ردك على هذا الموضوع

بحوث ودراسات

التسقيط.. معصية كبيرة وظاهرة من ظواهر تخلف الأمة

(قراءة في معالجة هذا المرض الخطير على ضوء فكر الإمام المجدّد الشيرازي)

الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني

الحمد لله مؤلف القلوب والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله، هداة الحق ومنقذي الشعوب..

أما بعد: فهذه سطور كتبتها بقلم الشجون وحبر الدموع وألم القلب المجروح، للتحذير من استمرار أسوأ ظاهرة شهدتها الساحة الإسلامية في أسوأ ظروف تمر بها في مواجهة الاستكبار العالمي وهجماته السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والطائفية والإفسادية. تلك هي ظاهرة التسقيط الداخلي التي تتكوّن عناصرها من أسوأ الرذائل الأخلاقية والموبقات التي تهز عرش الله تعالى. إنها ظاهرة تشكّل أهم عوامل الفشل والانتكاسات بناءً على صريح قوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقول النبي (ص): (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم فتهلكوا). وقول الإمام علي (ع): (إياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان وينبت عليهما النفاق).

 وتأتي هذه السطور في ذكرى مرور عام واحد على وفاة المرجع المجدد آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) مثال المرجع الذي ناله التسقيط أكثر من أربعين عاماً وعلى شتى المستويات والمصادر وبقي صامداً ورحل منتصراً. وما نسطره في هذا الوجيز نريد منه في الدرجة الأولى دعوة المخلصين الغيورين إلى إماتة سنة التسقيط السيئة التي زرعها الاستعمار على أرضية تخلفنا وسقاها الجهل والسياسات الفئوية في أوساط الإسلاميين حتى حصدنا الأشواك والألغام والأحقاد.

مقدمة في خمس نقاط:

الأولى: التسقيط سلاح العاجزين عن الحوار والتعايش، وديدن المستبدين والأنانيين، وسلوك الذين لا يتحملون النقد والتنافس الشريف، وفي الوسط الإسلامي لا يعتمده إلا الذين أفلستهم ذاتياتهم عن النهوض بالأمة إلى مستوى الحضارية الإسلامية، وهو الداء الذي أفرغ جهود الناشطين عن ثمارها وأجلس الكثيرين منهم على مائدة الندامة والأسى. ولذلك كان تسقيط الصالحين جريمة كبرى بحق الصلح والمجتمع الإنساني، وكان رسول الله(ص) أول شخصية عظيمة ناله التسقيط من قبل المشركين أولاً ومن قبل المنافقين الذين دخلوا الإسلام طمعاً في المغانم ثانياً؛ إذ اتهمه أولئك بالجنون والسحر، واتهمه هؤلاء بالسهو والهجر والهذيان(!!). وكان الإمام علي  (ع)، من بعد رسول الله (ص)، أكثر من نالته سهام التسقيط الأموي حتى سنّوا على المنابر المغتصبة سبّه وصبغوا هذه الرذيلة بصبغة إسلامية مزيفة.

الثانية: تأثرت قطاعات كبيرة من الأمة الإسلامية بهذه السلوكية السيئة إذ كلما اختلفت فيما بينها على مسألة عقائدية أو سياسية أو مصالح مادية أو عائلية أو شخصية، التجأت وبدافع الجهل والطمع والحسد وسوء الظن إلى الوسائل المحرمة التالية:

1- الغيبة.

2- البهتان.

3- المقاطعة والهجر.

4- تتبع العثرات ونشرها بين الناس مع التضخيم والمزايدات.

5- التشكيك في شرعية الطرف الآخر واتهامه بالخروج عن الدين وعدم إبراء الذمة في اتباعه.

6- الاستهزاء والتسفيه.

7- الوشاية والسعاية.

8- الاغتيال والتصفية الجسدية.

وكل ذلك مما نص الإسلام على قبحه وحرمته محذراً من آثاره المدمرة والأليمة على الصعيدين الدنيوي والأخروي معاً.

الثالثة: لا شك أن قبح التسقيط وحرمته بين الناس يتضاعف بين العلماء والدعاة والطبقة المثقفة، نظراً إلى موقع الهداية الربانية والإصلاح السياسي والإرشاد الأخلاقي وتنضيج الوعي الاجتماعي والعائلي المنوط بهم كورثة للأنبياء ورجال يُعقد عليهم الأمل لتنوير الأجيال، وهذا ما لن يجتمع مع وسائل التسقيط المحرمة المذكورة وممارسة التراشق والتنابز بالألقاب وتوتير الأعصاب وهدم جهود الغير.

يقول الإمام الصادق (ع): (فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك درجة فارفعه إليك برفق ولا تحملنّ عليه ما لا يطيقه فتكسره، فإن من كسر مؤمناً فعليه جبره) وقال أيضاً: (ما أنتم والبراءة، يبرأ بعضكم من بعض، إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، وبعضهم أكثر صلاة من بعض، وبعضهم أنفذ بصيرة من بعض، وهي الدرجات).

