اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية

صندوق النقد الدولي

والتنمية في الدول النامية


محمد آدم


المعالجات والنتائج

اخفاق خطط التنمية

من المسلم به أن أحد دوافع الإنـــسان والمجتمعات البشرية هو الطموح والرغبة في اللحاق بمن سبقوهم في سلم التقدم الاقتصادي والعلمي. ومن هنا نجد انه عندما ولجت الدول النامية ميدان التنمية الاقتصادية والتخطيط من اجلها ـ وضعت مستويات المعيشة الغربية كهدف تصبو إلى تحقيقه ـ وارادت أن تحقق ذلك بأقصى سرعة ممكنة، ولا غبار على هذا الاتجاه من حيث المبدأ ـ إلا أن هذا الطموح قد تسبب ـ خلال حالات كثيرة في سوء تخصيص المواد المتاحة لدول العالم النامية ـ ومن ثم لم تحقق الأهداف الطموحة خيبة أمل تدفع إما إلى الاستسلام والرضا بمجهودات محدودة في مضمار التنمية. واما أن تدفع إلى طموح اكبر قد ينجع في حل مشاكلها وقد يفشل فيزيد من درجة تخلفها وبعد الشقة بينها وبين الدول المتقدمة صناعيا.

أما بالنسبة للدول المتقدمة صناعياً الآن، فلم يكن أمامها هذه المقارنة في المراحل الأولى لتنميتها الاقتصادية، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى تقارب مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم في ذلك الحين، والى عدم تقدم سبل المواصلات بالقدر الذي بلغته الآن، وبالتالي تحت عملية تخصيص الموارد بين قطاعات الاقتصاد القومي بما حقق لها هذا التقدم الذي نراه اليوم ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الاتحاد السوفيتي (السابق) والصين من بعده إلى إقامة الستار الحديدي حولها لكي تتم عملية البناء دون الوقوع في مصيدة المحاكاة أو سوء تخصيص الموارد.

وعلاوة على ذلك، نجد أن التقدم التكنولوجي الذي يتم في الغرب الآن يميل نحو الادخار في استخدام الأيدي العاملة وزيادة كثافة رأس المال. وقد يكون هذا الاتجاه ضرورياً بالنسبة لبعض المنتجات التي تتطلب درجة كبيرة من الدقة الآلية التي يتحقق فيها وفر في التكاليف للإنتاج الآلي إلا أن التقدم التكنولوجي لا ينبع جمعية من هذين السببين ـ ولكنه يتأثر في ذلك من نقص الأيدي العاملة وارتفاع معدلات الأجور في الدول الغربية لذلك قد يؤدي نقل التكنولوجيا الغربية إلى زيادة حدة المشكلة الاجتماعية التي تواجه الدول النامية وقد يكون من شأنها استنفاذ المتاح لديها من رأسمال دون تسهيل عملية التنمية الاقتصادية كما كان متوقعاً من ادعاء مزايا الدخول متأخراً في ميدان التنمية.

ونتيجة لإبطاء الدول النامية في مجال التنمية تحملت عبء الزيادة السكانية مما تسبب في البطالة وتردي الأحوال المعيشية التي تتدنى إلى اقل من المستوى الأمي وانتشار الجهل والمرض والجوع، واغلب الظن إنها ما كانت تقع في هذا المأزق لو لم تتأخر في التنمية الاقتصادية وبالصورة العلمية العملية لاستثمار ما هو متاح من إمكانات داخلية وخارجية... إلا أن العكس يحدث فتصبح دولاً استهلاكية وذات مديونية كبيرة.

أبرزت بعض الآراء الاقتصادية المزايا المتاحة للدول النامية حالياً نتيجة لوصولها متأخرة إلى بداية مضمار التقدم الاقتصادي والرغبة في رفع مستويات معيشة شعوبها. وتستند هذه الآراء أساسا إلى أن الإبطاء يتيح لها المعرفة التكنولوجية التي توافدت لدى الدول المتقدمة الصناعية طول مسيرتها على درب التقدم الاقتصادي والصناعي. وهذه المعرفة تضع بين يدي الدول النامية فرصة تحقيق نمو اقتصادي سريع وتحسين الأحوال المعيشية للشعب بدرجة أسرع في فترة زمنية أقصر من تلك التي استغرقتها الثورة الصناعية في البلاد المتقدمة اقتصادياً الآن.

