مجلة النبأ      العدد  52      شهر رمضان  1421      كانون الاول  2000

 

النظر إلى.. ملكوت السماوات والأرض

من المحاضرات الأخلاقية

 لسماحة الفقيه المحقق 

آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله)

التسديد الإلهي

التخلية ثم التحلية

معرفة القلب

امتلاك الباطن

إصلاح القلب

قال رسول الله (ص):

(لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض) (1).

التخلي عن الرذائل طريق إلى التحلي بالفضائل والتحلّي بالفضائل طريق إلى الفيوضات الإلهية.. أي أن الله تعالى يمد الإنسان بالامدادات الخاصة والنورانية المعنوية بعد التحلي بمحاسن الأخلاق..

لذا يقول علماء الأخلاق في ذلك:

(ما لم تحصل التخلية لم تحصل التحلية ولم تستعد النفس للفيوضات القدسية).

فكل ما حمله القلب من مساوئ أو أخلاق مذمومة يكون حجباً مانعة عن المعارف الإلهية وقد كنّاها الرسول (ص) بالشياطين التي تدور حول قلوب بني آدم فهي بمثابة الغطاء فما لم ترتفع هذه الحجب عن القلوب لم تدرك الماورائيات والنفحات القدسية الإلهية التي عبّر عنها (ص) بالنظر إلى ملكوت السماوات والأرض..

معرفة القلب

ولغرض فهم المراد بصورة جلية وواضحة من الحديث ينبغي الغوص في عدة أمور منها معرفة القلب إذ قال بعض المحققين:

(القلب شرف الإنسان وفضيلته الذي فاق به جملة من اصناف الخلق لمعرفة الله سبحانه..).

ففي الدنيا معرفة الجمال والكمال وفي الآخرة ما اعدّه وادّخره لخلقه من هناء أو شقاء، وهذا الاستعداد مركزه القلب وليس الجوارح لأنها آلات يستخدمها القلب كاستخدام الصانع للآلة.

وقد تختلط معانٍ عدّة عند الكلام في معرفة القلب فأعلم:

أن النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف، وفي ذلك التجويف دم اسود وهو منبع الروح ومعدنه، وهذا القلب موجود للبهائم، بل موجود للميت أيضا.

والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية، لها بهذا القلب الجسماني تعلّق وقد تحيّرت عقول اكثر الخلق في ادراك وجه علاقته به، فانّ تعلقها به يضاهي تعلّق الأعراض بالاجسام، والأوصاف بالموصوفات، أو تعلّق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان.

والروح أيضا تطلق على معنيين احدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى ساير أجزاء البدن وجريانها فيه.

وسريان الروح وحركتها في الباطن مثاله مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محرّكه، والأطباء إذا اطلقوا اسم الروح ارادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف انضجته حرارة القلب.

والمعنى الثاني هو اللطيفة الربانية العالمة المدركة من الإنسان وهو الذي اراده الله تعالى بقوله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الإسراء، 85.

والنفس أيضا مشتركة بين معاني منها:

1) أن يراد بها المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان، وهذا الاستعمال هو الغالب على الصوفية لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فيقولون لابد من مجاهدة النفس وكسرها.

2) هي نفس الإنسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب أحوالها، فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت (النفس المطمئنة) وبمدافعتها للشهوة واعتراضها عليها سميت (النفس اللوامة) لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في العبادة، وإن أطاعت شهواتها ودواعي الشيطان سميت (الأمارة بالسوء).

وأما العقل فالمناسب هنا معنيان احدهما العلم بحقائق الأمور أي صفته العلم الذي محلّه القلب، والثاني انه قد يطلق ويراد به المدرك المعلوم، فيكون هو القلب أي اللطيفة.

التخلية ثم التحلية

وإذا اتضح ذلك تبينت لنا حقيقة الاستعمال لهذه الألفاظ المتعددة في القرآن الكريم أو الروايات وكلام اغلب المحققين كما ورد عن بعضهم:

(والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقاً بغير الله، وهو المطالب والمخاطب، وهو المثاب والمعاقب، وهو الذي يسعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكّاه، وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنّسه ودسّاه وهو المطيع لله بالحقيقة به، وإنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات أنواره، وهو العاصي المتمرد على الله، وإنما الساري على الاعضاء من الفواحش آثاره..

وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربّه وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه، وإذا جهل نفسه فقد جهل ربّه ومن جهل قلبه فهو بغيره أجهل، وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم، وقد حيل بينهم وبين أنفسهم، فان الله يحول بين المرء وقلبه، وحيلولته بأن لا يوفّقه لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته... وأنه كيف يهوي فجأة إلى اسفل السافلين، وينخفض إلى افق الشياطين، وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين، ويرتقي إلى عالم الملائكة المقرّبين).

وكما عبّر عنها الرسول الأعظم (ص) في الحديث الشريف الذي افتتحنا البحث فيه بالنظر إلى ملكوت السماوات والأرض ولكن السؤال لماذا كانت التخلية مقدمة على التحلية عند علماء الأخلاق مع أن القلب في اصل الفطرة قادر على قبول الفضيلة كما هو قادر على قبول الرذيلة؟

الجواب يتضح من خلال القول أن للقلب بأصل الفطرة قابلية لقبول آثار الملائكة وهي الفضيلة والأخلاق المحمودة كما له قابلية لقبول آثار الشياطين وهي الرذيلة ومساوئ الأخلاق من غير أن يترجح احدهما على الآخر!!

والظاهر أن الترجح أمر نسبي اولاً إذ كل قلب لا يخلو من شهوة وغضب وحرص وطمع إلى غيرها من الصفات المتشعبة عن الهوى ولذلك قال رسول الله (ص) (ما منكم من أحد إلا وله شيطان قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم، فلم يأمرني إلا بخير)(2).

وثانياً أن الشياطين يبثون في قلوب بني آدم طاقات هائلة ومتشعبة أخطر ما فيها الهوى إذ أن جنود الشيطان بوسوستهم الدائمة واختلاس الفرص السانحة في ايثار الدنيا وتمسك الإنسان، بالظواهر دون الباطن لقصر نظره عن الآخرة والغيب يجعل الأغلب في ترجّح المساوئ..

لذا كانت التخلية عن الهوى والشهوات اولاً فكل صلاح كان اساسه تنقية القلب من المعاصي والسيئات يكون أدوم وأبقى وهذا الأمر من الصعوبة بمكان أن يحمّل الإنسان نفسه قسراً وبعنف للخلاص من تلك الرذائل والشهوات لكي يهيئ الأرضية الجيدة في قبول الفضائل والنظر إلى ملكوت السماوات والأرض. كما أن المرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فيها إذ الناظر إلى صورته مع اتساخ المرآة لا يمكن له أن يرى صورته فيها إلا بعد تنظيفها وازالة الأوساخ والغبار عنها وهكذا البدن ما لم تزل عنه العلة في تسبب المرض لم يفض عليها بالصحة.

فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع ما لم تتطهر النفس من الصفات المذمومة كالكبر والحسد والرياء وطلب الرياسة وارادة السوء للاقران والشركاء وطلب الشهرة ومن يواظب على الطاعات الظاهرة، ويترك تنقية قلبه وتخليته عن المساوئ مثله مثل الزهرة الجميلة التي تحيطها الاشواك كلما أراد اقتطافها وخزته الاشواك فأثرت به فلم يستطع اقتطافها ولم يستفد شيئاً لذا فالتخلي عن مساوئ القلب ثم التحلي بالفضائل على الترتيب يجعل النفس حينها قادرة على قبول الفيض من رب الأرباب.

