مجلة النبأ      العدد 45        صفر  1421       ايار 2000

ــــــــــــــــــ الرأي العام ــــــــــــــــــــ

ودوره في مسار سياسة المجتمع

[email protected] 

حيدر البصري

وظائف الرأي العام الإسلامي

العلاقة بين الشورى والرأي العام الإسلامي

تعريف الرأي العام

الرأي العام الإسلامي ودوره في مراقبة الحكام

هل للرأي العام الحق في اختيار الحاكم؟

هل يعد الرأي العام مقياساً للحق

تمهيد

تعد السلطة هدفاً يسعى إليه الكثير ـ بغض النظر عن نياتهم، في الحصول عليها ـ ظناً منهم أن السلطة تعد بمثابة خاتم سليمان الذي يتمكن الفرد من خلاله الحصول على ما يريد. علماً أن هناك من يسعى للسلطة لا للسلطة ذاتها وإنما يهدف من وراء الحصول عليها السير بالمجتمع على الصورة السليمة التي تتفق مع الإيديولوجيات والعقائد التي يحملها ذلك المجتمع.

والواقع أن السلطة والرئاسة هي حاجة ملحة من حاجات المجتمع فلابد لكل مجتمع من رأس يدبر أموره وينظم علاقاته، وإلا فسوف تعم الفوضى والاضطراب مما ينعكس سلباً على سير ذلك المجتمع.

ولكن هناك أمر مهم وهو: ما هي الضمانة التي يمكن من خلالها تأمين سير الرأس على النهج السليم؟ فلابد من جهة يمكنها ممارسة الرقابة بحق الحكام لضمان صحة سيرهم، وليس هناك رقيب أقوى ـ بغض النظر عن قوى المراقبة الأخرى ـ من الرأي العام فما هو الدور الذي يمكن للرأي العام أن يلعبه في هذا الشأن؟ وما هي الوظائف الأخرى التي يضطلع بها إضافة لرقابة الحكام؟ هذا ما ستعرضه هذه الدراسة الموجزة.

تعريف الرأي العام

هناك تعريفات كثيرة قد صيغت لمفهوم الرأي العام من قبل الكتاب والمفكرين والعلماء وكلها تتناسب مع الخلفية التي يحملها صاحب التعريف وتتفق مع الإيديولوجية التي يحملها كل منهم.

وليس غرضي هنا استقصاء ما قدم لمفهوم (الرأي العام) من التعريفات وإنما الأمر الذي يهمني هو ما قدم الكتاب المسلمون للرأي العام من تعريفات ومدى صحة التعريف الإسلامي.

فقد عرف الرأي العام الإسلامي بأنه:

(الرأي العام في الإسلام يشير إلى اتجاهات جماهير المسلمين نحو قضية تهم هذه الجماهير في وقت ومجتمع معين بعد مشاورة وحوار ونقاش يحكمه كتاب الله وسنة رسوله)(1).

لقد ادعى من ساق هذا التعريف بأنه تعريف علمي قد استكمل شروط التعريف آخذاً في اعتباره ما حققته الدراسات العلمية الحديثة في حقل الدراسات النفسية والإعلامية، وما قدمه المفكرون من تعريفات تتفق مع أيديولوجياتهم ونظمهم وأفكارهم ـ مستلهماً منهج رسول الله وسيرة السلف الصالحين من الخلفاء الراشدين الذين نهجوا منهج رسول الله(ص) في هذا الصدد.

ولكن هل وفق صائغ هذا التعريف في تقديم تعريف علمي جامع مانع للرأي العام الإسلامي أم لا؟

في نظرة أولية للتعريف المتقدم ينكشف للقارئ مدى الإخفاق الذي مني به الكاتب من خلال عدم الانسجام الكبير بين المعرِّف ـ بالكسر ـ والمعرَّف ـ بالفتح.

فان المراد تعريفه حسبما قال الكاتب هو الرأي العام الإسلامي حيث يقول (يصبح لزاماً علينا أن نقدم تعريفاً علمياً للرأي العام الإسلامي)(2).

