العدد62

 

 

مشروع الحكومة الإسلامية بين المخاوف والأهداف

 

 

محمد مهدي حمودي

ضرورة الحكومة للتجمّعات البشرية..

تكاد تجمع الدراسات التاريخية على أن الحكومة والدولة كظاهرة تاريخية وسياسية هي ظاهرة متأخّرة على الوجود الإنساني؛ إذ لم تكن لتوجد في الأيام الأولى من عمر الإنسان، ولا في حياة المجتمعات البدائية (وما كان الناس إلا أمة واحدة) (1). بيد أن هذه المجتمعات ما أن وصلت إلى درجة معينة من تطور الحاجات، وتفاوت القابليات الذهنية وتداخلها - التي أدّت بطبيعة الحال إلى تعدد المصالح والرؤى - حتى لم يعد بإمكانها الاستمرار اعتماداً على العفوية والتلقائية السابقة، التي كانت سائدة لتنظيم شؤونها الاجتماعية وترتيب علاقاتها الإنتاجية والحقوقية، الأمر الذي استلزم الحاجة إلى ظهور ووجود الحكومة والدولة، بما تنطوي عليه هذه المؤسسة من قوانين وضوابط تعمل على تسيير وتيسير الحركة الاجتماعية وحلّ معضلاتها.

ثم إن هذه الظاهرة (الحكومة والدولة) بدأ يتعمق وجودها في المجتمع وتزداد الحاجة إليها كلما اتسعت المجتمعات وتعددت مطاليبها، حتى عدّت الدولة حاجة طبيعية وضرورية تقتضيها إفرازات التجمع، وتحث على وجودها الحركة الاجتماعية.

يقول أرسطو: (إن الدولة من عمل الطبع وإن الإنسان بالطبع كائن اجتماعي، وإن الذي يبقى متوحشاً - بحكم النظام لا بحكم المصادفة - هو على التحقيق إنسان ساقط، أو إنسان أسمى من النوع الإنساني) (2). وقد تزامنت ظاهرة الدولة الصالحة( أي مهمة حل الاختلافات والتعقيدات البشرية المستجدة وفق معايير العدل والإنصاف عوضاً عن الأعراف والتوافقات البسيطة) تزامنت مع ظاهرة النبوة زمنياً وسببياً؛ فكان الأنبياء (ع) هم أول من سعوا إلى إرساء قواعد حكومة (القسط) من أجل الاحتكام إليها وإلى معاييرها الربانية في حل الاختلافات الاجتماعية.

إن مرحلة (ما كان الناس إلا أمة واحدة) لم تكن تستبطن خلافات سياسية أو عقائدية أو اجتماعية حادة، إلى المستوى الذي يهدد وحدة الجماعة ويقلق أمنها ونسيجها الاجتماعي، وإنما بدأ الاختلاف حينما شهد المجتمع تطورات نوعية في الفكر، وفي الانفتاح على استثمار الطبيعة؛ فكان من نتائج ذلك إيجاد التفوق والسيادة كمعطى (للتطور الفكري) وإيجاد الوفرة الاقتصادية كناتج (لاستثمار الطبيعة)، الأمر الذي أدى إلى الاختلاف وتشابك المصالح، وقد أفضى نزوع (التفوق الفكري) إلى التسلط والاستعلاء، فيما أفضى نزوع (الوفرة الاقتصادية) إلى الاستئثار والاستثمار غير المشروع، وبينما استدعى النزوع الأول أهمية التربية والتهذيب للحد من التجاوز والعدوان، استلزم النزوع الثاني ضرورة التوزيع العادل، وتنظيم العلائق الاجتماعية والاقتصادية. وقد انصبت مهمة الأنبياء(ع) ابتداءً على إيجاد نوعين من الروادع:

أ- رادع داخلي: وهو محاسبة الضمير والوجدان.

ب- رادع خارجي: وهو متابعة الدولة وأجهزتها التنفيذية والقضائية.

ولم تكن مهمة الأنبياء (ع) لتحقيق ذلك مهمة سهلة ويسيرة، بل واجهوا ضروباً من المعاناة، كالنفي والتعذيب والتعرض للهزء والسخرية والتنكيل حتى عدّت هذه الأساليب ووفق تراتبية مختلفة سنّة تاريخية ملحوظة(وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنّا بما أرسلتم به كافرون) (3) بالإضافة إلى ما يستتبع الكفر من مواجهة وتصدي.

وفي خضم هذا الصراع لم يعد ممكناً الفصل بين وظيفة الأنبياء (ع) المتمثلة بهداية الإنسان إلى صراط الله المستقيم، وتهذيب نفسه وربطه بالمطلق، وبين عملهم في تنسيق وتنظيم حركة المجتمع الإنساني، بما فيها الحاجات والعلائق( أي تشكيل الدولة) وتوجيهها بما يتوافق ويحقق الشروط الموضوعية والنفسية لهدف التربية والتهذيب، حتى عدّت المهمتان مهمة واحدة وهو الواقع.

