nba

 

   في فكر الإمام الشيرازي..

تأصيلات في المجتمع المدني 

إسلامية العدالة الاجتماعية..

أحمد البدوي

تخوض الأمم بدخولها التمدّن مخاضات إيديولوجية، تصعّد من مستوى سبرها التنظيري، بما تلقيه أمامها الحالة المدنية (في صورتها الحديثة) من إشكاليات.. تفرض على الوجهة العقائدية المتبوعة (كرؤية كونية) لذلك المجتمع أن توائم بين الإشكاليات في قنوات المدنية ومؤسساتها وبين تلك الوجهة العقائدية..

المعروف أن الإنسان واجتماعه في قدمه وتاريخه السحيق - قبل نشوء المجتمع المدني الحديث إبان الثورة الصناعية، أي بعد عصر النهضة بقليل، مع رؤى وأطروحات هوبنز وروسو ومونتسيكو - كان يتعامل مع شكل بسيط من التعقيدات المعروفة الآن بما يصطلح عليها مالك بن نبي وعلماء اجتماع حضاري آخرون بـ(شبكة العلاقات الاجتماعية)(1). أفرز هذه التعقيدات النظام المؤسسي بكافة أشكاله داخل جهاز المجتمع المدني، والتي أججها التقدم التكنولوجي بطبيعة الحال - (لذلك أكدنا سلفاً على نشوء المدنية إبان الثورة الصناعية وليس مع عصر النهضة مباشرة) - لذا طرحت إيديولوجيات وأفكار ورؤى كثيرة، لتوجيه هذه التعقيدات التي لاحت المجتمع مع نشوئه، كي توائمها (التعقيدات) مع التقدم الآلي المادي، وما زالت هذه الأطروحات في انكسار وتوجيه، وانهيار وتعديل(2) حتى بلغت المفكرين الذين أعادوا تفكيرهم ومسكتهم تحولات إيديولوجية من منطلق ما يسمى بعصر اليأس من الأطروحات.

كما أن رجوح الانهيار بدأ واضحاً، سيما باعترافات نخبهم المتأخرة والمتقدمة.. إبان النشوء الأول، فدخول المجتمع المدني مع جان جاك روسو.. وحادثة الشجرة ومسابقة ديوجين، التي اشترك بها (روسو) وفاز بها.. كانت تنصب على استفهام: هل أخذ التقدم المدني بالإنسان إلى حقيقته.. إلى السعادة أم ماذا؟ وكانت أطروحة روسو تذهب إلى عكس هذا، وسببه هو ضياع الأطروحة الصحيحة التي توائم بين الإنسان كوجود روحي وبين حركة المجتمع المدني بمفاصله المادية. ومع التقدم والتكنولوجيا (محدثة هذه المدنية بآلتها)، ونشوء المجتمع المدني وتمركزه في حركة الحياة.. لا بد للإسلام كمنظومة وأيديولجيا اجتماعية من تغطية أي حداثة وتمدّن وشكل حضاري، بل أي مسألة تلوح الإنسان في تاريخه. لا سيما المشكلة الاجتماعية، باعتبارها المركز لكل مشكلة.. لذلك كان المحور في المقصد القرآني.. هو المقصد الاجتماعي.. بل الدين الإسلامي هو إيديولوجيا اجتماعية، ومن هنا بدأت تأصيلات مجتهدي الفكر الإسلامي ومفكريه.. بعرض نقاط قرآنية مضيئة في مناهل هذا التمدن، سيما في مسائل عمومية، كالحق والالتزام (في المصطلح الحقوقي) والملكية والحريات العامة وحقوق الإنسان والأخلاق بالذات.

قد لا يجد أحدهم اتساقاً للأخلاق مع المفاهيم المدنية.. إلا أن أكثر الأطروحات المتحولة أنصبت على ذلك (البعد الأخلاقي)، سيما مع ألبرت شفايستر مع عنوان كتابه الرائج (الحضارة والأخلاق) الذي ربط فيه الحضارة الغربية الراهنة في سقوطها مع موقفها الأخلاقي(3)، كذلك شبلنجر وكتابه (أفول الغرب)، وكلمات برناردشو والدور الإسلامي وعودة مركزيته من جديد، لعدم جدوى ما يقدمه الغرب في تقدمه المزيف على حساب الأخلاق، ومقولات برتراند راسل في انحسار دور الرجل الأبيض. وتوينبي، وغارودي.

