ردك على هذا الموضوع

مشاكل العائلة المسلمة في المهجر

من وجهة النظر النفسية

إعداد: صباح رشيد

يعيش في المهجر ملايين المسلمين من العوائل والأفراد، تركوا أوطانهم الأم، وهاجروا إلى تلك المجتمعات الجديدة رغبة منهم في الهجرة إليها، وبدوافع متنوعة. والهجرة مسألة لا تتوقف عند حدود الرغبة في السعي لتحقيقها، إذ أن هناك من اجبروا على سلوك طريقها مرغمين، ولأسباب ودوافع مختلفة، يتعلق البعض منها بالحالة الاقتصادية، وتحديداً الرغبة في تحسين الحالة المادية ورفع مستويات العيش .

ويتعلق البعض الآخر بالعوامل والأسباب السياسية التي يعود معظمها لخلافات في الرأي لم يتمكن المجتمع الأم قبولها، أو السماح بالتعبير عنها.

هذا بالآضافة للاسباب الدينية، حيث الطائفية في الوطن الأم والتفرقة المذهبية، والإجراءات التي تحول دون القيام بالطقوس والممارسات الدينية.

وآخرون نزحوا من أوطانهم وأماكن سكناهم وهاجرواإلى أماكن متفرقة من العالم تخلصا من عنف الاضطرابات وظواهر عدم الاستقرار.

والمسلمون في المهجر من تركيبات اجتماعية مختلفة، وصلوا جميعا بلاد الغرب بعادات مختلفة وقيم وتقاليد وأعراف مختلفة إلى حد ما.

وهم أي المسلمون الذين وصلوا بلاد المهجر كذلك يتسمون باختلاف مستوياتهم الثقافية والتحصيلية رغم أن غالبيتهم من المستويات البسيطة، وقليل منهم يمكن وضعه في خانة العلماء والأدباء والفنانين الذين يستقرون في تلك المجتمعات لعدم قدرة مجتمعاتهم الأصلية على تحقيق ذواتهم.

وعلى ضوء هذه التعددية ومعالم الاختلاف سنجد أنفسنا أمام مهاجرين مسلمين يتفاوتون في مستويات إدراكهم لطبيعة الواقع الذي يحيط بهم وكذلك بقدراتهم لتصور وفهم ماهية مشاكلهم وأساليب وطرق تجاوزها.

علماً بأن التباين في جوانب الوعي والتحصيل والثقافة الدينية والعامة بين الأسر والأفراد المسلمين في المهجر ينعكس أيضا على ماهية المشاكل التي يعانون منها وعلى ردود فعلهم للتعامل معها، فالعوائل ذات المستويات الثقافية والتحصيلية البسيطة مثلا تعاني مشاكل الفراغ أكثر من تلك التي تمتلك قدرا معقولا من الثقافة والتحصيل الذي يعينهم على التكيف والحصول على فرصة عمل بنسب تفوق كثيرا المستويات الأولى، وهي فرص لا تدع الفراغ عاملا لتكوين مشكلة في محيطهم.

كما أن صيغ تكوين العائلة المختلفة تؤدي هي أيضا إلى مشاكل من أنواع مختلفة، فالشباب الذين ينشئون أسر من زوجات غربيات (غير مسلمات) أو من مسلمات ولِدنَ ودرسن في الغرب لا مشكلة لديهم في مجالات التعليم المختلط للبنات، أو حتى في تحجبهن، على العكس من تلك العوائل التي تصل الغرب وقد بنيت أنماط تفكير وخصائص شخصيات أفرادها على المعايير الشرقية والدينية التي تحول دون السماح بذلك، أو عده مشكلة عند حصوله تحت ضغط الظروف المحيطة وهكذا الحال في مجالات الحياة العديدة.

مما ورد أعلاه يمكننا استنتاج:

آ- أنواع من المشاكل التي يعاني منها المسلمون في المجتمعات الغربية (المهجر) يكون بعض منها عاما شاملا لعموم المهاجرين، و الآخر نوعيا، يتعلق بطبقة، أو شريحة، أو فئة من المسلمين الموجودين في تلك المجتمعات.

