الفضائية الإسلامية

الطوفان الإعلامي يفرضها..

ما السبيل إلى إقامة فضائية إسلامية؟!

د. حسن السوداني(*)

في منتصف ليلة السابع عشر من كانون الثاني عام 1991 كان العالم أمام حقبة جديدة من الإعلام المرئي، لم يكن لها نظير قبل هذا التاريخ الذي نقلت فيه محطة الـ CNN الإخبارية الأمريكية أحداث قصف طائرات التحالف الغربي للعاصمة العراقية بغداد حيث قدر عدد المشاهدين الذين تابعوا الحدث بنصف مليار إنسان موزعين على 105 دول في أرجاء المعمورة. ولم يكد العالم أن يفيق من هول الصدمة حتى تتابعت الأحداث بصورة دراماتيكية في أماكن أخرى من العالم، وأحداث أخرى جعلت التنافس بين المحطات الفضائية يزداد بطريقة تحسم الصراع الإعلامي لصالح هذا النوع الجديد من المرئيات في نهاية القرن الماضي، على أمل وجود منافس تكنولوجي آخر هو الانترنيت الذي دخل حلقة التنافس في آخر عشر سنوات من القرن العشرين مع الفضائيات، إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أعادت الفضائيات إلى واجهة الصراع من جديد والعالم يشاهد بذهول انهيار القلاع الأمريكية الواحدة تلو الأخرى وفرار الأمريكيين إلى البراري بحثا عن مكان آمن لا يظلله سقف مرشح للسقوط!!.

لكن توقيت الحدث وتزامنه مع بداية الألفية الثالثة، حيث ادّعى الغرب هيمنته الكلية على مقدرات الشعوب وتلويحه بعصا الطاعة لكل من يجرؤ على دخول أحلامه مشاكساً، أي بعد عقد واحد من أحداث الخليج الثانية وانفراد قناة الجزيرة الإخبارية بنقل الانفعال الأمريكي بضرب أفغانستان، بحجة تصفية الإرهاب وضرب معاقله أينما وجد! والاتهامات الصريحة للإسلام والمسلمين بدعم الإرهاب، والمضايقات اليومية التي يتعرض لها المسلمون في شتى بقاع الغرب، والصورة المضللة التي ينقلها الإعلام الغربي عن الإسلام؛ مما يجعل من المحتم إنشاء قناة فضائية إسلامية تتصدى لهذا الواقع الجديد، وتظهر الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين بطريقة علمية تأخذ بنظر الاعتبار آليات العقل الغربي من الناحيتين الشكلية والمضمونية.

ولكي نقف على طبيعة هذه الآليات، وكيفية التوجه لها، وأسس الخطاب الإعلامي الفضائي الموجه، سنحاول أن نشكل قراءة أكاديمية لمفاصل الإعلام المرئي الغربي وبعض المقترحات لنوعية الخطاب الذي ينبغي أن يوجه.

الفضائيات العربية

تتوزع الفضائيات العربية على أقطار الوطن العربي بمعدل فضائية أو أكثر لكل بلد عربي وتعد محطة الـ(M.B.C) من أولى المحطات الفضائية التي أنشئت بعد حرب الخليج الثانية وبالتحديد في أيلول عام 1991، والتي انتشرت سريعاً بسبب خلوّ الساحة الفضائية العربية من أي منافس، وفي عام 1992 أنشئت محطة الـ (A.R.T) وهي تقدم خمسة برامج للأطفال والرياضة والمنوعات والموسيقى والأفلام فضلا عن ثلاث قنوات موجهة إلى أفريقيا وأوربا وأمريكا. ولعل ما يثير الدهشة أن هاتين المحطتين اللتين سبقتا كل المحطات الفضائية العربية كانتا خاصتين، وبرؤوس أموال عربية؛ أي إن الحكومات العربية لم تلتفت إلى أهمية هذا النوع من الإعلام إلا بعد تفكير القطاع الخاص بها! كما أنهما كانتا تبثان برامجهما من خارج الوطن العربي (لندن).

بعد ذلك أنشئت محطتا دبي ومصر، ثم لبنان والسودان والمغرب وسوريا وتونس وليبيا وموريتانيا والأردن وباقي الدول العربية، وكان آخرها العراق الذي تأخر في إطلاق فضائيته بسبب إجراءات الحظر الدولي عليه، ثم ظهرت قنوات أخرى تأخذ نوعاً من الاستقلال الفني عن الدول التي تدعمها، كما هو الحال مع قناة الجزيرة التي ظهرت في عام 1996، وقناة الإمارات العربية المتحدة (E.B.C ) في عام1997، ثم القمر المصري (النيل سات) والذي بث فيه المصريون أكثر من ثماني قنوات تعليمية مشفرة وأخرى للدراما والموسيقى والرياضة، فضلاً عن قناة النيل الناطقة باللغة الإنجليزية.

كما أنشئت محطة الأوربت المشفرة والتي تقدم أكثر من تسعة برامج للمنوعات والأفلام والرياضة والموسيقى والأزياء وغيرها، ثم ظهرت قناة اقرأ التي تعنى بالأمور ذات الصبغة الدينية والتاريخية، وأخيراً محطة تلفزيون المنار بعد أن تحولت في عام 2000 إلى فضائية.

والذي ينظر إلى هذا الكم الكبير من الفضائيات العربية والتي يتجاوز عددها الستين قناة يصاب بالدهشة للتأثير الضعيف الذي تمارسه هذه القنوات في الرأي العام العالمي وصوتها المبحوح في إيصال قضايا المسلمين المصيرية، وبالذات قضية فلسطين وباقي الأراضي المحتلة، وصورة المسلم الصحيحة والتي تشوهها الفضائيات العالمية بصورة مستمرة، سواء أكان ذلك في الأخبار اليومية أو الأفلام الدرامية أو الوثائقية أو البرامج المنوعة، حتى الأغاني لم يسلم منها العربي أو المسلم والتي غالبا ما تظهره بصورة ساخرة. ويبدو أن الخطاب الإعلامي لهذه الفضائيات مازال موجها إلى الداخل أكثر مما هو موجه إلى الخارج، وبالتالي فهي تأخذ دور القنوات التلفزيونية الأرضية التي تعنى بهكذا نوع من الخطابات، كما أن تحليل المادة المبثوثة منها يكشف عن تداخل الأوراق بين البرامج المخصصة لأبناء البلد الذي تبث منه القناة وأبناء البلد المغتربين في الدول الأخرى، والناس الآخرين الذين يشكلون الرأي العام العالمي، والذين يشاهدون القنوات الفضائية بشكل عام، والذين تؤكد إحدى الدراسات أن عددهم يربو على الـ70% في بعض المجتمعات(1).

ورغم أن بعض القنوات الفضائية العربية قد حاولت أن تتفرد عن غيرها وتقترب من هذا المفهوم مثل قناة الجزيرة التي تدعي أنها قناة غير قطرية ولا عربية وإنما قناة عالمية تبث باللغة العربية(2) وكذلك قناة الـMBC التي يرى القائمون عليها أنها قناة تأخذ الجانب الحيادي في نقل الأخبار وتنافس الآراء، وقناة الـ E.B.C التي تحاول محاكاة قناة الـM.B.C، إلا أن الملاحظة الدقيقة تكشف للمتابع العادي وغير المختص الدوافع غير البريئة للكثير من البرامج التي تقدمها هذه القنوات، ولكي نكون موضوعيين ينبغي أن نحدد أهم مؤشرات السياسة الإعلامية للقنوات الفضائية العربية والتي يمكن تحديدها بما يلي :

1) إن معظم القنوات الفضائية العربية تنتهج مبدأ تجميل صور السلطات السياسية لبلدانها على حساب قضاياها المحلية وما يعانيه المواطن العربي من استلاب لحريته ومصادرة لثقافته واختفاء الرأي الآخر الذي تجد فيه السلطات الحاكمة نوعا من التجاوز اللامقبول إطلاقا.

2) اعتمادها الكبير على المواد المنتجة في الدول الغربية وافتقارها للمواد المحلية وخاصة الأفلام والمسلسلات الدرامية والبرامج الأخبارية. وهذا ينعكس تماما على نوعية الصور التي تنتجها هذه المصادر وبالذات صورة المسلم بلحيته الكثة وملابسه المغبرة وهو يحمل سلاحه فوق كتفيه واقفا بين أطفاله الحفاة!! وبالتالي فهي تستجيب إلى الصورة التي يود المصدر إيصالها إليها(3) دون أن تلتفت إلى مخاطرها الكبيرة.

3) غياب التنسيق الإعلامي بين هذه القنوات، وإحلال مبدأ التنافس على حساب المصلحة القومية أو الدينية وفشل التجربة التي دعت إليها الجامعة العربية واجتماع وزراء الإعلام العرب بتوحيد بث القنوات المحلية لساعات محددة بغية اطلاع المواطن العربي على ما تقدمه القنوات العربية الأخرى من مواد.

4) عدم وضوح التوجه السياسي لهذه المحطات وتوزعها بين الطروحات العريضة لأهدافها وبين ضعف المنجز الفني والثقافي والتربوي وبالتالي غياب الهوية التي تميز هذه المحطات عن بعضها أولا وعن غيرها ثانيا.

5) الخلط الواضح بين القنوات الأرضية والفضائية فيما يقدم من برامج فيهما ويمكن ببساطة شديدة إحلال أحدها بدل الأخرى دون الشعور بتغيير واضح!.

صورة المسلم في الفضائيات الغربية

تتوزع صورة المسلم في القنوات الفضائية الغربية إلى عدة محاور منها :

1- الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية.

2- البرامج الوثائقية( الريبورتاج).

3- الموسيقى والأغاني .

4- الإعلان.

وغالباً ما تصور هذه المحاور المسلم بطرق متعددة لكنها تتفق على وحدة المضامين, فهي إما تصوره (لصاً) أو عضواً في عصابة إرهابية، ويؤكد عليه من خلال الأسماء التي تأخذ مداليل عربية وإسلامية مثل محمد وعلي وحسن وغيرها حتى أصبحت مفردة (علي بابا) الشائعة في الغرب ذات معنى واضح وهو اللص أو المجرم, أو تصوره شخصية جيدة ولكنها بسيطة وساذجة وتقوم بدور الخادم أو التابع كما هو الحال في فلم (خارج أفريقيا) الذي مثلته الفنانة (مريل ستريب) وحصل على جائزتين في مهرجان الأوسكار العالمي والذي يتناول قصة كاتبة إنجليزية تعيش في أفريقيا وتقوم عائلة أفريقية مسلمة بخدمتها ورعايتها وتركز على البون الشاسع بين الغرب المسيحي المتطور والشمال الأفريقي المسلم المتخلف، أو تحاول الإساءة إلى المسلمين من خلال مواقع تصوير الأحداث التي تدور فيها الأفلام كما هو الحال مع فلم (أنديانا جونز وتابوت العهد القديم) للمخرج الأمريكي الأكثر شهرة (ستيفن سبيلبيرغ) والذي صورت أحداثه في مصر متناولا المصريين بطريقة ساخرة ومزرية فضلاً عن التشويه الواضح للأحداث التي تناولها الفلم مما اضطر الرقابة المصرية إلى منع عرضه داخل مصر، أو تحاول لي عنق الحقائق التاريخية بما يسهم في تشويه صورة المسلم أو العربي وخاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية كما هو الحال في فلم (حنا كاف) لمخرجه (كوستا كفراس) الذي يصور مشكلة بطل الفيلم محمد البكري الذي يصادر الصهاينة منزله ويعتقلونه عندما طالب باستعادته، وهنا تنبري محامية أمريكية متزوجة من إسرائيلي للدفاع عنه، وتقيم معه علاقة غير شرعية وتنجب منه طفلاً يسجل باسم زوجها الإسرائيلي، ويعمَّد على الطريقة اليهودية.

ويريد المخرج أن يقول لنا أن الموضوع متشابك ولا يمكن فصله أبداً، إذا ما عرفنا أن الأب (الشرعي) فلسطيني والأم أمريكية والطفل إسرائيلي بالهوية والقانون؟ أو يصوره على أساس أن مستقبله عائد إلى أوربا مهما كانت قوته الحالية، كما هو الحال في فيلم (قلعة ساغان) الذي مثل دور البطولة فيه الممثل الفرنسي (جيرار ديباردو) والممثلة الفرنسية (صوفيا مارسو)، وتصور أحداثه في المغرب العربي وتدور حكايته حول قيادة ضابط فرنسي لوحدة مشاة فرنسية داخل الصحراء العربية وقتاله مع المتمردين العرب والذين سرعان ما يقيم علاقة حسنة بهم ويقدم العلاج لمرضاهم وأطفالهم ونسائهم اللواتي يعجبن بشهامته ورجولته! ولكنه يسقط في أرض المعركة (شهيداً) من أجل فرنسا وسط حزن العرب عليه وتسليمهم الناقة العربية الأصيلة والتي ترمز لصحرائهم إلى ولده الذي يأتي بعد غياب والده الشجاع، وينتهي الفيلم في مشهد ركوب الطفل على الناقة ودخوله وسط الصحراء في بعد رمزي يمثل احتلال فرنسا المعنوي لكل الصحراء العربية.

وإذا كان هذا هو حال الأفلام السينمائية التي تطول قائمة الاستشهادات بها، فإن حال التلفزيونات لا يختلف كثيراً عن حال السينما، فغالباً ما تظهر صورة المسلم، ولو بشكل خاطف، في البرامج التلفزيونية بطريقة تثير الكثير من التساؤلات. فها هي القناة الأولى في التلفزيون السويدي تقدم برنامجاً تلفزيونياً بعنوان (مصطفى شو) - لاحظ الاسم المستخدم هنا( مصطفى) - يتضمن البرنامج معلومات ساخرة عن الأشياء وعن المقدم الذي يتحول إلى مهرج حقيقي بمرور وقت البرنامج، مما يثير الضحك والسخرية من قبل المشاهدين السويديين والمسلمين على حد سواء، مع فارق بين ما يسخر منه كل جانب؛ فالأول يسخر من المسلمين الذين يمثلهم مقدم البرنامج، والثاني يشعر بالمرارة لصورته التي يقدمها مصطفى هذا!.

كما تعمد معظم المحطات التلفزيونية إلى تقديم المسلمين الذين تلتقيهم في مناسبات مختلفة بصورة هامشية وتكتب تحت أسمائهم كلمات، مثل (لاجئ، بائع خضروات، بائع صحف، ناشط إسلامي.. الخ) في حين تشير في نفس الوقت للأشخاص الآخرين من غير المسلمين الذين تلتقيهم في نفس البرنامج بكلمات أخرى مثل (برلماني، خبير إستراتيجي، أستاذ جامعي، فنان.. الخ) مما يرسخ في الأذهان وبطريقة غير مباشرة الفارق الحضاري والثقافي والاجتماعي بين المسلمين والآخرين من الملل الباقية، وحتى في حالة التناول التي يقصد بها نوع من التعاطف الإنساني مع الجاليات المسلمة نتلمس نوعا من الخديعة وبطريقة (السم بالعسل)، ففي يوم الجمعة الموافق 2/11/2001 بثت القناة الخامسة في التلفزيون السويدي برنامجاً بعنوان (EFTER LYST) يتحدث عن مقتل شاب مسلم يدعى حسين دوراني في ظروف غامضة، على أيدي مجموعة من الشباب داخل إحدى المقاصف الليلية، بعد مشاجرة قصيرة وفرار الجناة الذين لم يلق القبض عليهم حتى الآن. ويعقد مقدم البرنامج لقاءات مع عائلة المجني عليه ووالده الملتحي وهو يولول على فلذة كبده الضائع وسط الملاهي الليلية!.

البرنامج يبدي في الظاهر التعاطف مع المجني عليه وحرص العدالة على ملاحقة الجناة، لكنك تخرج بانطباع أخير أن حوادث القتل والإرهاب لا تحدث إلا في أوساط هذه الجالية!! ناهيك عن صور الأفغان وهم يحطمون تماثيل بوذا وأساليب حياتهم البدائية التي تزخر بها المحطات الفضائية الغربية.

وإذا تعدينا البرامج إلى الأغاني فالقائمة ستطول أيضا فبعض الأغاني تأخذ صفة العداء المباشر والأخرى تأخذ الجانب اللامباشر، فمثلاً هناك فرقة يونانية تدعى (أكوا AQUE) تقدم أغانيها في معظم القنوات الأوربية والتي صورت أغلبها في المناطق العربية وخاصة في مصر والأردن والتي تتضمن موضوعات عن السحر والفانوس السحري وملاحقة الشرطة لهم وهم يركبون على الجمال وكأنهم يعيشون في العصور الوسطى، أو أغنية (MOSSA) للمغني الأمريكي (مايكل جاكسون) والتي يمثل فيها دور النبي موسى (ع) ولكن بطريقة الغناء والرقص!! والتي تتضمن إساءة واضحة للأديان ولمصر.

كما تتضمن الإعلانات التي تبثها القنوات الفضائية الغربية نماذج ساخرة للمسلمين وهم يأكلون البيتزا بدهشة كبيرة!! أو ينظرون إلى السيارات الحديثة بدهشة أكبر، وما إلى ذلك. وقد تطور الأمر وأصبح أكثر وضوحا وشراسة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ فقد حرصت شبكات التلفزيون الأوربية مثلا على نقل مداخلات أسامة بن لادن بصوته الحقيقي وباللغة العربية، ولم تتم دبلجته، كما يحدث مع أية جهة أجنبية أخرى، وهدفت بذلك إلى إبراز اثر الصوت على مشاعر من لا يتقنون العربية، كما ركزت وسائل الإعلام على من يطلقون على أنفسهم بالمتخصصين في الشؤون الإسلامية، ومتتبعي حركات الإرهاب والعنف الأصولي بكافة أشكاله، وفتحت الصحف أعمدتها لعشرات من أدعياء المعرفة بالتاريخ الإسلامي؛ لنقل صورة كاريكاتورية في الغالب عن حقيقة هذا الدين، وترويج ترهات يصعب وصف مردديها بأنهم من الخبراء أو الأكاديميين والمتخصصين، أما الصحافة المقروءة فقد اتخذت جانباً لا يقل منافسةً مع الفضائيات؛ فها هي بعض المجلات الكبرى، ومنها مجلة (دير شبيغال) الألمانية، ومجلة (شتيرن) التي يملكها مؤيدون بشكل علني لإسرائيل، وكذلك مجلات فرنسية مثل (فالور اكتيال) و(لونفوال ابوسرفاتور) و(لوبوان) - وكلها تتحرك بدعم إسرائيلي معروف - قد سارعت إلى توظيف المستجدات الحالية لتصفية حسابات قديمة مع الإسلام؛ فذهب البعض إلى التشهير الفعلي مثلما أقدمت عليه مجلة (شتيرن) الألمانية، بنشر حلقات متتالية عن الإسلام نهاية أكتوبر من العام الحالي تحت عنوان (مصادر الحقد الإسلامي.. حقيقة أتباع محمد)(4) وقد استثمرت وسائل الإعلام الغربية جهل مجتمعاتها بالإسلام وفقر معلوماتها عنه، فقد ذكر الأستاذ محمود رشيد نائب رئيس المجلس الإسلامي البريطاني أن إحصاءات نشرتها صحف بريطانية كشفت أن 80% من البريطانيين لا يعرفون أي شئ عن الإسلام(5)، كما حرصت وسائل الإعلام الغربية على ترويج نوع من الصور منذ أحداث الهجوم على أمريكا، تظهر المقاتلات الغربية وهي تمر فوق (أهلّة) المساجد، ونشرت صورة مقاتلة أمريكية تعبر فوق مسجد بكاليفورنيا، وأخرى لمقاتلات فريق (النسر الأحمر) البريطانية وهي تمر فوق أحد المساجد في دبي أثناء اشتراكها في عرض جوي هناك. ومن خلال ما تقدم يمكن ملاحظة ما يلي:

1- تعمل الأفلام السينمائية على تشويه صورة المسلم بطرق متعددة ومن خلال مواقع التصوير والأزياء والديكورات، وتحاول الإساءة للقيم والعادات الإسلامية بكل السبل والمناسبات.

2- تناول الفضائيات الغربية قضايا العرب والمسلمين بطريقة تقلل من شأنهم وترسخ الاعتقادات المضللة التي يحاول الإعلام الصهيوني أن يرسخها لدى المشاهد الغربي .

3- محاولة الدخول إلى عقل الشاب الغربي من خلال الأغاني والموسيقى التي تعتبر من يوميات حياته، وتضمينها العديد من المعاني التي تسيء للإسلام والمسلمين.

4- يحاول الإعلام الغربي أن يظهر المسلم كشخص هامشي يعيش بطريقة متخلفة حتى داخل البلدان الغربية المتحضرة.

5- التركيز على الموضوعات التي تثير نقمة المشاهد الغربي، ومحاولة تهميش الأخبار التي تظهر المسلمين بطريقة حسنة، كما هو الحال مع مناسبة منح العالم العربي المسلم (أحمد زويل) جائزة نوبل للعلوم، حيث قدم على أساس كونه عالماً أمريكياً من أصل عربي!!.

تجارب فضائية خاصة

ظهرت في السنوات الأخيرة بعض التجارب الإعلامية التي حققت انتشاراً واضحاً وأصبحت مصدراً للكثير من القنوات الفضائية العالمية. ومن بين هذه التجارب يمكننا أن نشير إلى تجربتي قناة الجزيرة وقناة المنار الفضائيتين، وهاتان القناتان تنفردان ببعض الصفات التي يندر وجودها في القنوات الفضائية العربية الأخرى. يمكن تأشيرها على النحو الآتي:

أولاً- قناة الجزيرة:

تأسست قناة الجزيرة في عام 1996، واتخذت لنفسها منهجاً خاصاً محايداً إلى حدّ ما، كما عبّر عنه إسماعيل الأمين بالقول: (قناة الجزيرة التي تعتبر بأن إحدى القواعد الرئيسية التي تستند إليها أعمال التحرير الإخباري هي أن القناة ليست قطرية ولا عربية وإنما قناة عالمية ناطقة باللغة العربية) (6)، وقد استطاعت هذه القناة أن تنتهج منهجاً مشاكساً يعتمد الكثير من الجرأة التي أحدثت لها مشاكل مع الكثير من الدول العربية والأجنبية ومن بينها على سبيل المثال (الأردن، مصر، ليبيا، فلسطين، تونس، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية) وقد فتحت الباب أمام الرأي والرأي الآخر في برامج عديدة نالت الكثير من الشهرة.

وفي الجانب الديني قدمت القناة برنامجاً ثابتاً تحت عنوان (الشريعة والحياة) يتناول القضايا الإسلامية المختلفة بمنظور تشريعي يمثل رأي السنة دون المذاهب الإسلامية الأخرى في المسائل الفقهية، وغالباً ما يتعرض ضيف البرنامج الشيخ يوسف القرضاوي إلى انتقادات حادة من قبل المشاهدين الذين يرد عليهم باتهامات مماثلة!!.

ورغم ما تدعيه قناة الجزيرة من حيادية في تناول الموضوعات إلا أن المتابع لها يتلمس انحيازاً واضحاً في الجوانب الدينية يصل أحياناً إلى حد الإساءة إلى المذاهب الإسلامية الأخرى وخاصة المذهب الشيعي، لكن القناة استطاعت أن تحقق انتشاراً واسعاً لها وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وانفرادها بالتغطية الإعلامية للحرب في أفغانستان، وتحولها إلى مصدر للأخبار لكل تلفزيونات العالم، بضمنها التلفزيونات الأمريكية ومحطة الـCNN الأكثر شهرة وإمكانيات في العالم؛ الأمر الذي جعل بعض الدول تحجب عرضها في الأيام الأولى للحرب الأفغانية، كما هو الحال هنا في السويد!! واتهامها بمساندة الإرهاب والترويج له.

وما يسجل لهذه القناة ذات العمر الصغير جداً بالقياس للمحطات العالمية الشهيرة، أنها استطاعت أن تخترق الجدار الإعلامي الضخم الذي بناه الغرب بإمكانياته الخارقة. ويبدو أن السبب في ذلك هو أنها تعمل في منطقة ساخنة من مناطق العالم الملتهبة بالأحداث، وقدرتها في بناء علاقات مع المناطق التي تعمل فيها بطريقة ليست تقليدية، كما هو شأن الفضائيات العربية الأخرى.

ثانياً- قناة المنار الفضائية:

تحول تلفزيون المنار إلى فضائية في عام 2000، ويعتبر من أكثر المحطات الفضائية فعّالية في مواجهة العدو الإسرائيلي؛ كونها انتهجت مبدأ الإعلام المقاوم الملتزم، وقد تحولت إلى مصدر مهم للأخبار للعديد من تلفزيونات المنطقة، لما تبثّه من عمليات بطولية مباشرة ضد العدو وداخل الأراضي المحتلة(7).

وقد رصد كتاب (صورة المقاومة في الإعلام.. حزب الله وتحرير جنوب لبنان) عشرات العمليات التي بثتها القناة التلفزيونية المذكورة قبل تحولها إلى فضائية، كما أن القناة اعتمدت التنويع في تقديم برامجها، رغم طغيان جوانب المقاومة على حساب بقية الفئات البرامجية. ويبدو فقر الإمكانات المادية منعكساً على الكثير مما تقدمه القناة، وخاصة الديكورات والمراسلين وطبيعة البرامج المقدمة وأسلوب تقديمها، ولو توفر للقائمين عليها دعم مادي جيد، لتحولت هذه القناة الشابة إلى نموذج للقناة الإسلامية النشطة، لكنها تفتقر للكثير من الإمكانيات الفنية المطلوبة والمناسبة للدور الكبير الذي تقوم به في مواجهة أعتى قوى الشر اليهودي في العالم، وبإمكانات أقل بكثير من أي فضائية عربية لا تجرأ على إبداء رأيها الصريح في المواقف السياسية، خشية تعرضها للنقد من أصدقاء العم سام وليس العم سام نفسه؟!.

الفضائية الإسلامية

يتصور الكثيرون وبمجرد ذكر شئ عن الفضائية الإسلامية أنها ستكون نوعاً من الوعظ المرئي والمحاضرات التي تنال من هذه الطائفة أو تلك، أو اجتراراً لمعلومات فقهية تجاوز عمرها أكثر من ألف وأربعمائة عام، وهي لن تضيف شيئاً جديداً سوى المزيد من الخلاف بين المسلمين وفقا للمقولة الشائعة (إرضاء الجميع غاية لا تدرك) وما يدعم هذه الآراء هو ما تبثه بعض الفضائيات العربية من برامج دينية لرجال دين لديهم القدرة على تكفير آلاف المسلمين بثلاث ثوان!! لا لشيء سوى اختلافه معهم على مسألة فقهية ما، وربما لا يكتفي بتكفيرهم بل يتعدّى ذلك إلى جواز قتلهم وقتل أطفالهم مسندا فتواه بالآيات القرآنية الكريمة!!.

وربما ما يعزز هذه الآراء أيضا رداءة الإنتاج الفني للبرامج الدينية التي تعتمد غالبا على شكل ثابت في التقديم مبني على وجود رجل دين معمم في أغلب الأحيان أو يرتدي البدلة الأوربية، كما هو الحال مع ما تقدمه الفضائية المصرية حيث يحاوره مقدم برنامج ثابت لا يتغير، ويقوم هذا الشخص بالإجابة على أسئلة الجمهور التي تتمحور غالبا على المسائل الفقهية، والتي يعتمد في الإجابة عنها على آراء معينة يعتقد بها ويحاول أن يبرزها على حساب الآراء الفقهية الأخرى. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر برنامج ثابت على قناة الجزيرة وآخر على قناة دبي وأبو ظبي والقناة الفضائية المصرية وقناة اقرأ والفضائية القطرية والفضائية السورية والقنوات السعودية كافة. وإذا ما حسبنا المناسبات الدينية فإن معظم الفضائيات العربية تقدم فقرات وبرامج ثابتة على شاشاتها وخاصة في شهر رمضان المبارك، تزخر بعشرات الأمثلة المشابهة.

وحتى لا تقع الفضائية الإسلامية المقترحة ضمن هذه الدائرة من التصورات، لابد لها من الاعتماد على النقاط التالية:

أولاً: إن الإعلام وفي جميع نظرياته المعاصرة يعتمد المثلث المفاهيمي المستند إلى الأركان الثلاثة التي تكون أي مادة من مواده، وهي :

1- الأخبار.

2- الترفيه.

3- التثقيف.

وإن أي طغيان لمادة على أخرى، يؤدي إلى خلل في الرسالة ينعكس سلباً عليها، أردنا ذلك أم لم نرد، ورغم تداخل المفاهيم الثلاثة مع بعضها إلى درجة يصعب معها الفرز أحياناً، إلا أن ما يمكن ملاحظته هنا هو قدرتنا على اختيار البرامج التي تحتوي الأركان الثلاثة أعلاه؛ فالمادة الإخبارية مثلاً تحتوي على هذه العناصر جميعاً، فالخبر عادة ما يحمل صفة الإثارة والتشويق، ويزود المشاهد بمعلومات جديدة، ويسهم في تثقيفه سياسياً وفنياً، وفقاً لطبيعة الخبر ونوعيته، كما يسهم الخبر في ترفيه المشاهدين من خلال الصور المثيرة التي ينقلها وبالأخص إذا كان النقل مباشراً ومعززاً بالصوت، وهي بالتالي تحظى بأكبر عدد من المشاهدين، من بين البرامج الأخرى، وفي مختلف الفئات العمرية. ومن خلال ما تقدم فإن المواد التي تقدمها الفضائية الإسلامية يجب أن تخضع لهذا التوصيف.

ثانياً: أن يكون الجمهور الذي تستهدفه الفضائية محدداً، فإما أن يكون مسلماً في بلدان أجنبية، أو جمهوراً غير مسلم يعيش داخل المناطق الإسلامية وخارجها. ويبقى الجمهور المحلي المسلم ينهل من فضائياته العربية والإسلامية كما يريد، وبالتالي ينبغي تحديد نوع الخطاب الموجه إلى هذا الجمهور.

ثالثاً: تأخذ الفضائية المقترحة بنظر الاعتبار آليات العقل الغربي وطريقة التفكير وأسلوب التقديم ومعالجة الموضوعات وماهياتها.