من هنا ندخل إلى الموضوع الأهم في المجتمع المدني.. وهو مفهوم (العدالة الاجتماعية) بما يمتلكه هذه المفصل من مركز موجه يتصدر باقي المفاصل في حركته وأثره.. ومن هنا نفهم لماذا (العدل) كان أصلاً من أصول الدين في مجاورته إلى أصل التوحيد بل غالباً ما ينعت به المذهب الإمامي - وهو يجرنا إلى موضوع الحسن والقبح الذاتيين وهو بعيد عن موضوع بحثنا - لإيمانهم بالعدل التكويني الذي يفرز العدل التشريعي توالداً.. من صفة الله سبحانه وتعالى.. (العدل) بالمصدر وليس باسم الفاعل؛ إشارة ولو من بعد إلى أن الصفات عين الذات، وليست عارضاً طارئاً (وهو بحث كلامي له مضانّه).

الإمام الشيرازي.. ومدرسته الاجتماعية:

الإمام الشيرازي (السيد محمد مهدي) منذ بداياته.. وهو خائض مخاضات العصر ميدانياً (ويمكن الرجوع في ذلك إلى كتابه: تلك الأيام) وهذا يحوي لديه (فقه الواقع) وتحريراً قلمياً في كتاباته التي ما أبقت في القوس منزعاً.. من منطلق احتواء مفاصل الحياة وما يدور في اجتماع أنفاسها، احتواءً قرآنياً. أمّا هذا المدار (العدالة الاجتماعية) فلقد عالجه في أغلب عناوينه وتصنيفاته، سيما في كتابه (الدولة الإسلامية)(4) باعتبار الدولة الإسلامية الإطار الأكبر للمجتمع، بما تكون دفته في حوزة يد الدولة وإرادتها.. في أنساقها القانونية التي تحدد مفاصل المجتمع، عدلاً وظلماً.

يبدأ الإمام مع أسّ معرفي في كيان الإنسان، كعنصر أولي.. لمركب اجتماعي، هذا الأس هو (الحاجة) بما يترتب على ذلك من تدافع اجتماعي في (الأخذ والعطاء) للحاجة وهو مدخل منهجي بلا شك.. كون العدالة وأضدادها.. تترتب على وجود وعدم الحاجة وقدرها ومكانها.. بما يرافق ذلك من مفاهيم المساواة والكفاءة، والانتشال أو الإنقاذ أو التلبية الذي يفرضه مفهوم الالتزام.

ما هي الحاجات الأولية.. لتجذّر الإشكالية؟ يرى الإمام الشيرازي أن الحاجات الأولية للإنسان هي: المأكل (وما أدراك ما فلسفة الخبز)، والمشرب، والمسكن، والملبس، والزواج، والمركب، والعمل في قبال البطالة، والعلم، والصحة، والأمن، والحرية، والعدالة (هنا يريدها الإمام بالمعنى الأخص في القانون القضائي وليس بالمعنى الذي تناولته المقالة)، والمساواة في مورد التساوي (هنا القيد توضيحي حسب الاصطلاح، بما سيناقشه الإمام لاحقاً في كتابه، في فلسفة المساواة والكفاءة، فهل العدل هو المساواة دائماً، أم إن المساواة يؤصل لها جذرياً في العدل - وهو الأصح - فالعدل حاكم وموجه معرفي لمفهوم المساواة.. لذلك قيد الإمام).. وهذا التساوي في مورد المساواة يكون في العبادات، والمعاملات، والأحكام؛ كالإرث، والنكاح، والطلاق، والديات، والأمور السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، وغيرها، ثم يعرض إشكالات العالم المعاصر.. في ترجيح لغة على لغة، أو عنصر على عنصر، أو لون على لون، أو كون الإنسان من أهل جغرافيا خاصة على آخر من جغرافيا أخرى وغير ذلك(5). ونرى بوضوح في ذيل رؤيته ما تميز به الإمام الشيرازي عن أغلب العلماء.. في تأكيده على التمييز الذي وقع به قسم من الإسلاميين المعروفين ليتحول إلى إسلام أشبه بالقومي!!..

