النبأ العدد 53 شوال 1421 كانون الثاني 2001

محمد محسن العيد

يتكون الكون من الموجودات المادية والموجودات الحية والموجودات العاقلة. فالموجودات المادية المجردة، تتمثل في الجوامد والسوائل والغازات، بما هي عناصر ومركبات ومخاليط، وهي المكونات الأساسية لبناء الفضاء الكوني من، مجرات ونجوم وكواكب...

أما الموجودات الحية، فتتمثل في الأحياء المجهرية والنباتات والحيوانات بمختلف أنواعها البدائي منها والراقي، بما هي أصلاً مادة ولج فيها نظام وفق تصميم في بناء تلك المادة جعلها تتميز بتلقائية الحركة والتغذي والنمو والتطور والتكاثر والموت...

 أما الموجودات العاقلة، فنحن نحس الجزء المادي منها والجزء الحي من الإنسان، أما العقل فندركه إدراكاً، فالإنسان مادة حية عاقلة.

أما الموت فهو خَلق تلبّس خلْقَ الحياة، ومعناه يأتي من معنى الحياة، فلا موت بلا حياة، هذا ما ندركه من الواقع حقيقة لا لبس فيها.

والموت والحياة بمعانيهما العامة الشمولية، يتعلّقان بكل خلق من أجزاء هذا الكون.. إذن فالحياة بمعناها العام، تعني استجابة الموجودات لنظام وجودها الكوني الدنيوي بالطاعة، فهي حيّة، ومتى انتهى نظام ذلك الوجود أو تعطل في الكائن المادي أو الحي أو العاقل لاي سبب أو توقفت الاستجابة له يحصل الموت.

مثال ذلك الأجرام السماوية بمجراتها وافلاكها ونظم وجودها إنما هي حيّة ما دامت فيها الاستجابة والطاعة للنظام الذي ولدت فيه وتدوم عليه.. فإذا ما حصل تخريب في ذلك النظام، أو فقدت الموجودات الاستجابة له فإنها حينئذ تموت.. وبانهيار هذا النظام وتحول الأجرام السماوية إلى ثقوب سوداء (Black Holes) كما يحصل في بعضها، نقول عنها إنها ماتت.. وكل شيء في تلك الثقوب السوداء مما لا يدرك ولا يفهم غير الظلام والعتمة والغموض.

فالموت لا يعني العدم أو التلاشي، إنما هو انتقال إلى نظام جديد من الوجود الآخر لا نعلمه ولا نفهمه، بسبب عدم ترابطه مع نظام وجودنا الدنيوي.

فما يميز الحياة الدنيا هي فعاليات هذا الوجود وفق نظام كوني واحد متداخل ومترابط ومشروط بدقة متناهية.. والموت بمعناه العام، هو تخريب نظام الوجود في الكائن المعين، أو توقف الاستجابة من قبل ذلك الوجود لنظام وجوده لأي سبب كان. وكل ذلك رهين بأجل مقدر ومحسوب (مسمى)، ويتضح ذلك في قوله تعالى:

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) الروم8.

وقال تعالى في تعيين الأجل وتقديره لكل موجود: (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الاحقاف3.

فالأجرام السماوية الميتة في ثقوب سوداء في الكون، موجودة، ولكنها بنظام آخر لا نفهمه بالنسبة لوجودنا الدنيوي، وندرك ذلك الوجود ادراكاً من خلال القوة الجاذبية اللا متناهية، فهي وجود نميزه فقط من خلال آثاره دون المباشرة، مثله مثل القوة. فنحن لا نطالها مباشرة بوسائلنا وقياساتنا المعيّرة لنظامنا الدنيوي، لذا فلا نطلع على شيء من واقعها.

لذا فالموت للمادة، لا يعني الفناء أو التلاشي أو النهاية بالنسبة لها، بل التحول إلى نظامنا الدنيوي الذي نصف من خلاله الحياة ونعرفها.. وهذا واضح من قوله تعالى:

)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) تبارك2.