رابعاً: أن تضطلع الفضائية المقترحة بدور توضيح وتقديم صورة الإسلام الحقيقي كونه ديناً عالمياً متسامحاً يدعو إلى السلام والحق والعيش الآمن وإعطاء الحقوق إلى أهلها وعدم الاعتداء ورفض الهيمنة على الآخر واحترام المقدسات ونبذ كل صور الإرهاب، وكما جاء في البيان الختامي للمؤتمر الدولي السادس الذي نظمه مركز الدراسات العربي - الأوربي المنعقد خلال الفترة من 3 إلى 5/2/1998 في المنامة حول (الإعلام العربي - الأوربي.. حوار من أجل المستقبل) بالتعاون مع هيئة الإذاعة والتلفزيون في دولة البحرين، حيث ركزت توصيات هذا المؤتمر الواردة في الفقرتين (ج) و (ز) على ما يلي:

الفقرة (ج): يطالب المؤتمرون الإعلام الغربي وتحديداً الأوربي، بالتمييز ما بين الإسلام كرسالة سماوية تدعو إلى المحبة والتسامح والعدل، والممارسات ذات الغطاء الديني التي يتخفى وراءها البعض لتحقيق مآرب سياسية وسلطوية.

الفقرة (ز): يوصي المؤتمرون وسائل الإعلام العربية والأوربية بإيلاء اهتمام أكبر لمخاطر الإرهاب والتطرف، والعمل على كشف أبعادها وأهدافها، وفضح الجهات التي تقف وراءها وذلك لتفويت الفرصة على مرتكبيها وتعريتهم، وإبعاد الأبرياء عن الوقوع في براثنهم، مع ضرورة أن يتوخى الإعلام الغربي (في هذا الإطار) الموضوعية وعدم الخلط بين الإرهابي الذي يستبيح باسم الدين الحرمات والأملاك والأعراض، وغيره من الذين يضحون بأنفسهم لتحرير أرضهم من الاحتلال(8).

خامساً: تعزيز روح التسامح بين المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلامية، واعتماد الحرية الفكرية، والاجتهاد العلمي، وإبراز الجوانب المضيئة في الفكر الإسلامي الحنيف، دون التركيز على محاور الخلاف والتشتت، وترك الأمر للمختصين من علماء الدين في مناقشة الأمور الخاصة، كما دعا إلى ذلك فضيلة الدكتور أحمد الوائلي في المقابلة التي أجرتها معه محطة الـAAN الفضائية.

سادساً: اعتماد التنويع في بث البرامج والتجديد في إنتاجها وتأسيس وحدة إنتاج للدراما والمنوعات ورصد الجوائز الجيدة التي تغري بمتابعة القناة، مثل زيارة بيت الله الحرام، أو زيارة الأماكن الإسلامية المقدسة، أو إهداء مكتبات دينية متكاملة، أو تحمل نفقات الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا.

سابعاً: إبراز الشخصيات الإسلامية المؤثرة في المجتمع الدولي وتسليط الضوء على منجزاتها العلمية والاجتماعية وخاصة تلك التي تلعب دوراً هاماً في البلدان غير الإسلامية، وتبوّأت مكانة متميزة فيها.

ثامناً: التركيز على الجانب السياحي للبلدان الإسلامية، ودعوة الأوربيين والأجانب لزيارة المواقع الإسلامية الكثيرة في بلاد المسلمين، والانفتاح المعقول على الغرب، ومن ثم خلق نوع من التأثيرات المباشرة من خلال المعايشة الميدانية.

الهوامش:

(*) باحث عراقي متخصص في الشؤون الإعلامية - مقيم في السويد.

(1) المجلة المصرية للبحوث والإعلام: دوافع استخدام المرأة المصرية لقنوات التلفزيون المصرية، العدد2/ 1997.

(2) الأمين، إسماعيل: الروايات المتروكة ويوميات التجربة.. قناة الجزيرة نموذجاً، الحياة العدد 13559/ 2000.

(3) البزري، دلال: الإعلام ينقل الحدث أم يصنعه، الحياة العدد 13466/ ص5.

(4) علي أوحيدة, منذ أحداث سبتمبر تنظر أوربا إلى العرب بعيون إسرائيلية، جريدة العرب العدد6266 - 7/ 11/2001.

(5) المصدر نفسه.

(6) الأمين، إسماعيل: المصدر السابق نفسه.

(7) رمال، علي: واقع الإعلام الفضائي العربي، مجلة النور العدد123/ أغسطس 2001.

(8) د. ظاهر علاء: الإعلام أو خدمة المستقبل.. محاذير ومردودات، الملف العدد68/ نيسان 1998.