ب- إن المشاكل السائدة في المهجر يعود بعض منها لاعتبارات دينية إسلامية كون المجتمعات التي استقر بها المهاجرون المسلمون محكومة بضوابط وقوانين تنظم الحياة وفقا للرؤى العلمانية أو المعطيات غير المسلمة، ويعود البعض الآخر لاعتبارات أخرى شخصية، واجتماعية، ومادية وغيرها.

وعموما فإن العديد من الباحثين والمفكرين والمجتهدين قد تناولوا مشاكل العائلة المسلمة في المهجر، وكل واحد منهم نظر إليها (المشاكل) من منظار خاص يتعلق بطبيعة اختصاصه وتكوينه واتجاهاته الفكرية(1) ونحن في إستعراضنا هذا نحاول أن نشير إلى تلك المشاكل من وجهة نظر نفسية، ووفق وجهة النظر هذه يمكن إجمال المشاكل في محاور رئيسة أهمها:

آ- الشعور بالأقلية..

يتوزع المهاجرون المسلمون، أو يوزعون من قبل السلطات المعنية في أحيان ليست قليلة على مناطق سكن متفرقة في البلاد التي قصدوها، وكونهم من أعراق، وديانات، وألوان تختلف عن أبناء المجتمع الجديد في معظم الأحيان فقد أصبحوا وبحكم هذا التواجد والاختلاف أقلية مسلمة بين أغلبية كبيرة غير مسلمة، هذا وكون غالبية المهاجرين المسلمين إلى المجتمعات الغربية يصلونها بإمكانيات أقل كثيرا من أبناء تلك المجتمعات من النواحي الفنية والتحصيلية، ولكي يؤمنوا عيشهم بالقدر المعقول اتجهت أعداد ليست قليلة منهم إلى تأمينها عن طريق الرعاية الاجتماعية، أو من خلال القيام بأعمال يدوية (لا يقوم بها السكان الأصليون، أو يتجنبون القيام بها) وهذا الاتجاه بالتواتر وبمرور الوقت أوجد إحساسا بالتعالي والفوقية عند أهل البلد الأصليين في نظرتهم للمهاجرين الشرقيين وبينهم المسلمون، ورسخ في ذات المهاجرين وبينهم المسلمين شعورا بالأقلية.

ب- ضعف الروابط الاجتماعية..

في المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى ضوء الأعراف والتقاليد تعيش العائلة الأهل والأقارب، أو في كنف العشيرة والمحلة والمنطقة والجيرة، وعيشها هذا يلزمها تكوين علاقات وروابط اجتماعية تبادلية، كونت بمرور الزمن عادات وتقاليد يقف على أساسها الجار مع جاره في المناسبات العامة والخاصة، ويقدم القريب إلى قريبه المساعدة عندما يكون بحاجة إليها، ويدافع ابن المحلة عن أبناء محلته في ظروف معينة، ويقدم بعض من الموسرين إلى المحتاجين مساعدات تعينهم على تجاوز أزماتهم، وتهدي عوائل هدايا مادية وعينية إلى أخرى في مناسباتها الخاصة، وهكذا اتجاهات في التعامل تؤدي إلى قدر من الرضا عن الحياة السائدة والشعور بالالفة وقوة الارتباط بمستويات لا توجد في المجتمعات الغربية التي تأسست على عادات مختلفة قوامها المادية والنظرة الفردية التي كونت ظروف حياة خاصة يعتمد فيها الإنسان الفرد على نفسه في العيش ومواجهة الأزمات، ويبتعد فيها الابن عن والديه عند بلوغه سن محددة (النضج) ولا يُقدم على أساسها الجار أي مساعدة لجاره في محنته، وهكذا قيم وأساليب عيش وتعامل أضعفت الرابطة الاجتماعية حتى بتنا نسمع:

ج- اضطراب الأمن الاجتماعي

نقلَ الكثير من المهاجرين في هجرتهم إلى المجتمعات الغربية هاجس الاثارة والتوتر والاستهداف، ودخل الكثير من المهاجرين دول المهجر واستقروا فيها دون معرفة مسبقة بقوانينها وضوابطها، وحمل العديد من المهاجرين أفكارا ليست صحيحة، أو مشوهة عن المجتمعات الغربية قبل وصولهم إليها، وحل بعض من المهاجرين في مجتمعات المهجر بعادات وتقاليد يصرون على التمسك بها وإن كانت منافية، أو مناقضة للتقاليد في المجتمع الجديد... الخ.

