ردك على هذا الموضوع

الإسلام العدو المفترض للغرب

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي

قاسم خضير عباس

نشرت صحيفة الواشنطن بوست عام 1991 بأن: السياسة الأميركية الخارجية تدرس بإصرار إيجاد عدو خارجي مفترض، ولذا فقد تم تكليف وزارة الدفاع على عقد اجتماعات مطولة مع خبراء ومفكرين، للإعداد لدراسات إستراتيجية تقوم على أساس أنَّ: الإسلام هو العدو المفترض لأميركا والغرب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

ومن المفيد ذكره هنا أنَّ (صموئيل هنتغتون) قد ذهب في نظريته (صراع الحضارات) إلى أن: الإسلام بتحالفه مع الكونفوشيوسيه يتناقض مع حضارة الغرب.

وأوضح (هنتغتون) بأن: (المشكلة الفعلية ليست الأصولية الإسلامية، وإنما الإسلام نفسه، بحضارته المختلفة، وبأتباعه الذين يعتقدون بتفوق حضارتهم في نفس الوقت نراهم مهووسين فيه بتخلف قوتهم).

إنَّ الخطأ المعيب في الدراسات الأميركية ، وبالتحديد عند (هنتغتون) هو المسلمات المطلقة، والخلط المتعمد للخروج بحتمية الصراع بين الشرق والغرب، وكأن الحضارات لم تأخذ بعضها عن بعض.

لقد بدأ المفكرون الأميركيون يُنَظِرون لهذه المرحلة بعد انتهاء الحرب الباردة إلى درجة أنَّ (فوكوياما)، وهو مفكر أميركي من أصل ياباني، أعلن نهاية التاريخ بسبب سقوط المعسكر الاشتراكي، ولذا تم البحث عن بدائل أخرى، وكان المرشح هو الإسلام بحيث وضع شعار (الإسلامية بديلاً عن الشيوعية)، الذي رسخه (صموئيل هنتغتون) في العقل الغربي عندما قال: إنَّ (هناك أخطاراً على الغرب المنتصر في الحرب الباردة وأهم تلك الأخطار الإسلام).

وقد اعتمدت أميركا بمسعاها هذا على ثلاثة ملفات صنعتها بنفسها وهي: (إبن لادن، حركة طالبان، ونظام دكتاتور العراق الدموي صدام حسين)، لإدامة الصراع بين الشرق والغرب وإعلان الحرب على الإرهاب!!

وفي هذا الوقت بالتحديد شن (جوديث ملير) حملة شرسة موجهة ومدروسة على الإسلام في الصحافة، متجهاً اتجاه (برنارد لويس) بتعبئة المجتمع ضد المسلمين.

إنَّ الولايات المتحدة تتعمد الخلط بين حرب المبادئ المتمثلة بما يسمى (بالحرب على الإرهاب) وبين حرب المصالح الدولية، لتأمين أكبر قدر من الربح والهيمنة والتسلط على العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك حاولت واشنطن أن تتمسك بشعارات أخلاقية في حربها الجديدة على الإرهاب للوصول إلى غاياتها في حرب مصالحها الدولية، والسيطرة على المناطق الاستراتيجية، وإنشاء القواعد العسكرية حول العالم.

ويذكر (جراهام إي فولر)، وزميله (إيان أوليسر) في كتابهما (الإسلام والغرب) بأن: هناك من يستغل المصطلحَين الإسلام والغرب لمصالح سياسية أميركية وغربية.

