا ينطبق على التشكيل كما ينطبق على غيره، فهذه النصب من العيب أن تكون في عصر فيه جواد سليم الذي فتح بوابة القرن العشرين وسبق أجيالا كثيرة، إن هذه الأشياء المعيبة التي خلفها صدام حسين بنظامه الدكتاتوري يجب أن تزال لأنه من العار أن تبقى قائمة.

(في تصوري أن هذه النصب تجرح الذاكرة)

عباس العامري - أكاديمي وباحث

اعتقد أن الأمم تكرم مبدعيها، فتقيم لهم نصبا وتماثيلا لكي لا يعبروا سراعا سياج الذاكرة، الذي يرى أو يطالع شوارع وساحات بغداد أو ساحات العراق بشكل عام عبر القرن الماضي باستطاعته أن يؤشر أكثر من نقطة ممكن أن تشكل مدخلا نموذجيا لتحليل ظاهرة النصب والتماثيل، وبالإمكان أن نشير إلى تماثيل الشعراء أو المثقفين في مقابل تماثيل السياسيين، كان لنا تمثال السعدون، لكنه بحجم مصغر، وكأن الصورة النقيضة له تلك التماثيل المضخمة التي أقامها الدكتاتور لنفسه، كانت لدينا تماثيل الشعراء أبو نؤاس والحبوبي والمتنبي والكاظمي، ولكنها أخذت بالانحسار لتظهر بدلا منها في ساحات بغداد تماثيل السياسيين من الحقبة السابقة، ولنا أن نستذكر هنا تلك الشواخص التي هي أقرب إلى كونها كتلا كونكريتية من كونها أعمالاً فنية على شط العرب لجنود وأقطاب حركة مايس 1941، أنا في تصوري أن هذه النصب تجرح الذاكرة، لأن التعامل معها لم يتم أصلا بقيم جمالية تتساوق وتأتلف مع القيم التاريخية التي يمكن أن يعبر عنها الفنان بما يصل إلى المتلقي في النموذج، أرى أنه لو يتم تأسيس أمانة عاصمة فيها فنانون يقومون بدراسة هذه الظاهرة دون أن تقدم لهم وصايا من فوق تقول لهم أرفع هذا النصب أو ذاك، فيتعاملون مع هذه النصب التي تجرح الذاكرة وتعتدي وتنتهك وتشيع ثقافة العنف أنا لا أرى مبررا لبقائها.

(إن بقاء هذه التماثيل يساوي بقاء أزلام النظام)

محمد هاتو عزيز - باحث

وقد نظر الباحث محمد هاتو إلى هذا الموضوع من خلال واقعه المرتبط بأزلام النظام، حيث أن بقاء هذه التماثيل والنصب قائمة فإنما يساوي بقاء أزلام النظام وتمنحهم بعض مسوغات العنف الذي تشيعه هي أصلا، لأنها بعض من ثقافتهم، وربما شجعتهم على العودة من جديد ليروجوا ثقافتهم العنيفة في القتل من جديد أيضا.

(إن هذه النصب تمثل رمزا سلطويا حاكما... على الجهات أن تزيلها)

حيدر علي محمد - إعلامي

في طبيعة الأمر أن سقوط النظام الصدامي لا يعني سقوط الآيديولوجيا بحد ذاتها بقدر ما يعني سقوط شكل من النظام السلطوي، فالمسألة ليست في سقوط صدام كما هي سقوط قيمة من السلوك اللاشعوري واللاجمعي الذي بقي يحكم العراق على مدى ثلاثة عقود، المشكلة التي يواجهها المجتمع العراقي في مرحلته الراهنة وفي الثقافة العراقية، هي كيفية أن يمكنه التخلص من هذه الرواسب السلطوية، إن البعض ينظر إلى نظام صدام باعتباره النظام العسكري الذي كان يوفر له الأمان، والمشكلة أيضا أن البعض يقرن السلطة المطلقة بأمان جزئي، وهذا أخطر ما يواجهه المجتمع العراقي، إن النصب موجودة في ذهن المجتمع، أما مسألة زوال هذه النصب فيجب أن تضطلع بها الحكومة، لأنها تمثل رمزا سلطويا حاكما، ففي بقائها خطر يمثل حقبة زمنية عنيفة.

(الثقافة لا يمكن أن تتجانس مع ما يسمى بالعنف)

مؤيد البصام - كاتب

اعتقد إن هذه النصب والتماثيل هي جزء من تاريخ العراق، كما أن الثقافة لا يمكن أن تتجانس مع ما يسمى بالعنف، فليس هناك ما يسمى بثقافة العنف، وهذا مصطلح أوجدته أمريكا، في حقيقة الأمر لا يمكن للمثقف الذي هو ضمير الشعب والإنسان الحساس الذي يتطلع إلى مآسي الناس ويكتب عنها، أن يكون عنيفا، إن الذين يكتبون عن العنف والقتل لا يحسبون على الثقافة، فالثقافة هي مسألة إنسانية.

(عندما سقط التمثال الكبير وجب أن تسقط التماثيل الأخرى التي تشبهه)

يونادم بنيامين - شاعر

أتساءل دائما في نفسي، ما جدوى أن تبقى تماثيل ونصب تشيع ثقافة العنف، حيث أنه عندما يسقط التمثال الكبير يجب أن تسقط التماثيل الأخرى التي تشبهه أو تختفي تحت ظلاله، وإن بقاء هذه النصب إنما يدل على أن هناك من يرغب بذلك، ونحن إذ نتطلع إلى بناء عراق جديد أرى أن تزاح وتزال هذه النصب بأقصى سرعة ممكنة ويجب أن يكون مكانها غصن زيتون يدل على السلام.

(تظل هذه النصب والتماثيل تشير إلى وجود بقايا النظام السابق)

محمد تقي حسون - شاعر

اعتقد أن هذه النصب والتماثيل تظل تشير إلى وجود بقايا النظام السابق من الشعب العراقي، بالإضافة إلى أن هناك جهلا كبيرا يحيط بعض هذه التماثيل من قبل بعض الفئات مثل تمثال عدنان خير الله الذي يجهل الكثيرون خلفيته، إن من واجب وزارة الثقافة والحكومة العمل على إزالة مثل هذه التماثيل والنصب لأنها فعلا تشيع وتروج لثقافة العنف.

(إن هذه التماثيل يجب أن تزال لأنها تعطي مدلولا بان الفاشية ما زالت باقية)

جمال الهاشمي - شاعر وصحفي

ورأى جمال الهاشمي إن هذه الرموز بقيت تشيع ثقافة العنف وأنها جزء من ثقافة الفاشية التي بنيت على الموت والإقصاء والقتل، ومن هذه الرموز مثلا تمثال عدنان خير الله الذي يعد أحد المشاركين في الحروب والمذابح وهو لا يختلف عن سيده صدام، كما أن هناك الملحمة التي تسمى الجندي العراقي، والعجيب أنها تسمى كذلك بعد أن جاءت تعبيرا عن مذبحة كبيرة في الحرب العراقية- الإيرانية، بالإضافة إلى الجدارية التي توجد قرب الجامعة المستنصرية التي تشيع الموت والدمار، إن هذه الرموز يجب أن تزال لأنها تعطي مدلولا بأن الفاشية ما زالت باقية إلى الآن.

(إن هذه التماثيل يجب أن لا تستمر لأن في بقاءها استفزاز لكل المنكوبي)

إبراهيم الخياط - شاعر

أجد أنه يجب أن تتم معالجة الأمر وهو مهم وكلنا ثقة بأن هذه التماثيل يجب أن لا تستمر لأن في بقاءها استفزاز للشعب واستفزاز لشهدائنا واستفزاز لأمهاتنا واستفزاز لكل المنكوبين، ولكي تظل عيوننا سليمة بعد 35 سنة من النظر باتجاه واحد ولون واحد.

(إن هذه التماثيل والنصب إنما تذكرنا بعهد مأساوي وتذكرنا بسوداوية الدكتاتورية)

نعيمة مجيد - قاصة

تمنت القاصة نعيمة مجيد أن تزال كل أشكال العنف ليس فقط في نصبه وتماثيله ولوحاته التي لا تختلف في فعلها عن فعل السيارات المفخخة التي تصل الأبرياء، إن هذه التماثيل والنصب إنما تذكرنا بعهد مأساوي وتذكرنا بسوداوية الدكتاتورية البغيضة.