ووفق هذا التصور فإن من كان مضطهدا أو ومطاردا وغير مستقر في بلده الأصلي قد يحمل معه إلى المجتمع الجديد توجسا من السلطة وعدم ثقة بأجهزتها الرسمية والأمنية، وهو توجس وعدم ثقة أي حالة نفسية يمكن أن تبقيه قلقا لفترة ليست قصيرة على الرغم من تغيير البيئة، وإلى حين يتمكن بعدها من تجاوزها (الحالة النفسية)، وفترة بقائها تسبب نوعا من الاضطراب الاجتماعي.

والذين يجهلون قوانين البلاد الجديدة يتصرف بعضهم على ضوء قوانين بلدهم التي لا تنسجم ومعالم الضبط الاجتماعي في المجتمع الجديد، وتصرفهم هذا قد يؤدي إلى توقعات في داخلهم لاحتمالات خرق قوانين الدولة، أو البلد الجديد وما يترتب عليها من تبعات قانونية، وهذه توقعات عند استمرار تكرارها في النفس البشرية لفترات طويلة يمكن أن تثير أو تسبب اضطرابا للأمن الاجتماعي.

ومن وصل الغرب معتقدا أنه أي المجتمع الغربي مجتمعا فوضويا يستطيع أن يعمل فيه ما يشاء، أو متصورا أن هذا المجتمع الجديد جنة لأحلامه، أو أنه الكنز الموعود، أو بلد الحريات المطلقة... الخ فإن مثل هؤلاء سيواجهون صدمة عندما يتلمسون أن القانون في مجتمع الهجرة يحاسب من يتجاوز على راحة جاره برفع صوت التلفزيون عاليا، وإن الناس في المجتمع الجديد تستهجن من يبصق في الشارع، أو يرمي ورقة فيه، وأن ظروف الحياة الآلية قد لا تسمح بالتمسك في لبس الجلابية العربية في أوقات العمل على آلة قص الحشائش في حديقة عامة، وأن أبناء المجتمع الأصلي لقيمة العمل والتزامهم الدقيق بساعاته قد تكّون لديهم نظرة سلبية اتجاه مسلم يُصّر على أن يترك عمله لتأدية صلاة الظهر فريضة في وقتها المحدد، وهذه مفاهيم وتوجهات وآراء تنعكس سلبا على وضع المهاجر وتثير فيه توترا يرقى إلى مستوى الاضطراب في مستويات أمنه الاجتماعي.

د- الإحساس بالفراغ

الحياة في البلاد الإسلامية منظمة بطريقة مختلفة عن تلك الموجودة في البلاد الغربية، فأوقات العمل والساعات المحددة لأدائه متباينة بينهما، ونوع المقاهي وأوقات الجلوس فيها ليست متجانسة في كليهما، والأدوار التي يقوم بها الرجل وتلك التي تلتزم بها المرأة حسب الأعراف والتقاليد السائدة داخل العائلة في كلا المجتمعين ليست واحدة، ونظرة الناس إلى الحياة وتعاملهم مع مفرداتها وتمتعهم بمزاياها لم تكن متسقة، وهكذا الحال في العديد من المجالات التي كونت اختلالا واضحا في إطار العمل والتعامل معه.

فالجلوس بالمقهى والتسامر مع الأصدقاء مثلا يستنزف وقتا لمن لديه مزيد من الوقت في المجتمع الإسلامي، وهي مقاهٍ لم تكن موجودة، أو أن وجودها نادر في المجتمعات الغربية.