وتوصل هاذان المحللان إلى أنَّ: (مشاعر الاضهاد المتولدة عن هذه المعاناة التاريخية تدعم التصور السائد حتى بين أوساط المتعلمين والمفكرين من المسلمين والذي يقضي بأنَّ الحرب القديمة التي خاضها الغرب ضد الإسلام هي ذاتها التي لا تزال يشتعل أوارها دون أن يوقفها شيء منذ ألف عام مضت، حتى وإن تغيرت الوسائل والطرق التي أصبحت الآن أكثر مكراً ودهاء. ويتساءلان: لماذا ابتهج الغرب بكتاب سلمان رشدي (آيات شيطانية)، وهلل للكتاب وكأنه قضية دولية ذائعة الصيت ؟ ثم تناول الكاتبان أهم قضية حاول الإسلاميون أن يحذروا منها وهي قضية التغريب التي يرفع شعارها العلمانيون اليوم فقالا إن: (قليلين في العالم الإسلامي هم الذين يتحاشون مبدئياً ضرورة التحديث. ولكن السؤال: هل معنى التحديث هو التغريب؟ كيف السبيل لأن تبقى الأسس الثقافية والأخلاقية للحضارة الإسلامية سليمة دون تغيير …. وهل التحديث يعني خضوعاً ثقافياً كاملاً للغرب؟ هل يستلزم التحديث الاستسلام لفقدان الأسس الأخلاقية الشكلية، التي تعبر في نظر كثير من المسلمين والآسيويين عن حالة تدهور النظام العام في الغرب والتفكك الأسري وافتقاد القيم العامة؟).

ولكن وجهات نظر الكاتبين (جراهام إي فوللر، وإيان أوليسر) في مواضع أخرى من الكتاب تتسم بالابتعاد عن الموضوعية والعلمية، خصوصاً في موضوع التسلح العسكري لدول (العالم الثالث)، الذي أكدا فيه ضرورة الحد من هذا السلاح، ونزع الأسلحة النووية والبيولوجية في هذه المنطقة وبالتحديد في الشرق الأوسط، في حين لم يتحدثا عن نزع التسلح في أوربا وأميركا.

من الملاحظ أنَّ وتيرة العداء والحقد الغربي على الإسلام والمسلمين قد وصلا إلى درجة من السوء والعنصرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد رأينا قبل هذا التاريخ أنَّ الحقد اتخذ شكلاً مبرمجاً ومدروساً للهجوم على الإسلام منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، وعرفنا مدى خوف أميركا والغرب من الإسلام، ومن لغة القرآن، وعرفنا أيضاً طبيعة القرارات السياسية الأميركية والغربية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، وطبيعة العداء للحركة الإسلامية واتهامها بالإرهاب.

ولفتت هذه الظاهرة نظر (فرد هاليداي) فوضع عام 1998م بحوثاً حول (الإسلام وخرافة المواجهة)، ركّز فيها على بعض النماذج السياسية الغربية، التي تصور المسلمين على أنهم قتلة يجب إبادتهم لأنهم (لا يمكن أن يرتقوا سلم الحضارة والمدنية!!

وتطرق (هاليداي) في بحوثه إلى دور وسائل الإعلام، والمراكز الاستراتيجية المتخصصة، و(لُعب السياسيين) الكبار في تشويه صورة الإسلام في الذهنية الغربية.

وقد ذهب (روجيه غارودي) إلى أبعد من ذلك، لأنه اعتبر ظاهرة (التشويه المتعمد للإسلام) كنتيجة لاعتقاد الغرب بأنه العرق الأرقى في العالم، وهذا كما يقول غارودي، (ليس باختيار إلهي كما كانت تزعم الكنائس القديمة عندما كانت تسمي المشاريع الاستعمارية الأولى في أميركا وأفريقيا، أو في آسيا (تنصيراً) للوثنيين، بل بأولوية عقلانية، علمية وتقنية، أولوية الدخول في العصر (الوضعي)... فليس من قبيل المصادفة، بل على العكس ومن باب الانسجام الفكري أن يكون أعظم حامل لهذه التكنولوجيا، ومؤسس المدرسة العلمانية، جول فرساي، في الوقت نفسه المحرض على الغزو الاستعماري في مدغشقر، وفي تونس، وفيتنام).

