القضية الفلسطينية في فكر الإمام الشيرازي

حبيب آل جميع(1)

الذي عرف الإمام المرجع السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) عن قرب يعرف ويدرك جيداً مدى الاهتمام الذي كان يوليه (قده) لجميع القضايا والمشاكل التي يعاني منها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وسعيه الدؤوب عبر القول والفعل والكتابة لإسداء النصح لهم، والاجتهاد المستمر لتقديم الحلول لهذه المشاكل المستعصية. تشهد على ذلك كتاباته وخطبه وفتاواه التي أظهر فيها معرفته التفصيلية بمشاكل المسلمين وحجم معاناتهم، بحيث لا توجد قضية إلا وللسيد الإمام رأي فيها أو كتاب، يتحدث فيه عن جذر المشكلة وتداعياتها السلبية على حياة المسلمين، ثم يقدم الحلول المقترحة لهذه القضية. ولم يكن ليكتفي بذلك بل كان يطلب من زواره من الطلبة والعلماء، ويلح عليهم لبحث هذه المشاكل ودراستها دراسة علمية، ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها، على غرار ما يفعله هو دون كلل أو ملل رغم مشاغله الكثيرة في التدريس والتأليف ومتابعة قضايا المرجعية، إلا أن ذلك كله لم يكن ليشغله عن موضوع دون آخر.

ومن القضايا أو المشكلات الإسلامية المعاصرة التي شغلت فكر السيد المرجع واستحوذت على اهتمامه، وأولاها عناية خاصة، القضية الفلسطينية أو مشكلة الصراع العربي والإسلامي مع الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل لأرض فلسطين.

لقد كان السيد محمد الشيرازي من أوائل المراجع الذين اهتموا بهذه القضية وتابعوا تفاصيلها، وقدموا مساهمات علمية وعملية، تكشف عن مخاطر الاستعمار الصهيوني ومشروعه التوسعي في قلب العالم الإسلامي، وتحذر المسلمين كافة من هذه المخاطر، وترسم لهم الطريق أو السبيل الذي يجب أن يسلكوه، للوقوف في وجه هذا المشروع الاستعماري الصهيوني ـ الغربي الجديد، وقبل ذلك الخروج من التخلف الحضاري بالتحرر من الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي الداخلي والانطلاق في مجالات الإبداع التي تحرر المسلمين كافة من مظاهر التبعية الاقتصادية والسياسية للغرب الاستعماري؛ لأن البقاء في مستنقع هذا التخلف العام يحول دون تحقيق الانتصار على العدو الصهيوني، الذي يعمل بجد وبكل ما أوتي من قوة ونفوذ سياسي واقتصادي وعلمي، على إبقاء المسلمين متخلفين وممزقين لعدة دول وأقطار متنازعة ومتحاربة ومتخلفة في جميع الميادين.

لقد كتب السيد المرجع (قده) الكثير من المؤلفات حول السبيل لإنهاض المسلمين، وبنائهم لقوتهم الاقتصادية والعسكرية، كي يحققوا شروط الانتصار على عدوهم الصهيوني، الذي يمتلك هاتين القوتين، مما يجعله يدير الصراع من موقع القوة، فيفرض شروطه المذلة للعرب والمسلمين، ويجعلهم يتنازلون عن قسم كبير من حقهم في فلسطين وفي مناطق أخرى، كما يجعلهم يستسلمون ويقبلون بالحد الأدنى من حقوقهم المشروعة وهم أصحاب الأرض والتاريخ والمقدسات الكثيرة.