والمرأة التي ماثل دورها دور الرجل في المجتمع الغربي أدى إلى تكوين عائلة ينشغل أفرادها طوال الوقت بهموم الحياة ومستلزماتها، وهي أدوار لم تستطع كثير من العوائل المهاجرة تقبلها والتكيف لها تماما، كما هو الحال عندالمرأة الغربية، وعدم تقبلهم هذا أبقى المرأة في دائرة مغلقة وفي متسع من فراغ ليس قليلا.

وهذه المسألة ونحوها إذا ما وضعناها بجانب الحدود الدنيا للعيش التي تقبلها العائلة المسلمة بالمقارنة مع العائلة الغربية، وقبولها الاكتفاء بالإعانة الاجتماعية، وعدم وجود النوادي الاجتماعية الإسلامية، وتجنبها وسائل التعامل مع وقت الفراغ السائدة نصل إلى قناعة أن العائلة المسلمة تعاني من وقت فراغ يثير في داخلها بعض الملل وعدم الرضا عن الواقع المعاش كما كانوا يتمنونها قبل الهجرة.

هـ- الشعور بالهزيمة

لم يصل المهاجرون المسلمون إلى أماكن هجرتهم بطريقة واحدة ولم يكونوا مهيئين أصلا للتكيف السريع إلى واقع مناطق هجرتهم، فكثير منهم يعطي كل ما يملك من أموال لمن يوصله إلى المجتمع الجديد فيصل معتقدا أنه قد خسر كل شيء قبل أن يملك أي شيء، واعتقاد من هذا النوع يمهد للشعور بالهزيمة.

ويفشل بعض المهاجرين في جولاتهم الأولى من أجل الوصول، ويعاودون الكرة ثانية وثالثة حتى يصلوا منهكين القوى، أو أن قواهم قد خارت قبل الوصول إلى المجتمع الجديد، وبالتالي أصبحوا لا يملكون من العزيمة والقوة ما يكفي للثبات ومقاومة الجديد من الأزمات التي تكثر عادة في المجتمع الجديد، مما يضطرهم إلى الابتعاد عنها، أو تجنب الخوض في حلول لها، والابتعاد والتجنب يعزز الشعور بالهزيمة.

ويتعرض بعض آخر من المهاجرين غير الشرعيين على وجه الخصوص في طريق هجرتهم إلى كثير من المصاعب يتمثل بعضها بالاعتقال والتخفي وربما الاعتداء ومشاهدة مناظر الموت لذويهم والقريبين منهم، ومع وصولهم لمجتمعات الهجرة التي يحملون عنها تصورات إيجابية عن التعامل الإنساني يواجهون مواقف فيها نوع من التنكيل والإهانة من بعض السلطات المحلية أحيانا، وهذه المعاناة تؤدي بطبيعتها إلى الشعور بالهزيمة.

يصل المهاجرون إلى أماكن متفرقة معتقدين وعلى ضوء الآمال التي وضعوها في مخيلتهم لخطوات هجرتهم وكأنهم قد تركوا وراءهم كل مشاكلهم، ومع بدء التعامل مع واقع الحياة يواجهون مشاكل من نوع آخر يتعلق بعضها بالتعليم المختلط مثلا، وبعضها بالتحلل الخلقي الفاضح في الأماكن العامة، وبعضها الآخر بمصاعب السيطرة على الأطفال والشباب، وهكذا مشاكل متعددة يجد بعض المهاجرين أنهم عاجزون تماما عن حلها أو التعامل معها تعاملا صحيحا، وخاصة في المراحل الأولى للهجرة، وتكرار العجز في مواقف الحياة المختلفة يثير الشعور بالهزيمة.

و- فقدان الهوية

هناك أنواع من الهجرة لو صنفناها على أساس الإرادة كما ورد في أعلاه نجد أنها:

أولا: الهجرة الطوعية، وفيها يتوجه المهاجرون إلى بلاد المهجر برضاهم وبمحض إرادتهم، ووفق تخطيط مسبق لهم، وهم على أساسها سيكونون أكثر ميلا للتطبع مع المجتمع الجديد، وأكثر استعدادا لمقاومة أزماته، وبالتالي أقل عرضة لتأثير المشاكل من الناحية النفسية.