وضمن المخطط الأميركي الغربي هذا استخدمت وسائل الإعلام، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، لتكون السند الفكري الحقيقي للهيمنة والتواجد العسكري في المنطقة، علماً أنَّ (قاعدة منوذ الأميركية في بريطانيا ) جنّدت لمهمة التجسس الألكتروني، ومراقبة الاتصالات عبر العالم، ومراقبة البريد الألكتروني والتلفون والفاكس وغيرها من وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم الإسلامي.

وتُقسم القاعدة قوائم تسمى بـ(القوائم السوداء) تتعلق بسياسيين واقتصاديين عرب ونشطاء من الحركة الإسلامية، وقد حصلت (قاعدة منوذ) على تكريم (البنتاغون) لدورها في حرب الخليج الثانية.

إنَّ الدعوة إلى (الليبرالية والتعددية)، التي يطلقها الغرب (للعالم الثالث) انطوت على دجل وتناقضات، وقد أدى كل ذلك إلى الإنهزام الأخلاقي الكامل للغرب، خصوصاً بعد أن بررت (مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية) موقف (صندوق النقد الدولي) بأسباب وضرورات (مصلحية) من أجل أن تظل (اقتصاديات العالم الثالث مورداً لاقتصاديات العالم الحر)!! وهذا برأيها يبرر تأييد القمع والاستبداد الصادر من دول دكتاتورية حليفة للغرب!!

ومن الملاحظ أنَّ (صندوق النقد الدولي) و(البنك الدولي) يزيد رأس ماليهما من (الأموال النفطية العربية)، حيث تم الاتفاق على ذلك بإجراءات سميت بـ(التسهيلات النفطية). وبما أنَّ الدول الصناعية، وبالتحديد الولايات المتحدة، هي المسيطرة على السياسة النقدية العالمية، فإنَّ القروض المقدمة إلى دول (العالم الثالث) ـ وهي من أموال نفطية عربية ـ تخضع (لشروط أميركية) ظالمة، لخنق وإحباط أي تنمية وتطور في هذه الدول، إضافة إلى فوائد الديون الفاحشة، التي تجعل الدول المدينة تسعى إلى سدادها دون جدوى.

لقد قدمت الولايات المتحدة عام 1964م إلى دول أميركا اللاتينية معونات بلغت سبعة ملايين دولار، وعندما ننظر لفوائد هذه المعونات، نستغرب كثيراً ونعرف حجم الكارثة، لأنَّ المعونات وفوائدها بلغت في السنة نفسها ما قيمته أحد عشر مليون دولار، لهذا ظلت دول أميركا اللاتينية متأخرة ومتخلفة، بسبب (نظام الفوائد الفاحش)، و(نظام الربا الدولي) الذي يضعه الغرب سيفاً مسلطاً على رقاب الدول الفقيرة.

وهذا ما يدعو للتفكير بجدية بأوضاعنا المتردية، فإذا أردنا تنمية حقيقية، وتطوراً شاملاً لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، علينا أن نغيّر (المنهج السياسي العام) الذي ترتكز إليه السياسة الداخلية والخارجية، ونعمل من أجل فكّ الارتباط الاقتصادي المذل من الغرب. وعندنا ما يؤهلنا لنهضة اقتصادية تبنى على أسس أخلاقية، فلدينا القاعدة الفكرية التي تستمد مرجعيتها من القرآن الكريم، ولدينا المال والطاقات البشرية والخبرات والعمق الجغرافي، ما يعوزنا هو الحرية وحفظ كرامة الإنسان وحقوقه.