ومن ناحية أخرى قد تستفيد من ازدياد عدد الدول المتقدمة عن طريق ما تقدمه هذه الأخيرة للدول النامية من رؤوس أموال ومساعدات ومصدر للطلب على منتجاتها.

اخفاقات خطط التنمية

وبالنظر إلى تجربة النمو الاقتصادي في الدول النامية نجد أنها قد جاءت مخيبة للآمال، ولم تحقق ما هو منتظر منها، فلم يرتفع مستوى نصيب الفرد من الدخل القومي بدرجة ملموسة، ولم تتحسن الأنماط الغذائية لمعظم سكان الكرة الأرضية ولم تبلغ مستوى صحياً مقبولاً بعد واشد من هذا أن الفجوة بين الدول النامية والدول المتقدمة صناعياً في تزايد مستمر نتيجة لاختلاف معدلات النمو في كل منهما. ولعل من اشد العقبات التي تواجه الدول النامية هي مشكلة الأسواق، وقد نتجت عدة جوانب في هذه المسألة من تأخرها في مساعي التنمية ويرجع ذلك إلى جمود الهيكل الاقتصادي للدول النامية إضافة إلى نقص الأسواق نتيجة لتأخر الدول النامية في الجهود الإنمائية والصناعية تجد أن صناعاتها الآن بالضرورة ناشئة ولهذا لا تستطيع منافسة منتجات الدول الصناعية الا إذا توافر لها دفع من أنواع الحماية، كالرسوم الجمركية أو الحصص أو إعانات التصدير...

وبمعنى آخر تحتاج عملية التصنيع الناجحة للدول النامية إلى أسواق لتصريف منتجاتها وتحقيق لتسد الخلل في نقص العملات الصعبة وتحيل حركة أسعار السلع الصناعية والسلع الأخرى إلى ارتفاع الأسعار النسبية للمجموعة الأولى وهذه الحركة تؤدي إلى تغير شروط التبادل الدولي في غير صالح الدول النامية.

وهذا يزيد من العقبات التي تواجهها نتيجة لتباطؤ وصولها في هذا المضمار وتبين هذه العقبات جانباً آخر من مساوئ الوضع الذي يواجه دول العالم النامية نتيجة للتأخر في سلم التقدم الاقتصادي.

أن ما نبرزه في هذا المقال بعض الجوانب التي تعوق تقدم الدول النامية نتيجة لوصولها متأخرة إلى مضمار التنمية الاقتصادية، ولا نرمي من وراء هذا إلى دفع الدول النامية للتخلي كلية عن المعرفة التي أوجدتها الثورة الصناعية والتقدم الاقتصادي في الدول الغربية فنحن ابعد ما نكون عن ذلك لاعتقادنا بوجود قوانين عامة، تم الكشف عنها ولا يصح ـ بل لا يعقل ـ إضاعة الوقت وتبذير الموارد في إعادة اكتشافها... ولكن ما نقول به هو أن الأخذ بأسباب النمو والتقدم الاقتصادي والصناعي يتوقف أولا واخيراً على تفهم الظروف الواقعية لكل دولة ـ والاستفادة من العناصر الإيجابية فيها، وتقليل إقرار العناصر السلبية ـ وأن الاعتماد على النقل وحده سواء بعد التعديل أو التبديل، أو بدون تغير ـ لن يؤدي إلاّ إلى زيادة تبعية الدول النامية للدول الكبيرة، دون أن تحقق شخصيتها، أو تفجر طاقاتها الكافية التي تضمن لها التغذية المستمرة في الصعود إلى آفاق أعلى من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية ،وأن على الدول النامية أن تخرج من شرنقة أنها مجتمعات استهلاكية وأن تعمل الجهد اللازم لعمليات إرساء الهيكل الأساسي لاقتصادياتها، ولكي تتخلص من أسباب عجز موازين مدفوعاتها وتبعيتها للعالم الخارجي.

إن انخفاض سرعة عملية البناء فيها يعود إلى إن الدول الغريبة تتحكم في نشاطات المؤسسات المالية في العالم ومنها صندوق النقد الدولي الذي يضع قيوداً صارمة على قروضه للدول النامية كنصائحه التي تتضمن:

1ـ تخفيض العملة الوطنية.

2ـ تحرير التعامل في الصرف الأجنبي أو العمل على الاقتراب من هذا الهدف.

3ـ الحد من الاستيراد.

4ـ رفع سعر الفائدة المحلي لتشجيع الادخار والحد من التضخم المالي.

5ـ الحد من الإنفاق الحكومي عن طريق إلغاء الإعانات للمستهلكين.

6ـ زيادة الضرائب على المداخيل والسلع.

7ـ وفي بعض الأحيان تجميد الأجور وربما رفع الرقابة على الأسعار.

المعالجات والنتائج

هذه السياسات الكلاسيــكية أصبحت عنواناً تضعه المؤسسة الدولية على كل طلب يقدم من أي دولة نامية أيا كانت أوضاعها الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية ويعتقد خبراء الصندوق أن اتباع الدول لنصائحهم السابقة سوف يحقق زيادة في الصادرات وبالتالي زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، كذلك خفضاً في الواردات، وبالتالي مدفوعات الدولة من هذا النقد والنتيجة أن ما سبق سيحقق نقصاً في عجز ميزان المدفوعات وربما تعادلاً في هذا الميزان، بل أن البعض يتفاءل بإمكانية حدوث فائض ، فالنسبة لميزان المدفوعات فأن الهدف من تخفيض العملة لزيادة الصادرات، وخفض الواردات الضرورية للحياة كلاهما غير مرن ولن يستجيب على الإطلاق، فالإنتاج الزراعي بطبيعته إنتاج غير مرن على الأجل القصير، وفي معظم الدول النامية وهو إنتاج غير كاف، لمواجهة الاستهلاك المحلي، وبالتالي لن يلعب دوراً كبيراً أو صغيراً في زيادة الصادرات، واعادة التوازن لميزان المدفوعات.

والإنتاج الصناعي ـ أن وجد ـ في الدول النامية فانه رغم ضآلته نسبة إلى الإنتاج القومي، فهو من حيث النوعية والتكلفة لا يستطيع المنافسة الدولية والنزول للسوق العالمي بل أنه ما كان ينمو في كثير من الحالات دون حماية جمركية عالية.. كذلك فان زيادة الصادرات منه.. لو أمكن معالجة ما سبق تحتاج في كثير من الأحيان إلى واردات من المواد الخام، والمعدات، وقطع الغيار والمعرفة التكنولوجية، وكلها أصبحت بعد خفض العملة الوطنية اكثر تكلفة بل واكثر ندرة في الحصول على موارد النقد الأجنبي.

