nba

 

حصاد الأفكار في شهر

منتخبات مما ينشر في الصحف والمجلات من رؤى وأفكار تسهم في عملية تفعيل الوعي الإنساني

الموضوعية والذاتية في الكتابة التاريخية المعاصرة

(جدلية العلاقة بين الموضوعية والذاتية في الكتابة التاريخية)

إن تناول هذا الموضوع بالدراسة يتسم بالدقة والأهمية فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية بصورة عامة، وعلم التاريخ على وجه الخصوص، ويتعلق الأمر بعنصرين أساسيين: الأول، الباحث ومدى ذاتيته وهو يتعامل مع البحث، والثاني، الموضوع المبحوث وطبيعته، ومدى الموضوعية في تناوله.

وفيما يتعلق بالباحث، تنشأ الصعاب عند تأثره بالعوامل التي تحرف حكمه على الواقع وتعوق قدرته على استخلاص النتائج من البيانات والشواهد المتاحة لديه، فمن أيسر ضروب النقد الموجه إلى قضايا ونظريات العلوم الإنسانية القول بأن الباحث على الرغم من اعتقاده المخلص فيما يقدمه فإنه قد لا يملك حكماً سليماً على الأمور، ويكون عرضة للقفز إلى النتائج التي لا تسوغها بيانات أو معلومات كافية، أو القول دون أن نشك في قدرة الباحث على استخلاص النتائج الصحيحة إنه لم تتيسر له بعض البيانات المهمة، أو أن حكمه يمكن أن يقلل من شأنه وقيمته، وتحيزه وتعاطفه الخاص، بسبب تنشئته الاجتماعية أو موقفه السياسي أو غير ذلك من الحجج..

لكن ما هي الموضوعية؟..

الموضوعية العلمية موقف وحكم، ولا يمكن أن تكون امتناعاً عن اتخاذ موقف، أو توقفاً عن إصدار حكم، فالحكم الموضوعي حكم التزم بالموضوع المحكوم عليه، وهو يعني تقدير مدى قربه من أصله ومادته أي الموضوع. وهذا التقدير يمتد إلى محور يجمع في علاقة وثيقة بين الذات (الباحث) وبين محتوى حكمه (موضوع الدراسة).

إن طلب الحقيقة التي يتقيد بها المنهج التاريخي يفرض أول ما يفرض التخلي عن المشاعر والنزعات الشخصية أو التأثر السياسي، والتقيد بأقصى ما يمكن من الموضوعية، لكن إن صح ذلك أو سهل شأنه في العلوم الطبيعية والبحتة فهل يصح أو يسهل في التاريخ الذي يرتبط بأعمق الأحاسيس الفردية والاجتماعية وإذا افترضنا أن المؤرخ قد حاول جهده للتخلص من كل هوى، وتجرّد عن كل تحيز، فهل هو آلة تسجيل فحسب، ينصب على الوثيقة، ويقصر همه على استخراج ما تحتويه من وقائع، ودلالاتها؟ أليس ثمة تفاعل واع أو غير واع بينه وبين الأثر التاريخي والحقيقة أو المعلومة التي تناولتها الوثيقة؟ ثم إن الحقائق التي يكتشفها عديدة متوافرة فهل يحتويها كلها، أم يهمل بعضها، وهل جميعها على مستوى واحد من الأهمية، وهل يبدأ المؤرخ بفكرة مسبقة عن حركة التاريخ في الفترة والحالة التي يبحثها أم إنه يستخرج الفكرة من الحدث ذاته؟.

مدى الموضوعية في الكتابة التاريخية المعاصرة..

يرى البعض أن المؤرخ أشبه بالقاضي الذي يصدر حكماً فلا ينحاز ولا يتعصب ولا يمالئ ولا يتحامل أو يتحايل في أحكامه. ومن حق الماضين علينا أن ننقل أفكارهم وأعمالهم كما فهمومها وطبقوها، لكن من حقنا كذلك أن نختار منها ما هو مهم أولاً، ثم نفسرها دون عبث بالتاريخ يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالكتابة التاريخية.