وخلاصة هذا التقديم هي أن الدولة والحكومة ظاهرة اجتماعية وتاريخية، وأنها ضرورة لكل تجمع بشري، ولا يمكن لأي اجتماع أن يتقوّم إلا بها، وأن الحكومة الصالحة هي ظاهرة إلهية مؤطرة بالأحكام الشرعية تأسست على يد الأنبياء، وأُريد لها أن تحقق للإنسان سعادته في دنياه وآخرته.

وفيما يلي سنتناول مشروع الحكومة الإسلامية عبر أربعة عناوين:

الأول: مشروع الحكومة الإسلامية بين الرفض والقبول.

الثاني: أدلة المشروع والمخاوف المحتملة.

الثالث: معالم الأزمة ورهانات الحل، كما يراها المشروع.

الرابع: أهداف المشروع وتطلعاته.

أولاً

مشروع الحكومة الإسلامية بين الرفض والقبول

من المسائل المطروحة بقوة هذه الأيام هي: هل هناك ضرورة لتشكيل الحكومة الإسلامية؟ وهل من الضروري إقامة النظام السياسي على مبادئ الدين وقواعده؟.

وكحالة وسطية ألا يمكن التوفيق بين القيم الإسلامية والقيم الحديثة، والمصالحة بينهما دون إعلان الثورة على أي منهما؟ إزاء هذه الأسئلة وأمثالها هناك فريقان أساسيان:

الفريق الأول ينفي إمكانية قيام حكومة إسلامية، بل يرفض قيام مثل هذه الحكومة حتى لو توفرت إمكانيتها، إنطلاقاً من استنتاج قديم مفاده أن بناء الدولة الحديثة واللحاق بالحضارة الغربية، ليس ممكناً في إطار التمسك بالقيم الفكرية الدينية، وأن الدين عبارة عن قيم ومثل، إن صلحت لتهذيب بعض المشاعر والسلوكيات الفردية فهي لا تصلح لقيادة المجتمعات العصرية بما تنطوي عليه من تعقيد وتطور، ويجادل هؤلاء بأن تشكيل الدولة على أساس الدين فيما لو تحقق، فإنه يعني إلغاء الديمقراطية، والتبادل السلمي للسلطة، ويعني عودة الاستبداد والتعسف السلطاني، والانحدار نحو التطرف الديني الذي يتجاوز حدود الدين نحو السياسة، أو يقدس الأخيرة ليضعها في مصاف الحقائق الدينية المقدسة، وبعبارة مختصرة يعتبر هذا الفريق إقامة الحكومة على أساس الدين، عودة إلى الماضوية، وغرقاً في الجمود، وتجسيداً للإرهاب!!.

أما الفريق الثاني فيرى أن قسماً مما يعيبهم به الخصوم إنما هو اجتزاء للحقائق التاريخية، واجتراء على الأمانة العلمية والموضوعية، فيما لا يشكل القسم الآخر من الاعتراضات إلا تأكيد حق شرعي في الهوية والاستقلال الثقافي مؤكدين أن إحياء التراث الذي تقوم به الحركات الإسلامية الداعية إلى تشكيل الحكومة الإلهية، والتأييد الجماهيري الذي تحصل عليه هذه الحركات، إنما يعبران عن إرادة التحرر الذاتية للمجتمعات الإسلامية بعد حقبة طويلة من الضياع والاستلاب في زحمة العقائد والقيم الغربية الوافدة، أما ازدياد المطالبة الشعبية بالعودة إلى الأصول ودعمها للصحوة الإسلامية فهو مطلب جماهيري حر ينطوي على قبول هذه الدعوة والتفاني من أجلها، مضيفين بأن ما يثار على مشروع الحكومة الإسلامية (سواء في طوره الفرضي أو التطبيقي)، إنما هي إثارات غير ذات قيمة، خاصة وأن ادعاء العلمانية في مناطقنا لا يدعم اعتراضاتها ولا مدعياتها لا في التقدم ولا في الحرية أو الديمقرطية. ويشدد الفريق الثاني على أن عودة الأمة إلى المنابع الأصيلة لتراثها(الماضوية كما يسميها الفريق الأول) هي عودة للذات والاتكاء على معطياتها من أجل تحقيق التوازن بين القديم والجديد والأصالة والحداثة، وبالتالي المساهمة في إنتاج حضارة الإنسان بشكل إيجابي فاعل.

صراع الفريقين والنتائج الحاسمة..

إن الحديث عن تشكيل حكومة إسلامية، مرتبط في أذهان المسلمين بشكل شبه تلقائي بنموذج معين للشرعية، وبالتالي بنموذج محدد لممارسة السلطة.

فالحديث عن الشرعية الدينية يجره البعض مباشرة إلى نموذج الخلافة، والخلافة العثمانية تحديداً، باعتبارها أقرب المراحل التاريخية للذهن المعاصر، دون تمييز بين دور هذه الخلافة وطبيعتها، وبين دور الخلافة في طورها الأول، أو ما هو أبعد منها أي طبيعة الحكومة وشرعيتها في الفترة النبوية الشريفة.

ومن إيحاء هذا الارتباط تتغذى مخاوف الفريق الأول من الخلافة والسلطنة وما تنطوي عليه من استبداد وتكريس للفردية وغياب الدستورية...الخ في وقت لا يعير هذا الفريق مخاوف الفريق الثاني أية أهمية تذكر، ولا يسمح بتعقلها ومناقشتها، كالمخاوف المتمثلة بخطورة التماهي مع القيم الوافدة، وما تؤدي إليه من استلاب وفقدان الهوية وتشويه الأصالة، مع إن الوقائع التاريخية اللاحقة أثبتت بما لا يقبل الشك جدية هذه المخاوف، وآثارها المرعبة في حياة الجماعة الصالحة. بل الملاحظ أيضاً أن الفريق الأول ظلّ يعيد خطاب من سبقوه، ذلك الخطاب المشحون بالتهم والتجني والاستنتاجات غير الدقيقة، دون أن يكلف نفسه عناء قراءة التجربة واستخلاص العبر منها.

لقد وجدنا ومنذ العام (1914م) (وهو عام انهيار الدولة الإسلامية) ولحد الآن، أن الفريق الذي يتوجس خيفة من استبداد السلطان، قد أوقعنا في استبداد أشد، وهو استبداد النخبة، ثم أخضعنا بصورة متعسفة إلى قوة الديكتاتور الذي يطل من على جنح دبابة في ليل بهيم ليستولي على مقاليد البلاد والعباد، ثم لندخل أفواجاً في جور الحزب الواحد والعشيرة الواحدة، وأخيراً في فرعونية الفرد الواحد وأسرته.

وخلال(95) عاماً، لم يحص الوعي الشعبي وهو يراقب تجربة النخب العلمانية بخوف وحذر، سوى المزيد من الخسائر والانكسارات والهزائم، وعلى جميع الأصعدة والمستويات، حتى أمكن القول بيسر: إن من حق أتباع الفريق الأول - فضلاً عن غيرهم - أن يتمردوا على نخبهم وزعمائهم الديكتاتوريين، لأنهم قدموا أداءً مشيناً أكثر بذاءة وسوءاً من النموذج الذي تخوفوا منه؛ فقد كان النموذج السلطاني مستبداً حقاً، لكنه على الأقل، كان محترماً من قبل أعدائه، وكان متخلفاً في أدائه ومعالجاته، إلا أنه كان متشدداً في حقوق بلاده، فلم يبع فلسطين، ولم يساوم على الجزائر أو المغرب العربي...الخ، ومن حق الفريق الثاني وأتباعهم أن تتعمق مخاوفهم وتزداد مرارتها ليس من العدو الأكبر(الاستكبار والإمبريالية) فحسب، وإنما من السلاطين الجدد، الذين أضاعوا الهوية ولم يكسبوا الحداثة وضحوا بالوحدتين الإسلامية والعربية ولم يكسبوا القطرية.

وإذا كان هناك ما يبرر توقف الصراع وتجميد المخاوف بالنسبة للفريق الثاني أبان الحربين العالميتين وما بعدهما لأسباب عديدة، فإن الزمن اللاحق قد أسقط تلك الأسباب، وكشف حقيقة تلك المخاوف وزيفها لكلا الفريقين، ورجّ الوعي المتردد بما أخرجه من قوقعة الانتظار، ودفع به، وبالتالي بالأمة، إلى حالات التوثب والجهاد. كما يحصل الآن في لبنان وفلسطين، كيما تعالج الأمة وطلائعها أزمتها الكبرى بكل وضوح وجدية واقتدار، ودون ملابسات أو تبريرات.

إن المرحلة التي انصرمت، وبرغم كل قساوتها ومرارتها، كانت مرحلة ضرورية لانفتاح الوعي وبروزه؛ إذ ما كان للوعي الشعبي الإسلامي أن يقفز قفزته الهائلة هذه لو لم يقطع هذه المرحلة، ويتجرع مآسيها، بيد أن الاستمرار في صياغة المخاوف وإعادة إنتاجها بأطر مختلفة، إنما هو استمرار للأزمة وتكريس لها وليس حلاً لها، وإذا كان الفريق الأول لا يملك دليلاً على عدم ضرورة قيام الحل الإسلامي سوى مخاوفه وتردده، وسوى تكرار المثلث المعروف (رجعية - أصولية - إرهاب) فإن الفريق الثاني لا يعتقد فقط بأن الحكومة الإسلامية تشكل الإجابة المنطقية لأزمته الحاضرة، وإنما يعتقد إضافة إلى ذلك بوجوب وشرعية العمل على إيجاد مثل هذا الحل وقيام مثل هذه الحكومة.

ثانياً

أدلة المشروع والمخاوف المحتملة

واضح أن مشروع الحكومة الإسلامية لا يشكل عند الداعين إليه مجرد مشروع إنقاذ، واسترداد هوية مفقودة فحسب، وإنما يمثل لديهم أمانة ثقيلة يجب أداؤها، ومسؤولية عظيمة ينبغي تحملها، والأدلة لديهم على ذلك كثيرة نكتفي هنا بإيراد دليلين؛ دليل السيرة النبوية ودليل ضرورة تطبيق الأحكام الشرعية.

أ) يرتكز الدليل الأول على أن الرسول (ص) بمجرد نزوله المدينة المنورة أقدم على تأسيس الدولة، بكل ما لهذه الكلمة من مدلول وحركة، ومارس (ص) كل ما هو من شأن الحاكم السياسي من تشكيل جيش منظم، وعقد اتفاقات ومواثيق مع الطوائف الأخرى، وتنظيم الشؤون الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية؛ مما يتطلبه أي مجتمع منظم ذي طابع قانوني وصفة رسمية وصبغة سياسية، كما اتخذ مركزاً للقضاء والإدارة والتخطيط (المسجد)، ووضع الرواتب، وعين المسؤوليات والأولويات، وخاطب الملوك والأمراء، وسير الجيوش والحملات العسكرية...الخ، وبذلك يكون الرسول(ص) هو أول مؤسس للدولة الإسلامية.. وأن من يراجع التأريخ النبوي يلاحظ بجلاء أن النبي (ص) كان منذ بداية بعثته الشريفة وحياته الرسالية بصدد تأسيس الحكومة وإقامة الدولة(4)وكما يقول ربنا الكريم (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) .

ب) القوانين الإسلامية وحاجتها إلى القوة التنفيذية: ويشدد هذا الدليل على أن الإسلام ليس ديناً منحصراً في الأعمال العبادية والآداب والمراسم الشخصية فحسب، وإنما هو نظام واسع وشامل لجميع ما يحتاجه الإنسان ويواجهه في معاشه ومعاده، ومع ملاحظة القوانين الإسلامية في مختلف المجالات الحقوقية والاجتماعية والمالية يتأكد بأن طبيعة هذه القوانين وطريقة تنفيذها تقتضي وجود الدولة، وتدل على أن مشرّعها افترض وجود حاكم يقوم بتنفيذها.

إن الإسلام لا ينحصر في التقنين والتشريع فقط، من دون الالتفات إلى القوة المنفذة وشروطها، بل شرّعت أحكامه ومقرراته على أساس الحكومة الصالحة التي تقدر على إجراء المقررات وتنفيذها، فاشتبك فيه التقنين والتنفيذ معاً، وكانت الحكومة الصالحة المنفذة للقوانين من أهم برامجه، وداخلة في نسيجه ونظامه، بما لا يوجب تعطيل الحكومة للأحكام وإهمالها(5).

ويفيد الخوض في تحليل النصوص الشرعية ودلالاتها الإلزامية، أهمية وجود الحاكم الشرعي، وضرورة تنفيذ الأحكام والحدود الشرعية، وهي من الكثرة ما يجعل تقصيها ينحى بنا منحى آخر، ومن أراد المزيد فليراجع ذلك في محله.

ج) المخاوف المحتملة: قد يقال إننا كمسلمين لسنا بصدد الأدلة والبراهين التي تثبت لنا صلاحية وشمولية وقدرة عقيدتنا الإسلامية وأحكامها السمحاء، ولا بصدد الأدلة التي تؤكد لنا ضرورة أو وجوب التزامنا بها وتحكيمها بيننا، فربّنا هو الذي أخبر بذلك، وشواهد تاريخنا لا تنفي ذلك.

وإننا كمسلمين نعيش أزمة كبرى ومحنة عسيرة، فشلت كل الطروحات في حلها - هذا إذا لم تزدها تعقيداً - لذا من اللازم علينا أن نعود إلى ديننا وأحكامه باعتباره البلسم الشافي لجروحنا.. لكننا نبحث عن الضمان!.

إن ما نخشاه ليس هو جور الدين، فحاشا للدين عن ذلك، وإنما الذي نحذره ونخشاه هو جور ولاة الأمر وفساد إدارتهم، وتجيير أحكام الدين لصالحهم، ولمصالحهم الضيقة والأهداف الجزئية، فنكون كمن وقع فيما هرب منه، وستكون المصيبة أشد وأعظم.

إن ما نخشاه هو أن نعود مرة أخرى لمظلة الاستبداد وسيف القمع، هذه المرة باسم الدين وباسم الله!! فيضيع دم الضحية بقداسة الجلاد. إن فساد حكامنا الحاليين يضرنا ويضر أنفسهم، أما فساد الحاكم الإسلامي فإنه يضرنا ويضر نفسه ويضر الإسلام، تلك العقيدة - الملجأ - التي نحتمي بها حينما يشتد الجور علينا وتتفاقم مصائبنا.

هذه مخاوف المسلمين من قيام حكومة إسلامية وهي مخاوف لا تنبعث من الخيال ولا من التعصب - كما هو شأنها عند النخب في الجهة المقابلة - وإنما تنطلق من قاعدة الموروث التاريخي المثقل بتجارب الاستبداد السياسي التي حفلت بها الحياة الإسلامية السابقة، والتي مورس فيها التعسف باسم الإسلام والخلافة، إنها مخاوف حقيقية وواقعية، ومن الحق أن تثار، ولكن الحق أيضاً أن يصار إلى حلها والعمل على عدم تجسمها مرةً أخرى، وذلك عبر إيجاد الضمانات وصمامات الأمان اللازمة، والشروط المحكمة لانتخاب أولياء الأمر، ومسؤولي النظام، وإعطاء الأمة وطلائعها المؤمنة دورها في الانتخاب والمحاسبة.. الخ.

إن من الحق إظهار هذه المخاوف، والإعلان عنها، والتذكير بها، حرصاً على الدين عموماً، وعلى التجربة المزمع قيامها خصوصاً، لكن ليس من الحق أن تتحول هذه المخاوف إلى عقبات أمام المشروع منذ بدايته، وليس من الحق أن تكون حجة الحرص على المشروع مدعاة لإجهاضه أساساً.

فنحن مع الضمانات، ومع الشرائط والضوابط، ومع إعطاء الشعب حقه في الانتخاب والاختيار من أجل ترصين المشروع وسد منافذ الانحراف المحتملة فيه.

ثالثاً

معالم ورهانات الحل

أ) الأزمة..

لا شك أن البشرية قطعت في هذا العصر أشواطاً كبيرة في مجالي التطور العلمي والتقني، بحيث لا يمكن عقد مقارنة بينها وبين وضعها في أي حقبة زمنية أخرى.

ولا شك أنه حصل مع هذا التطور الكبير تدنّي فظيع في الأخلاق والقيم الاجتماعية، بحيث ظهرت مؤشرات كثيرة تنذر بإمكانية تحول هذا التطور وتقنيته المتقدمة إلى كوارث مدمرة يمكن أن تطال الوجود البشري نفسه.

ولا شك أيضاً أن المجتمعات الإسلامية وهي تعيش هذه الأزمة الكلية إنما تعيش في أعماقها أزمة داخلية حادة، ربما لم تمر بمثلها من قبل، وبالتأكيد فإن لكل أزمة بواعث أساسية، ونتائج متوقعة، وأساليب مواجهة مفترضة، ولنتساءل: ما هو مصدر البؤس والتعسف والانهيار الذي تعيشه مجتمعاتنا؟ وهل يمكن إعادة تشكيل (أفكار، عواطف، نظم) هذه المجتمعات بما يمكنها من الوقوف بصلابة في هذا المعترك الحاد، أو يمكنها من اجتيازه وترشيد حركته وهدايته إلى طريق الخلاص؟ إن الأزمة التي تعانيها مجتمعاتنا هي بمجملها أزمة (نظام) و(أخلاق)، أي أزمة حكومة صالحة ووعي ملتزم.

أما مصادر هذه الأزمة وما يتفرع عنها من بؤس وتعسف وهزيمة فهي:

1- تعاظم وتمدد قوى السلطة لدى الأنظمة السياسية الحاكمة، في مقابل دحر قوة المواطن وتدمير كرامته، وشعوره الدائم بالرعب والمطاردة وهو ما نود الاصطلاح عليه هنا بأزمة(فقدان الأمن).

2- اختلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي وغياب الضوابط والدساتير التي من شأنها تقنين العمل وتحديد الفرص، وتقييم الكفاءات وفق معايير العدل والمساواة وهو ما نسميه هنا بأزمة(فقدان العدل).

3- عدم قدرة الأنظمة الحاكمة، أو عدم قدرة مرجعياتها الفكرية على توليد الالتزامات الوجدانية لأفراد المجتمع، تلك الالتزامات التي من شأنها لجم الميول والنزعات التي تنجم عن حركة النمو والتطور، وعن استثمار الفرص غير المشروعة وكبح جماحها، وهو ما نطلق عليه بأزمة (فقدان الأخلاق).

وبعبارة موجزة أن أصل الأزمة التي تعانيها مجتمعاتنا هي أن حكوماتها لا تمتلك الإجابة، أو إمكانية الاستجابة الواقعية للتطلعات الرئيسية لمجتمعاتنا في إيجاد (الأمن والعدل والتوازن الخلاق).

وأكثر شيء تجسيداً للانهيار الشمولي الذي تعانيه هذه المجتمعات، وعلى جميع الأصعدة والمستويات، هو ما تعانيه في هذه الحقبة ذاتها (ففي الوقت الذي تتعرف فيه الجماعات العربية والإسلامية على بعضها البعض، كما لم يحصل من قبل، ويندمج مصيرها التاريخي في سياق واحد، تتفاقم الحروب والنزاعات المدمرة فيما بينها ويعم الانقسام وعدم الثقة والأمن، وفي الوقت الذي تتراكم فيه الثروات، وتتعزز الإمكانات المادية والمعنوية والبشرية، كما لم تعرفها البلاد الإسلامية في أي حقبة سابقة، تستعر الخلافات بين الفئات والطبقات والأفراد، وتترسخ آليات اللجوء للقوة والقهر على جميع المستويات، وفي كل يوم يقتل عشرات الأفراد ويسجن ويعذب الآلاف في معتقلات لا إنسانية، ويطرد مئات الألوف من مقر إقامتهم وأوطانهم، لقد أصبح القتل والتعذيب والاضطهاد والقمع من المظاهر العادية والطبيعية في المجتمعات المدنية العربية، يحصل كل ذلك على أيدي مسلمين ولدوا وعاشوا في بلاد إسلامية)(6).