والمعروف جلياً أن الرأي العام الإسلامي يعني اتحاد جميع المسلمين في ذلك الرأي.

ولكن التعريف المتقدم لم يكن ليشمل تلك الحالات التي تتفق فيها آراء المسلمين على مسألة معينة، بل جعل المعرَّف أخص مما هو عليه حين قال (في وقت ومجتمع معين)(3).

ومقتضى التعريف التام أن يكون المعرَّف ـ بالفتح ـ والمعرِّف ـ بالكسر ـ يعملان في دائرة أفراد واحدة.

ثم أن التعريف كان قد جعل من (الرأي العام الإسلامي) حالة منظمة تستند على أسس وضوابط معينة حين يقول (بعد مشاورة وحوار ونقاش يحكمه كتاب الله وسنة رسوله)(4).

في حين لم يكن الرأي العام سوى حالة جماهيرية شعبية تصدر عن عفو الخاطر تجاه قضية معينة وفق الآراء التي تحملها تلك الجماهير دون نقاش أو محاورة أو مشاورة كما ذكر التعريف.

نعم لو كان التعريف ينظر إلى الرأي العام من خلال ممثليه كما هو الأمر في المؤسسات البرلمانية مثلاً كان ذلك صحيحاً ولكن هذا لا يمكن الحكم عليه بأنه هو الرأي العام الإسلامي في مفهومه العام.

بعد كل ما تقدم يمكننا أن نقدم تعريفاً للرأي العام الإسلامي وهو:

(اتحاد آراء المسلمين نحو قضية ما من القضايا).

ولا احسب أن مفهوم الرأي العام الإسلامي بحاجة إلى اكثر مما ذكر في هذا التعريف لمكان وضوح هذا المفهوم في أذهان الناس.

ولكن إذا أردنا تجزئة التعريف وتناول رأي كل جماعة على حدة ودورها في التأثير على السياسة العامة لدولة ما فان ذلك لا يمكن أن نطلق عليه عنوان (الرأي العام الإسلامي) بحال، وإنما جل ما يمكن أن نطلق عليه هو الرأي العام الإسلامي في المجتمع الكذائي أو الدولة الفلانية.

فهذه الحالات الجزئية هي ما ينطبق عليه التعريف المشكل عليه.

العلاقة بين الشورى والرأي العام الإسلامي

هناك علاقة وثيقة بين كل من الشورى والرأي العام الإسلامي فما هو نوع هذه العلاقة؟

قبل الإجابة على السؤال المتقدم يجدر بنا تقديم تعريف للشورى لكي تتضح طبيعة تلك العلاقة من خلال تحديد إطار كل منهما.

لقد عرف القدماء الشورى بالتالي:

الشورى هي (استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى اقرب الأمور إلى الحق)(5).

إن الشورى بهذا المعنى لا تؤيده النظرية الإسلامية في الشورى، وإذا كان يطلق على استطلاع رأي ذوي الخبرة مصطلح الشورى فإنما هو من باب التسامح وإلا فهذا ليس من الشورى في شيء وفق النظرية الإسلامية.

كما أن أسباب النزول في الآيات القرآنية التي تشير إلى مسألة الشورى مثل:

( وأمرهم شورى بينهم... ) (6).

وقوله تعالى:

( وشاورهم في الأمر... ) (7).

لا توافق المعنى المتقدم الذي ذكر للشورى وأن التعريف السابق الذكر إنما يدخل في باب الاستعانة بذوي الخبرة في مسألة ما وهو من الأمور التي يدفع العقل الإنسان نحوها.

فيما عرفت الشورى من قبل الكثير بالتعريف التالي:

(الشورى هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور القائمة المتعلقة بها)(8).

كما عرفها البعض بأنها:

(تقليب اوجه الرأي والنظر في مختلف المسائل والقضايا المطروحة حتى تصل الجماهير باتجاهاتها إلى رأي من الآراء تتفق عليه وتؤيده) وتتبناه الأقلية كما تتبناه الأغلبية بعد مناقشة وحوار وذلك عن رضا واقتناع)(9).

بناءاً على ما تقدم يمكن القول بان الشورى إنما تمثل النافذة التي يمكن من خلالها الإطلال على الرأي العام وهي بمثابة البوابة التي نلج من خلالهاالى عالم الرأي العام لنعرف مواقفه تجاه قضية معينة.

وظائف الرأي العام الإسلامي

هناك أعباء ووظائف كثيرة تقع على عاتق الرأي العام ويتكفل بها ومن هذه الأعباء نذكر:

الرأي العام مرآة تعكس أخلاق المجتمع

يعد الرأي العام ـ بحق ـ المرآة التي تعكس خلالها قيم المجتمع وأخلاقياته ومثله وهذه المسؤولية لم تكن من مختصات الرأي العام الإسلامي فحسب، وإنما يتكفل بأعباء ها الرأي العام في كل مجتمع.

يقول ماكد وجال في ذلك:

(إن الرأي العام هو أحد العوامل الأربعة الكبرى التي تحمل المثل الخلقية بجانب):

أ: القوة.

ب: العادات والتقاليد.

ج: العقل.

والرأي العام يعتبر بهذا أقوى سند للأخلاق)(10).

على هذا يكون الرأي العام الإسلامي الدعامة التي يمكن أن تحتمي بها المثل والأخلاق في المجتمع الإسلامي إذ أن الرأي العام سيرفض بلا شك ـ أي تصرف لا أخلاقي يمكن أن يصدر من قبل أي فرد من أفراد المجتمع الإسلامي كما أن الرأي العام سوف يضع في الدائرة الحمراء من ينتهك المثل الأخلاقية للمجتمع الإسلامي فيكون ذلك الفرد بمعزل عن المجتمع الإسلامي. وبما أن الإنسان بمقتضى فطرته لا يمكنه العيش بمعزل عن الحياة في الجماعة سيتأمل كثيراً قبل أن يتصرف ما يمكن أن يضعه في دائرة العزلة الاجتماعية.

وقد تجلت آثار هذا الأمر في المقاطعة الاجتماعية التي أمر بها الرسول لأولئك الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله في إحدى غزواته حين صاروا درساً لكل من تسول له نفسه مخالفة القيم الإسلامية فقد وصف القرآن الكريم الحالة النفسية المتردية التي كان يعيشها أولئك المتخلفون جراء مقاطعة المجتمع لهم قائلاً:

(حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم..) (11).

فكان الرأي العام إذن وسيلة رادعة لكل من يحاول مخالفة القيم الإسلامية وتجاوزها ولكنه ليس من نوع تلك الوسائل والسبل العقابية التي تستخدم في ردع المخالفين وكفهم عن غيهم، وإنما يعد وسيلة سلمية يلتجئ إليها الإسلام تجاه مخالفيه. وهذا يرد زعم البعض من أن الدين الإسلامي الحنيف هو دين العنف، دين العصا الغليظة إزاء من يخالف أحكامه.

إذن فالرأي العام (يقوم بوظيفة الحارس على الأخلاق المستمدة من القيم الدينية والروحية، والنظرة الإسلامية للرأي العام تتفق مع أفكار هؤلاء الخبراء والباحثين، فالرأي العام الإسلامي مطالب بالحفاظ على الأخلاق الإسلامية التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله وعليه أن يقوم أي انحراف أو خروج عن المثل التي جاء بها الإسلام، بل والزام جميع المسلمين بعدم السكوت على أي خطأ أو منكر يواجهونه)(12).

فالإسلام يحث الرأي العام دائماً عن طريق الآيات واقوال الرسول واهل بيته الطاهرين على القيام بأعباء هذه الوظيفة وعدم التساهل فيها وإلا ففي التهاون العقاب الأكبر الذي يدفع المجتمع ثمنه من خلال تسلط الأشرار على المجتمع الذي نسي وظيفته هذه، فقد ورد في الكتاب الكريم قوله تعالى في ذلك:

( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) (13).

كما ورد عن رسول الله(ص) قوله:

(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان).