ومن هنا نعرف أن الموت هو خلق أشمل في معناه مما له من خصوصية في الكائنات الحية.. عليه فإن موت الكائن الحي، هو نهاية النظام الذي ولّد في المادة مميزات الحياة أو توقف الكائن الحي عن الاستجابة لذلك النظام، ولا يعني نهاية مادته.

فموت النبات والحيوان والأحياء المجهرية، لا يعني فناء مادتها، أو نهاية وجودها الكلي، بل هو فقدان الكائن للاستجابة لنظام حياته بمميزات ومعاني الحياة، والتحول عن هذه الاستجابة بالعودة إلى نظام المادة قبل الحياة.

ولذا فإن بعض الكائنات الحية المجهرية تتمتع بالخلود، ذلك أنها تعيش في اوساط مائية، فإذا فقدت الرطوبة تكيست وسبتت، حتى إذا أحست بالرطوبة مرة أخرى حلت الكيس وعاودت الحياة وهكذا.. فالحياة استجابة مادتها لنظام حياتها بشرط الماء.. والموت هو توقف تلك الاستجابة بانتظار توفر الشروط.

لذا فالموت في معناه البيولوجي، لم يحدد لحد الآن، بتعريف علمي يميز بينه وبين معنى الحياة في معناها الخاص، والحياة هي الأخرى لم تحدد بتعريف علمي.

ومما سبق يتضح أن الموت خلق آخر يأتي في نهاية الحياة، أو في الأجل المسمى وهو الموعد الذي قدر بالحق الذي بدأ به الوجود ويقوم عليه ويستمر معه.. إذن فالموت جزء من مميزات الحياة بمعناها الخاص.

ويتضح أيضا أن الحياة بمعناها الخاص، هي تميّز بعض المادة بتصميم بنائي حكيم بديع لتراكيبها وعناصرها واخلاطها في وحدة بنائية متكاملة ذاتياً مما يجعلها قادرة على الحركة والنمو والتطور والتكاثر والموت تلقائياً.. فخلق الحياة يمنح الكائن الحي حق الخلق الآخر، وهو الموت.. والحياة كما مرّ آنفاً ـ هي استجابة الكائن الحي لتصميم النظام الذي ولج المادة في كيانه وبالاتجاهات والتوقيتات التي تتضمنها شفرة مخبوءة في كل خلية من خلاياه في نواتها وبالتحديد في ظفائر حامضها النووي التي يسمونها اختصاراً الـ(DNA) و (RNA).

ومع اعتبار ثبات حياة المادة وعدم انهيارها فإن موت الانسان يعتبر على نحوين، الأول: نهاية الحياة بمعناها الخاص كباقي الحيوانات.. والثاني نهاية العقل كونه مظهراً لوجود الروح من أمر الله تعالى في خلق الانسان، فالروح، مضمون نظام لأمر الله يحيا به الإنسان ليكون (خلقاً آخر) كما يسميه القرآن، ونقول عن الإنسان أنه كائن حي عاقل وحكيم، وللعقل في الإنسان معناه في الموت والحياة..

يقول الله تعالى: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الانفال24.

فمما لا شك فيه هنا أن الاستجابة لدعوة الله ورسوله هي حياة العقل بمعانيه من الحكمة والحسن والرحمة والعدل والصبر وفعل الحسن والتوجه للاحسن مما يتطلبه الإسلام العظيم كدين لله تعالى.

ومعنى هذا أن موت الإنسان قد لا يكون بارزاً ظاهراً للعيان ولكنه يكون حاسماً.. على اعتبار أن الإنسان الذي يحيا بجزئه الحيواني وغرائزه دون حياة لعقله، فهو ميت، لكن موته غير حاسم، قال تعالى:

(وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فاطر23.