الرابعة: إن أكثر ما تطال تلك الوسائل التسقيطية كبار الشخصيات التي يخشى أصحاب المصالح من صعودها إلى مواقع التأثير والقرار، وبحجم التسقيط والأجواء المضادة يكتشف المتأمل المنصف حجم تلك الشخصيات وقوتها وعمقها.

وفي خصوص المرجع المجدّد الإمام الشيرازي (طاب ثراه) يكشف تنوّع مصادر السهام لتسقيطه (رحمه الله) عنى تنوّع أبعاد شخصيته الشمولية المتميزة. فلقد رماه الحكام منذ الخمسينات لخوفهم من نظريته الشورائية في الحكم والسياسة والإدارة، ورماه الشيوعيون لخوفهم من تقدمه واستقطابه الجماهير، ورماه بعض مراجع الدين لعدم قراءتهم لنظريته حول تطوير المناهج الفكرية والحوزوية وإدارة شؤون الأمة والطائفة الشيعية، ورماه بعض علماء الدين لخوفهم على ما بأيديهم في مناطق نفوذهم، ورماه بعض المثقفين لعدم انفتاحهم عليه وحبهم لبيئتهم النخبوية وخوف المقاطعة وقطع التمويل، ورماه بعض أصحاب المال لتأثرهم بالتقوّلات عليه وخوفهم من تضرّر علاقاتهم ومصالحهم المادية، ورماه بعض الأحزاب الإسلامية لتعصبهم الفئوي وخوفهم من اكتساح نظرياته في التعددية والحرية، ورماه الهمج الرعاع في المجتمع لميلانهم جهة كل ناعق وقعودهم عن تحرّي الحقيقة.

واستغلت المخابرات الدولية المتغلغلة في بلاد المسلمين هذا الوضع وما قبله لتفتيت القوى الإسلامية والحركات الإصلاحية وتشغيلها بنفسها وتوجيه حرابها إلى صدور بعضها، فكان هذا النزيف الداخلي أهم عوامل الانتكاسات التي حلّت بتلك القوى والحركات في مواجهة الأعداء الحقيقيين للإسلام والأمة؛ مما جعلها تدور حول نفسها حتى تعود إلى نقطة البداية بعد تضحيات جسيمة ومتاعب جمّة.

ولقد فطن الإمام الشيرازي لعمق هذه المؤامرة واللعبة الاستعمارية عندما قدّم بإيمانه الراسخ وعلمه الغزير وأخلاقه الرفيعة وصبره العجيب وطموحه العالي ووعيه السياسي الثاقب ونظرته الشمولية إلى الأمور، قدّم إلى الأمة على مدار ستين عاماً غاية ما استطاع من مجهوده المبارك لإنقاذها وتصحيح مسيرة مراجعها وحوزاتها وأحزابها ومثقفيها وأبنائها، تحرراً من مصيدة الاستعمار والدوران في دائرة التخلف. ولذلك جيّش الاستعمار نفوذه المباشر وغير المباشر لتطويق هذه الشخصية العملاقة، وتشويه صورة هذا النابغة الرسالي الذي قال عنه المرجع الورع السيد شهاب الدين المرعشي النجفي(رحمه الله) وهو يظهر تألمه وأسفه على الجهل بمقام الشيرازي ونبوغه: (إن المسلمين سيعرفون ما يقوله هذا السيد الجليل بعد قرنين من الزمن).

ولقد عانت مجتمعاتنا آلام التسقيط وأوجاع التجاذبات في قضية المرجع المجدد الشيرازي المظلوم بما أدت المهاترات فيها إلى أحقاد وكراهيات لا تمت إلى الشرع والعقل والأخلاق والإنسانية والضمير بأية صلة. فكم من عوائل تمزقت، وكم من صداقات تهدمت، وكم من مشاريع تعطلت، وكم من قلوب حزنت، ودموع سكبت، وأكاذيب نشرت، وأعداء أهلّوا واستهلّوا فرحاً.. حقاً أن تسقيط رجل عظيم مصلح عطوف كالإمام الشيرازي، وما ترتب عليه من شروخ وتصدعات بين الناس منذ أربعين عاماً، كان عملاً خاطئاً وسنّة سيئة فتحت أبواب المعصية والجريمة وكرّست في الأمة تخلفها ومذلّتها وأسرها في شرنقة الاستكبار الأجنبي.

الخامسة: إن جريمة تسقيط كفاءات الأمة لم تختص بالإمام الشيرازي الراحل المظلوم، بل إن الاستعمار وأذياله قد نال من كل الكفاءات الإصلاحية عندما نجح في ركوب جهلة الأمة لإشاعة الأكاذيب ضدها وضرب بعضها ببعض، حتى سقطت في رذيلة التسقيط بعض الكفاءات نفسها من حيث لا تشعر. ولو كانت تلتقي ببعضها لقطعت الطريق على تمرير الاستعمار خططه التمزيقية عليها. وهذه هي الثغرة التي انتبه لها الإمام الشيرازي فاقترح للمراجع والكفاءات الناشطة لقاءات دورية ومحاورات داخلية تنتهي إلى مؤسسة العقل الجمعي بدلاً عن العقل الفردي في قيادة الأمة.