والغريب أنَّ بعض المثقفين العرب مازالوا إلى اليوم يرفعون شعارات (رفاهية الارتباط الاقتصادي بالغرب)!! ويدعون إلى التوجه لاستلهام النظم والآليات والأخلاق والقيم الأوروبية، وجعلها الطريق الوحيد لنهضة الأمة!! لهذا تبنوا خدعة فصل الدين عن السياسة، وجعل مبادئ الإسلام مجرد طقوس ومراسيم ميتة لا روح فيها، تنزوي بعيداً عن صنع التاريخ بلحاظ أنه قد ظهرت (تفسيرات غربية) لا تقل عنصرية عن سابقتها، تتحدث عن الإسلام بصفته السبب المباشر في تخلف المجتمع!! وقد توسعت بعض التفسيرات لتربط بين (التخلف والبيئة) بصورة تدعو للسخرية، حيث أكد أصحابها على أنَّ: البيئة الحارة والصحراوية للعالم الإسلامي أدّت إلى تخلّفه وانهياره حضاريا!!

إنَّ الكيل بمكيالين في السياسة الأميركية الخارجية، والحقد على الإسلام، والعولمة السياسية والثقافية، التي يراد بها القضاء على ثقافات الآخرين، وتحطيم العوامل الذاتية للشعوب ليسهل نهب ثرواتها، والهيمنة والتسلط على منطقة الشرق الأوسط، والدعم اللامحدود للعدو الصهيوني؛ كل هذه العوامل وغيرها كانت السبب في زيادة الكره للولايات المتحدة، وتنامي عمليات الإرهاب في المنطقة.

وقد أنشئت في أميركا - لتسهيل كل هذا التخطيط للشرق وللعالم الإسلامي - منظمة مسيحية جديدة، تدعى (المسيحيون المولودون من جديد على ضوء الكتاب المقدس)، ونسبتهم في المجتمع 41 %من مجموع المسيحيين في الولايات المتحدة، وهم في تزايد مستمر ومتعاطفون مع أفكار الصهيونية العالمية و(إسرائيل)، لأنهم يؤمنون بأنَّ الله وعد اليهود بأرض فلسطين في (العهد القديم)، ولذا لا بد من إعطائها لليهود لتحقيق مجيء المسيح ثانية، ومن بين أعضاء هذه الجماعة الرئيس (جورج بوش) الإبن، الذي كثيراً ما يلتقي بصديقه القس (فرانكلين جراهام) إبن القس (بيل فرانكلين)، وهو رجل دين حاقد على الإسلام حيث يرى فيه بأنه: (دين شرير سييء جدا).

إنَّ هذا العداء للمسلمين الذي يُنَظر له في أميركا وأوربا بمساعدة مراكز متخصصة تابعة لمفكرين ومثقفين أميركيين وغربيين، قد دفع كثيراً من الصحفيين إلى كتابة أعمدة في الصحف المشهورة لمهاجمة الإسلام، وقد كشف، دون وجل، الصحفي البريطاني الشهير (روبرت فيسك) عن حقده على الإسلام، مع أنه يدافع عن قضية فلسطين، وفي مناسبات عديدة كتب ( فيسك ) بأنه: (لا يحب الشريعة الإسلامية، ولا الذين يطبقونها).

وهذا يجعلنا نتلمس بأن: (الإعلاميين الغربيين يؤمنون إيماناً مطلقاً بالنظرية الليبرالية الديمقراطية، التي تحولت في الغرب إلى دين جديد، وتحول الإعلاميون إلى سدنة وكهنة يدافعون عنه بشراسة، كما يدافع أي أصولي متدين عن معتقده. هذا يعني باختصار شديد أنَّ نظرة الإعلاميين الغربيين إلى المجتمعات التي لا تسود فيها الليبرالية الديمقراطية تتراوح بين العداء العابر والكراهية العميقة).

ولكن كل هذه المواقف لا تجعلنا نرد بمثلها، ونقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، بل نجاهد بأخلاق وحضارة كما علمنا الإسلام ( من أجل وضع حد لهذا الازدواج الذي يتعارض مع مصالح أمتنا، فإذا سعينا إلى مثله أضعنا قضايانا العادلة، وأتحنا لأعدائنا فرصاً إضافية لانتهاك حقوقنا).

