اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية

   

اسس وثوابت النظرية الاسلامية في البناء الاجتماعي

     

عبدالله موسى

[email protected]

القيادة السياسية قيادة اجتماعية

الدور العقائدي

عناصر البناء الاجتماعي

الانسان محور البناءالمجتمعي

الطرح الحضاري للنظرية الاسلامية

تطور المجتمع الاسلامي

العلاقات الاجتماعية في المجتمع الاسلامي

الإنسان محور البناء المجتمعي

انتهت عموم الدراسات التي تناولت موضوع البناء المجتمعي، إلى إيلاء الدور الأول لهذا البناء للإنسان الذي هو محور المجتمع ومادته الأساسية غير أن الاختلاف في نسبة تدخل الإنسان ـ كقوة ـ في تشكيل صيغ البناء الاجتماعي وتزداد هذه النسبة كلما اقتربنا من المنهج الديني لدراسة المجتمع، وهذا المنهج الأخير ينقسم ويتفرع هو الآخر بحسب طبيعة الدين والتدين، وما دام البحث يدور حول التصوير الإسلامي لهذه المناهج، فإننا لابد من أن نختزل الآراء الدينية والعقائدية التي تطرفت في تشخيص دور هذا الإنسان، فمنها ما غالى بهذا الدور فأوصل الإنسان إلى مرتبة المعبودية أو قصر فبخس حق الإنسان فاسترق الرجل وحقّر المرأة، وقد أخذت النظرة الإسلامية للمجتمع شكلاً واضحاً حيث هو (ذلك المجتمع الذي تميز عن المجتمعات الأخرى بنظمه الخاصة وقوانينه القرآنية وأفراده الذين يشتركون في عقيدة واحدة ويتوجهون إلى قبلة واحدة ولهذا المجتمع وإن تكون من أقوام متعددة وألسنة متباينة خصائص مشتركة وأعراف عامة وعادات موحدة)(1).

وبالتحديد الآنف الذكر تكون النظرة الإسلامية لمجتمع المسلمين هي للخصائص العقائدية بالدرجة الأولى والتي تتأسس في كنفها العادات والتقاليد والأعراف، فالمجتمع البدوي والمجتمع الحضري يقتربان من كونهما داخل إطار الدين الإسلامي الذي هو القانون المدني والقانون الديني في نفس الوقت مما يعطيه صفة الإلزام التي تفتقدها الكثير من القوانين الوضعية أو قوانين الأديان الأخرى.

عناصر البناء الاجتماعي

أن لكل جماعة نسقا اجتماعيا يكاد لا يقتصر على مجتمع دون غيره وهناك عناصر تشترك فيها هذه الجماعات ومنها،الشعور بالانتماء للجماعة، والتعبيرات القيمية والمثل التي تشترك فيها الجماعة، والتفاوت الفردي لعناصر المجتمع ، والأدوار، والسلطة، إضافة للمعتقد العام أو لأغلب أفراد الجماعة.

والانتماء إلى الجماعة إما أن يكون طوعيا بان يختار الفرد مجتمعه دون ضغوط خارجية أو أن يجبر الفرد على الانتماء لمجتمع معين بعد أن يستنفذ سبل بقاءه وانتمائه لمجتمعه الأصلي ومثال ذلك الهجرات التي تكون نتيجة الاحتلال أو الحروب وما شابه، وهنا ينشأ تقسيم الجماعات إلى (ذات الأصل المشترك common origin أو الجماعات ذات المصلحة المشتركة common interest الا أن بعض المتخصصين لا يرون هذا التمييز كافياً لأن كل الجماعات في واقع الأمر لها مصلحة مشتركة لذلك يطلق على الجماعة الأولى اسم (الجماعة الشكلية الرسمية) والثانية اسم (الجماعة الغرضية)(2). وحسب هذا التقسيم فإن الأسرة والقومية هما من نوع الجماعات الشكلية الرسمية وكلما تصاعدت وتيرة التطور الاجتماعي تحولت مجتمعات النوع الأول إلى الجماعات الغرضية. وقد أخذ التنظير الاجتماعي أشكالاً عُدّ بعضها نوعاً من الحالة المرضية وهو ما يؤكده بارسونز المنظر الاجتماعي بقوله بأنه (مريض بداء التنظير) فهو يخلط بين الاختيار في نطاق الوسائل والغايات ويذعن في الوقت ذاته بعدم إمكان خرق القوانين والأعراف والمعايير التي تحددها قيم المجتمع دينية كانت أو غير دينية(3).