والسؤال الذي نبحث عن جوابه في هذا المختصر استلهاماً من فكر الإمام الشيرازي - وهو المصداق الأجلى للمظلومية حيث ناله التسقيط وانتصر عليه بصبره الإيجابي الطويل - هو عن ملامح منهجه في معالجة هذا المرض الخطير أو الحدّ من تسلله إلى هدم المناعة الداخلية للمجتمع المسلم الذي بات يتعاطى أكثر أفراده هذه الرذيلة جهلاً بالدين واسترسالاً مع العادات السيئة الموروثة. ولما كان التسقيط يمارسه:

- من لا يرى كرامة للإنسان وقيمة للشعوب.

- ومن يجهل الثقافة الإسلامية الملتزمة.

- ومن لا يمتلك حالة السلم واللاعنف.

- ومن لا يلتزم بحقوق الأخوة الإسلامية والشراكة الإنسانية.

- ومن لم يتذوق طعم الحرية في نبذ العصبية.

- ومن لا يطور في مصادر العلوم الدينية والمناهج الحوزوية.

- ومن لا يمهد للنهضة الحضارية الإسلامية.

- ومن لا يطبق أقواله على أفعاله.

نعم لما كان التسقيط هذا ظاهرة من ظواهر التخلف والجمود الفكري في الأمة، فقد قدّم الإمام الشيرازي منظومته الفكرية المتكاملة لمعالجتها وأشباهها. وما نذكره هنا هو قبس من هذه المنظومة التي لا تعيها إلا أذن واعية، تلك التي رمت (القطن) عنها وتحررت في سماء البحث عن الحكمة وإن كانت على لسان الرأي المخالف.

ومضات من ملامح منهج الإمام الشيرازي

في معالجة التخلف وظاهرة التسقيط:

أولاً: كرامة الإنسان وقيمة الشعوب:

يقول الإمام الشيرازي في كتابه (هل للشعوب قيمة؟ ص10): (إن الدين الإسلامي الحنيف بالغ في احترام كيان الإنسان وشخصيته لدرجة التحذير والمنع من إرهاب الإنسان أو تخويفه أو الإساءة إلى كرامته، ولذا أعطى الرسول (ص) بواسطة الإمام علي (ع) مالاً لمن ارتعب وارتهب بسبب خالد بن الوليد، حتى يرضوا عن رسول الله).

فالمسلم الذي يلتزم بهذا المبدأ يتورع عن إسقاط حرمة الآخرين وكرامتهم مهما اختلف معهم، فهو يتذكر دائماً قول الله سبحانه (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ومثله لا ينسى أبداً أن علياً أمير المؤمنين (ع) ينظر إلى الإنسان كأخ للإنسان إما عبر ميثاق الدين أو وثاق الإنسانية.

ثانياً: توعية المجتمع بثقافة الأصالة وبلغة الحداثة:

يقول الإمام الشيرازي في كتابه (السبيل إلى إنهاض المسلمين ص19): (من الواجب على كل مسلم أن يعمم الوعي الإسلامي العقائدي والاقتصادي والتربوي والعسكري والزراعي والصناعي والاستقلالي في كل البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة والصحف والمجلات والنوادي والكتب والمؤتمرات وغيرها). ويقول أيضاً في نفس المصدر/ ص21: (لقد تركنا توعية الناس ونشر المعارف الإلهية فتأخرنا، وقام المبطلون والمنحرفون بنشر أفكارهم فتقدموا.. وتلك هي سنّة الله في الحياة).

ويقول في أهمية نشر الثقافة الإسلامية، كما في نفس المصدر/ ص 32: (الثقافة هي التي ترسم للأجيال مسيرتها، وهي التي تحدد طريقة تعامل الأمة مع الأحداث والوقائع، وهي التي تعيّن مستقبل الأمة. فالثقافة الإسلامية الأصيلة تجعل الأمة تسير سيراً متميزاً في الحياة فكرياً وعملياً، ونظرياً وسلوكياً. والمسلمون في الصدر الأول تحلوا بهذه الثقافة فحرروا نصف الكرة الأرضية بعد أقل من ثلث قرن من بداية جهادهم المقدس في السنة الأولى للهجرة).

ومما لا شكّ فيه أن مرض التسقيط ينخر في أوساط الجاهلين، ولو سكتوا لسقط الاختلاف وانتهى التسقيط كما ورد معناه في الحديث عن أمير المؤمنين (ع).