2ـ دعم الهيئات والمنشآت الاجتماعية والاقتصادية:

أما الوظيفة الثانية التي يتكفل بها الرأي العام فهي دعم الهيئات والمنشآت الاجتماعية والاقتصادية فمن المعروف أن الهيئات والمنشآت المتقدمة الذكر لم تكن قد أسست لنفسها وإنما كان الغرض من تأسيسها واقامتها هو المجتمع الذي ما لم تحصل على تأييده مادياً ـ بالنسبة للمنشآت الاقتصادية ـ ومعنوياً ـ بالنسبة للهيئات الاجتماعية فسوف لن يكتب لها الاستمرار.

(فالمنشأة التي لا يسندها الرأي العام يصعب عليها أن تحصل على ما تريد من الدعم المالي والأدبي الذي يؤيده الرأي العام)(14).

3ـ دعم الجماهير معنوياً وبث النشاط والحيوية فيها:

وهذه وظيفة أخرى يتكفل بها الرأي العام كذلك. فالخبراء يرون أن الحفاظ على الروح المعنوية من الأدوار الرئيسية المنوطة بالرأي العام.

فكلما كان تأييد الرأي العام لقيم الجماعة قوياً كلما خلق في تلك الجماعة روحاً معنوية عالية، بخلاف ما لو كان تأييد الرأي العام لقيم الجماعة تاييداً ضعيفاً، أو فيما لو انقسم الرأي العام على نفسه إلى رأيين عامين يناقض احدهما الآخر أو يضاده فإن الروح المعنوية ستكون بلا ادنى شك ضعيفة ومتدنية.

(إذن فتأييد الرأي العام أمر أساسي إذا اريد أن تكون هناك روح معنوية عالية ومما يقوي الروح المعنوية في الشعب الاتفاق على الأهداف، والعزم الأكيد على تحقيقها..) (15).

هذا بالنسبة للرأي العام بصورة عامة، ولم يكن الإسلام قد جاء بخلاف هذا فيما يخص دور الرأي العام في تقوية الروح المعنوية للجماعة.

فالدين الإسلامي يحث دوماً على دعم روح التعاون بين المسلمين، وتربيتهم على روح التعاون والإيثار والتضامن الاجتماعي فيما بينهم ، وما المؤاخاة التي قام بها الرسول الكريم(ص) إبان هجرته إلى يثرب سوى مظهر من مظاهر هذه الدعوة لضمان رفع الروح المعنوية بين المسلمين قال الله تعالى في كتابه الكريم:

( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (16).

كما ورد عن رسول الله(ص) قوله:

(المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً).

هل يعد الرأي العام مقياساً للحق

من المعلوم أن الأنظمة البشرية تعتبر رأي الأغلبية محوراً ومقياساً تعرف من خلاله الخطأ من الصواب، وتميز بين الحق والباطل، فهل يتخذ الدين الإسلامي من رأي الأغلبية مقياساً للحق كذلك كما هو الحال في الأنظمة البشرية أم انه يختلف معها في ذلك؟

إن الدين الإسلامي لا يعتد برأي الأغلبية فيما لو خالف المصادر الأساسية التي تعد الدستور الأساسي للمسلمين اعني بذلك القرآن الكريم، والعترة الطاهرة، أو السنة النبوية الشريفة على اختلاف بين المسلمين في ذلك.

إذن فالرأي العام ليس هو المقياس للحق دائماً، بل يعد مقياساً ما دام لم يجانب ويخالف تلك المصادر ، أما لو خالفها فلا قيمة له في الإسلام.

فالبشر قابل للخطأ وتتحكم في آراءه ومواقفه الظروف المختلفة الذاتية والاجتماعية.

وهذا الأمر مما أفادت به الدراسات الحديثة كذلك حيث توصلت في نتائجها إلى (أن رأي الأغلبية ـ بصرف النظر عن صحته أو خطأه ـ يدفع الآخرين إلى تأييده في حين أن المعلومات التي تردد رأي الأقلية لا يحتمل أن تجذب المؤيدين فقد أظهرت نسبة كبيرة من الأبحاث أن الجماهير تعتنق بعض الآراء لأنها تؤمن ببساطة بأنها تتفق مع رأي الأغلبية أو الرأي الشائع حتى لو كان غير صحيح) وهذا كما يقال (حشر مع الناس عيد).

هل للرأي العام الحق في اختيار الحاكم؟

إن اختيار الحاكم في ظل الأنظمة الديمقراطية هو من صميم اختصاص الرأي العام، فهو المكلف في كل فترة من الزمن باختيار الحاكم الذي يقود الدولة.

أما عن النظام الإسلامي فقد اختلفت آراء المسلمين في قضية اختيار الحاكم، وهل للرأي العام دور في انتخابه.

فقد انقسم المسلمون إزاء ذلك إلى طائفتين هما:

1ـ الطائفة الأولى: وهي التي ترى في اختيار الحاكم وظيفة من وظائف الرأي العام.

2ـ الطائفة الثانية: وترى أن الحاكم إنما يعين بالنص عليه.

وتتمثل الطائفة الأولى من المسلمين بإخواننا أبناء العامة، في حين تمثل الطائفة الثانية رأي الشيعة الامامية الاثني عشرية.

ويعود السبب في هذا الاختلاف بين الطائفتين إلى اختلاف نظرة كل منهما إلى الخلافة والخليفة (الحاكم). فإخواننا أبناء العامة يرون في الخلافة أمراً من الأمور الدنيوية التي يعود أمر البت فيها إلى المسلمين فهم أصحاب الشأن في اختيار من يقودهم.

أما الشيعة الإمامية فيرون في الخلافة منصباً إلهياً لا دخل لرأي المسلمين فيه بل يكون ذلك بالنص عليه من قبل الله تعالى.

ولكن الملفت للنظر أن إخواننا الذين اتخذوا من سيرة الخليفتين الأول والثاني سنداً ودليلاً على رايهم في الشورى، غفلوا في ذلك عن ما قام به الخليفة الأول من النص على الخليفة الثاني من بعده كما تجاهلوا ما قام به الخليفة الثاني حين تجاوز الرأي العام ووضع أمر اختيار من يخلفهُ بعهدة النفر المعروفين.

فلا نجد أثراً للشورى سوى في انتخاب الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب… الذي اجتمع في إسناد شرعية خلافته كل من النص الذي يقول به الشيعة، والشورى التي تقول بها الطائفة الأولى من المسلمين اعني طائفة أبناء العامة.

وهذا الاختلاف الذي وقع فيه إخواننا هو الذي قادهم إلى تغيير رأيهم في انتخاب الحاكم حيث جعلوه من اختصاص أهل الحل والعقد، ولكن مع ذلك يبقى تصرف الخليفة الأول حين نص على الخليفة الثاني لا ينسجم مع ما يرون.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الدكتور محمود حلمي ينكر كون مسألة اختيار الحاكم من صميم اختصاص أهل الحل والعقد وينيطها بالرأي العام حين يقول:

(إن أهل الاختيار المنوط بهم اختيار خليفة المسلمين ليسوا هم أهل الحل والعقد الذين تتحدث عنهم كتب الأصول، وإن الكثير من الفقهاء قد خلط بين هاتين الطائفتين، حيث لا يشترط في أهل الاختيار أن يكونوا على درجة رفيعة من العلم كما هو الشأن في أهل الحل والعقد، ذلك انه يكفي بالنسبة للطائفة الأولى ـ الرأي العام ـ أن يحصلوا من العلم بالقدر الذي يمكنهم من معرفة مجريات الأمور في المجتمع وظروفه واحواله السياسية وأن تتوافر لديهم القدرة على اختيار اصلح المرشحين)(17).

ومع ذلك على الدكتور محمود حلمي أن يدلنا على الحاكم الذي تم انتخابه من قبل من أناط بهم مهمة اختياره.

الرأي العام الإسلامي ودوره في مراقبة الحكام

لقد مارس الرأي العام دوره في مراقبة الحكام في صدر الإسلام، ولقد كان الرسول(ص) أول حاكم للدولة الإسلامية ـ كثيراً ما يحث المسلمين على ممارسة دورهم في مراقبة الحكام وابداء الرأي في القضايا التي تهم المسلمين، وليس ذلك إلاّ درس عملي يعلم المسلمين من خلاله ضرورة مراقبة الحاكم، وإلا فالرسول الأكرم(ص) لم يكن بحاجة إلى من يراقبه وهو الذي يقول عنه كتاب الله:

( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (18).

فإذا (ما راجعنا كتب السيرة لرأينا أن سيرة الرسول المقدسة مليئة بالشواهد الدالة على تأييده ودعمه(ص) لمبدأ الشورى والعمل به فكثيراً ما كان يردد على أصحابه قوله:

(اشيروا علي أصحابي)

ففي غزوة أحد مثلاً كان رأي الرسول(ص) وجماعة من أصحابه هو البقاء في المدينة المنورة وعدم الخروج منها، ورغم أن النتائج اسفرت فيما بعد عن صحة وسداد رأي الرسول(ص) ، ولكن بما أن آراء الأكثرية استقرت على الخروج فقد وافقهم الرسول(ص) على ما ارادوه وتحمل من اجل ذلك ما تحمل من المصائب الجليلة)(19).

إذن كان (رأيه ـ يعني الرسول(ص) ـ البقاء في المدينة فإذا جاء المشركون قاتلهم المسلمون، لكن جماعة من المسلمين كان رأيهم النفير فوافقهم النبي(ص) )(20).

أما (الخلفاء الأوائل فقد ابقوا على هذه السنة المقدسة وحافظوا عليها مما أدى بالنتيجة إلى تلك الانتصارات الباهرة التي حققوها في الصدر الأول من الإسلام)(21).

هذا بالنسبة للصدر الأول من الرسالة السماوية.

أما بالنسبة لما لحق هذه الفترة وإلى الآن فما هو دور الرأي العام في المراقبة، هل يقف الرأي العام موقفاً سلبياً إزاء الحكام وما يقترفون أم انه يجب عليه أن يمارس دوره وأن لا يتحجج بانحراف الحاكم عن جادة الشريعة واستيلائه على الحكم بالطرق غير المشروعة؟

إن السكوت إزاء ما يقوم به الحكام على فرض انتهاجهم سلوكيات خاطئة لا يخلف غير تمادي الحاكم الظالم في غيه، وطغيانه بخلاف ما لو مارس الرأي العام الإسلامي دوره في الضغط على الحاكم لتعديل سلوكه.

يقول آية الله المحقق النائيني (فقد ثبت لدى كل علماء الإسلام أن غاصباً لو وضع يده على بعض الموقوفات بشكل لا يمكن معه رفع يده راساً، إلا أنه يمكن الحد من تصرفاته وصيانة جزء من تلك الموقوفة المغصوبة من خلال القيام ببعض الترتيبات والخطوات العملية وتشكيل هيئة عليا للمراقبة، حينئذ يكون القيام بهذه الترتيبات والخطوات امراً واجباً، وهذا مما لا يختلف فيه المفكرون الدهريون فضلاً عن العلماء المتشرعين)(22).

 

1 ـ الرأي العام في الإسلام.

2 ـ نفس المصدر.

3 ـ نفس المصدر.

4 ـ نفس المصدر.

5 ـ الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي.

6 ـ الشورى/38.

7 ـ آل عمران/159.

8 ـ الشورى واثرها في الديمقراطية.

9 ـ الرأي العام في الإسلام.

10 ـ الرأي العام والدعاية وحرية الصحافة.

11 ـ التوبة/118.

12 ـ الرأي العام في الإسلام.

13 ـ النساء/114.

14 ـ لرأي العام في الإسلام.

15 ـ نفس المصدر.

16 ـ المائدة/2.

17 ـ نظام الحاكم الإسلامي مقارناً بالنظم المعاصرة.

18 ـ النجم 3 ـ 4.

19 ـ تنبيه الأمة وتنزيه الملة.

20 ـ السيرة النبوية لابن هشام.

21 ـ تنبيه الأمة وتنزيه الملة.

22 ـ نفس المصدر.


 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 45

الصفحة الرئيسية