ويرى هوبز بأن البشر في فطرتهم أنانيون تماماً وأن ذلك يفضي إلى حرب الجميع ضد الجميع، الأمر الذي يقتضي وجود التنظيم الاجتماعي لتشذيب تلك النزعة الطبيعية وضبطها.

أما الإسلام فقد قام بهذه الوظيفة عبر تجاوز الحالات الاسروية أو الانتماء للقبيلة أو القوم فكان المقياس في التفاضل هو التقوى كما يصور ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) والتنافس الذي يجري هنا هو عكس نظرة هوبز تماماً بان القانون العام هو قانون التعارف لخلق المجتمع الفاضل عبره.

الدور العقائدي في البناء الاجتماعي

أما أهم الميزات التي أنفرد بها الشكل الإسلامي للمجتمع فهي دور العقيدة في تصويب وتوجيه المجتمع إلى نوع من الوحدة المنظمة المستندة إلى العقيدة مع إعطاء الخيار للفرد الاجتماعي في التجاوب مع هذه التعاليم العقائدية. يقول تعالى: ( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وقوله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقوله تعالى ( وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) النحل 113.

كما إن العقيدة دخلت في بناء التنظيم الاجتماعي، (فالتنظيم في الإسلام يعني التعاون السهل الميسور بين المسلمين، والتكامل العميق بين أفكارهم ومشاعرهم ونشاطاتهم في تجاه تطبيق شريعة السماء السمحة والتي تمكن المجتمع من الاستفادة من كل طاقاته وإمكاناته) (4).

والعقيدة في الدين الإسلامي هي نظام يزاوج بين السياسة والاجتماع. ففي الوقت الذي كانت فيه القيادة الرسمية للدولة بيد النبي الأكرم (ص) فإن القانون الاجتماعي يسري على نظام الدولة العام والخاص فيأمر الإسلام نبيه الكريم بمشاورة أصحابه بقوله تعالى ( وشاورهم في الأمر) آل عمران: 159.

ويصف مثالية المجتمع المسلم بقوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم) الشورى: 38 فينشأ المجتمع على تربية عقائدية سياسية خالية من عقد التطبيق القسري للقوانين حيث إن تشريعات النبي (ص) هي تشريعات الله تعالى، فلماذا الاستشارة؟ وهل هناك من هو أصوب رأياً من الرسول الكريم (ص) ؟ الأمر لا يحتاج إلى عناء الجواب، فان النبي لا ينطق عن الهوى كما انه مسدد ومعصوم من الجهل والخطأ وعدم التقدير فلماذا يستشير (ص) في خطة حربية؟ وهنا لا يمكن الا أن نسلم إلى أن التربية العقائدية الصارمة لا تجد الاستجابة الكافية لدى الإنسان بل قد يحدث العكس أحيانا، وقد شمل هذا المنحى تطبيق الأحكام الشرعية والحدود في حوادث مشهورة عن النبي (ص) والإمام علي بن أبي طالب… 

القيادة السياسية قيادة اجتماعية

من أولى واجبات القائد في الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس من حق الوالي الذي لا يرحم عياله وخاصته أن يتولى شؤون المسلمين، والمسؤولية هنا جماعية، وطرد هذا الوالي لا يختص بالقائد العام للدولة بل أن المجتمع برمته مسؤول، مسؤولية شرعية عن هذا الخلل في وجود هذه الشخصية غير السوية في القيادة وهذا ما يؤكده الحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وفي حديث آخر يقول(ص) (من رأى سلطاناً جائراً فلم يغير ما عليه بلسانه أو بيده حق لله أن يدخله مدخله) وقوله (ص) (كيفما تكونوا يولى عليكم) وهذه القاعدة التي ثبتها الرسول الأكرم (ص) هي التي توضح أسباب الانهيار الذي أصاب المجتمع الإسلامي في العصرين الأموي والعباسي وما تلاها من انكسارات بهذا المجتمع بعيداً عن دوره الفاعل في النتاج الحضاري العالمي ووضعه في أسفل الترتيب بالنسبة للمجتمعات الحاضرة من كل النواحي، حيث تولى زمام الأمور من لم يعبأ بأدنى مقومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقفت عملية التقويم من قبل غالبية المجتمع الإسلامي، فكان الانحدار والسقوط نتيجة حتمية لهذا الانحراف الذي انتج مجتمعاً ضعيفاً غير قادر على مقاومة عوامل هذا الانحراف الذي استفحل واشتدت وطأته.