ثالثاً: الدعوة إلى السلم وممارسة الرفق واللاعنف:

يرى الإمام الشيرازي - كما في نفس المصدر/ ص232 أن بداية هذه الخصلة الإنسانية تكون من نفس الإنسان، فيوجّه نصيحته إليه قائلاً: (إن للتلقين أثراً كبيراً في داخل النفس، فالإنسان بطبيعته يغضب ويثور ويذكر معايب الآخرين ويدخل مع الناس في صراع ونزاع وحقد وبغضاء وعداء ومقاطعة وما أشبه. فاللازم اجتثاث جذور هذه الأمور من قلب الإنسان وبالتبع جوارحه وذلك بالتلقين الدائم بأنه إنسان ملائم مسالم، حازم، عاقل، مفكر، مدبر، مدير.. فإذا لقّن نفسه بهذا التلقين ليله ونهاره وشهره وسنته فإنه يتطبع بطابع السلم. وكذلك يجب على الإنسان أن يكون حافظاً لدينه، لقلمه، لحركته، لسكونه، لكل شيء حتى يتمكن من أن يقدم الأمة إلى الأمام. ومن ثم يجب أن يشمل السلام كل شيء في حياتنا.. السلام في العلاقات الاجتماعية، والسلام في العلاقات العائلية والأسرية، والسلام بين الحركات الإسلامية،والسلام بين أعضاء الحركة الواحدة، والسلام في العلاقات السياسية، والسلام في الشراكة الاقتصادية، والسلام بين أبناء الوطن الواحد، والسلام حتى مع الأعداء فضلاً عن الأصدقاء).

فليس الحدّيون والعنفيّون والبذيئون في تسقيط شخصية الآخرين إلا الذين يتجاهلون أبسط القيم الإسلامية التي أحدها السلم وهو روح الإسلام التي قال عنها رسول الله (ص): (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه)، وأين ممارسو التسقيط مما يقرؤونه في زيارة الأئمة الطاهرين(ع): (سلم لمن سالمكم) أليس الذين يختلفون معهم يوالون أهل البيت (ع) ويسالمونهم ويسلّمون عليهم؟ بل إن الله عزّ وجلّ قد أمرنا أن نبر ونقسط حتى مع غير المسلمين إن لم يقاتلوننا. قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

رابعاً: أصالة الأخوة الإسلامية والشراكة الإنسانية:

وإلى جانب ذلك يركز الإمام الشيرازي على أصالة الأخوة الإسلامية كعامل أساسي لإماتة سيئة التسقيط وغيرها من عوامل التخلف؛ لأن المسلم إذا تأصّل في قلبه معنى الأخوة وحقوقها الثلاثين – كما في الأحاديث – فسيمتنع عن تسقيط أخيه والتشهير به حتماً ويتحمل خلافه معه في الرأي ولا يتصرف بما يجلب بينهما العداء والبغضاء. يقول (رحمه الله) في كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام/ ص491): (العربي والفارسي والهندي والإندونيسي وغيرهم من المسلمين كلهم إخوان، لا تمايز بين أحدهم في أي شيء، وهم متساوون أمام القانون الإسلامي، فلا قوميات ولا إقليميات ولا لغات ولا ألوان تفصل بين المسلمين عن بعضهم. وقد آخى الرسول (ص) بين الرجال بعضهم مع بعض، كما آخى بين النساء بعضهن مع بعض عندما ورد المدينة المنورة).

ويقول في نفس المصدر/ص36: (لقد فرّق بيننا الاستعمار ووضع الحواجز بين الأخ وأخيه... لقد خسر المسلمون الكثير عندما خسروا الأخوة الإسلامية).

ولا تنفصل الأخوة عن مفهوم الأمة الواحدة التي يقول عنها أيضاً: (نحن تفرقنا بعد أن كنا أمة واحدة فالحدود الجغرافية التي نشاهدها اليوم لا يتجاوز أمرها ثلاثة أرباع قرن. وكان أول من وضع هذه الخطوط الوهمية هو الاستعمار البريطاني).

ويضيف قائلاً: (لقد خسرت الأمة الكثير عندما خسرت وحدتها، لقد كان المسلم يخرج من بيته إلى أي بلد إسلامي يريده دون أن يطالب بأي شيء، أما اليوم فقد تغيرت الصورة تماماً).

ويبني الفقيد الشيرازي الكبير على هذا الأساس دعوته إلى الوحدة الإسلامية أيضاً كمنهج عملي وليس كلاماً في الهواء، يقول (رحمه الله) في كتابه (طريق النجاة/ ص144): (من أهم ما يلزم على السالكين سبيل النجاة، الحفاظ على الوحدة الإسلامية، أما بالقول فهو سهل يسير، وأما بالعمل فهو صعب عسير، ولذا لا تجد حتى جماعة واحدة لا تنادي بها وفي نفس الوقت لا تجد حتى جماعة واحدة تتحمل مسئولياتها وتسلك طريقها إلى حيّز الوجود).

ويرى (قدس سره) الوحدة الحقيقية بعدم ذوبان طرف في الآخر، بل باعترافه لحقه في الاجتهاد وحرية التطوير والتعايش والتنافس إلى الخير وإبداء الرأي.

خامساً: الاهتمام بمسألة الحرية ومشروعية التعددية وإدانة العصبية والضدّية:

ويراها الإمام الشيرازي واحدة من أهم الركائز لمعالجة أمراض الاستبداد والأنانية والتسقيط والتهميش والمقاطعة ونشر الكراهية. ويستدل عليها بأصالة الإباحة الشرعية وبالعديد من النصوص الإسلامية الصريحة، مثل قوله تعالى: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) وقوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وقوله تعالى: (فذكّر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).