إن بعض مؤرخينا ماضويون أكثر من الذين صنعوا الحدث التاريخي أو عاشوه في الماضي بمعنى أنهم يسترجعون الماضي، ويريدون نقله وتقليده في الحاضر، وهم بذلك يدفعون باتجاه سيطرة الماضي على الحاضر، ذلك يفسر لنا ظاهرة الإغراق في الذاتية على حساب الموضوعية، فالتاريخ علم المتغيرات، وهناك مستجدات في حركة التطور التاريخي، ومهمة المؤرخ لا تقف عند حدود الرصد والنقل والتسجيل والفهم الذاتي لها، وإنما تقف عند الظواهر والتحولات التاريخية بعقلية علمية تغلّب الموضوعية على الذاتية.

نعم؛ هناك المسكوت عنه في التاريخ، وإن صياغة العبارة بهذه الصورة توحي بأن ثمة أمراً قسرياً قد حدث ليفرض إهمال أو تغييب وقائع تاريخية لأسباب تتدخل فيها العوامل الذاتية، وربما نسمع أو نقرأ في يوم من الأيام عن أطروحات للدكتوراه تتناول موضوعات من المسكوت عنها في تاريخ بلد أو أكثر من البلدان، ونكتشف أن ذلك المسكوت عنه هو التاريخ الحقيقي، وإن الذي نكتبه ما هو إلا دوران حول الحقائق أو على هامشها.. الأدهى والأمرّ من ذلك هو عملية تزييف التاريخ التي يلجأ إليها البعض عند ممارسته الكتابة التاريخية.

قد تخرج الكتابة التاريخية عن الموضوعية إذا حاول أحد المؤرخين أن يفرض مذهباً معيناً لتفسير التاريخ مادياً أو فكرياً أو طبقياً أو دينياً لمجرد أنه يميل إليه بسبب انتمائه، وبذلك تتراجع الموضوعية.

إن أخطر أمر يواجه الكتابة التاريخية هو التحيز في البحث عن وثائق لتؤكد حكماً مسبقاً على الأحداث، وفي الغالب هذا النهج لا يهدف الوصول إلى الحقيقة التاريخية بقدر ما يعمل على تزييف التاريخ، لذا نسمع بين الحين والآخر مقولة إعادة كتابة التاريخ لهذا البلد أو ذاك، وهي في حقيقة الأمر إعادة قراءة وثائق هذا البلد أو ذاك، والبحث عن المسكوت عنه في التاريخ.

د. عبد المالك التميمي: عالم الفكر العدد4 المجلد 29

هجرة الأدمغة العربية.. ظاهرة اجتماعية

أصبح من الضروري في دراسة ظاهرة هجرة الأدمغة العربية أن نذهب أبعد من التعرض للجوانب الديمغرافية وتعداد عوامل الطرد والجذب وراء هذه الظاهرة، لابد لنا - بعد الانشغال شبه الكلي حتى الآن وخلال العقود الأخيرة بدراسة الجوانب الإحصائية - أن نعيد النظر بالمقولات التي توصّلنا إليها فنركّز بدلاً من ذلك على تحليل هذه الظاهرة وفهمها في أبعاد الموضوعية والذاتية كافة، ونبحث بضوء الواقع الراهن الذي نعيشه ليس فقط بسلبياته بل بإيجابياته أيضاً من حيث أهمية التفاعل الحضاري وما يرافقه من علاقة بين الإبداع والنفي.

1- أسباب هجرة الأدمغة:

إن الإنسان في المجتمع العربي عاجز عن تحقيق طموحاته والتأثير بالأحداث التي تصنع مصيره فتسيطر عليه مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وتستخدمه لمصالحها الخاصة بدلاً من أن تعمل على خدمته وتنمية مواهبه الإبداعية. بهذا يشعر المواطن العربي أنه لا يعمل من أجل نفسه ولا حتى من أجل المجتمع بل في خدمة أصحاب المصالح الخاصة على حساب الوطن والإنسان.

ركّز عاطف قبرصي على العوامل الاقتصادية كسبب أساسي من أسباب هجرة الكفاءات، وهي أوضاع اقتصادية محصلة لمرور فترة طويلة على إخضاع الوطن العربي لسيطرة النظام الرأسمالي الغربي وعلى بروز آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية مهمة أدت إلى تفكك وتحلل العلاقات بين مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني في الدول التي خضعت للسيطرة الأجنبية، وعلى ارتباط هذه الأقطار بعلاقات غير متكافئة مع الدول المسيطرة، وللتحرر من هذا الوضع يدعو قبرصي إلى فكّ الارتباط مع الغرب وإعادة تكوين اللحمة بين العرب أنفسهم، ثم بينهم وبين العالم الثالث، ويوضح أن فك الارتباط هذا لا يعني نبذ كل ما له علاقة بالغرب، بل إنه يعني الخروج من النظام السائد المعطل للإرادة العربية.

هل تتم الهجرة لظروف شخصية ومادية فحسب؟ أم أن النظام السائد - بما فيه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أيضاً - هو السبب الرئيسي وراء الهجرة؟ فهناك عمليات الطرد وعمليات الجذب.

البلدان العربية تطرد علماءها ومفكريها بعدم تغيير الأوضاع القائمة، بعدم إنشاء الجامعات ومراكز الأبحاث وتخصيص الأموال للبحث العلمي والفكري، وبعدم تأمين العمل والحريات الضرورية. هناك اضطهاد للعلماء وإنني مقتنع بأن البلدان العربية لا تكتفي بعدم توفير الظروف والأوضاع الضرورية للحد من الهجرة، بل إنها لا تسمح لمن يُصرّون على البقاء بممارسة البحث العلمي والفكري الحر، وقد تبيّن من أبحاث ندوة (أكوا) حول هجرة الكفاءات العربية عام 1981م، أن كليات الطب في الجامعات العربية والجامعات الأجنبية في البلدان العربية كلبنان تهيّئ خريجيها للهجرة أكثر مما تهيّئهم للعمل في الوطن، وما قيل عن الطب يمكن أن يقال عن الهندسة والعلوم الطبيعية والاجتماعية.

2- الدول العربية هي الأكثر تأثراً بالهجرة من سواها؛ لماذا؟

لا تتساوى البلدان العربية من حيث دوافع الطرد والجذب وإن تساوت من حيث نزوعها الاستبدادي، هناك بعض الدول العربية التي تنهج سياسة تقوم على الاستفادة المادية من الهجرة ومنها بشكل خاص مصر ولبنان والأردن والمغرب والجزائر وتونس ويرافق ذلك سياسة غير معلنة تعتبر أن هجرة الشباب العاطل عن العمل قد تكون أفضل من بقائهم من دون عمل في بلدانهم ما قد يؤدي إلى حدوث شغب وعدم استقرار، ثم أن هناك البلدان المنتجة للنفط التي جذبت الكثير من أصحاب الكفاءات في مجالات مختلفة وما تزال تشكل مورداً هاماً في التخفيف من مشكلات البلدان العربية غير القادرة على توظيف كفاءات مواطنيها الشباب والاستفادة منها، في مثل هذا السياق نستطيع أن نتفهّم هجرة العمالة من مصر ولبنان والأردن والسودان وفلسطين وسوريا واليمن إلى البلدان المنتجة للنفط التي كوّنت لنفسها سياسة واضحة في التعامل مع العمال الأجانب تجنباً للنتائج التي قد لا ترضيها.

وفي هذا المجال نشير إلى أن هجرة العمال من البلدان العربية غير المنتجة للنفط أحدثت تغييرات واسعة ومتنوعة في كل من البلدان المصدرة والبلدان المستوردة، وبعض هذه التغيرات جاءت إيجابية في بعض المجالات وسلبية في مجالات أخرى لكل من هذه البلدان، ما شجع البلدان النفطية على أن تزداد اتكالية على العمالة المستوردة من بلدان آسيوية على حساب البلدان العربية التي تعاني خسارة عمالها المهرة خاصة في المجالات الحرفية والتقنية والمهنية ومن تأثيرات أخرى في أوضاع العائلة. كذلك لابد من الاهتمام بهجرة العمالة من المغرب العربي الكبير إلى أوربا وما ينشأ عنها من مشكلات اجتماعية ونفسية.

3- الخسائر العلمية والاقتصادية والإنمائية:

نعرف أهمية الاحتفاظ بالكفاءات العلمية خاصة في أزمنة الحاجة الماسة للعمل التنموي الشامل والمستديم، ولكننا نعرف أيضاً أن المجتمع قد لا يستفيد كثيراً من هذه الكفاءات، بل قد يعطّلها، ما لم تكن هناك إرادة وتخطيط استراتيجي لحصول تغيير تجاوزي، ليس هناك من سياسات في التعامل مع مسألة هجرة الأدمغة، بل ليس من الواضح إن كان للحكومات العربية سياسة حول مسألة هجرة الأدمغة، هناك دعوة للعودة في الخطب لا في المخططات، ولكن ليس من جهد لخلق الظروف لتشجيع العودة.

إن أصحاب الكفاءات يشعرون بأنهم عاجزون كما سبق القول عن بذل قدراتهم في خدمة التطور، وقد عاد البعض إلى الوطن، إنما لفترة عادوا بعدها إلى المنفى، ويزداد هذا الإحساس خاصة عندما ننظر في أهمية العلاقة بين الاحتفاظ بالكفاءات البشرية والأمن القومي والتطور التقاني في عصر العولمة. إن الانترنيت والثورة التقانية وقيام حضارة ما بعد الحداثة تجتذب الكفاءات من مختلف المجتمعات بما فيها أوربا، ونتوقع أن تجتذب مزيداً من الكفاءات العربية، خاصة إذا ما استمرّ انعدام وجود جامعات ومراكز أبحاث تستقطب العلماء وتوفّر لهم المناخ الضروري للبحث والإبداع.

إن الأقطار العربية غير معنية باتخاذ الإجراءات الضرورية للحد من هجرة الأدمغة؛ وهي غير معنية حتى بالبحث في ماهية السبل الكفيلة باستعادة الكفاءات العلمية المهاجرة. إن الكفاءات التي ما تزال في بلدانها تشعر أن الفرصة غير متوفرة أمامها وإن الأجواء السائدة تعطل ما تملكه من كفاءات، ومن ناحية أخرى فإن العيش في الوطن يتطلب امتثالاً أو على الأقل مراعاة للثقافة السائدة ومركزية السلطة السياسية - الاجتماعية - الثقافية مجتمعة. ما يزال تعدد الأصوات غير مقبول في الوطن العربي والاختلاف ليس حقاً بل نشوزاً، وفسحة التحرك محدودة، والإبداع بدعة، والانتماء ذو بُعدٍ واحد، لذلك لا أعرف حقاً أيهما أشد قسوة: المنفى أو الوطن؟!.

حليم بركات: المستقبل العربي العدد 260

الإدمان على مورفين القوة

يذكر (تنرفنيان تودوروف) في كتابه (اكتشاف أمريكا) مذبحة مروعة حدثت في (كاناو) في كوبا عندما بدأ الأسبان في اجتياح أمريكا..

هذه القصة هي لون آخر من ألوان السادية التي ينخرط فيها الناس تحت عوامل سيكولوجية شتى ليس أقلها الشعور بأن (الآخر) لا يساوي شيئاً أكثر من تجربة تافهة، في ظل بعد عن العيون، واختفاء عنصر المساءلة والردع، وزهو القوة بامتلاك السلاح..

منذ الستينات يتناقش علماء النفس عن هذا اللون من الانحراف وكيف يحصل؟ وما هي العناصر التي تتفاعل لتوليده؟ لقد ذهل العالِم (النفسي الاجتماعي) الأمريكي (فيليب زيمباردو) من تحول الناس العاديين في ألمانيا النازية إلى قتلة ساديين وعندما كانوا يُسألون كيف فعلتم ما فعلتم؟ كان جوابهم بكل بساطة: هكذا كانت الأمور ولم يكن علينا سوى تنفيذها..

أحقاً كانت الأوامر فقط أم كان مرض (امتلاك القوة) عندما يسقط البعض ويعتلي ناصية أقدارهم آخرون؟ هل القسوة والسادية سببها (خلل جيني) أم خليطة كيماوية من (تفاعل التربية والوسط الاجتماعي؟)..

لماذا تحدث كل هذه الوحشية في السجون والحروب الأهلية؟ لماذا ينزل جندي إلى قبو لجأت إليه خمسون امرأة يحتمين من حرب أهلية دائرة فيحصدهن بالرشاش إلا واحدة حمتها والدتها بجسدها فخبأتها تحتها فبقيت يومين تسبح في الدم ورائحة الجثث لتبقى الشاهدة الوحيدة فتروي قصة الإنسان الوحش؟.

يقول (زيمباردو) إن الجلاد والضحية يقعان في حالة انكسار (رافعة القوة) فيختل توازنهما النفسي معاً ويتحول كلاهما إلى مريض نفسي.. وبالتالي فإن كلاً من القتلة الساديين المجرمين والمعذّبين المتمردين يتم برمجتهم في (نظام) مريض..

وفي التجربة التي أجراها (زيمباردو) على السجانين والمسجونين في تجربة (ستانفورد) الشهيرة، لم يخرج المتطوعون من هذه التجربة (البريئة) بدون أثر بل بقوا إلى وقت طويل تحت تأثير الصدمة وهم يستعرضون شريط الوقائع حين تفنن السجانون في تعذيب ضحاياهم..

وكما يرى (برتراند راسل) في كتابه (القوة) إنه إذا كانت القوة النووية هي الأساس في علم الفيزياء فإن السلطان هو الطاقة الأساسية في المجتمع..

يقول (راسل): (السلطان هو المفهوم الجوهري في العلوم الاجتماعية كما أن الطاقة هي المفهوم الجوهري في علم الطبيعة.. وللسلطان كما للطاقة مظاهر شتى، منها الثراء ومنها التسلح، ومنها السلطات المدنية، والتأثير على الرأي العام، ولا يمكن اعتبار أي من هذه الأشكال تابعاً للآخر، كما أنه ليس ثمة شكل واحد تشتق منه بقية الأشكال الأخرى، فالسلطان كالطاقة يجب أن يعتبر متنقلاً من أي شكل من أشكاله إلى الشكل الآخر، وعلى علم الاجتماع أن يتحرى وضع القوانين التي تنظم مثل هذا التحول أو التنقل). وعندما يعلل راسل هذا العطش إلى القوة يرجعها إلى طبيعة خاصة في الإنسان تفرقه عن الحيوان..

يقول راسل: (ربما تكتفي الحيوانات بالوجود والتوالد في حين يتشوق الناس إلى التوسع والتمدد، ولا حدود لهذه الرغبات في هذا الصدد، إلا ضمن إطار ما يحدده لها الخيال من حدود ممكنة. فكل إنسان يود أن يكون إلهاً إذا أمكنه ذلك، وقليلون هم أولئك الذين يصمدون أمام هذا الإغراء.. ).

يستعرض (كيبنس) ثلاثة مظاهر رئيسية لمالكي القوة:

1) إضافة الانتصارات إلى سجله وأما الكوارث فتبقى لمساعديه الحمقى المقصرين.

2) وتحت تأثير مخدر (هيروئين) القوة التي تحقنها في وعيه الحاشية المتملقة المستفيدة يدخل في روعه أنه هو الأعلى وأن الإله صيّر طينته جوهراً ومن غباره شاد كوناً آخر، فالناس حجر وهو معدن نفيس من المريخ..

3) وفي النهاية يقع تحت إدمان (مورفين القوة) فيقع في شعور التأله والعظمة مع النَفَس الأول لحشيش السلطة..

ويقول (كيبنس) في فقرة خطيرة: (كلما ازدادت القوة في يد أحدهم مال إلى اعتبار نفسه مهماً ومعصوماً وأنه مسموح له بالتصرف لأن الآخرين تافهون)، وما حصل في تجربة (ستانفورد) في السجن وصلت إلى هذه الحدود فلم يعد ينادي السجانون على السجين بالرقم بدون اسم بل بألفاظ التحقير والسباب..

وقد أظهرت الدراسات أن أفظع الناس وأدعى أن يخشاهم المرء هم أولئك الذين ينقصهم الحس القيادي ليصبحوا في ليلة معتمة في مكان الصدارة والقرار..

يقول (يورج فيرتجن) المسؤول عن تخريج أطقم القيادات الإدارية في ألمانيا: (إنهم بسبب ارتكاسهم الداخلي المملوء بعدم الثقة بالنفس فإنهم مع التسلط يصبحون مع الوقت دوماً أكثر خبثاً وسميّة).

خالص جلبي: جريدة الشرق الأوسط، 11/4/2001م