هذا وإذا انتقلنا إلى قطاع التصدير التقليدي للبلاد، الذي يتمثل غالباً في منتج زراعي، أو منتج حيواني، أو منتج تحديثي وحيد، فان تخفيض العملة الوطنية إزاء العملات الأجنبية لا يشجع على زيادة الصادرات فبجانب أن العرض غير مرن كما ذكرنا فان الزيادة في حجم الصادرات ـ إن حدثت... لن تؤدي إلى زيادة موارد النقد الأجنبي للبلاد كما كانت عليه قبل التخفيض ،فمثلاً عندما اضطرت الصومال إلى خفض عملتها من 25/6 شلن للدولات من اللحوم لم تتضاعف مرتين ونصف لتحافظ على مواردها السابقة من العملة الأجنبية. بل أن هذه الموارد نقصت عما قبل واضطرت البلاد إلى قبول تخفيضات أخرى بلغت ثلاث مرات في خلال سنتين فقط وبالطبع أدى التخفيض كما هو متوقع في الصومال ـ وغيرها ـ إلى تزايد الأسعار ومضاعفتها اكثر من تخفيض العملة (وبين ليلة وضحاها ارتفعت أسعار تذاكر الطيران والإقامة بالفنادق إلى نحو 3 أمثال ...) فتخفيض العملة الوطنية عموماً لا يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد الضروريات، كما أن تجميد الأجور وخفض الإعانات للمستهلكين مما أضاف أعباء إضــافية على أصحاب الدخل المحدود لنقص دخولهم الحقيقية ولا يخفى ما لذلك من مساوئ اقتصادية تعيق من رفاهيتهم الاجتماعية وتؤثر على وضعهم بالنسبة للطبقات الأخرى، ومساوئ سياسية نتيجة للاضطرابات والإضرابات والقلاقل التي يمكن تتعرض لها بل وتعرضت لها دول كثيرة أخذت باقتراحات صندوق النقد الدولي،

وبالنسبة إلى رفع سعر الفائدة على المدخرات المحلية بهدف زيادتها والحد من التضخم النقدي، فأن المدخرات الشخصية (أي الفردية) بسيطة في الدول النامية فضلاً عن أن الانكماش يقع عبئه على المشروعات الوطنية التي لن تواجه فقط بارتفاع تكلفة التمويل لندرته، بل وأيضاً بارتفاع في تكلفة المستورد من راس المال (تمويل) ومعدات ومواد خام، مما قد يؤدي إلى الحد من نشاطها وإلغاء أي خطط للتوسع في إنتاجها مؤدي ذلك أن الادخار الفردي وادخار قطاع الأعمال كلاهما يتأثر سلبياً وليس بالزيادة كما يعتقد خبراء الصندوق.

إن من ينتهز هذه الفرصة هو رأس المال الأجنبي للشركات المتعددة الجنسيات، لو كانت البلاد لديها قطاع تعدين للتصدير ـ حيث يصبح مشروع استغلال الموارد التعدينية اكثر ربحا لانخفاض العملة الوطنية وبالتالي التكلفة المحلية للمشروع، بما ذلك الاتاوات الحكومية، كما تنتهز هذه الشركات وغيرها الفرصة للتوسع من صادراتها لداخل البلاد حيث أن ما تدفعه البلاد نقداً أو عيناً لوارداتها اصبح اكثر من ذي قبل..

ولن نزيد المشكلة بالقول بأن احتمال دخول رأس المال الأجنبي مستمر في البلاد إذا توافرت الشروط التي يتطلبها وهي... الاستقرار السياسي وتحويل الأرباح للخارج، وتزايد الأرباح يكون لصالح المستثمر الأجنبي حيث يأخذ هو بالعملة الصعبة أما أبناء البلد فيحصلون بالعملة الوطنية0

وتجدر الإشارة هنا أن زيادة الإنتاج المحلي بسبب هذا الاستثمار لن يكون بديلاً للواردات، إذا كان قطاع التعدين هو القالب كما انه لن يكون بديلاً للواردات بنسبة 100% ولو حدث انه تم في نشاطات أخرى، والخلاصة انه من الأجل المتوسط و الطويل أن لم يحدث تحويل لرأس المال الأجنبي إلى ملكية وطنية فان مشكلة ميزان المدفوعات تتفاقم اكثر من أن تحل وهناك ما أشرنا إليه المديونية للدول الغنية للدول النامية طريق وعر محفوف بالمشاكل الاقتصادية الضائعة دائماً.

ومن هنا على الدول النامية وخاصة الإسلامية منها الاعتماد على الذات قدر ما يمكن لتجاوز مشاكلها واتباع الاقتصاد المتوازن وحري بها انتهال وتطبيق الاقتصاد الإسلامي للخروج بما يعزز كرامة.

الإنسان لديها واقامة اقتصاد إسلامي عادل لديها يحقق الوفرة للجميع.

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية