ردك على هذا الموضوع

حق المساواة بين الناس

د. عقيد خالد حمودي العزاوي

من الأصول الحضارية للإسلام ومنهجه الديمقراطي في الحياة السياسية والاجتماعية إعلانه مبدأ المساواة التامة دون تمييز بين الناس بسبب الجنس أو العرق أو اللون، أو النسب، والحسب، أو الدين، أو المنصب والجاه وسلطة الحكم، أو السن أو الغنى والمال أو المحبة والبغض، وذلك تجاوباً مع دعوة الإسلام العالمية وعموم رسالته للبشرية واعتبار تنظيماته وشرائعه رحمة للعالمين.

ومن أهم مظاهر المساواة إجمالاً ثلاثة أمور:

1- المساواة في القيم الإنسانية المشتركة: أي لا تفاضل في الأجناس. فالجنس الآري والحامي والسامي كلها سواء ولا تفاضل في الألوان فالأبيض والأسود والأحمر والأصفر على حدٍ سواء ولا تمييز في الأنساب والأحساب فالشريف والوضيع لهما حقوق متساوية. وبذلك ألغى الإسلام نظام الطبقات وحارب العنصرية البغيضة. والعصبية الكاذبة الحمقاء وأهدر نظام الأسر الراقية والألقاب الفارغة وساوى بين دماء الناس، فليس هناك دم أزرق نبيل وآخر عادي من دماء العامة..!!

2- المساواة أمام القانون والقضاء وفي تكافؤ الفرص: يعني أنَّ الناس جميعاً متساوون في التكاليف والالتزامات العامة والحقوق وفي نطاق الجريمة والعقاب وفي مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للعمل والتوظيف ونحو ذلك.

3- المساواة في جزاء العمل: فما دام الأشخاص متكافئين في العمل، فهم يستحقون أجراً متساوياً من دون تمييز أو محاباة لأحد على حساب الآخر وعليه فلا يصلح أن ينخفض أجر إنسان، لأنه أسود مثلاً، ويعطى آخر أجراً أعلى، لكونه أبيض منحدراً من سلالة رفيعة النسب عريقة المجد أو لقرابة ونحو ذلك. فالناس جميعاً متساوون في الأجور متفاوتون بقدر ما ينجزونه من أعمال، أو يظهرونه من كفاية وإبداع وإنتاج. فهم سواء في الكرامة الإنسانية أو الوحدة الإنسانية.

وفي سبيل إقرار مبدأ المساواة في مظاهره الثلاثة السابقة نظرياً وعملياً نادى الإسلام بوحدة السلالة البشرية، وإن البشر أبيضهم وأسودهم من أب واحد وأم واحدة وهم سواء في مبدأ الكرامة الإنسانية فلا ينبغي أن يترفع إنسان على آخر أو يستعبد إنساناً غيره بسبب اللون، أو الحسب، أو القوة، أو الغنى، أو الفكر والمواهب والفضائل أو الجماعة الخاصة قال الله تعالى:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) النساء/1.

ويعلن القرآن الكريم مبدأ تكريم الجنس البشري عامة في قوله سبحانه:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً). فهذا النص الشريف الصريح يدل على أن التكريم العام شامل لكل إنسان، وكرامته ملازمة لإنسانيته والإنسان أخ للإنسان أحب أم كره والإنسانية مكرمة سواء في السلم أم في الحرب فالصراع على المصالح الخاصة وبالتالي إراقة الدماء واستباحة الأنفس يجب ألا تكون سبباً لتلويث كرامة الإنسان، فلا تمثيل ولا تقتيل بدون حق ولا تشويه ولا تجويع ولا إظماء، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إياكم والمثلة) وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة).

وكرامة بني آدم تقضي عدم التفريق في المعاملة بين طبقة وطبقة، ولا بين جنس وجنس، ولا بين فقير وغني، أو قوي وضعيف، لأن الإسلام جعل الناس جميعاً سواء، ومرجعهم إلى أصلٍ واحد، العدل يعمهم والرحمة تشملهم، والخير والسعادة حق كل فرد منهم، قال النبي (ص) في خطبة الوداع:( يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد ألا لا فضلَ لعربي على عجمي ولا لعَجَمي على عربي ولا لأحمرَ على أسودَ ولا لأسودَ على الأحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) رواه البيهقي وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): ( الناس مستوون كأسنان المشط ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله).

ولقد كان إعلان الإسلام لمبدأ الوحدة الإنسانية - وحدة الأصل والمنشأ- سبيلاً لتقرير مبدأ المساواة بين الأخوة في الحقوق الفطرية الطبيعية وللرد على اليهود الذين جعلوا رحمة الله حكراً على شعبهم، وإن الإله إله بني إسرائيل وحدهم ولا يحق لأي شعب آخر الإيمان به أو الانتماء إليه.

أما الإسلام فأساسه الخالد، أن الله تعالى رب العالمين (قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء) ثم إن مبدأ الكرامة الإسلامية يقضي تحرير الإنسان، وتوفير كل أسباب العزة والكرامة والشرف له، عملاً بتكريم الله لهُ وإزالة كل عوامل التفرقة بين أبناء البشرية بسبب الجنس واللون ونحو ذلك. لأن الكرامة هي الإحساس المعنوي بشخصية الإنسان، والإنسان هو أساس كل القيم والحضارات التي تقوم على الخير والسلام والعدل والحرية ولن يؤمن بالحرية من لا يؤمن بالإنسان وكرامة الإنسان، فأي إنسان يولد بالفطرة حراً متساوياً في الحق والكرامة مع سائر الناس.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 71

إتصــلوا بـنـــا