وقد أفرد لهذه المسألة الهامّة كتاباً باسم (الحريات) وعدّدها إلى مئة نوع في أبواب الأحكام الفقهية. وذكرها في كتابه (الحرية الإسلامية) و(الصياغة الجديدة) وفي الفصل الثاني من كتابه (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين).

فالإمام الشيرازي المجدّد (أعلى الله مقامه) يعتقد أن الحرية قيمة إلهية ونعمة أنعمها الله على البشرية فلا يحقّ لأي بشر أن يصادرها من غيره إلا إذا أراد أن يُدوَّن في ديوان الظالمين؛ لأن التسقيط لا يعني إلا كمّ الأفواه ومصادرة حرية الرأي وممارسة الإرهاب ضدّه، وبالتالي فإن التسقيط هو الديكتاتورية والاحتكارية بعينها، وهي سدّ باب الاجتهاد بحصره في فئة واحدة تعتبر نفسها قبلة الشرعية كلها. وهذا هو الظلم وتكبيل العقول عن التفكير والإنتاج. يقول في كتابه (الرجوع إلى سنن الله تعالى ص50): (فبدونها – أي بدون الحرية - لا يستطيع الإنسان أن يتقدم قيد أنملة، فالحرية هي التي تفسح الطريق أمام قدرات الإنسان وكفاءاته لكي تتفجر في مجال العمل المثمر. وكما تقدم المسلمون الأوائل بسبب الحرية، فإنهم سيتقدمون أيضاً ويعودون قادةً للعالم وروّاداً للعلم والفضيلة والتقوى إذا عادوا لاستخدامها من جديد).

ومن هنا فلولا الحرية لما كان ينتعش مذهب أهل البيت (ع) على مرّ العصور بفتحه باب الاجتهاد وتشجيعه على الدراسة الحرّة ونبذ التدابر والتنازع.

سادساً: ضرورة التجديد في مناهج الدراسة الحوزوية:

وكان يؤكد عليها المرجع الشيرازي الفقيد باعتبار الحوزات العلمية مصدر الإشعاع الديني في الأمة، وفي حال تخلفها وجمودها سوف تُستبدل إلى مصدر للتصدّع ولأمراض التسقيط والخلافات الهدّامة المصبوبة على رؤوس الناس من رأس الهرم.

ومن هذا المنطلق جاءت مؤلفاته الجريئة التي خاطب بها المراجع الكرام والعلماء والمدرسين الأفاضل وطلبة العلوم الدينية. منها مثلاً:

 رسالة أهل العلم - الحاجة إلى علماء الدين - مقومات رجل الدين - إلى الحوزات العلمية - هل رجال الدين مقصرون؟ - إلى طلاب العلوم الدينية - نظام الحوزات العلمية في العراق - كيف ينبغي أن تكون قم المقدسة؟..

ولأجل ذلك أيضاً كتب في العلوم الحوزوية شروحاً لأصعب وأهم الكتب الدراسية التي لازال يعتمدها مدرّسو وطلاب الحوزات في أرجاء العالم، مثل كتابه (الوصول إلى كفاية الأصول) و(إيصال الطالب إلى المكاسب) و(الوصائل إلى الرسائل).

ومنه حثه الشديد على التربية الأخلاقية لطالب العلوم الحوزوية الذي يوشك أن يصبح عالماً في المجتمع، له تأثيره وقدوتيته بين الناس في السلب والإيجاب والهدم والبناء، يقول(رحمه الله) في كتابه (دور الحوزات العلمية في بناء المجتمع) كما في موقعه على الإنترنت: (يجب أن تتهذب النفوس حتى يكون طلاب العلوم الدينية أسوة ونماذج لعصرهم لأن فضيلة الإنسان إنما هي في طهارة النفس وتزكيتها، والإسلام الذي وصل إلينا إنما كان من أثر الفضائل النفسانية للنبي الأكرم (ص) والأئمة الطاهرين (ع)؛ لأن أي قائد إسلامي يجب أن يتحلّى بأكبر ما يمكن من الخُلق الرفيع والمعاملة العطوفة المحبّبة مع الناس لكي يجلبهم إلى نور الإسلام أو يبقيهم في الإسلام، فإن أفضل وأسهل وأسرع وأعمق العوامل لزرع المحبة في القلوب هي الأخلاق الفاضلة والمعاملة الإنسانية العطوفة مع الناس).

وكذلك دعا العلماء أن يقرؤوا زمانهم، قائلاً في كتابه (إلى وكلائنا في البلاد الأجنبية ص30): (لكل قطر، ولكل زمان، ولكل أمة، منطق خاص، إن عرفه العالم تمكّن من القيام بالشؤون الإسلامية، وإن لم يعرفه العالم كانت النتيجة الضمور والفشل. فعلى العالم أن يتعلم المنطق الملائم لحمل مهمته، مثلاً إذا عرف العالم الأمور الاقتصادية حسب ما هو مذكور في كتاب (الشرائع وشرح اللمعة والمكاسب) ولكنه لم يعرف النشاطات الاقتصادية في زماننا هذا، من بنوك وتأمين وبورصة وما أشبه، كيف يتمكن أن يجيب على المئات من المسائل التي توجه إليه بهذه الشؤون؟ فإنه سواءً لم يجب عنها أصلاً أو أجاب بأجوبة غير ملائمة للعصر كان الفشل المحتم).