لقد كتب السيد المرجع قبل اكثر من ثلاثة عقود كتابه (هؤلاء اليهود) إيماناً منه بأن كشف حقيقة هؤلاء الغاصبين لفلسطين، وبيان انحرافهم العقائدي وطموحاتهم الاستعمارية، جزء لا يتجزأ من الحرب الإعلامية ضدهم، لتعريف المسلمين بحقيقتهم وما يضمرون من شر وحقد للإسلام وأهله، وهذا ما يجعل المسلمين يحذرون من سياساتهم المضللة ومكرهم الذي تنهد منه الجبال، ولكي لا ينخدعوا بما يروج له هؤلاء الصهاينة واتباعهم ومؤسساتهم الإعلامية في أوروبا وأمريكا من أفكار وعقائد هدامة للأخلاق وللقيم والعقائد الدينية بمسميات وشعارات مختلفة، لكن هدفها واحد هو إشاعة الفساد في المجتمعات الإسلامية وهدمها من الداخل.

كما أصدر (قده) فتواه التاريخية التي حرم فيها بيع أو شراء البضائع الإسرائيلية، ولما وصلت إلى مسامعه أخبار الاعتداءات الإسرائيلية على المسلمين في جنوب لبنان أصدر بياناً أدان فيه هذه الاعتداءات ودعا إلى مساعدة المتضررين من هذه الاعتداءات، وأجاز دفع نصف الحقوق الشرعية (خاصة سهم الإمام) لخدمة هؤلاء المؤمنين الذين على حد قوله: (شردوا من ديارهم وأصيبوا بأهليهم وأموالهم)(2) كما ألقى محاضرة على أساتذة وطلبة الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، تحدث فيها عن مصير الصلح بين العرب وإسرائيل، وهل سيكتب له البقاء أم لا؟!.

كما تحدث عن دعوات السلام التي يروج لها الإعلام الصهيوني والعربي كذلك، مستشرفاً المستقبل، مطالباً الأمة الإسلامية بتحقيق شروط الانتصار، والتزام السنن والقوانين الإلهية.

ومن خلال هذه الكتابات والمواقف نجد أن السيد المرجع ينطلق من رؤية واضحة لتفاصيل موضوع الصراع مع الصهاينة الغاصبين، وجذوره وآثاره الحالية والمستقبلية، وهذا ما سنحاول الكشف عنه من خلال قراءة في هذه الكتابات لمعرفة موقف السيد المرجع (قده) من هذه القضية الشائكة، وكيف نظر إلى أسبابها، وما هي اجتهاداته التي قدمها لحلها، من خلال تأصيله للموقف الإسلامي من طبيعة الصراع مع اليهود الصهاينة، وموقف هؤلاء من الإسلام والمسلمين، والواجب الشرعي تجاههم كأعداء ومستعمرين وكذلك الموقف الإسلامي منهم كأقلية يمكنها أن تعيش تحت ظل الحكم الإسلامي.

كشف حقيقة اليهود الصهاينة

1- اليهود اليوم ليسوا هم قوم موسى (ع):

لابد عند خوض أي معركة ضد أي معتقد غاشم، من أن يتم التركيز على مجموعة الأفكار أو العقائد التي ينطلق منها هذا العدو والتي تبرر عدوانه، لبيان فسادها وبعدها عن الحق والعدل، والكيان الصهيوني قام في فلسطين على مجموعة من الأساطير والخرافات التي ليست لها حقيقة إلا في خيال هؤلاء الصهاينة المريض؛ لذلك لابد من فضح منطلقاتهم الفكرية الضالة والمنحرفة، كجزء من الحرب عليهم، وتعريف من لا يعرفهم بحقيقتهم، وتنبيه الجهال والسذج والمغرر بهم من قبل الإعلام الصهيوني.. وهذا ما قام به السيد المرجع عندما كتب حول تاريخ اليهود واليهودية، وعلاقتهما بعدد من أنبياء الله سبحانه وتعالى وعلى رأسهم إبراهيم (ع)، وماذا تعني كلمة إسرائيل، وصهيون، مؤكداً أن من يطلق عليهم اليوم اسم اليهود ليسوا هم قوم النبي موسى النبي (ع)، وإنما هما قسمان؛ قسم ينتمي إلى سلالة أولئك العصاة الذين تكبروا في الأرض فجعلهم الله قردة وخنازير، حيث يقول عز من قائل: (وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت) (3) (4) .