يعالج الإمام في سياق ذلك إشكالية (تكافؤ الفرص) التي تعترض المساواة في البعد الثاني.. باعتبارها تعالج من بعدين، بعد يتوائم مع المساواة.. وذلك حسبما يرى في ثلاثية مهمة وهي (البقاء، النمو، التقدم)(6)، فالبقاء دون نمو وتقدم لا شيء بحيث ندخل على أساس البقاء فقط في نطاق (من تساوى يوماه فهو مغبون) - قد لا يشير الإمام إلى الحديث، كون بحثه مضغوطاً (في منحاه الاستدلالي) ويحتاج إلى من يلمح لأفكاره وخلفياتها بين ثنايا السطور، ولعلنا نقوم بشيء من ذلك - إذاً فالتكافؤ في الفرص من أولويات العدل الاجتماعي في الإسلام، بحيث لا يجوز أن توفر الدولة فرصة للتعليم أو الوصول إلى الحكم أو الثروة لبعض دون آخر، مثلاً: الغني يتمكن من نيل الدراسة العليا دون الفقير، أو بعضهم يتمكن من الوصول إلى الحكم دون بعض، أو البعض يتمكن من السعي للحصول على الثروة دون بعض(7).

ويسبر الإمام هذه الموجة (تكافؤ الفرص)، فلا يعطيها إطلاقاً، لما يفرض عليه المنهج الاجتهادي مراقبة ذلك في الملاك.. فهو يجد بعض المواضع لا تكافؤ في فرصها، بل من العدل الاجتماعي عدم تكافئها، وذلك (في واجد الشرط وفاقده)(8) ويوضح الأمر، سبراً وتعميماً، والعقل عموماً يقول في حجية مساره، مثلاً يحق جعل القانون لاشتراط المنصب بالعلم والعدالة سواء كان الجاهل مثلاً بسبب نفسه أو بسبب غيره، كالظالم المانع له عن الدراسة، أما في الأول فواضح أن من سبّب تأخر نفسه لا يحق له تمنّي مقام الذي قدّم نفسه بالعلم والفضيلة، وما أشبه ذلك، وأما الثاني فلأن المتأخر وإن لم يكن تأخره بسبب نفسه إلا أن احتياج المقام إلى المؤهلات الخاصة يقف دون فاقدها، فهل يصح أن يراجع غير الطبيب (وهي سيرة عقلائية) لشفاء المرض كما يراجع الطبيب بحجة أن غير الطبيب إنما يصل إلى علم الطب بسبب ظالم منعه عن العلم، وكذلك الحال في الناقص كالأعمى لا يصلح لأن يكون كاتباً في مرافق الدولة، سواء أأعمى نفسه عامداً أو أعماه غيره(9).

إذن هناك حاجات أولية وثانوية للإنسان حسب ارتباطها مع وجوده وحركته في الحياة نسبة لها، وكلا الأمرين (لدى الإمام) واجب على الدولة القيام بهما، وواضح لدى المطلع أن الأوليات تتناول الضروريات التي تؤطر مفهوم (البقاء) وتنعشه والثانويات هي كما في حاجيات النمو والتقدم، بل أحياناً تأخذ بعداً لحاجة أولية، وذلك حسب أهداف الإنسان وأولوياته، كالذي تكون الحيلولة بينه وبين مقصده في تقدم معنوي ما، شأنها شأن الموت من الجوع وفقدان الأمن.

من العدالة لدى الإمام الشيرازي، مراعاة غير المسلم، كما يجب عليها (الحكومة) مراعاة المسلم، ويعود فيجذّر لرؤيته مع ثلاث روايات شريفة، منها قول الإمام علي (ع) بالنسبة للنصراني المتكفف: (ما أنصفتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه)، وهنا يأتي ملمح فاضح للدولة العلمانية بما أنها ذات شعارات براقة في احترام حقوق الإنسان، إلا أنها سادرة في غيّها في تقديمها أهل الوطن على غيرهم(10).

كما أن الإمام لا يرى فيما أسلف ملزماً للحكومة فقط، بل هو لازم على الأفراد والمنظمات وما أشبه.. إلا أنه يوجد الفارق بينهما في وجوب التهيئة(11).. تهيئة تلك الأمور وقدرها، ويعود فيعطي خطوطاً عامة لهذه الحقوق والحريات العامة، بالنص المشهور، الذي غالباً ما يرافق السيد الشيرازي في مباحثه وهو ما يدل على قربه الروحي من الإمام علي (ع) وعلى تعظيمه لحرية الإنسان وحقّه، سيما بما يملكه هذا النص في البعد الاجتماعي، في مسألة الحق الإنساني، من دلالة كبيرة وهو نص ما يسمى في علم القواعد الفقهية بقاعدة السلطنة: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) كذلك رجوعه إلى دليل العسر والحرج، حيث رفعهما الشارع عن المكلف لكونهما يتنافيان مع أصل العدالة وعدالة الدين الإسلامي.

قانون الالتزام والضرائب المالية:

في العدالة الاجتماعية - اقتصادياً - يتناول الإمام (الجمارك (ص28)، البنك اللاربوي (ص33) الضرائب المالية (ص35)، دعم الصندوق الاجتماعي (ص41)، الخدمات الرفاهية العامة (ص49)، حق الأجير (ص130)، حقوق العامل والفلاح(ص141) ).

الضريبة المالية على الناس، لا تأخذ بعداً ضررياً، لفلسفتها وموضع تقنينها، فهي لا تخرج من فقير بل تصب إليه، وفي ذاتها نجدها قناة تكامل داخل المجتمع لحمايته من عوارض تأخذ به جميعاً إلى الهاوية، كما أنها لا تذهب إلى يد الحكومة إلا وسيلةً كما مع ضرائب الجهاد.

الضرائب في المجتمع الإسلامي منحصرة في الزكاة والخمس والجزية والخراج، وقد يطرأ هناك طارئ استثنائي، كالحرب والجهاد، فهنا المال واجب، ولا يقصرها الإمام على الحرب الدفاعية بل يتعداها إلى الحرب التحررية الهجومية(12) ويستند في ذلك إلى أدلة رفع المنكر ودفعه؛ والحرب تندرج كمصداق واضح تحت دفع المنكر ورفعه، كما أن الالتزام الاجتماعي بمفهومه الحقوقي يفرض ذلك عقلاً.. في ملاكية الضرر اللاحق جراء العدوان بالمجتمع مادياً ومعنوياً، في كرامة الإنسان والمعتقد الذي يحمله، على أن هذا الالتزام (الضريبة الحربية) يرتفع مع وجود فائض في خزينة بيت المال.

الحماية الاقتصادية للمجتمع:

كما أن من العدالة الاجتماعية في الإسلام سد معوزة الفقراء لتلك الحاجات الأولية والثانوية، بما تحمله إليهم أموال بيت المال، الذي عادة ما يوصف بأنه مال الله للناس.. أو مباشرة أنه مال الناس، أي إنه سينفرز هناك وضع اجتماعي، هو ما يسمى بالتكافل الاجتماعي، بمحاولة أشبه بالمثال الفيزيائي (الأواني المستطرقة) إلى حد ما. وبالتالي يتوجه العدل ويجد مجاله.. ويؤصّل الإمام الشيرازي على روايات جمّة أبرز نصوصها وسياقاتها: (إن الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم (لتحقيق العدل) لزاد.. ) إذ إنّ في هذا القدر المرسوم في التكليف الشرعي تتحقق على نواصبه المصلحة في إطار العدل الاجتماعي(13) كذلك اتكاؤه (الإمام) على النص (لو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم (بالمعنى الأعم للزكاة) ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله له)، و(إن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء) كذلك: (إن الله عزّ وجلّ فرض على أغنياء الناس في أموالهم قدر الذي يسع فقراءهم، فإن ضاع الفقير أو أجهد أو عري فبما يمنع الغني. وإن الله محاسب الأغنياء في ذلك يوم القيامة ومعذبهم عذاباً أليما) (14). والنص ظاهر لا إجمال فيه سيما في السياق الإخباري بالحساب والعذاب.. في أن المسألة تفوق التكليف بالضرائب المعروفة، وإنما وجود الفقير مع الغنى الفاحش لأطراف أخرى، يوجب على الغني ردم حاجة الفقير وبالتأكيد هذا على فرض الكفاية (وجوب كفائي لا عيني).

كما أن من العدالة الاجتماعية بما أسلفناه.. في مضمار فلسفة (الحاجة) أن الأمن كان من العناوين الأولية لذلك؛ فإذا تحوّل هذا الجهاز الحكومي، إلى جهاز رعب بالمعنى المضاد (للأمن)، فلا حاجة إلى النظر في خروجه عن نطاق العدالة الاجتماعية، ويستشهد الإمام بأجهزة عصرية مخابراتية وبالأرقام والتاريخ الحقبي لها، بما يدل على منهج الإمام الشيرازي في وضع (إراءة) الواقع داخل منهجه أي بما يسمى (فقه الواقع) إلى جنب النص والعقل.

في حق الملكية يتناول الإمام مسألة الأرض وإشكاليتها القانونية الملحّة (بما تتنازعه الأطروحات الوضعية). ويرجع إلى جذورها وأعماقها المعرفية فقهياً، إضافة إلى تحليلية في فكرة الطبيعة وعلاقتها للتسخير مع الإنسان، فالخالق جل وعلا جعل الماء والهواء والشمس والأرض ونموها لاستفادة البشر، وكلها مجانية في منطق الإسلام(15). أمّا تقنين وجهها المالي، بنحو تبرير عنوانها الثانوي، فباعتبار مجانيتها في عنوانها الأولي، فالمال يؤخذ من أجلها بقيد إذا عمل إنسان عليها.. فمن يمنح ماءاً من بئر للناس، يأخذ أجرة المنح (الوسيلة وجهدها)، أو جعل الهواء ذا فائدة مدنية، بوسيلة يمتلكها، يأخذ أجره على ذلك، كمن يملأ إطار سيارة ما هواءً(16)، وهكذا فملاك العنوان الثانوي، والأجرة المترتبة به، هو الجهد البدني أو الآلي المملوك.

أما الأرض، فالعدل الاجتماعي في الإسلام.. يمنحها لمن أحياها وأيضاً يعود الإمام الشيرازي إلى رواية الإمام المعصوم (ع): (وأيما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحق بها).

وضمن قاعدة الحيازة.. (من أحاط حائطاً على أرض فهي له). و(من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحق به) (17). وهذا بالتأكيد توجيه لعملية الإحياء حتى لا تبقى في هرج ومرج لتفرز ظلماً اجتماعياً في عملية تسابق سلبي للحيازة.. كما أنه ليس الأمر مطلقاً في الامتلاك، فالامتلاك الفاحش لا وجود له في بعد الأرض وملكيتها، فإذا كانت - كما يقول الإمام الشيرازي - هناك أرض بقدر ألف جريب (مقياس مساحة) وكان هناك ألف عائلة تحتاج كل واحدة إلى جريب، فلا حق لعائلة من تلك العوائل أن تأخذ أكثر من جريب واحد.

ويخلص الإمام - مقارنة بالعقل الوضعي وقانونه غربياً وشرقياً - إلى أنه:

أولاً: لا ملكية للدولة في الأرض.

ثانياً: لا تحدد الدولة مقدار العمران وكيفيته (إلا مع المصلحة).

ثالثاً: لا ضريبة على الأراضي المعمورة.

رابعاً: لا تحديد لملكية الأرض، لعرق دون آخر، أو مواطن دون أجنبي..إلى غيرك ذلك، من التمييزات المشهورة في عالمنا المعاصر.

الهـــوامـــش:

(1) أنظر، بن نبي، مالك، ميلاد مجتمع، ترجمة عبد الصبور شاهين، دمشق، دار الفكر، ط3، 1986م.

(2) هذا سيوجه فكرة اليأس من الأطروحات إلى مدار.. التوجه العالمي وقت خروج الإمام صاحب الزمان (عج) حينما تيأس الأمم من كل العلاجات المعرفية اجتماعياً.

(3) أنظر، شرارة، عبد اللطيف، الفكر التاريخي في الإسلام، بيروت دار الأندلس، ط2، 1983م، ص90، نقلاً عن:

C: r: l: zat: on and Eth: cs, by Albert Schw: tzer, unwin books, london. 1961.

(4) صادر عن دار العلوم، بيروت، ضمن موسوعة الفقه للإمام الشيرازي ط1، 1989م.

(5) الإمام الشيرازي، المصدر السابق، ص6.

(6) ن. م. ص7.

(7) ن. م. ص7.

(8) ن. م. ص7.

(9) ن. م. ص7 - 8.

(10) ن. م. ص9.

(11) ن. م. ص9.

(12) ن. م. ص35.

(13) ن. م. ص37.

(14) ن. م. ص38.

(15) ن. م. ص60.

(16) ن. م. ص60.

(17) للمزيد من الدلالة في المسألة، يرجع إلى الروايات التي أوردها الإمام الشيرازي في كتابه، ن. م. ص60 - 61 - 62.

(18) ن. م. ص63.