وكتب إلى مراجع الأمة وفقهاء المستقبل كتابه النموذجي الرائد والذي يصدر قريباً لأول مرة، تحت عنوان (المرجعية الإسلامية.. تطلعات وأهداف) ذكر فيه كل ما يحتاجه النظام المرجعي لتحقيق أهداف المرجعية الرشيدة وأخلاقية تعامل الجماهير معها.

ونظريته في قيادة الأمة بشورى المراجع نظرية اشتُهر بها وأخذت حوادث الأيام والتحديات الكبرى تثبت صحة هذه النظرية الاستراتيجية الجامعة للكلمة على التقوى والقاضية على جريمة التسقيط وظاهرة النزاعات الداخلية.

سابعاً: التزام مقدمات النهضة الحضارية في التمهيد لعصر الظهور:

يعتبر الإمام الشيرازي لدى دارسي الصحوة الإسلامية المعاصرة واحداً من أبرز رجالها والمؤسسين لمقدمات النهضة الحضارية الإسلامية العالمية القادمة بقيادة الإمام المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).

ويتجلى ذلك لكل باحث عند مطالعته لعناوين المواضيع التي تطرق إليها المرجع الشيرازي في مؤلفاته التي تجاوزت الألف ومائتي كتاب وكتيب والتي حققت موسوعته في الفقه الإسلامي البالغة (160) مجلداً أعظم إنجاز لم يسبقه أحد من المراجع والفقهاء. ففي كتاب واحد مثلاً وهو كتاب (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) كتب عن (التربية الروحية) و(الصبر على المكاره) و(جمع الطاقات والقدرات) و(الهمة العالية) و(بعد النظر) و(الاستمرارية) و(تفجير الطاقات الكامنة) و(مقابلة السيئة بالحسنة) و(الاهتمام لتحقيق الهدف) و(عدم الانشغال بالهامشيات) و(تجنب الطفولة السياسية) و(حرمة الدماء والنفوس) و(الشجاعة المزيجة بالحكمة) و(مكافحة الجهل) و(سياسة العفو والصفح) و(معرفة مكائد كفار الشرق والغرب) وعن (الزهد والورع) أيضاً، ومما كتبه أيضاً في كتابه (طريق النجاة) يستلهم القارئ مفاهيم عملية كثيرة في نبذ التسقيط ومعالجة التعصب، منها مثلاً ما سطره حول (التكاتف فيما بين القوى الإسلامية) و(مفاسد الاستبداد) و(أسباب القلق) و(كيف تحطمت بلاد الإسلام ولماذا) و(الحروب وأسبابها) و(عوامل التقدم والازدهار) و(احترام أموال الناس ودمائهم وأعراضهم) و(الاعتبار بالتاريخ) و(دور الأخلاق في الإنقاذ).

وأخيراً..

إن سلوكه العملي كان طبقاً لما كان يقوله ويكتبه، وهذا من أهم الجوانب المشرقة في شخصية الفقيد الشيرازي الكبير، لأن الداعية إن كان عاجزاً عن تطبيق ما يدعو الآخرين إليه فليس بداعية جدير بالطاعة؛ إذ ما أسهل الكلام وأصعب الالتزام الذي هو الميزان في تقييم الإنسان. وفيما يرتبط بموضوع البحث هنا فقد دلت مواقف الإمام الشيرازي تجاه الذين أسرفوا في تسقيطه وتهميشه والإساءة إلى سمعته، أنه (قدس سره) كان حليماً صبوراً، عفواً ورعاً تقياً وقوراً لا يرد بالمثل وهو قادر عليه. وحسب قراءاتي في قصص المراجع والعلماء لم أجد من كان مثله في السابقين والمعاصرين من حيث شدة الهجمات التسقيطية عليه ومحاولات حذفه، من كل الأصناف، وبكل الأساليب التي انحدرت إلى مستوى الصبيانية في بعض البلدان، حتى قال لي أحد كبار علماء الحوزة ممن لم يقرأ أبعاد شخصية الإمام الشيرازي: (إنني أعترف له بصبره وتحمله وأخلاقه العظيمة في عدم ردّه على مناوئيه بالمثل). وقال لي ابن أحد كبار المراجع: (إن السيد الشيرازي في صموده بوجه الهجمات التسقيطية المستمرة عليه منذ الخمسينات (الميلادية) قد أثبت أنه أقوى من مخالفيه بكثير). وسمعت مجتهداً يقول عنه: (لو كان غيره لانتهى منذ بدايته، ولكنه رغم ذلك فقد زاد قوة وانتشاراً. وهو إن لم يُحارب لكان أكثر انتشاراً في العالم بلا شك).