أما القسم الثاني فهم ينتمون إلى شعب الخزر المغولي الذي سيطر على جزء من الطرف الشرقي لأوروبا (ما بين الغولفا والقفقاز) واعتنق اليهودية في ظروف غامضة، وقيل بأنها محاولة منه للحفاظ على هويته الشخصية، عندما تعرض لتحديات القوانين الإسلامية والمسيحية. وعندما انهارت هذه الدولة فروا باتجاه الغرب إلى القرم، وأوكرانيا وهنغاريا وبولندا وليتوانيا، يحملون معهم ديانتهم اليهودية.

وبذلك يمكن التأكيد بأن اليهود اليوم ينحدرون في غالبيتهم من هذا الشعب المغولي خاصة، وأن اليهود الأصليين الذي ينتمون إلى القبائل الإسرائيلية (الإثنتي عشرة) في التاريخ القديم قد ضاعت آثارهم كما أكد المؤرخ ارشوركوستلر في كتابه (القبيلة الثالثة عشرة)(5).

كما تتبع السيد الشيرازي مزاعم اليهود حول أسطورة الشتات وكيف أن هذا الشتات التاريخي حال بينهم وبين رجوعهم إلى أرض الميعاد، مؤكداً أن الحقيقة بخلاف ذلك، فالكثير منهم هاجر بحثاً عن الرزق، إلى أن انتهى وجودهم في فلسطين في القرن السادس قبل الميلاد.

2- انحرافهم الديني:

تحدث السيد المرجع(قده) في كتابه (هؤلاء اليهود) عن تحريف اليهود للتوراة المنزلة على موسى (ع)، وقد أكد القرآن ذلك عندما كشف عن طريقة تحريفهم للوحي، يقول عزمن قائل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً) (6).

ويظهر تحريفهم وانحرافهم بشكل واضح في عقيدتهم وتصويرهم للإله؛ فهو عندهم (في صورة إنسان وله شعر ولباس وله رجلان ويمشي كما يمشي سائر أفراد الإنسان والحيوان، وهو جاهل لا يميز بين أبواب بيوت المؤمنين وبيوت الكافرين وأحياناً يندم على بعض أفعاله، وأحياناً يحزن ويتأسف على بعض أعماله)(7)، وغيرها من العقائد المنحرفة والصفات التي يتنزه الله سبحانه وتعالى عنها، وقد نقلها السيد المرجع من (أسفار العهد القديم) ورد عليها منزهاً الله عما وصفه هؤلاء المحرفون للتوراة. أما الأنبياء I فلم يسلموا أيضاً من كذبهم وافتراءاتهم وقد وصفوهم بصفات يتنزه عن فعلها أو الاتصاف بها عامة الناس، فما بالك بالأنبياء والرسل الذين اختارهم الله عز وجل لتبليغ رسالاته وتعليم الأمم الأخلاق الفاضلة، وإرشادهم لسلوك طريق الهداية والرشاد، لقد ادعوا على بعض الأنبياء الزنا واتهموهم بالخداع والقتل وفعل المحرمات، بل إنهم يبنون للأصنام بيوتاً، كما جاء في الإصحاح الحادي عشر، سفر الملوك(8) وعندما يصف هؤلاء اليهود أنبياء الله الذين يفترض أن يكونوا قدوة للبشرية بهذه الصفات والأخلاق، فإنهم بذلك (يبررون موقفهم من كل عمل يرتكبونه.. فلا حرج عليهم، فقد فعل أنبياؤهم أكثر من ذلك؟!) (9).

هذه بعض العقائد المنحرفة التي توجد في التوراة المحرفة أو العهد القديم، أما التلمود وهو الكتاب الذي يجمع تفاسير وشروح وضعها بعض الحاخامات للتوراة، ففيه من الانحرافات والعقائد الفاسدة الكثير، ومن خلال الاطلاع عليه يمكن معرفة كيف يفكر اليهود، وكيف ينظرون إلى العالم من حولهم، وما هي مطامعهم وغاياتهم التي يسعون لتحقيقها.

اليهود وإفساد العالم

من خلال النصوص والقصص التاريخية التي وردت في التلمود، نجد تركيزاً على تميز اليهود وكونهم شعب الله المختار؛ لأن أرواحهم جزء من الله، أما أرواح الشعوب الأخرى فهي أرواح شيطانية بل حيوانية، لذلك فموقفهم من باقي الأمم هو موقف عدواني يتسم بالقسوة والوحشية والدعوة إلى إبادتهم وامتلاك أراضيهم واستعبادهم، فقد جاء في التلمود: (إن قتل المسيحي من الأمور الواجب تنفيذها وأن العهد مع المسيحي لا يكون عهداً صحيحاً يلتزم اليهودي به، وإن الواجب الديني أن يلعن اليهودي ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني وجميع الملوك الذين يتظاهرون بالعداوة ضد بني إسرائيل)(10).

وهناك نصوص تلمودية أخرى تؤكد بأن الحيوانات أفضل من غير اليهودي، وتطلب من اليهودي أن يتعامل مع باقي أتباع الديانات بالمكر والخديعة والابتزاز والاحتيال، وإذا جاء غير اليهودي يطلب نقوداً من اليهودي فعليه أن لا يقرضه إياها إلا بالربا وأن يضاعف عليه الربا حتى يغرقه في الدين، ويتمكن في نهاية المطاف من الاستحواذ على أملاكه، وهذا بالفعل ما تقوم به الآن الصناديق المالية الدولية التي يسيطر عليها اليهود.

لقد أباح اليهود لأنفسهم التحلل من جميع القيم والأخلاق في تعاملهم مع باقي الأمم، فأباحوا اغتصاب النساء غير اليهوديات، وشهادة الزور والكذب والقتل وكل الأخلاق المذمومة، كما أنشأوا المنظمات السرية الهدامة مثل الماسونية التي تنشر الإلحاد في العالم وتحارب الأديان والأخلاق الفاضلة، وتشجع انتشار دور البغاء والقمار والخمور في كل بقاع العالم، لكي يلهوا أبناء الأمم بهذه القضايا الخطرة، فيسهل على زعماء اليهود الذين يسيطرون على الثروات والأموال قيادة العالم دون مقاومة من باقي الأمم الذي فسد شبابها وانهار اقتصادها.

وقد أورد السيد المرجع في كتابه (هؤلاء اليهود) نصوصاً كثيرةً من (بروتوكولات حكماء صهيون) الذي يقول عنها: (وقد قرأتها تكراراً، فلم أزدد فيها إلا حيرة. ومن العجب أن يرى الإنسان مخططات هذا الكتاب جارية في العالم)(11).

ومن النصوص التي ذكرها السيد الشيرازي (قده) وتكشف عن مخططات هؤلاء اليهود الصهاينة وتغلغلهم في دوائر السياسة والاقتصاد العالمي وسعيهم للسيطرة على العالم، ما جاء في البروتوكول الرابع: (هذا هو السبب الذي يحتم علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من عقول المسيحيين، وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورية مادية، ثم لكي نحول عقول المسيحيين عن سياستنا، سيكون حتماً علينا أن نبقيهم منهمكين في الصناعة والتجارة، وهكذا ستنصرف كل الأمم إلى مصالحها، ولن تفطن في هذا الصراع العالمي إلى عدوها المشترك)(12).