التسديد الإلهي

ملكوت السماوات والأرض كما يفسره البعض بأنه الماورائيات أي الذي لا يُرى ولا يسمع.. أي لا يحس به الإنسان بواسطة الحواس المادية العامة التي يمتلكها وإنما هو صوت لا يدركه الإنسان باذنه أو شيء لا يراه بعينه.. كالملائكة وآثار نعمة الله تعالى كالرحمة وآثار غضب الله تعالى وإن كان العلم الحديث أشار إلى وجود بعض الحواس في الحيوانات غير موجودة عند الإنسان قد يُعلم من خلالها كوارث كونية كالزلزلة والفيضانات وما شابه من الآثار كقوة الشم عند الكلب أو سماعه لأصوات غير مسموعة وهناك أحاديث وروايات قد أشارت لهذا الأمر العلمي أما الإنسان فإنه لا يشعر بذلك.. فملكوت السماوات والأرض غير محسوس وبالتالي لا يمكن أن يشعر به الإنسان بواسطة حواسه وإنما الشعور بذلك يتولد من خلال التحلية بالفضائل التي يأتي دورها بعد التخلية من الرذائل وكما أشرنا لذلك وأشار الحديث النبوي الشريف بوجود شهوات مثلها النبي الأكرم (ص) بالشياطين التي تحوم حول قلب الإنسان لتمنعه من تلك النعمة والمعرفة الإلهية الحقة كالمهندس القدير الذي بفضل علمه وتمرسه في مهنته يقدر ما يلزم لبناء دار أو ترميم آخر.. والطبيب الحاذق الذي ينظر إلى بدن الإنسان ليشخص وجه العلة من مرضه وما يلزم من دواء.. فلكل شيء علامة واثر وكما جاء في الآية الشريفة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الحجر، 75 والمتوسم هو الناظر في السمة الدالة(3) أو العلامة والأثر الدال على السبب. فإذا ما أحاطت الشياطين بقلب الإنسان فإنه لا يستطيع حينها إدراك الماورائيات أو المعرفة الإلهية.. فالحنكة تستدعي الإنسان لاقتلاع جذور الرذائل وبنفس ذلك المقدار عليه أن يتحلى بالفضائل ليسبب التوفيق مما يؤدي إلى التسديد الإلهي.

امتلاك الباطن

وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) (إن من احب عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه) (4) من احب العباد لله عبد اعانه الله على نفسه، أو امتلك قلبه.. فالحواس الظاهرة اسهل في الامتلاك فمن السهل أن يمتلك الإنسان لسانه أو عينه أو يده أو رجله.. ولكن من الصعب أن يمتلك الإنسان قلبه فكثير الغضب أو سريعه يحاول أن يمتلك قلبه حتى لا يغضب ولكنه أمر صعب بينما يسهل عليه أن يمتلك لسانه حتى لا يفلت أو يده أما قلبه فأمر صعب.. والإنسان الذي يكون الحسد مستولياً على قلبه يتألم من رؤية الآخرين افضل منه أو سعداء فهو أمام حالتين إما أن يؤنب نفسه - بمعنى القلب كما أشرنا إلى ذلك في معاني الألفاظ المتعددة أول البحث - ويعوّدها على نوع من الممارسة الروحية ليتحلى بفضيلة الرضا بدل رذيلة الحسد وهكذا تضعف حالة الحسد عنده بالتحلية أو يعطي الزمام لنفسه دون تحلية أو ممارسة تردع منها فتشتد الحالة ليتحجر قلبه وينطبع عليها ذلك المرض.. كما طبع على قلوب قتلة الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء وفي الرواية:

(لما عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الإمام الحسين بن علي (ع) وأحاطوا به من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة فخرج (ع) حتى أتى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم أن تنصتوا اليّ فتسمعوا قولي، وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد.. وكلّكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم.. ) (5).

وفي قوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) البقرة 7، وفي التفسير (الختم هو الطبع على قلوب الكفّار على كفرهم كما قال عز وجل (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً)  (6).

فلذلك كانت الاعانة على النفس والتحلية بالفضائل أشد من الاعانة على الجوارح كما ذكرها أمير المؤمنين (ع) في حديثه (فاستشعر الحزن) أراد منه جعل القلب قلباً حزيناً فالذي يشعر بالوعيد والخوف والحساب يحزن وأما الذي لا يشعر ولا ينظر إلى هذه الآثار والتي سميناها بالماورائيات لا يشعر بالحزن ولا يعرفه.. لذلك كانت نقاط الضعف في القلب كثيرة وشديدة ومتأصلة بسبب حوم الشياطين وإذا انتبه الإنسان واراد معالجتها بالتخلية ثم التحلية فمن الطبيعي أن يكون حزيناً والخوف بادياً على كل جسده.. كمن يدخل قاعة المحكمة من المجرمين فانه يستشعر الخوف من الحاكم ويترجم كل نظرة ينظر إليه الحاكم بها إلى اثر في جوارحه.

ولذا على الإنسان اولاً أن يتخلص من الرذائل والشوائب التي تعشعش في قلبه ويترتب على ذلك طبيعياً أن يتحلى بالفضائل.. وبتعبير آخر:

أن يركز الإنسان على قلبه وليس على جوارحه فكثرة الصلاة والدعاء وما شابه من الأعمال الظاهرية لا تجدي نفعاً من دون تأثر القلب لذا ورد في بعض الروايات أن التفكير افضل العبادات. وتفكر ساعة افضل من عبادة سبعين سنة..