أقول: هذا دليل أحقيته ومظلوميته (قدس سره) أليس بمثله نستدل على أحقية مذهب أهل البيت(ع) الذي كلما زادت محاولات طمسه وتسقيطه والدعايات الكاذبة عليه، كلما زاد قوة وانتشاراً في العالم؟

فكم كنت أراه يوصي زائريه بالصبر على جهل الجاهلين ثم يسرد قصص النبي وأهل بيته(ع) والعلماء الصالحين الذين تساموا عن الرد على مناوئيهم وأبوا إلا التركيز على أهدافهم الكبيرة في الحياة.

وكم سمعته ينصح محبّيه بالكف عن الإساءة للآخرين وتسقيط المنافسين وإذا سمعوا شتماً له أن لا يردوا إلا بالنصيحة الحسنة الهادئة والنقد بقصد التصحيح والهداية.

وكم ذكرت له مواقف المسيئين إليه وأنا أتألم بشدة، فكان يبتسم ويقول: كذلك فعلوا بالأنبياء والأوصياء، ونحن لا نساوي تراب أقدامهم، فاصبر وسوف يكتشفون الحقائق قريباً. أما تعلم أنه لا يصح إلا الصحيح؟!

وكرره لي قبل وفاته بشهر واحد قائلاً: لا تطول الأيام حتى تتبين الحقائق. وكم كان (رحمه الله) يعلن العفو عمن يمارس تسقيطه ويقول: لقد غفرت لهم أليس الله يغفر لعباده المذنبين؟ فلابد لنا أن نتخلق بأخلاق الله.

وكم كان عند الكلام حول فتنة التسقيط والأسلوب الأمثل لصدّها، يقول لي: يجب أن تكتب حول التعددية، والحرية، واحترام الرأي، والأمة الواحدة، وحقوق الأخوة الإسلامية، ونبذ العنف، وأهمية التحلي بالأخلاق والتقوى على كل حال، وأن تعمل جهدك في قضاء حوائج الناس بروح إيجابية متفائلة.

وكان يقول: إن المجتمع لن يرى وجه السعادة إلا إذا وعى هذه المفاهيم، ولذا يجب على أصحاب الفكر أن يكتبوا وينشروا ويخطبوا ويتحدثوا مهما أوتوا من وسيلة وفرص، فلا يبالوا بالشائعات مادام الله الشاهد وهو الحاكم العادل وهو لا يضيع أجر المحسنين.

هكذا كان الإمام الراحل المجدد المعاصر السيد محمد الشيرازي مطبقاً لمنهجه في العمل الإسلامي المتميّز ومجسّداً لروح الوحدة مع رعاية الحرية وسلامة الحركة الاجتهادية المواكبة لحركة الزمن والملتزمة بمبادئ القرآن والسنة النبوية الكريمة الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) المطهَّرين عن كل رجس.

فهو المرجع المجدد، والمفكر الموسوعي الملتزم، والعالم الولائي المنفتح، والمتواضع الزاهد الصابر المظلوم الذي جهله مناوئوه فأسقطوه، ولم يعرفه أكثر محبّيه فأنزلوه إلى دوائرهم الضيّقة أو جبنوا في الدفاع عنه بالطريقة التي كان يريدها وهي عدم التهجم على مناوئيه وتسقيطهم.

استنتاجات وتوصيات:

1- التسقيط حرام شرعاً وقبيح أخلاقياً وجريمة بحق الناس، ولا فرق فيه أياً كان مرتكبوه ومن أي جماعة كانوا.

2- لابد من الانفتاح ومن قراءة حيادية منصفة في الآراء والشخصيات، من مصادرها الموثّقة قبل إطلاق النقد والاعتراض وإظهار التقييم حولها.

3- إن ما يمارسه أكثر المتنازعين لإسقاط بعضهم بعضاً نابع عن غياب اللقاء والحوار بينهم، فهم إما أن يلتقوا ويتحاوروا، وإما أن يسكتوا عن بعضهم، وفي غيرها يكون الفشل والسقوط لكل المتنازعين.

4- من الواجب أن تبادر ثلة مؤمنة للإصلاح بين المتباعدين والتقريب بين وجهات النظر دون ملل وكلل ويأس وتراجع.

5- ليس أحد من المراجع والعلماء والجماعات يمتاز عن غيره بصفة العصمة عن الخطأ وحتى عن الخطيئة، فعلى الجميع أن يعرف عيوبه ويشتغل بإصلاحها بدلاً عن إثارة الطرف الآخر وجره إلى التفتيش عنها ونشرها.

6- لكل اتجاه إسلامي في الساحة إيجابياته وسلبياته، فالمطلوب أن يكمّلوا إيجابياتهم بالتعاون على البرّ والتقوى، ويتستروا على سلبياتهم سعياً لإصلاحها، لأن الله ستّار العيوب ويحب الساترين ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان.

7- ينبغي تثقيف الشباب بثقافة المحبة والتزاور والتعايش وتحمل النقد والرأي الآخر؛ لأن الحدّية والهجومية وعنف اليد واللسان أدوات للتفرقة ونشر الكراهية والبغضاء.