وجاء في بروتوكول آخر: (إننا نقرأ في شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض وقد منحنا الله العبقرية، كي نكون قادرين على القيام بهذا العمل)(13). ولتحقيق هذا الهدف فقد أشعلوا الحروب وأثاروا الفتن العرقية والمذهبية في كل مكان وهذا ما يؤكده نص من البروتوكول السابع الذي يقول: (في كل أوروبا يجب أن ننشر في سائر الأقطار الفتنة والمنازعات والعداوات المتبادلة فان في هذا فائدة مزدوجة)(14).

وجاء في بروتوكول آخر: (يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان. وقد نشرنا في كل الدول الكبرى ذوات الزعامة أدباً مريضاً قذراً مغثي للنفوس)(15).

إن هذه النصوص التي أوردها السيد المرجع في كتابه، وغيرها من النصوص المختارة تؤكد بما لا مجال للشك فيه، أن هؤلاء اليهود المنحرفين والمخربين، قد خطوا خطوات كبيرة في طريق تطبيقهم لمخططاتهم والوصول إلى أهدافهم، فالمؤسسات المالية الكبرى في العالم هي بيد اليهود أو الصهاينة والماسونيين، وهذه المؤسسات لا تقرض الدول إلا بشروط منها ما يعرف وتتناقله وسائل الإعلام، ومنها ما هو سري لا يعرفه أحد، لكن يظهر في نهاية المطاف أن تلك الشروط السرية تمكن هذه المؤسسات من السيطرة على ثروات هذه الدول، وتحكم عليها بالتبعية السياسية والاقتصادية والثقافية. وهذا هو مصير الكثير من الدول الإسلامية اليوم مع الأسف الشديد؛ لذلك ولخطورة ما يقوم به هؤلاء اليهود يطالب السيد المرجع المسلمين بضرورة اليقظة والحذر، والعمل من أجل (اجتثاث هذه الشجرة الخبيثة من أراضي الإسلام الطيبة) وأول العمل هو فضح مخططاتهم وكشف عقائدهم المنحرفة وبيان مخاطرها، ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، كي يعرف المسلمون عدوهم الحقيقي وما يضمر لهم من حقد وكراهية، وما يعمله من أجل استعبادهم والسيطرة على ثرواتهم وخيرات بلادهم وحرمان شعوبهم منها. لأن الكثير من المسلمين لا يعرفون ذلك وقد انخرط الكثير منهم في تيارات فكرية هدامة ومنحرفة، وأصبحوا أعضاء في منظمات سرية غامضة الأهداف، لكنها في نهاية المطاف لا تخدم سوى أهداف الصهيونية العالمية.

إن الحرب الإعلامية مهمة جداً لأن اليهود يستغلون الإعلام العالمي وينفقون الملايين من أجل تزييف الحقائق وإلباس الحق ثوب الباطل والعكس كذلك. وقد استطاعوا أن يقنعوا الكثير من الشعوب بعقائد وأفكار ونظريات هدامة ومنحرفة، لذلك لابد للمسلمين من فضحهم وكشف خبايا ما يخططون له. ثم الاستعداد الحقيقي لمواجهتهم وطردهم من فلسطين. وليس إقامة السلام معهم أو التفريط بالأرض التي اغتصبوها وسرقوها من أصحابها تحت جنح الظلام وبأساليب الخداع والمكر تارة وبالترهيب والقتل تارة أخرى، حتى هرب أصحابها الأصليون واستحوذ عليها هؤلاء المجرمون وأنشأوا عليها كيانهم ودولتهم العنصرية.

وهذا يجرنا إلى البحث في موقف السيد المرجع من دعوات السلام القائمة الآن، والمعاهدات السلمية التي أبرمتها بعض الدول العربية وتحاول أخرى أن تعقدها مع هذا الكيان الغاصب.