وقال تعالى في هذا المعنى: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) النمل: 80، فالإنسان كائن مادي حي متميز بالعقل، والكينونة نظام، والحياة نظام والعقل نظام. والاستجابة لنظام الكينونة ونظام الحياة محكومة بالجبرية بحكم الأجل الذي يقدره الحق سبحانه، أما الاستجابة لنظام العقل فهي مضمون خلافة الإنسان وسيادته على الأرض، فحياته تتمتع بالحرية والاختيار.

قال تعالى، يصف الناس الذين لا حياة لعقولهم: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) الانفال22.

وعلى هذا فالموت لا يكون حاسماً في حياة العقول واصحابها العظماء وإن كان بارزاً ظاهراً للعيان في موت اجسادهم الحية، فنتاجاتهم العقلية تخلدهم وتبقى تعريفاً لوجودهم وحياتهم في الدنيا ما بقيت.. أما موت الذين لا يعقلون فهو موت الدواب.

لقد حدد الطب أخيراً الموت البيولوجي للإنسان بموت الدماغ، ويعتبر الإنسان حياً ما دام دماغه يستجيب لنظام وجوده في معاني الحياة ومميزاتها، حتى وإن توقفت باقي الأجهزة في الجسد الإنساني. في كل أحوال الموت، نجد تحولاً من النظام الكوني الدنيوي إلى نظام آخر لا نعرفه.

فلينظر الإنسان مم خلق

إن تحول المادة إلى حيمن في الاصلاب عند الرجل الأب.. وتحول المادة إلى بيضة في الاتراب عند المرأة الأم، ثم صيرورتهما إلى علقة من بيضة مخصبة في جوف الرحم الكبير جداً جداً بالنسبة لمسالك الاصلاب أو مسالك المبايض.. إن هذا التحول هو تحول في النظام برز في تحول في معاني الحياة وفي اجوائها.

ثم إن تحولات العلقة إلى جنين (بخلق آخر)، إنما يعني تحولات في معاني الحياة بنظام جديد للحياة غير الحياة البيولوجية التي كان يتمتع بها الحيمن والبيضة... و(الخلق الآخر) الذي يطلقه القرآن على تطورات الجنين في الرحم، هو ولوج الروح وهي مضمون أمر الله تعالى بنظام يبرز في ميزة العقل في خلق الإنسان.

وهذه التطورات والتحولات، منظورة ضمن شروط النظام الدنيوي لمعاني الحياة الذي يعتبر فيه التطور إلى الأحسن سنة واضحة بارزة.

فتحول المادة إلى حيمن عند الأب والى بيضة عند الأم، هو تحول إلى حالة بنائية أكثر تطوراً فهي أحسن من مجرد المادة.. ثم إن تحول البيضة والحيمن بعد التلقيح إلى جنين، هو تطور إلى حالة بنائية أكثر تطوراً في بناء نظام الحياة.. ثم إن تحول الجنين إلى خلق آخر هو تطور إلى الأحسن في معاني حياة الإنسان كارقى واحسن مخلوق.. ثم تحول الجنين من نظام حياته في الرحم إلى نظام حياته في الدنيا الواسعة جداً جداً بالنسبة للرحم، هو تحول في النظام الحياتي إلى الأحسن والاكثر تطوراً.

أما تحول الإنسان بالموت من النظام الحيوي الدنيوي في ارقى صورة وأحسنها، إلى حياة المادة المجردة، فذلك ما يتطلب معرفة عليا نرفع بها العجز عن فهم معنى الموت في سنة التطور هذه في خلق الإنسان.. وهنا يرد سؤال هو أن الموت بما هو خلق جديد.. وبما هو ناتج لسنة التطور للاحسن، ويقع في سلسلة النقلات للاحسن، فكيف نفسر هذا العود لمجرد المادة؟ وهو لا شك نقلة في سلسلة التطور الكوني للاحسن؟! وذلك باعتبار أن الوجود المجرد أحسن من العدم، والحياة أحسن من مجرد الوجود، والعقل أحسن من مجرد الحياة، والموت يقع دون عودة للعدم ودون فقدان للعقل.. فكيف؟ وما هو الموت؟

الحياة في معناها العام تقترن بمعاني الاستجابة لنظام الوجود.. ونحن نعرف الاستجابة في المخلوق من مقدار تحسسه وانتباهه.. ومقدار تطور الاستجابة يبرز من خلال تطور الحياة في أصنافها المتعددة.

فالناس في عالم المادة نيام، إذا صاروا إلى الاصلاب والترائب نطفاً وبيوضاً انتبهوا.. فالبيضة والحيمن (النطفة) يتمتعان بخواص وميزات الحياة المجهرية البسيطة، بعد أن تكوّنا من مواد غذائية ميتة.. قال تعالى:

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً) فاطر11.

والناس في عالم الأرحام نيام إذا ولدوا إلى الدنيا انتبهوا، حيث في الأرحام قرار وسبات وفي الولادة خروج إلى فضاء اوسع وحركة اكبر.. قال تعالى: (وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) الحج5.

وكذلك الناس في عالم الدنيا.. يقول الإمام علي(عليه السلام): (الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا).. فهم كانوا في الأرحام في ضيق وقرار مكين ثم صاروا إلى الدنيا الفسيحة الكبيرة بعد الولادة، كذلك بعد الموت يصيرون إلى عالم البرزخ الفسيح، وقد تحررت نفوسهم من حدود الدنيا وقيد الجسد.. قال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ..) ق 21، إلى أن يقول سبحانه: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ق22.

وكذلك الناس في عالم القيامة نيام إذا دخلوا الجنة انتبهوا، يقول تعالى:

(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).. ويقول سبحانه: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ، هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ، لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) يس55.

وكذا إذا دخلوا النار انتبهوا.. قال تعالى: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ... ) الانبياء97.

الخــــلاصــــة

إن الصيرورة في الاصلاب، والخلق الآخر في الأرحام، والولادة إلى الدنيا، والموت إلى البرزخ والحساب والقيامة إلى الجزاء ثواباً وعقاباً كلها فواصل في سنة الله تعالى في الإحسان الذي لا ينقطع، ولكل مرحلة قوانينها وحدودها.. والمرحلة تقع بين فاصلتين.. والموت فاصلة الدنيا عن الآخرة.

ويتضح مما سبق أمور:

1) إن الموت سنة من سنن الكون، فهو حتم على كل كائن.

2) كل ما في الكون من سنن مترابطة ومشروطة.. فالكون بدأ بالطاعة لنظام وجوده، ومن واقع هذا الترابط ندرك الحق ونلمس العدل.. والكون لا زال يقوم بالحق والعدل.. وسيستمر باستمرارهما.. وليس من العدل ولا من الحق أن يخرج خلق الموت عما بدأ به الكون وقام ويدوم عليه، وهو الحق والعدل.

3) بل الموت هو الحق وهو العدل، باعتبار التساوي في الموت، والجزاء في الموت.

4) كل ما في الكون قام بالرحمة ويدوم بها ويستمر معها، ولا يمكن تصور وجود كون متباغض متنافر متناحر، وسنة الموت مترابطة ومتشارطة بالرحمة مع باقي السنن، فالموت من معاني الرحمة التي يقوم بها الكون ويستمر معها.

5) كل ما في الكون يسعى للاحسن سنة حسنة في وجوده وحياته وعقله، والموت لا يخرج عن كونه جزءاً من هذه السنة الحسنة باعتبار حتميته على كل كائن.

6) البلاء، سنة حسنة يسعى إليها وبها كل ما في الكون، فلا يتجلى الحسن مطلقاً دون بلاء يسبقه، لذا فالموت جاء جزءاً من هذه السنة (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) تبارك2.

7) الموت سنة تعدت في الموجودات فهي بيان واضح لوحدانية الموجد وحياته واحسانه وديمومته، فالموت دعوة للتوحيد والوحدانية.

