اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية

شباط 2000م

مجلة النبأ ـ العـد د  42

ذو القعدة 1420

 

الرأي الآخر..

 

حصانة يضمنها أهل البيت عليهم السلام

حيدر الجراح

الصورة الخامسة

الصورة الرابعة

الصورة الثالثة

الصورة الثانية

الصورة الأولى

نعود إلى الصور التي رسمناها في البداية

قراءة واستنتاجات

صورة أولى

( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون) (1).

لم يطرد الله سبحانه وتعالى ملائكته والحافين بعرشه من ملكوت رحمته لأنهم اعترضوا على ارادة الخلق وسجل القرآن هذا الاعتراض بين دفتيه.. ولم يوصموا بالكفر والالحاد لانهم باعتراضهم قد يتجاوزون على حقوق الله سبحانه وتعالى.. هل هو اعتراض مسوّغ ومشروع؟

صورة ثانية

( واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين) (2).

فقط ابليس وحده اكثر الملائكة عبادة وسجوداً استحق لعنة الله والملائكة ولعنة اللاعنين لانه رفض السجود لادم.. ولم يناقشه رب العزة في هذا القرار الرافض للسجود والذي اتخذه.. بل دفع بالكفر حالاً.. هل هناك فارق بين هذا الاعتراض والذي سبقه؟

صورة ثالثة

صور الضلالة هي نفسها في مجتمعات الجزيرة العربية المتناثرة هنا وهناك.. وهي نفسها في مكة على وجه التحديد.. قسوة في المناخ وقسوة في النفوس.. و 360 صنماً ووثناً في الكعبة باسماء متعددة وصلاحيات معينة فواحد للمطر واخر للزرع واخر للاخصاب وغيره للحرب وللحياة والموت..

360 رأياً وفكرة تمثل بمجموعها حرية العبادة والاعتقاد ـ عبادة الاوثان واعتقاد الشرك ـ ورأي واحد يوصم بالجنون والسحر حين يخرج على تلك الآراء.. ايهما اكثر صواباً تلك الآراء المتعددة أم هذا الرأي الواحد؟

صورة رابعة

يحدثنا الواقدي في كتابه المغازي أن سهيل بن عمرو دخل دارهُ حين فتح المسلمون مكة وارسل ابنه عبد الله إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب له جواراً فلما التقى عبد الله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تؤمن أبي يا رسول الله؟ قال: نعم هو أمن بامان الله فليظهر لعمري أن سهيلاً له عقل وشرف وما مثل سهيل جهل الإسلام.. فخرج عبد الله إلى ابيه فأخبره فكان يقبل ويدبر وهو أمن دون أن يسلم بل وخرج بعد ذلك في جيش النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حنين وهو على شركه حتى اسلم بعد ذلك في الجعرانة..

صورة خامسة

بعد ظهور الخوارج من رحم التحكيم في صفين قال لهم الامام عليه… ـ وهو أول من سنّ قتال الخوارج ـ: لكم عليّ ثلاث الا امنعكم من مساجد الله تذكرون اسم الله فيها وأن لا امنعكم اعطياتكم وأن لا أبدأكم بقتال..

قراءة واستنتاجات

سنة الله في كونه ومخلوقاته الاختلاف والتعدد وعدم وجود الواحدية والاحدية الا له سبحانه وتعالى..

فمن اختلاف الالوان إلى اختلاف الألسن واللغات واختلاف الفصول والليل والنهار إلى جميع المظاهر الاخرى في هذا الكون المحيط بنا بسمائه وأرضه ومخلوقاته من إنسان وحيوان..

ولو اراد الله أن يكون خلقه هذا على نمط واحد وطراز واحد لما عجز عن ذلك حاشا لله.. لكنه اراد هذا الاختلاف سنّة ليستطيع الإنسان من خلاله عمارة الارض كي يكون جديراً بمهمة الاستخلاف المنوطة به..

وقد حفل التاريخ البشري منذ بدء الحياة على الارض بصور الصراع الايجابي في بعض الاحيان والسلبي في احيان كثيرة بين (الأنا) المتعددة والآخر المتعددة ايضاً..

واحسب أن التاريخ لم يكن ليصلنا بهذه الصورة لو لا هذا الصراع المستمر والذي لا يهدأ..