والتفكر ليس أمراً مرتبطاً بالجوارح بقدر ما هو مرتبط بالقلب.

وفي الدعاء عن أمير المؤمنين (ع) (الهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر ابصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير ارواحنا معلقة بعزّ قدسك) (7).

إصلاح القلب

فالسؤال متى يكون الدعاء وقراءة القرآن الكريم والصلاة والعبادة أجمعها صالحة ومفيدة من كل ما نقلناه؟

إذا ما توجه الإنسان إلى إصلاح قلبه يكون الدعاء نافعاً وصالحاً وكذلك قراءة القرآن الكريم والعمل العبادي، ينقل في بعض الأقاصيص:

أن شخصاً كان يشكو من كثرة الحشرات الضارة في بيته إذ كانت تتولد في بالوعة ممتلئة ونتنة ورغم مكافحته مراراً لتلك الحشرات بأنواع الأدوية وقتله العديد منها لكن مصدر توليدها كان باقياً لذا نصحوه بأن يهدم تلك البالوعة حتى يتخلص كلياً من تلك الحشرات المؤذية ولا تعود ثانية..

وهكذا القلب إذا كان متكبراً أو حقوداً أو حسوداً يولد اضراراً عديدة على صاحبه فعليه ردم تلك المساوئ بالتخلية وتحليتها بالمحاسن أما انه يحتفظ بها ويعمل بجوارحه دون تحسين الجذور فالسعادة أمر صعب بالنسبة إليه.

ربما لا يستطيع الإنسان بقراءة القرآن الكريم والدعاء والصلاة ونحوها أن يرى ملكوت السماوات والأرض أما أن يجمع معها إصلاح قلبه فيستطيع ذلك.

لذا قال أمير المؤمنين (ع): (ألا وإنّ من البلاء الفاقة وأشدّ من الفاقة مرض البدن وأشدّ من مرض البدن مرض القلب، ألا وإنّ من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب) (8).

فقد نرى بعض الملتزمين العبادات ولكنه يقوم بمحرمات منها الظلم وهذه السيرة تتمثل في الظالمين من الولاة والمسيطرين على رقاب الناس لأن القلب غير صالح ولم يتخلّ عن مساوئه لذى ترى بعض الظلمة كما في سيرة حياتهم انه لو أراد أن يصل إلى مستوى ما أو السيطرة على الحكم فإنه يفكّر في ازاحة من ينافسه في ذلك الأمر مستقبلاً فيعمل على تصفيتهم تباعاً ليكون حراً في السيطرة إذ لا يتأثر ذلك الإنسان بنداء القلب ونداء الفضيلة.. لأنه وكما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنه قال (يستيقن القلب أن الحق باطل أبداً، ولا يستيقن أن الباطل حقٌ أبداً) (9).

فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق ويجتنب رذائلها حتى لا يختلط العسل بالسم وكما يعبّر البعض عن الاتيان بالعبادة ظاهرياً دون إصلاح الباطن بجمع الأقذار مع أكل التفاح اللذيذ. فيلزم التخلي عن مساوئ الأخلاق ثم التحلي بمعالي الأخلاق على الترتيب العلمي لكي تستعد النفس لقبول الفيض من الله عز وجل وكما عبّر عن ذلك علماء الأخلاق:

(ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة إذ العلم الحقيقي عبادة القلب وقربة السر، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر إلا بعد تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد تطهيره من النجاسة الباطنية التي هي رذائل الأخلاق وخبائث الصفات) (10).

فنسأل الله تعالى أن يعيننا على إصلاح قلوبنا والفوز بالنظر إلى ملكوت السماوات والأرض والحمد لله رب العالمين.

1- النراقي، جامع السعادات، ج1، ص18، دار التفسير. 

2- البحار، ج67، ص40، ب44، مؤسسة الوفاء، بيروت. 

3- الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج6، ص349، مكتب الإعلام الإسلامي. 

4- شرح نهج البلاغة، ج6، ص86، ص363. 

5- العلامة المجلسي، البحار، ج45، ص8، مؤسسة الوفاء. 

6- تفسير نور الثفلين، ج1، ص23. 

7- البحار، ج91، ص98، مؤسسة الوفاء. 

8- نهج البلاغة، حكمة رقم 91. 

9- تفسير العياشي، ج2، ص53. 

10- النراقي، جامع السعادات، ج1، ص19، دار التفسير.