ولا يمكن لأي مجتمع بدائياً كان أم ؟متحضراً؟ أن يمارس حياته دون قيادة ترشده، وتوجهه وتحدد له الأهداف الجماعية المشتركة، وتتخذ القرارات الهامة، فإذا ما كانت القيادة تتمتع بالحكمة والرشاد أخذ المجتمع بالرقي السياسي والاجتماعي بينما ترزح المجتمعات التي تبتلى بالقيادات المتهورة والمتسرعة في القرارات تحت رحمة الفقر والتخلف والجهل.

وكان أحد عوامل تطور المجتمع الإسلامي في عهد الرسالة بشكل مطرد يعود إلى قيادة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم الرشيدة والتي رأى فيها المجتمع الجديد ذاته وشخصيته الضائعة.

العلاقات الاجتماعية في المجتمع الإسلامي

ومن مفردات علم الاجتماع هو عنصر العلاقات الاجتماعية الذي تشترك فيه جميع المجتمعات الا أن هناك تقسيمات لأنواع هذه العلاقات، فقد يحدد الانتماء إلى طائفة معينة نوع التعامل مع الطوائف الأخرى ومثال ذلك بعض الطوائف الدينية في الهند، وحتى عند بعض القوميات فيشرع ما يشبه القانون الخاص بهذه الجماعة، كعدم جواز تزويج فرد من أفراد الطائفة مع فرد من خارج هذه الجماعة.

أما الرؤية الإسلامية للعلاقات الاجتماعية فإنها تأخذ منحيين، الأول: الإطار الإنساني العام، فالإنسان أينما كان يعطى تعريفاً محدداً (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

الثاني: إطار الحقوق والواجبات التي تحدد وظيفة الفرد في المجتمع، فالشخص النصراني الذي يعجز عن العمل لكبره أو لطارئ آخر يأخذ حقوقه من بيت مال المسلمين لأنه فرد تابع لجماعة المسلمين بغض النظر عن اعتقاده لأنه متفق معهم ضمن عقد أساسي.

تطور المجتمع الإسلامي بين الأمس واليوم

إن ترديد مقولات الغربيين وتقليدهم بشأن المجتمع وتكوينه وتطوره أمر يجب أن لا يشغل المسلمين خصوصاً وأن المفكرين الغربيين أنفسهم يعترفون بأنهم جاوزوا حدود هذا التنظير الاجتماعي، وضمن هذا التقييم فان المسلمين ونخبهم معنيون بدراسة علم الاجتماع الإسلامي على ضوء ما جاءت به الشريعة الإسلامية المتكاملة التي حددت أدق التفاصيل في علم الاجتماع وحيث تعليماتها تدخل مع الفرد في حجرة الزوجية كتعليمات دينية اجتماعية إنسانية، وقد أبدى بعض علماء الاجتماع الغربيين إعجابهم بتكوينة الاجتماع الإسلامي، لا لنزعته الأخلاقية أو الدينية فقط بل لأنه مجتمع قائم على التنظيم حيث أن الاجتماع في التصور الإسلامي يشتمل على (الأخلاق الاجتماعية والآداب الاجتماعية والمواثيق الاجتماعية والقوانين الاجتماعية والمواريث الاجتماعية والشعائر الاجتماعية والمقررات الاجتماعية)(5) بما يشبه نوعاً من التركيز على الاجتماع كجزء أساسي في النظرية الإسلامية.