الموقف الشرعي من مصالحة اليهود

يتأسس الموقف الشرعي من اليهود ككل من خلال معرفة عقائدهم المنحرفة والضالة، فهم عصاة كفرة تمردوا عبر التاريخ على أنبيائهم وقتلوا عدداً منهم، وحرقوا التوراة وكل ما أنزل على أنبيائهم، بل افتروا على هؤلاء الأنبياء واتهموهم بارتكاب الفواحش، وقد تحدث القرآن عنهم كثيراً وذكر أنهم لعنوا على لسان أنبيائهم، كما حذر المسلمين منهم واعتبرهم من أشد الناس عداوة للإسلام وللمؤمنين به. وهناك حكم آخر في الإسلام يتعلق بهم، عندما يكونون أهل ذمة في الدولة الإسلامية، فلهم في هذه الحالة حقوق ضمنها لهم الإسلام بشروط والتزامات، لكن الموقف منهم الآن وهم مغتصبون لأرض فلسطين، وقد طردوا منها أصحابها وقتلوا الآخرين، يحتاج إلى تفصيل، وهذا ما قام به السيد المرجع الراحل (قده) في كتيب تحت عنوان (هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل؟) كتبه في يوم 20/جمادى الأولى/سنة 1415هـ، وهو اليوم الذي وقع فيه بعض العرب وثيقة الصلح مع الكيان الصهيوني.

يتساءل السيد المرجع في البداية عن إمكانية الصلح بين طرفين، الأول غاصب وسارق للأرض، والثاني مغصوب حقه مظلوم ومقهور، لكن في الوقت ذاته بينهما مفارقة عجيبة؛ فاليهود الغاصبون لا يتجاوز عددهم في العالم (15مليوناً) منهم أربعة ملايين في فلسطين المحتلة، أما المسلمون فيتجاوز عددهم (1600مليون) لكن لا عبرة بالعدد (فالأكثر عدداً والأقوى حجة ومبدءاً هو الغالب إذا أخذ بأسباب القوة. وكذلك الحال بالنسبة للأقل عدداً إذا كان صحيح المبدأ وأخذ بأسباب القوة وواكب السنن والقوانين الإلهية)(16).

وقد عزا البعض سبب تفوق اليهود وعجز المسلمين عن استرداد القدس وفلسطين منهم إلى تفوقهم العسكري ودعم الغرب لهم، في الوقت الذي لا يجد المسلمون من يدعم حقهم في فلسطين، لكن السيد المرجع يرى بأن المسلمين ليسوا بحاجة إلى دعم خارجي ليسندهم، فعددهم كثير فضلاً عن مبادئهم الصحيحة، وثرواتهم الكثيرة، ولكن ما أحوجهم اليوم إلى النضج الفكري والوعي السياسي لمعرفة ما يجري، ومتى يقوم الصلح؟ ومتى تقوم الحرب؟ أما من يصالح اليوم من العرب على أراضي المسلمين، فهو يصالح على غير ما يملك، لذا فإن عملية الصلح ـ في نظر السيد المرجع ـ مرفوضة أساساً جملة وتفصيلاً، لأن مقدماتها غلط وقياسها باطل، ولا يمكن أن نجني منها سوى النتائج الفاسدة(17).

إن الصلح والمصالحة مع اليهود غير شرعية للأسباب الكثيرة، منها عداؤهم الحقيقي للإسلام والمسلمين، وعنصرية دينهم وسعيهم لإفساد العالم، وبالتالي فالصلح معهم يعني الرضوخ لهيمنتهم والتسليم بسيطرتهم على جزء مهم من أراضي الإسلام، وهذا لا يجوز شرعاً، ولا يمكن لمسلم أن يجوزه أو يقول به.