ثانيا: الهجرة القسرية، وفيها يكون المهاجرون مرغمين أو مكرهين على الهجرة تحت طائلة الأمن، والعوامل السياسية والطائفية، والاضطرابات، والحروب، ومثل هؤلاء تكون استعداداتهم للتعامل مع الضغوط هشة، ومقاومتهم لتأثيرات البيئة المحيطة قليلة، وردود أفعالهم اتجاه المشاكل بأنواعها البسيطة والمركبة على الأغلب سريعة ومنفعلة، وهم عادة ما يكونون أكثر تذمرا وشكوى بالمقارنة مع أقرانهم في الهجرة الطوعية، وهذه مؤثرات تؤدي إلى حالة نفسية عند بعضهم تعبر عن القلق وعدم الرضا ناتجة عن أسباب يتعلق قسم منها بفقدان الحضن الكبير لمثل هؤلاء أي الوطن، والقسم الآخر بفشل البلاد الجديدة لأن تعوض ذلك الفقدان أي أن تكون الوطن البديل، وهذا الفقدان وعدم القدرة على التعويض يسبب لهم بالإضافة إلى كل ما ورد شعورا عميقا بفقدان الهوية.

وجهة النظر النفسية في التعامل مع واقع المشاكل السائدة للعائلة المسلمة

إذا كانت مشاكل العائلة المسلمة في المهجر مختلفة تبعا لاختلاف أصول المهاجرين وطبقاتهم ومستوياتهم الثقافية والتحصيلية وتبعا للأهداف القريبة والبعيدة من هجرتهم، فإن أساليب التعامل مع تلك المشاكل ينبغي أن تكون متعددة وشاملة، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المشكلة بالنسبة للمهاجرين المسلمين ليست في نقص المقترحات أو عدم وجودها، بل بغياب المسؤولية أو الجهة المعنية بأولئك المهاجرين أو بتنفيذ المقترحات الخاصة بتحسين أوضاعهم وحل مشاكلهم، وهو غياب أو تغييب لو تناولناه من جهة الحكومات الإسلامية نرى أن معظمها حكومات لم تضع في حساباتها هجرة مواطنيها إلى العالم الغربي، ولم تكن راضية عن عموم المهاجرين، وإذا ما تناولناه من جهة المؤسسات والجمعيات الخيرية والإنسانية الإسلامية في دول المهجر أو في الدول الاسلامية فإننا نتلمس أنها تنظيمات لا تمتلك الإمكانيات المادية والإدارية والتقنية اللازمة لتحمل المسئولية أو جزء من المسؤولية في عملية دعم وتحسين وضع المهاجرين، لكن هذا واقع لا يمنع من الناحية النظرية من تقديم بعض المقترحات التي يمكن العودة إليها في مجال التعامل مع واقع المشاكل السائدة بين العوائل المهاجرة المسلمة، من بينها:

آ- أن يضع المهاجر المسلم في اعتباره الجانب السلبي من الهجرة، ويتمثل في مخيلته المصاعب الموجودة في بلاد الهجرة لكي يهيىء نفسه مسبقا للأسوأ ويستعد للتعامل معه (2).

ب- إنشاء جمعيات خيرية ومراكز اجتماعية لعموم المسلمين في دول المهجر وتنشيط الموجودة منها، على أن تخصص هذه المراكز والجمعيات جزء من جهودها للعناية بالشيوخ المسلمين وكذلك بالمرأة المسلمة.

ج- تهيئة متخصصين مسلمين في مجال الإرشاد الديني والنفسي والتربوي يتبعون المراكز والمدارس والجمعيات الإسلامية لتعزيز معالم الالتزام في نفوس المسلمين بغية تقوية مقاومتهم للضغوط والأزمات الاجتماعية والاقتصادية (3).

د- توظيف قدر أكبر من رأس المال لزيادة مستوى الثقافة والتحصيل العلمي لعموم المسلمين في بلدانهم الأصلية وللمسلمين في المهجر، لأن الزيادة في مجالهما تعني اتساعا في مجالات الإدراك والوعي وتهيئة أدق للنفس باتجاه تحمل المشاكل الموجودة، ومرونة أكبر للتعامل معها، أو حلها حلا ذاتيا.

هـ- قيام العوائل المسلمة في المهجر بتشجيع بعضها بعضاً نحو إقامة علاقات وروابط اجتماعية أوسع وتنفيذ نشاطات أشمل في المناسبات الدينية على وجه الخصوص.

و- أن تتحمل العائلة المسلمة قدرا أكبر من المسؤولية في مجال تحركها وتحسين أوضاعها، وذلك بإقامة جمعيات وملتقيات تقوم هي بتمويلها وإدارتها بشكل بسيط ينسجم وإمكانياتها المتواضعة.

ز- حث المسلمين المتمكنين ماديا للتبرع إلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية الإسلامية في المهجر وإلى تجمعات العوائل المسلمة لدعم جهودها في توجيه ورعاية العائلة المسلمة.

ح- التعاون بين العوائل المسلمة والمؤسسات الإسلامية لفتح مدارس للأطفال والفتية المسلمين قريبة من مراكز تجمعهم جهد الإمكان.

ط- قيام وسائل الإعلام الإسلامية (خاصة الفضائيات والإذاعات المحلية والصحف) بتخصيص مجالات أوسع للعائلة المسلمة ومشاكلها في المهجر، على أن تستفيد من المتخصصين النفسيين المسلمين لهذا الغرض.

الخــــــــلاصة

إن النظرة الشاملة لواقع العائلة المسلمة في المهجر وظروف توجهها للعيش في بيئة جديدة بدوافع ذاتية (على الأغلب) تحتم النظر إلى أساليب التعامل مع مشاكلها من الزاوية الذاتية أيضا، أي من دائرة العائلة نفسها، لأننا لو توسعنا في نظرتنا خارج إطار العائلة نرى أن الحكومات الإسلامية غير مكترثة لموضوع العائلة ومشاكلها في الغرب لأنها لم تتمكن من حل المشاكل الدارجة للعوائل المسلمة في بلدها الأصلي، وحكومات أخرى ترى في الهجرة تهديدا لأمنها، لأن المهاجرين سيعرفون الكثير من الحقائق التي كانت محجوبة عنهم في بلدهم ومعرفتهم هذه يمكن أن تدفعهم للعمل سياسيا بالضد من وجودها أي الحكومة، وقسم من الحكومات لا تمتلك فائضا من المال والجهد البشري لتخصصه في التعامل مع مشاكل العوائل المسلمة، عندها لم يتبق أمام العائلة من الناحية العملية سوى الجهد الخاص بها وبهامش حركتها، للإبقاء على قدر معقول من القيم والتقاليد والروابط التي تجنبها ولو قليلا من ضغوط البيئة الجديدة وتأثيراتها السلبية، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الجمعيات والمؤسسات الخيرية قليلة وناشئة لا يمكن أن تفي بحاجة عموم الأسر للدعم والتوجيه.

من هذا يمكن التأكيد أن المقترح الأكثر واقعية في النظر إلى مشاكل العوائل المسلمة في المهجر هو الاتكال على النفس بعد الله سبحانه وتعالى.

وكذلك التسلح بالإيمان والقيم الإسلامية للعوائل الاسلامية بكافة طبقاتهم ومستويات ثقافتهم وتحصيلهم، اقتراح يمثل الخطوة الأولى في اتجاه التعامل الصحيح مع المشاكل التي تواجهها العائلة المسلمة، وأيا كانت أنواعها وأماكن وأزمنة حدوثها.


المصادر:

1- المؤتمر السنوي الرابع (1992) حول مشاكل الأسرة المسلمة في الغرب، المجمع الإسلامي الثقافي، بيروت: دار المحجة البيضاء.

2- الديوة، سعيد (1966) دور العلاج والرعاية في الإسلام، الموصل: مطبعة الجمهورية.

3- محمد عبد الحميد، جلال (1972) المنهج العلمي عند العرب، بيروت: دار الكتاب اللبناني.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 71

إتصــلوا بـنـــا