إننا لسنا بحاجة للممارسات الإرهابية التي تريد أن تسيء لمبادئ الإسلام العادلة، لأنَّ هذه المبادئ لاترضى بظلم الأبرياء وقتلهم من أجل أغراض سياسية، ولذا نتلمس عدالة الأحكام القرآنية عند تنظيمها لقواعد السلم والحرب، وقد قال الحق في محكم كتابه العزيز: (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) . (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين).

ويفسر العلامة الطباطبائي معنى (ولاتعتدوا) الواردة في الآية المباركة بقوله إنَّ: (الاعتداء هو الخروج عن الحد، يقال عدا واعتدى إذا جاوز حده، والنهي عن الاعتداء المطلق يراد به مايصدق عليه أنه اعتداء كالقتال قبل أن يدعى إلى الحق، والابتداء بالقتال، وقتل النساء والصبيان، وعدم الانتهاء إلى العدو، وغير ذلك مما بينته السنة النبوية).

فالعدل في الإسلام على حد سواء مع الأعداء والأولياء، وقد قال رسول الله (ص): (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به)، أي وفق مقتضيات الشريعة. والواقع التاريخي يؤيد هذا الاتجاه، فقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها هم المعتدى عليهم.

وهكذا كان المسلمون أرحم الناس، لأنَّ الله شرفهم بالقرآن: (ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين). فهذه الرحمة هي ماتثمره لهم هداية القرآن، (وهي صفة كمال من آثارها: إغاثة الملهوف، وبذل المعروف، وكف الظلم، ومنع المعتدي والبغي وغير ذلك من أعمال الخير والبر، ومقاومة الشر).

ولذا فإنَّ الدعوة الإسلامية كانت ترتبط بقاعدة: (لاإكراه في الدين) ، وقاعدة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ، وقاعدة (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر)، وغيرها من القواعد القرآنية التي لاتكرة الناس على اعتناق الإسلام.

إننا في هذه المرحلة الحرجة لسنا بحاجة للعمل الإرهابي المسيء لنا كمسلمين، بل بحاجة لعمل دؤوب من أجل إعادة الثقة لأجيالنا المنكوبة، فأميركا وجدت المرحلة الراهنة مناسبة بسبب الأوضاع العربية المضطربة التي تلفها الإنقسامات والمتناقضات السياسية، فاستغلت الفرصة أحسن استغلال. ومن المؤسف أن تتحقق نبوءة (هنري كيسنجر) عندما قال سنة 1975: (إنَّ العرب سوف يلجأون إلينا لذلك يجب أن لانذعن للابتزاز، ويجب أن لاتصيبنا البيانات المتطرفة بالرعب، ويمكن أن يكون الصبر سلاحنا. وعندما ينكسر الجمود ويتجه العرب المعتدلون نحونا نتحرك لإحراز تقدم)!!.

ونتساءل في هذا الجانب : هل يستطيع العرب والمسلمون تجاوز أزماتهم وتناقضاتهم المصطنعة، وينزعوا حقوقهم بقوة ضغط دولية يخلقونها بأنفسهم، وينجحوا في تثبيت مواقعهم في النظام الدولي الجديد؟ وهل مازال الوقت متسعاً، ليجد الإنسان العربي المسلم هويته وشخصيته المسلوبة؟ أم إنَّ الوقت قد فات بحيث أصبحنا نسير دون هدى في تبعية مذلة للغرب، لانملك قرارنا السياسي بل تمليه علينا طبيعة معطيات الظروف الدولية، تلك الظروف التي جعلت فوائض أموالنا النفطية في أيدي القوى المالية في أمريكا، والدول الغربية ولم نستطع استثمارها في بلداننا.

وأقول بثقة كأنما أتطلع للمستقبل بأنَّ الوقت مازال متسعاً، إذا فهمنا منطق التاريخ وتعاملنا معه بوعي، وفق منطلقات فكرية وعملية، تقرأ السنن التاريخية بصورة واقعية صادقة. إنَّ واقعنا المرير يحتم علينا هذا الفهم، والتعرف على التراث كي نعي حقيقة وضعنا للانطلاق بثبات إلى مستقبل نتحكم فيه بدلاً من تحكمه بنا.