هذا ما يحدث في مجتمعاتنا، وإذا كان من الممكن إلقاء تبعات ذلك على القوى الاستكبارية وسعيها الحثيث لامتصاص دماء وحقوق المستضعفين، فإن عجز بعض المهتمين بالشأن الإسلامي عن التواصل مع الواقع، وإبداع الوسائل اللازمة لترجمة القيم والمعالجات الهادفة، عبر السعي لإيجاد الحكومة الإسلامية، وما تقتضيه من معايشة جدية للعصر والإجابة على أسئلته.. نقول إن هذا العجز أو عدم المحاولة يمكن عّده السبب الآخر الذي لا يقل أهمية وخطورة عما ذكر. وليس السعي إلى إعادة تشكيل الحكومة الإسلامية وإشاعة أهدافها السامية سوى خطوة مهمة على هذا الطريق، ولكنها ليست الهدف بأكمله... لأن الهدف الأساس للإسلام ولحكومته هو هداية الإنسان(النسبي) وربطه بالخالق(المطلق) لتحقيق كلمة الله تعالى في أرضه من خلال الخلافة والشهادة الربانيتين ويكون الدين كله لله خالصاً. وأمام هذا الواقع ماذا ينبغي على مشروع الحكومة الإسلامية تقديمه للخروج من هذه الأزمة؟

ب) الرهانات..

لقد أصبح واضحاً أن الإسلام عاد مرة أخرى ليحتل موقع العقيدة المقاومة والمدافعة عن الجسم الإسلامي الكبير، وليس هناك مصداق أكبر مما يحصل الآن من مواجهة للصهيونية والاستكبار على أيدي المقاتلين المؤمنين في لبنان وفلسطين، وقد تحولت العقيدة الإسلامية برغم كل المعوقات إلى الملجأ العام للمسلمين من أزمة الاستلاب التاريخية التي يعانونها، ولذا بات لزاماً على هذه العقيدة (الملجأ) أن تقدم العناصر الأساسية والقيم اللازمة للتصدي للأزمة القائمة كيما تساهم في:

- إعادة بناء وحدة الجماعة الإسلامية على محور (العبودية) الخالصة لله تعالى ونبذ ما عداها من عبوديات، عبر إعادة تنظيم المرتكزات الفكرية والعاطفية والأخلاقية لها.

- إعادة تشكيل الحكومة الإسلامية والنظام السياسي والعلاقات الاجتماعية على أساس استلهام القيم والأفكار والمبادئ الإسلامية.

إن مفهوم الحكومة الإسلامية الذي نحن بصدده هو الوحيد القادر على أن يغطي هذه المساهمة، أو يراهن على تقديمها وذلك عبر ثلاثة رهانات مركزية تشكل بمجملها - دون تجزئتها- مشروعاً حضارياً جديداً قادراً على تجاوز الأزمة الحاضرة والإجابة عنها. وهذه الرهانات هي:

الرهان الأول: إعادة الهوية الأصيلة للمجتمعات الإسلامية، وترميم شبكات التواصل والتفاعل والتراحم في هذه المجتمعات من أجل مواجهة حالات التمزق والانكسار والانهزامية التي تعانيها، ويتم ذلك عبر إحياء التراث الإسلامي، والرجوع إلى أصالة الأمة كمصدر أساس لتثبيت الذات وتنميتها وتأصيلها، هذه العودة توفر أرضية (الأمن) للجماعة في قبال الخوف الذي أنتجته الأزمة، وتوفر (التكتل) المطلوب، إزاء القوى الغريبة عن الجسد الإسلامي؛ وبذلك تحصل أرضية جاهزة ومحكمة تؤهل المشروع للانطلاق إلى الرهان الثاني.

الرهان الثاني: تأسيس الحكومة وتوحيد الجهود والطاقات على أساس القيم والمعايير الدينية، أي إقامة الحكومة الإسلامية وبناء نظامها السياسي، وهذا الرهان يوفر ثاني العناصر المطلوبة في مواجهة الأزمة بوجهها الثاني، أي فقدان العدل وذلك عبر إشاعة العدل والتقنين في قبال شيوع المحاباة والمحسوبيات والوجاهات الزائفة والاستحقاقات الظالمة.

الرهان الثالث: إيجاد وتنمية المبدأ الأخلاقي في روح الجماعة الإسلامية وتطوير فرص تواجده وحركته في الواقع الاجتماعي من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية والالتزام بمحرماتها ونواهيها، الأمر الذي يوفر العنصر الثالث في مواجهة الأزمة بوجهها الثالث وهو فقدان (الأخلاق)، وذلك عبر إشاعة أخلاق التضحية والإيثار والمحبة في مقابل سلوك النفعية والابتذال والتهافت.

إذن، لما كانت الأزمة هي فقدان الأمن جراء فقدان الهوية، وفقدان العدل بسبب فقدان النظام العادل، وفقدان الأخلاق عبر تهميش المبدأ الصالح وتسويف الالتزام به؛ فإن مشروع الدولة الإسلامية مطالب بأن يوفر (أمناً، وعدلاً، وفضيلة) في قبال (الجوع والخوف والابتذال المستمر). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين تكمن الإشكالية على هذا المشروع؟ وما الذي يقف حائلاً دونه؟ قد لا يبدو هناك تباين كبير حول الرهان الأول، سواء بين النخب الحاكمة أو طلائع مشروع الحكومة الإسلامية أو هموم أفراد الجماعة الإسلامية، إلا بتحفظات محدودة، بل لعل بعض الأنظمة قد تبنت بنفسها حالياً هذا الرهان وبدت تعمل على إحياء الهوية الوطنية والقومية.

لذلك فلا مشكلة تذكر على هذا الرهان بشكل أولي، إلا أن الأمر يزداد تعقيداً حينما نصل إلى الرهان الثاني وما يعني من تجديد وإزاحة لنخب رسخت مصالحها، وتباينت رؤاها، وهو أمر غاية في التعقيد والصعوبة، ويمكن إجمال ما يواجه هذا الرهان من اعتراضات بما يلي:

- تشبث بعض النخب الحاكمة بمشاريعها وإدارتها، أو لنقل بامتيازاتها واستحقاقاتها.

- إثارة المخاوف التقليدية التي مرّ ذكرها حول المشروع والحكومة الإسلامية.

- تحفظات بعض القطاعات الإسلامية ذاتها واختلاف اجتهاداتها حول مفاصل مهمة كالسياسة وحدودها، وشرائط الحاكم وحدود صلاحياته وشروط الثورة عليه وما شاكل ذلك.

أما الرهان الثالث والذي يرتبط ارتباطاً عضوياً مع الرهان الثاني، لأنه الوجه العملي لأداء الحكومة، فتشتبك فيه وعليه الاختلافات بين ما مر ذكره، وبين التشكيك أساساً بقدرة المشروع الإسلامي وآلية التطبيق، وما سيؤول إليه، وكذلك كفاءة المتصدين له والقائمين عليه، ثم ما يتفرع عن ذلك من تساؤلات وإشكاليات لتتحول لاحقاً إلى صراعات مريرة تنسف كل ما ظن أنه تم التوافق عليه في الرهانين الأول والثاني؛ ففيما يعني شعار تطبيق الشريعة بالنسبة للداعية إليه بأنه (الانطلاق في السياسة من مقتضيات الإيمان بالله والخضوع له، والقبول بتحكيم كتابه وسنّة رسوله، في كل ما يتعلق بأمور الحياة والمجتمع ينظر العلمانيون إليه على أنه محاولة لإعادة بناء الدولة الدينية بما تعنيه من إلغاء الحريات المدنية جميعاً وفرض الرقابة على الضمائر والسرائر، وتحكم رجال الدين في شؤون المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية) (7)، كما أن تطبيق الشريعة بالنسبة للإسلاميين يعني امتثالاً لوظائفهم الشرعية الداعية إلى إرجاع عباد الله إلى شريعته تعالى والالتزام بأوامره ونواهيه، وفيما يبدو (القانون الوضعي لأنصاره بمثابة التعبير عن قيم التحرر العقلي والسياسي والاجتماعي البشري) (8)، فإنه على العكس من ذلك إذ يبدو (النظام الوضعي بالنسبة للإسلاميين كنموذج للحكم القهري الاستبدادي المفرط بالحريات، تماماً كما يبدو النظام الإسلامي عند العلمانيين كنموذج للحكم الديني الوسطوي المجسد لقيم الاستبداد والتضحية بالقانون والضمير) (9).

وواضح من خلال هذه التباينات والتحفظات أن هناك قطيعة شبه مريرة بين الطرفين لا يمكن حسمها عبر التسويات التقليدية أولاً، وأنها مخاوف تستند إلى مبررات غير منطقية، أو منزوعة من تاريخ غيرنا ثانياً.

كما أن ما هو قائم من تعسف واستبداد، وإلغاء الحريات وهدر كرامة الإنسان من قبل بعض النخب العلمانية الحاكمة، مما لا يعين هذه النخب على اتهام غيرها والتشكيك بنواياهم ثالثاً.

إن الرهانين الثاني والثالث يكشفان عن زيف الالتفافات المناوئة، ويسميان الأشياء بأسمائها، إنهما ينطلقان من حقيقة الاعتقاد بأن أحكام الشريعة الإسلامية، هي أحكام واضحة وميسرة وصريحة ولا يحتاج تطبيقها سوى الإرادة والإيمان بها.