سبب ضياع فلسطين

وكما تحدث السيد المرجع عن انحراف اليهود الديني وضلالهم العقائدي وسعيهم لإفساد العالم من أجل السيطرة عليه واستعباد شعوبه، تحدث كذلك عن تاريخ فلسطين وأسباب ضياعها من يد المسلمين واستعمارها من قبل البريطانيين ثم اليهود بعد ذلك. وأهم هذه الأسباب في نظره هي: الإدارة الفاسدة للدولة العثمانية وانشغالها عن الدفاع عن الأراضي الإسلامية التي كانت تحت سلطتها، وعدم اهتمام هذه السلطة بأسباب النهضة والقوة التي جعلت الأوروبيين يزحفون على أراضي الإسلام فيستعمرونها ومن ثم يساعدون اليهود الصهاينة في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وتخلف المسلمين ككل وعدم أخذهم بأسباب القوة والحضارة؛ الأمر الذي جعل اليهود يتفوقون عليهم عسكرياً واقتصادياً، بالإضافة إلى جهل من كان يسكن في فلسطين من حكام ومواطنين، بمخططات هؤلاء اليهود الماكرين، الذين شجعوا الكثير من المزارعين على بيع أراضيهم لهم؛ فتمكنوا بذلك من شراء أملاك وأراضٍ كثيرة انطلقوا منها للسيطرة على الباقي.

أما لماذا لم تتحرر فلسطين لحد الآن بعد نصف قرن من استعمارها؟.

فالسيد المرجع يرى أن ذلك يرجع لعدة أسباب، أولاً: إقصاء المسلمين عن المعركة بسبب الأفكار الاستعمارية التي بثها فيهم الاستعمار مثل القومية والجغرافية والقطرية والتي جعلت كل بلد أو منطقة لا تهتم بمشاكل المنطقة الأخرى. أما المسلمون العرب فإنهم ـ حسب السيد المرجع ـ لم يدخلوا المعركة بعد كشعوب بكل أبعادها ومفاهيمها، لأن حكامهم منعوهم من التدخل بالحديد والنار(18).

والسبب المهم هو تخاذل الحكومات والأنظمة العربية الموزعة بين الخوف من أوروبا وأمريكا أو العمالة لهؤلاء. لكن رغم كل ذلك فالسيد المرجع (قده) يرى بأن انتصار إسرائيل على العرب والمسلمين لن يكون أبدياً، لأن شعوب العالم ستعرف في نهاية المطاف من هم هؤلاء اليهود الأشرار الذين يعملون على خراب العالم، أما المسلمون فعليهم أن يتجهوا لحكم الإسلام وأن يتحرروا من التبعية السياسية والاقتصادية للغرب وأن يبنوا لأنفسهم القوة الكافية للدخول في مواجهة مع هذا الكيان الغاصب وسيكون النصر نصيبهم إذا هم أعدوا العدة الشاملة وسلكوا السنن الإلهية لتحقيق النصر.

الهوامش:

(1) باحث سعودي.

(2) باحث سعودي.

(3) مقتطف من نص البيان، انظر كتابه (هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل) ص68.

(4) سورة المائدة الآية 60.

(5) الشيرازي: السيد محمد الحسيني، هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل، ص10، الطبعة الأولى 1998م، المستقبل للثقافة والإعلام ـ بيروت.

(6) المصدر نفسه، ص12.

(7) سورة البقرة الآية، 79.

(8) الشيرازي: السيد محمد الحسيني، هؤلاء اليهود، ص22-23، الطبعة الأولى 1984م، مؤسسة الوفاء ـ بيروت.

(9) المصدر نفسه، ص26.

(10) المصدر نفسه، ص30.

(11) المصدر نفسه، ص41.

(12) المصدر نفسه، ص61.

(13) المصدر نفسه، ص69.

(14) المصدر نفسه، ص69.

(15) المصدر نفسه، ص71.

(16) المصدر نفسه، ص 81.

(17) الشيرازي: السيد محمد الحسيني، هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل، ص5، الطبعة الأولى 1997م، مؤسسة الوعي الإسلامي للتحقيق والترجمة والطباعة والنشر ـ بيروت.

(18) المصدر نفسه، ص6-7.

(19) المصدر نفسه، ص37.