ولذا لابد أن نمارس في المرحلة الراهنة نقداً ذاتياً يشمل كل الأزمات والمشاكل والأوضاع السلبية، للوقوف على أسباب التخلف والانحطاط. وحتماً إنَّ إدراك العلل الباعثة لهذا التخلف يساعد على تخطي العقبات التي اثرت، بلا شك، على وضعنا المحلي، والإقليمي، والعالمي، وعلى قراراتنا السياسية.

مشكلتنا أننا بعيدون (بعداً مكانيا) عن التقدم الغربي، (وبعداً زمانياً) عن الحضارة الإسلامية، التي انفصلنا عنها (حركياً)، فلم تعد تستلهم وجداننا بصور فنية حية، ومنطلقات إبداعية لشكل الحكم، والسياسة، والاقتصاد.

الإحباط العربي لم يأت من توازنات القوى الدولية فقط، ومن تغيّر الظروف العالمية لصالح الولايات المتحدة في النظام الدولي الجديد، بل كانت نتيجته الأساسية التخلف الداخلي والتشرذم الذي يتحمله العرب أنفسهم، لأنهم ابتعدوا عن دينهم وقيمهم وحضارتهم، والتصقوا بذلّ بقيم وسلوكيات أوروبا.

ومع ذلك فإنَّ الإسلام مازال نشطاً ينتقل بوعي وقوة في مواقع متعددة لإعادة الأمل إلى النفوس. ولو قُدّر لفئة مؤمنة قليلة متسلحة بالإيمان أن تمسك زمام الأمور، ومواجهة التحديات المصيرية لرأيت كيف تتغير (المعادلات الدولية) لصالح قضايانا المركزية.


* كاتب وباحث إسلامي/ عضو مؤسس لمركز الدراسات القانونية والسياسية

1- جراهام إي فوللر، وإيان أوليسر الإسلام والغرب - ص 56.

2- قاسم خضير عباس - الحركة الإسلامية في ضوء المتغيرات الدولية - ص 167.

3- روجيه غارودي - الأصولية - ص 19.

4- المصدر نفسه - ص 169.

5- المصدر نفسه - ص 176 - 179.

6- غازي القصيبي - أميركا - ص 114.

7- المصدر السابق - ص 31.

8- المصدر السابق - ص 31.

9- الدكتور وحيد عبد المجيد - الإرهاب وأميركا والإسلام، من يطفئ النار ؟‍ - ص 11 - دار مصر المحروسة القاهرة 2002 م.

10- سورة الممتحنة الآية8.

11- سورة البقرة الاية 190.

12- السيد محمد حسين الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن - المجلد الثاني ص 62.

13- قاسم خضير عباس - الرؤية الإسلامية للقانون الدولي العام - رسالة ماجستير في القانون الدولي لم تطبع - ص 47 وما بعدها.

14- الدكتور سعيد محمد باناجة - المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية - ص 14 - مؤسسة الرسالة بيروت 1985 م.

15- الدكتور وهبة الزحيلي - العلاقات الدولية في الإسلام مقارنة بالقانون الدولي الحديث - مؤسسة الرسالة بيروت 1989 م - ص 28.

16- سورة يونس الآية 57.

17- الشيخ محمد رشيد رضا - الوحي المحمدي - ص 151 - المكتب الإسلامي بيروت 1985 م.

18- سورة البقرة الآية 256.

19- سورة النحل الآية 125.

20- سورة الغاشية الآية 21 والآية 22.

21- د. عباس شومان - العلاقات الدولية في الشريعة الإسلامية - ص 53 - الدار الثقافية للنشر القاهرة 1999م.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 71

إتصــلوا بـنـــا