إن هذا الاختلاف بين النخب الحاكمة في الأقطار والدول الإسلامية الآن وبين مشروع الدولة الإسلامية وطلائعه، لا يمكن حله بالتوافقات والحلول الوسطية، وتمييع الحدود الفاصلة، ولا يمكن ردمه أيضاً بالنقاش النظري والجدل الكلامي، وإنما يمكن حله فقط عبر طريق واحد هو العمل والاحتكام للتجربة والمعطى الجديد، وهذا لا يتم إلا بفسح المجال للمشروع الإسلامي للتعبير عن نفسه، فإما أن يحقق مدّعياته بالأمن والعدل والفضيلة، وإما أن يجسد المخاوف التي يطلقها خصومه ضده، وحينها سيكون لكل مقام مقال.

رابعاً

أهداف المشروع

لما كانت الدولة والحكومة هما ضرورة اجتماعية لا يمكن لأي تجمع بشري أن يستغني عن وجودهما، ولما كانت الحكومة الإسلامية ونظامها، هي مما يريده الله تعالى ويرضاه لعباده من أجل أن يعمروا الأرض ويصلحوها؛ فلا بد أن تكون لهذه الحكومة أهداف واضحة ومسارات محددة، وعلى ضوء ذلك يمكن إجمال هدف الحكومة الإسلامية بالقول، إنه هدف الدين والأنبياء(ع) عامة، أي (هداية) الإنسان إلى الطريق القويم الذي فيه نجاته، عبر تخلقه بأخلاق الله تعالى، أما تفصيل ذلك فيمكن إيجازه في أربعة بنود:

أ) إبراز عنصر العبودية الخالصة لله تعالى عند الإنسان في جميع نشاطاته الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية بوصفها (العبودية) القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها جميع الأهداف الأخرى كالعدل والحرية والمساواة...الخ. ونفي ما عداها من عبوديات زائفة، كانت وما تزال مصدر جميع المساوئ والكوارث المحلية والعالمية.

ب) تجسيد الاتجاهات العامة التي تتبناها العقيدة الإلهية في عملية التغيير والهداية، على شكل نماذج حركية وواقعية تشكل أطروحة عملية للاقتداء والتأسي لعموم الخليقة وتشكل حجة عليها.

ج) تمنح الحكومة الإسلامية المؤمنين في إطارها، فرصة شرف العمل لله، والالتزام بأحكام الإسلام، والتقيد بحدود الله تعالى بشكل عملي، يساهم في مضاعفة أجرهم، وبناء أنفسهم، وتعميق شعورهم بأصالتهم وهويتهم، وانتمائهم إلى رب البرية، وأما في خارج إطارها فتدفع عنهم (المؤمنين) شعور اليأس والإحباط والهامشية..

د) توجه الحكومة الإسلامية الإنسان إلى نفسه، وتعرفه عليها، وتبين قيمته الحقيقية، وتضع المواهب الطبيعية في خدمته ليتمكن من استثمارها على النحو الأفضل، وليتحرك في المسار الإنساني بشكل أسرع وأدق وأصح(10). أي توفر له الشروط الموضوعية على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي لتجسيد خلافة الإنسان في الأرض، وربط شرع الله مع حركة الإنسان ومع حركة التاريخ(11).

بقي أن نشير في الختام إلى أن وظائف الدولة كالصحة والتعليم والأمن وتوفير وسائل التقنية والترفيه... الخ. ليست هي وظائف الدولة الإسلامية فحسب، وإنما هي وظائف ومهام كل دولة، أو على الأقل شعارات كل دولة، ولكن ما يميز وظائف الدولة الإسلامية عن غيرها من الدول هو أن هذه الوظائف ليست أهدافاً مستقلة بذاتها، وإنما هي وسائل ومقدمات لخدمة الهدف الأسمى، وهو تهيئة الأرضية العامة والشروط الموضوعية للإنسان كي يواصل كدحه إلى ربه؛ يقول عز من قائل: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه).. والحمد لله رب العالمين.

الهـــوامـــش:

(1) سورة يونس: آية 19.

(2) علم السياسة: ترجمة أحمد لطفي، ص 96.

(3) سورة سبأ: آية 34.

(4) جعفر السبحاني: مفاهيم القرآن في معالم الحكومة الإسلامية، ج2، ص 16.

(5) آية الله العظمى الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة، ج1، ص 162.

(6) نقد السياسة - الدين والدولة - برهان غليون - ص 405.

(7) المصدر السابق: ص 424.

(8) المصدر نفسه: ص 425.

(9) نفس المصدر: ونفس الصفحة.

(10) مقالات المؤتمر الثالث للفكر الإسلامي: حجة الإسلام الشيخ محمد يزدي، ص 74.

(11) خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء: الشهيد محمد باقر الصدر، ص 16.