8) الموت سنة التكامل، إذا تحول الموت إلى رقيب في كل نفس استعداداً لما بعد الموت، ما دام الموت حقيقة لا يفلت منها أحد، ونقله إلى حياة أخرى أبدية لا موت فيها (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى).

من هذه السنن التي لا تبديل لها ولا تحويل، والتي يشكل الموت جزءً منها، يصير واقعاً أن نعتبر الموت خلقاً لنظام حياة جديدة ليس من واقع حياتنا الدنيا، فهو نقله لمعاني جديدة في حياة أخرى.. والموت بهذا حضور حالة، أو هو موافاة بالاجل، لأنه خلق ينتظر في نهاية الأجل المسمى قال تعالى:

(حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) النساء18.

وقال سبحانه وتعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) الأنعام61.

آليــــة المــــوت

هل الموت يقع في جزء الإنسان الروحي البارز في العقل، أو يقع في جزء الإنسان المادي الحي، أو أنه يقع في الإنسان من نفسه التي تضم كل كيانه موحداً، باعتبار النفس هي المصداق لتلبس الروح بالجسد الحي، فالروح من أمر الله تعالى التي نفخها في خلقة البشر:

(إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي... ) ص، 72 رفع الله تعالى بهذه الروح القصور الحيوي الذاتي في حيوانية البشر، وصارت بذلك النفس الإنسانية متميزة بالعقل عن باقي المخلوقات.. العقل أحب خلق الله إليه سبحانه، وسمي العقل عقلاً لأنه يربط بقوة إرادة الروح ـ وهي محض الحسن الرباني ـ يربط الطاقة الحيوية وغرائز الحيوانية في الجزء المادي من الإنسان بالمعاني الحسنة من أمر الله تعالى في الروح.. والحسن الرباني يتجلى واضحاً في العبادة والدعاء الخالص لوجه الله تعالى من النفس، وفي طلبها للرحمة وفعلها، وفي السعي للحق وتجسيده عدلاً في الواقع.. وفي التطلع للسيادة والإمامة والتأسي بها باعتبار الإمامة معنى الحسن في خلق الإنسان.. وفي القدرة على الصبر في الخضوع للحسن التكويني مقابل السنن الكونية الحسنة.. وفي التوجه للتوحيد والوحدانية بمعاني الحسن الرباني وفي السعي للأحسن والأفضل دوماً وفي تجاوز القبح والسوء من خلال التمسك بالوحي المكتوب وشريكه المترجم البشري والمجسد له وهو الإمام الذي لا تخلو منه بقعة من الأرض ولا زمان بنص القرآن، مؤكداً في آيات كثيرة(1).

ونحن نعرف العاقل من خلال عقله وقوله في معاني الحسن آنفة الذكر، بل إن النفس تبدو زاكية محبوبة بمقدار ما يميزها من تلك المعاني.

فالروح لابست اصلاً تكوين الإنسان المادي لتكون النفس مصداقاً لمفهوم الإنسان، الذي جعله الله سبحانه وتعالى خليفة في الأرض.. فالنفس هي التي أنشأها الله تعالى.. وهي التي يتوفاها في الموت.. وهي التي ينقلها إلى عالم البرزخ.. وهي التي تحشر.. وهي التي تحاسب، ثم هي التي تتلقى الثواب والعقاب.. وذلك واضح صريح من أقواله تعالى:

1) في الخلق والنشأة: (وهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) الانعام98.

2) في الموت: (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا...) الزمر42.

3) في البعث:(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) الانفطار5.

4) في الحشر: (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) ق21.

5) في القيامة: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) الانبياء47.

6) الحساب والجزاء: (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) آل عمران161 ومكررة في سورة البقرة281.

ونؤكد القول، أن الروح أمر الله تعالى - الذي هو محض - حسن نفخها الله تعالى في المادة الطينية فتميز بها خلق البشر عن باقي المخلوقات ورفعهم بها.. فمن شاء من تلك النفوس، ارتفع بمعاني الحسن الرباني من هذه الروح.. ومن لم يشأ منها رد إلى أَسْفَلَ سَافِلِينَ، فالنفس خلاصة اندماج المادة الحية بالروح، وكل منها عالم له حدوده الخاصة وقوانينه التابعة لتلك الحدود.. إلا أنه بعد الموت لا يبقى منها إلا ما علق بالنفس وصار جزءا منها.. فالنفس هي التي يتوفاها الله بالموت، وهي التي تحمل الاستمرارية في سلسلة التطور للاحسن في مضامين مشيئة الله تعالى في الحسن من صفاته الحسنى.

فما هي النفس؟ وكيف يكون الموت باباً لانتقالها للعالم الآخر؟

النفس، وجود واقعي يتمثل فيما نراه يومياً من كل البشر، وهو النشاط الحيوي الارادي، فالنشاط الحيوي، هو خلاصة وجود الداب (الجزء الحيواني من الإنسان).. أما الإرادة المتميزة بفعل الحسن والتوجه للاحسن، فهي خلاصة وجود الروح التي هي من أمر الله تعالى، وقد قلنا أن النفس هي نتاج تلبس الإرادة بالنشاط الحيوي من خلال عمليات العقل (الربط) بين الإرادة والنشاط الحيوي لكل نفس.

وهذا الوجود الواقعي المحسوس للنفس (النشاط الحيوي الارادي).. ينتهي عند النوم وعند الموت في كل إنسان، قال تعالى:

(اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر42.

إن الفرق بين النوم والموت، هو أن واقع النفس عند النوم يتعلق فتبقى مرسلة.. أما في الموت، فيتوقف ذلك الواقع بامساكه تماماً، مع كل ما يعنيه الإمساك من قبل الله تعالى في عوالمه الأخرى غير عالم الدنيا، ومن اجل نقله إلى نشأة أخرى باتجاه البرزخ ثم القيامة فالحساب، بعدها الحياة الأخرى الابدية بثوابها وعقابها.

فالموت والنوم خلقان من سنخ واحد يتوقفان على توقف الاستجابة لنظام الحياة في الكيان الإنساني.. ولكل منها آلية في هذا التوقف، الذي يعتمد بدوره على معنى الوجود الواقعي للنفس ارسالاً وامساكاً من لدن الخالق سبحانه.

فالنوم يحصل من توقف النشاط الحيوي الارادي في النفس معاً، وهما واقع ناتج عن تلبس الجسد الحي بالروح والمعبر عنهما بالنفس، غياب نفس البشر مع كونها معلقة مرسلة هو النوم، وهو توفي لما يعنيه من غياب النفس عن الحضور والفاعلية الارادية.

فطبيعة النوم، تحصل بشكل نشاط نمطي لكل إنسان متكررة، كنتيجة حتمية للنشاط الحيوي الارادي اليومي المحمول على الطاقة الناتجة من حرق الغذاء في الجسد الحي، حيث يتحرك بها ويعمل، وبها تتم العمليات الحيوية الداخلية.. أما الإرادة فتأتي من وجود الروح محمولة أوامرها على الأعصاب إلى أي جزء من الجسم لتوجهه بحكمها وبما قضت به، وتكون الطاقة الحيوية الناتجة من الجسد الحي طوع تلك الإرادة بحكم التلبس بين الجسد الحي والروح في وحدة النفس، وما تبرزه النفس للواقع المحسوس والمدرك هو النشاط الحيوي الإرادي.

يحصل النوم من تراكم منتجات الحرق الغذائي المجهز للطاقة في النشاط اليومي للإنسان، وبعد نفاذ الإرادة في توجيه مواد كيماوية تسمى (مولدات الكيتون) وحامض البنيك تتجمع وتبقى تتجمع في خلايا الانسجة حتى تبلغ حداً معيناً، عندها يتولد ضغط على الذات الكيماوية للجسد الحي، يتولد عنه فعل معاكس للفعل الحيوي وحسب قاعدة (ليشاتيلية) في التوازن يمتنع العصب عن نقل الأوامر أو الاستجابات، فتنفصل النفس عن كيان الانسان، ويحصل النوم.

أما الموت، فانه انفصال النفس عند تعطل الكيان تماماً لأي سبب يمنعه من الاستجابة لنظام وجوده بالحياة: فهو انفصال لا عودة للنفس فيه إلى قالبها الجسدي، لأنه عديم الجدوى، فلا استجابة له يتحقق منها النشاط أو تتحقق منه الإرادة، فهو تحرر كامل لها من الجسد، تنقل بعده في رحاب الله وتحت توجيهات ملائكته.

حالة الموت: النوم والموت كما قلنا متشابهان من حيث الآلية، ولكن الموت حالة من التوفي يحصل بها الانتقال: فهي لحظات الانتقال، وهي تشبه لحظات الولادة، فالحقيقة أن الإنسان يستقبل الدنيا بالبكاء ويودعها بالبكاء لأنه ينتقل إلى عالم آخر.

فالإنسان في الرحم جنين بدرجة حرارة ثابتة، ورزقه يأتيه رغداً في مكان يسميه القرآن (قرار مكين) فإذا جاء وقت انتقاله إلى الحياة الدنيا أخذ هذا القرار المكين يتقلص تقلصات شديدة، يطرد على أثرها الطفل من الرحم ليخرج إلى الدنيا وهو مضطرب في تلك اللحظة بكل أحواله، فهو يواجه الحرارة إن كان صيفاً، والبرودة إن كان شتاءً، وهو الآن يواجه الضياء بعد الظلام الذي كان يلفه، ويواجه الخشونة فيما يلمس بعد أن كان ينعم في النعومة.. فهو الآن وفي لحظة ولادته كل حواسه تباشر الفعل، وتثير غرائزه في الخوف والجوع والحاجة للدفء. والحنان، فقد ابتعد عن مصدر الحنان وصار في فراغ كبير جداً جداً لا يقاس بضيق الرحم الذي كان فيه.

كذلك لحظات الموت.. فبعد عمر طويل يقضيه الإنسان ـ خصوصاً إذا كان له نصيب من الدنيا، تعايش مع الدنيا وارتبط بأواصر الحب للزوج والولد والمال والسلطان والجاه.. وإذا به وحيد لا سلطان له على شيء مما يملك حتى على جسده، ولا يستطيع أن يتصل بأحد أحبابه، مقهوراً حائراً خائفاً من المجهول، وقد تحرر عقله من القصورات المادية فهو يرى وبصره حديد.

فإذا كان من الظلمة والكفار (الذين اخفوا الحقيقة الكبرى) وكان من أهل الدنيا الذين نسوا هذه اللحظات، فإن لحظات الانتقال لنفسه بالموت تكون صعبة جداً عكس الذي آمن بالله تعالى واستعد لهذه اللحظة، فانه إن لم يكن في نكد العيش الذي يخلصه الموت منه، فإنه في الموت تتحرر نفسه إلى الأبد من الضيق والقيد الذي عايشه مع نفسه في الدنيا طاعة للحق سبحانه. ونجد ذلك في البيان القرآني عن لحظات الموت والانتقال في النفس إلى عالمها الذي كانت تصبو إليه في الدنيا فالطيبون في حالة الموت يصفهم القرآن بقوله تعالى:

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل32، والكفرة في حالة الموت يعانون المر، يقول تعالى:

(وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) الانفال50.

والظلمة عند الموت في حالة اذلال، يقول تعالى:

(وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الأنعام93.

والموت، بما هو نقلهُ إلى عالم مجهول بالنسبة للغالب من الناس، خصوصاً الذين لا إيمان لهم بالغيب، وبما يترتب على هذا الخلق الجديد الذي تمر به النفس من قلق وخوف ومرارة، وبما يجلبه على النفس من عقاب محتمل في الغالب وبما يعقبه من فراق وضياع في المال والجاه والسلطان. هذا كله يجعل الموت مرحلة صعبة جداً على النفس. ولذا فمن نعم الله تعالى على اوليائه الصالحين وعباده المتقين أن لا يموتوا مرة أخرى.

(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) الدخان56.

والموت بما هو نقلة إلى واقع آخر، فإن أهل النار لن ينالوه، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) فاطر36.

بل إنهم يطلبون من مالك خازن النار.

(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ).

والظاهر أن القضاء الذي يطلبه المجرمون هنا، هو التلاشي، وليس الموت وباعتبار الولادة والموت والحشر والبعث هي نقلات في سبيل بلوغ الأحسن، أو في سلسلة التطور للاحسن وفق سنن الله تعالى في الإحسان غير المنقطع. قال تعالى في عيسى وعلى لسانه(عليه السلام):

(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً).

ومثلما يكون الموت راحة من كل شر يحيط بالمؤمن، فانه يكون مجلبة لكل شر للفاسق المجرم.

والموت مع أنه سنة وحتم لا يفلت منه أحد، وكل الناس يعرفون أنهم يموتون، إلا أنه لا يحدث في الناس أثراً للاستعداد له، فغالباً ما يفاجئهم وهو ما يسهم في الحسرة والعذاب في لحظات الموت.

والموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا ينكرها حتى الملحدون، ومع هذا فهي الحقيقة الوحيدة التي لا يستفيد منها غالبية الناس بالتطبيق مثل باقي الحقائق التي يعرفونها.

إن إخفاء الحقائق الكبرى هو الكفر، ولذا فإن عدم ربط حقيقة الموت بالآخرة يعتبر من الكفر..

قال تعالى:(قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ).

وإن عدم الإيمان بالآخرة مع التصديق بحتمية الموت وكونه سنة حسنة، يعني فقدان المعيار الموجه للصراط المستقيم.. قال تعالى:

(وإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) المؤمنون74.

فلو أن الموت بحقيقته الحتمية دون الحقائق الأخرى في معرفة الإنسان تصير له فيها عبرة، من رادع ذاتي يرقب كل تصرف فيه، ويحاسب نفسه بنفسه قبل الموت القادم لا محالة. والذي فيه الملاقاة الحتمية للحسيب الرقيب سبحانه... إن كون الموت رادعاً ذاتياً ورقيباً من النفس عليها، لا شك يؤدي إلى صلاح الإنسان بمقدار يساوي قوة تلك الرقابة.

(وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) البقرة223.

ولننظر في دعاء زين العابدين(عليه السلام)، باعتبار أن في دعائهم(عليهم السلام) تعليماً لنا وعلماً ربانياً في توجيه الأمة.

(اللهم صلى على محمد وآل محمد واكفنا طول الأمل وقصره عنا بصدق العمل حتى لا نؤمل استتمام ساعة بعد ساعة ولا استيفاء يوم بعد يوم ولا اتصال نفس بنفس ولا لحوق قدم بقدم وسلّمنا من غروره وآمنا من شرره وانصب الموت بين ايدينا نصباً ولا تجعل ذكرنا له غبا واجعل لنا من صالح الأعمال عملاً نستبطي معه المصير إليك ونحرص له على وشك اللحاق بك حتى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به ومألفنا الذي نشتاق إليه وحامّتنا التي نحب الدنو منها، فإذا اوردته علينا وانزلته بنا فأسعدنا به زائراً وآنسنا به قادماً ولا تشقنا بضيافته ولا تحزنا بزيارته واجعله باباً من أبواب مغفرتك ومفتاحاً من مفاتيح رحمتك أمتنا مهتدين غير ضالين طائعين غير مستكرهين تائبين غير عاصين ولا مصرين يا ضامن جزاء المحسنين ومستصلح عمل المفسدين).

الهوامش:

1- (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر24.

(إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) الرعد7.