الطرح الحضاري للنظرية الإسلامية في الاجتماع

الآن وبعد تشعب الطروحات النظرية الاجتماعية واختلاط اكثر مفاهيمها كيف يتسنى للمسلم أن يقف على مفاصل هذه النظرية ضمن الأدبيات الإسلامية الحديثة التي يمكن اعتمادها كمصادر لتشريع القوانين الاجتماعية وهذا الأمر بحاجة إلى العلماء المراجع الذين بإمكانهم استنباط الحكم الشرعي من مصادره الإسلامية، وقد طرح الإمام الشيرازي في كتابه (الاجتماع) بحوثاً في علم الاجتماع الإسلامي والذي تميز بصفة الوضوح في مقاصده على عكس النظريات الاجتماعية التي ذكرنا أنها بلغت درجة من الخلط بحيث يتعسر فهم تطبيقاتها العملية فضلاً عن فهم النظرية أصلاً لإغراقها في تفاصيل تبتعد أحيانا عن الواقعية وأول ما يبدأ به الكتاب هو تقديم الطرق البحثية في التحقيق الاجتماعي بما يضمن (تشخيص مفردات البحث) و(الانتخاب الدقيق للكلمات والجمل، التي يريد البحث حولها حتى لا تسبب كتبه ومقالاته، ضلالاً وتحريفاً، فان الكلمات الرجراجة والجمل المهلهلة ذات الاحتمالات والمحامل تؤدي إلى الانحراف في السامع والقارئ)(6) كما أن ترتيب هذه المفردات من شأنه وضع القارئ والمتلقي أمام تحديد دقيق لا يقبل الخلط بين فصوله؛ فيقف على فصول هذه النظرية بشكل يضمن وحدة الموضوع في البحث، ويجنب المتلقي حالة الخلط التي وقع تحت تأثيرها من خلال الطرح الغربي لهذه النظرية، ومن الجدير بالإشارة هنا أن التقسيمات والتفرعات التي أُجبر المفكرون الغربيون على الإسهاب في تفصيلاتها هي من صنع واقعهم، وربما يكون لهم الحق في التوسع في هذه الدراسات، ولكن أن تجتاز حدود الواقع الاجتماعي فهو مما لا تقبله الفطرة، فالمنظّر الاجتماعي مضطر للأخذ بنظرية فرويد في علم النفس في الوقت الذي تحتاج فيه هذه النظرية إلى مقبولية علمية واجتماعية معاً خصوصاً بعد ما بان خطأ الكثير من طروحات فرويد في نظريته من الناحية العلمية. والباحث الإسلامي ـ العالم المجتهد ـ يأخذ نصوصه من مصادرها بشروط توافقها مع أدلة التشريع بما يعني أن هناك ضمانة قانونية شرعية لصحة النص وبهذا يتضح الفرق الشاسع بين الطرح الإسلامي للنظرية الاجتماعية وبين غيرها من الطروحات وهذا لا يعني بالتأكيد خروج المجتمع الإسلامي عن القوانين التي تحكم العالم بل يعني أن القانون الأساسي الذي وضعته الشرائع السماوية يتجسد في الطرح الإسلامي لها وهنا لابد من الإشارة إلى أن المفكرين الإسلاميين قد وقعوا في نفس الخطأ بالنسبة للدراسات الإنسانية الأخرى وحاولوا جهد إمكانهم أن يوفقوا بين المفاهيم العلمية ـ الخاطئة ـ والمعتمدة في الكثير من الدراسات الغربية وبين النظرة الإسلامية، وثوابتها في تحديد قوانين المجتمع وأكثر من ذلك في صحة هذه البحوث برمتها.

إن البحوث والدراسات الاجتماعية الإسلامية يمكن أن يكتب لها النجاح إذا ما اعتمدت المنهج العلمي المستند إلى القرآن الكريم وأحاديث وتقريرات النبي (ص) والأئمة الطاهرين € ، وإسناد هذه البحوث إلى المختصين في الجامعات بالتنسيق مع الأوساط العلمية الأخرى وإشراف العلماء المجتهدين، لضمان تطوير المجتمع الإسلامي وعودته إلى صفوف المجتمعات المتحضرة كما كان عهده تحت ظل القانون الإسلامي...

الهوامش

(1) المجتمع الإسلامي ط1، 1980، د. محمد أمين المصري ـ منشورات دار الأرقم الكويت.

(2) محاضرات في علم الاجتماع العام د. محمد عاطف غيث د. غريب محمد سيد احمد. دار المعرفة الجامعية الإسكندرية.

(3) راجع سلسلة عالم المعرفة النظرية الاجتماعية: من بارسونز إلى هابرماس.

(4) المجتمع الإسلامي من منطلقاته وأهدافه. محمد تقي المدرسي.

(5) كتاب الاجتماع ج1 الإمام الشيرازي. طبعة دار العلوم التحقيق والطباعة ـ بيروت.

(6) الإمام الشيرازي ـ المصدر السابق.

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية