ردك على هذا الموضوع

السلوك العدواني عند الأطفال

بسماء آدم

يتضمن السلوك العدواني لدى الأطفال مشكلات مثل: عدم إطاعة الوالدين والإجابات الفظة والتذمر والإغاظة ونوبات الغضب والتخريب، والضرب والركل والعض والشتم.

يبدأ السلوك العدواني منذ سنوات الدراسة المبكرة فبينما يكون أطفال مرحلة الحضانة والصف الأول الابتدائي مشاكسين، نجد أطفال الصف الثاني الابتدائي أكثر عدوانية وذلك لأنهم يفشلون في تعلم السيطرة على النفس، فالأطفال الآخرون يتعلمون التفاوض والتراضي حول ما يختلفون عليه أثناء اللعب إلا أن الأطفال المشاغبين والعدوانيين يعتمدون على القوة والعربدة مما يؤدي إلى نفور الأطفال منهم بعد ساعة أو ساعتين من الاحتكاك بهم أثناء اللعب.

فهم لا يسايرون غيرهم من الأطفال، ولا يطيعون آباءهم، يعاندون مدرسيهم وبالتالي قد يصبحون جانحين لكن هذا لا يعني أن كل الأطفال العدوانيين يسيرون على الخط نفسه وإن كانوا أكثر عرضة لخطر ارتكاب جرائم العنف.

والمدهش حقاً أن الانحراف نحو الجريمة يظهر مبكراً في حياة الأطفال مثل ضرب طفل عدواني لطفل آخر لم يفعل له شيئاً، وأيضاً سرقة المحلات، تعاطي السجائر والخمور، كما أن ضعفهم في السيطرة على انفعالاتهم يؤدي إلى تدني مستواهم التحصيلي ويصبحون بلا صداقات وينجذبون إلى المنبوذين اجتماعياً وتزداد نسبة هروبهم من المدارس ويتسربون مبكراً منها.

ومن الطبيعي ألا يقود إلى العنف والجريمة عامل واحد فقط بل هناك عوامل كثيرة منها: أن يكون الطفل في بيئة أو حي يتميز بوجود نسبة عالية من المجرمين الذين يعرضون هؤلاء الأطفال لإغراءات تشجعهم على ارتكاب العنف والجرائم، أو يكون ابناً لعائلة تعيش تحت ضغوط قاسية أو فقر شديد. وقد وجد العالم السيكولوجي جيرالد باترسون في دراسة تتبعية لحياة مجموعة كبيرة من الأطفال أن الأفعال التي ارتكبها الطفل ضد المجتمع في سن الخامسة من عمره تعد بداية تنذر بأنه سيكون جانحاً في شبابه.

وهناك أسر يسيطر عليها السلوك العدواني وينتقل هذا السلوك من جيل إلى جيل فسلوك الآباء العدواني يجعل حياة الأسرة مدرسة للعدوانية، هؤلاء الكبار تربوا عندما كانوا أطفالا على أيدي آبائهم بالقسوة الاستبدادية ومن دون رحمة والأطفال مثل آبائهم يكررون النموذج ويحملونه معهم إلى المدرسة وفي الملعب ويمارسونه طوال حياتهم هؤلاء الآباء ليس بالضرورة أن يكونوا أشرار أو لا يتمنون الخير لأطفالهم إنما يكررون النموذج الأبوي الذي شكلهم به آباؤهم عند طفولتهم فينشأ أطفالهم ضمن هذا النموذج من العنف.

وعملية تهذيب سلوك هؤلاء الأطفال تتم وفق الحالة المزاجية للأبوين فإذا كان الأبوان في حالة نفسية طيبة فسينطلق الأطفال في البيت يحدثون أضراراً متعمدة. فالعقاب لا يكون بسبب ما يفعلونه وإنما نتيجة لحالة الأبوين المزاجية مما يؤدي إلى شعور الطفل بانعدام قيمته وعجزه وإحساسه بأنه سيواجه التهديدات في كل مكان، وأن العقوبات ستسقط على رأسه في أي وقت وعلى هذا ينمو الأطفال بحالة نفسية مولعة بالقتال وجرأة تحدي الآخرين وشعور بالتعاسة المستمرة.

كما يجب أن لا يغيب عن البال انتشار ظاهرة العنف في وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون فقد أصبحت مشاهد القتل وإطلاق النار وصور الجرحى والقتلى الملطخة بالدماء تعرض باستمرار على الشاشة، ومشاهدة الطفل لهذه الصور تؤدي إلى تبلد مشاعره واللامبالاة واعتبار ما يراه شئ طبيعي، وهذا ما أثبتته الدراسات النفسية والاجتماعية التي درست أثر التلفاز على الأطفال والشباب كما أن صور هذه المشاهد تظل في مخيلتهم لوقت طويل تخيفهم وتسبب لهم أحلاماً مزعجة وتؤدي إلى عدم الشعور بالأمان والتوتر مما يدفعهم لاتخاذ مواقف عدوانية للدفاع عن أنفسهم. كما أن الرسوم المتحركة التي تعرض نماذج لأبطال يتميزون بالعدوانية والمشاغبة تساعد الأطفال على تقمص شخصية البطل وتقليدهم لسلوكه.

ولاشك أن للأسرة دوراً مهماً في تأمين المناخ النفسي الصحي للطفل فالتربية الصحيحة يجب أن تمنح الطفل مشاعر الأمان والطمأنينة فقد أعطى معظم الاختصاصين أهمية لإرضاع الطفل من ثدي أمه وهذه الأهمية لا تعود فقط إلى نوعية حليب الأم بل إلى أهمية عملية الملامسة التي تصاحب عملية الإرضاع، هذه الملامسة تشكل الفيتامين النفسي للرضيع وهي مصدر من مصادر الشعور بالامتنان لدى هذا الرضيع. فكلما كانت العلاقة بين الأم وطفلها جيدة كلما أدى ذلك إلى توازن الطفل أما إذا كانت العلاقة بينهما سيئة فإنها تؤدي إلى التعلق القلقي وهو مصدر لكل قلق حياتي لاحقاً والذي هو بالتالي مصدر لكل سلوك عدواني يقوم به الطفل.

وعلى الأسرة أن تهيئ لأبنائها بيئة غنية بالمثيرات الثقافية، وتشجع الطفل على التساؤل والتجريب، والمعاملة الوالدية للأبناء يجب أن تكون خالية من أي شكل من أشكال التحيز والتمييز والتسلط، بعيدة عن العقاب القاسي الذي يؤذي شخصية الطفل، وهذا لا يعني أن لا يعاقب الآباء أطفالهم بل إن السلوك الذي يعاقب عليه الطفل يؤدي إلى عدم تكراره والسلوك الذي يكافأ عليه يتكرر عند الطفل وعلى ذلك فيجب عدم المبالغة في العقاب والثواب، كما أن على الأهل مراعاة قدرات الأطفال وإمكاناتهم والمرحلة العمرية التي يمرون بها وعدم المبالغة في طلب المستويات العلمية والخلقية إلا بقدر ما تسمح به ظروفهم العمرية وإمكاناتهم العقلية و الجسمية.

وعليهم فتح باب الحوار بينهم وبين أطفالهم فيما يتعرضون له من مؤثرات ناتجة من البيئة المحيطة بهم والاستفادة مما يعرض على شاشة التلفاز من مشاهد عنف في شرح أسباب العنف ومناقشة ما يشاهدونه ومحاولة الاستفادة من هذه المشاهد في تنمية روحه الوطنية والقومية.

ويجب على الأسرة أن تشجع أطفالها على الاهتمام بالغير وتفهم شعور الأطفال الآخرين إذا تعرضوا لمحنة. هذه المشاعر إن لم يتعلمها الطفل منذ الصغر فلن يتعلمها على الإطلاق، وإذا عجزت الأسرة عن إيجاد الحلول المناسبة فإن عليها أن تلجأ إلى المرشد النفسي لمساعدة الطفل العدواني، فهناك برامج تدريبية لتعليم الأطفال السيطرة على انفعالاتهم العدوانية وتعلميهم أخذ الأمور بمنظار الآخرين في المواجهات التي استفزت غضبهم الشديد، وإيجاد حلول للمآزق التي يواجهونها.

*معيدة في جامعة دمشق

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 71

إتصــلوا بـنـــا