8- لابد من فهم النقد بين المؤمنين وتمييزه عن العداء، فالذي يحب ينبّه محبوبه بعيبه الذي يضرّه، أما العدو فهو الذي يحب بقاء العيب للإضرار بصاحبه.

9- إن أكثر التصعيدات بين المتنازعين كان في الأساس لسوء فهم بينهم لم يبادروا إلى إصلاحه فتراكمت على قلوبهم وتشاحنت نفوسهم عبر الوسائط والحواشي، فليس من الحكمة فيمن تُرجى منهم الحكمة أن يعتمدوا هذه الوسائط ويستمروا على خط النزاع ويورثوه بعدهم الأقارب والأتباع.

10- لنتعلم أن نعمل مثل أجزاء أبداننا، فهي رغم استقلالها تعمل لخدمة بعضها بعضاً، وتسعف بعضها عند المصيبة النازلة، ولها ارتباطات وثيقة بحيث لا يستغني جزء عن جزء آخر. أليس (المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى)؟!!.

11- إن اختلاف الرأي ضمن الاجتهادات الفقهية أو الفهم لموضوعات الأحكام حق مشروع للمراجع والفقهاء، وهم في ذلك يحترمون بعضهم بعضاً إلا القليل جداً المتأثر بطبعه عندما تنفلت منه أعصابه تحت ضغط الظروف أو تقارير الحاشية. ومع الوعي لهذه الحقيقة سوف نعي أن لا قيمة إلهية شرعية لكل الخلافات التسقيطية التي ينفخ فيها المتطرفون من الأتباع الذين لا تخلو منهم حاشية المراجع والعلماء مع الأسف، وهم كبشر طاقاتهم محدودة بالطبع لا يمكنهم السيطرة على هؤلاء المتطرفين، فهم لا يعبّرون عن رأي وموقف مراجعهم عند تطرّفهم في تسقيط مراجع الآخرين، خاصة أن القناعات عند الأفراد في عصرنا تتكوّن ضمن تكتلاتهم الحزبية أو علاقاتهم الأسرية أو الصداقات التي تربطهم في محيط عملهم. وهذه ليست من مصادر حجية ما يذهبون إليه من قناعة. لذا لا يصح اعتمادها كحكم الله وما يريده رسول الله (ص) والأئمة الطاهرون(ع). وبناءً عليه فإن الورع والتقوى يقتضي أن لا يتعصب أي شخص لقناعاته، فاحتمال الخطأ وارد عند الجميع.

12- وليعلم كل ممارس للتسقيط أنه يأتيه من يمارس عليه التسقيط وربما بنفس أدلته الواهية ومبرراته السرابية، (فكما تدين تدان). وقد رأيناها كثيراً وكنا نقرأ عنها في التاريخ، ألا فاعتبروا يا أولي الألباب.

خاتمة..  همسة إلى روح الحبيب:

رحمك الله أيها الشيرازي الراحل إلى الله، وأنت لازلت حياً بروحك العالية وأخلاقك السامية، وكيف يموت من أحيا بحياته قيماً قد أماتها دعاتها وهم لا يشعرون. فقد جاءك في الكويت فرحاً من يحمل وثيقة تاريخية تدين من أسقطك وشكّك الناس فيك، فأراد أن ينشرها ضده فأخذتَها من يده ومزّقتَها، وقلتَ له: (إن سقوط مرجع واحد أفضل من سقوط مرجعين، فليعلو واحد لخدمة الإسلام والمذهب وقضاء حوائج الناس، فلا تسقطوا أحداً)!!.

سيدي أين من يدرك عمقك هذا أيها المظلوم؟ وسألت زائرك من دولة خليجية: هل تصلي الجماعة في بلدك؟ فقال: لا، لأن إمام الجماعة ممن يغتابك ويسيء إليك ويعمل لتسقيطك من أعين الناس. فقلت له: (هذا لا يكفي سبباً لعدم إقتداءك به في الصلاة، لأني عفوت عنه وعن أمثاله، ولكن انصحه لئلا يذهب بدينه لأجلي).

سيّدي، أبكي عليك بقلب عشق المظلومين، ولن أنساك طوال حياتي يا سيد الصابرين. وكيف ينساك من يدعو بدعاء الإمام زين العابدين (ع) (اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلِم بحضرتي فلم أنصره). أجل.. فقد رحلتَ عنا بجسمك، وهيهات أن يرحل عنّا مثلك بروحه الباقية وذكراه الخالدة وعطائه المستمر.. اللهم ارفع درجاته في الجنة، وارزقنا توفيق الاقتداء به في زهده وأخلاقه وصبره وشموليته الرسالية، وجنّب الطيبين معصية التسقيط وقتل كفاءات الأمة، اللهم اعطنا صدراً واسعاً نحتضن به الصديق لنحميه، والبغيض لنهديه. إنك يا ربنا كريم عظيم وبالمؤمنين رؤوف رحيم بجاه النبي محمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.. والحمد لله رب العالمين..

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 69

إتصــلوا بـنـــا