وقد كانت ابرز محطات هذا الصراع ما تعرض له انبياء الله من عنت واضطهاد وتقتيل وتشريد لانهم نادوا بتعاليم السماء وسط اقوامهم الذين كانوا يعتقدون أن ما توارثوه عن الآباء والأجداد هو الصحيح وأن ما جاء به هؤلاء الانبياء هو الخطأ..

واذا تجاوزنا التاريخ اليهودي والمسيحي وما فيه من شواهد كثيرة لهذا الطرد والابعاد والمصادرة للرأي الآخر وجئنا إلى التاريخ الإسلامي لوجدنا الكثير من تلك الشواهد والنماذج والتي اتخذت اسماءاً عديدة لها.. فهي تارة تسمى بالالحاد أو الزندقة وتارة اخرى بالكفر والضلال..

ولم تكن تلك الشواهد لتظهر الا بعد أن تحول الإسلام من تعاليم وشرائع تنضح بالتسامح واللين والرحمة إلى سلطة لا يربطها بالاسلام الا الاسم وتشهر السيف بوجه الآخرين.. أي عندما انفصل القرآن عن السلطان..

بعد أن سنّ الامويون سب الامام علي… اكثر من نصف قرن على المنابر كان الرأي الاخر هو من يروي فضائل علي وابنائه أو هو الاعتراض على هذا السب.. وقد ذهب الكثير ضحية لهذا الهوس الطاغي بالرأي الواحد الذي مثلته السلطة الاموية.. وظهر التكفير في عهد الحجاج بعد المحاكمات التي جرت في الكوفة بعد القضاء على ثورة عبد الرحمن بن الاشعث حيث كانت تنتهي تلك المحاكمات بالقتل مسبوقاً بتهمة الكفر ـ وعلى حد تعبير الطبري(3) كان المتهم يقدم إلى النطع ويقال له اشهد انك قد كفرت والتي تساوي الخروج على النظام..

(لقد كانت تهمة الالحاد احدى الموبقات التي اقترفتها السلطة عبر التاريخ بلا وعي وبغير عدل.. وفي المسيحية والاسلام معاً ساقت السلطة احرار القلوب إلى المحاكمات والاضطهاد والتعذيب.. ولم يكن الاجهاز على حياة نافعة عظيمة أو الحاق الاذى بنفس بارة كريمة يكلف الذين بيدهم السلطان اكثر من انفراج شفاههم عن هذه الكلمة الخاطئة الكاذبة: ملحد.. زنديق.. وكثيراً ما كان وراء التشيع للدين والتظاهر بالحفاظ عليه أسباب أخرى لا تمت للدين بصلة)(4).

وفي هذا السياق هناك رواية يذكرها علي بن برهان الدين الحلبي والتي توضح هذا الاستهتار بالرأي الاخر والذي يتحول إلى تهمة بالكفر والالحاد والتي كما ذكر الطبري تعادل الخروج على النظام..

يقول الحلبي (اطلق سليمان بن عبد الملك لما ولي الخلافة سبعين الفاً قد حبسهم للقتل ليس لواحد منهم ذنب يستوجب به الحبس فضلاً عن القتل)(5).

نعود إلى الصور التي رسمناها في البداية..

في الصورة الاولى: تبرز ظاهرة الرأي الآخر جلية في خطاب الملائكة لله سبحانه وتعالى عبر اعتراضهم أو قل تساؤلهم الذي يستدعي المعرفة وليس الشك ـ فيما ـ يفعله الله سبحانه.. وكان موقف الله رب العزة موقف المسامحة مع ملائكته واكثر ما اجابهم به هو (اني اعلم ما لا تعلمون..)

في الصورة الثانية: رغم بقاء الاطار العام لها الا أن تفاصيلها تتغير.. فالتساؤل المعترض هنا ليس طرحاً لرأي مغاير بل اعتراض صارخ بالتشكيك في طبيعة الخلق وعبثيته من قبل ابليس.. فادم ليس افضل مني لكي اسجد له تنفيذاً لامر الخالق.. فهو مخلوق من طين وانا من نار.. وشتان بين الخلقين.. لم يكن رأي ابليس صادر عن اعتراض تتمخض منه المعرفة.. بل هو صادر عن اعتراض يتولد منه الرفض.. وهو ما جعله على راس قائمة اللعن واللاعنين...

نزولاً من المستوى الغيبي والميتافيزيقي للصورتين الاولى والثانية إلى المستوى المادي والحياتي.. نطالع الصورة الثالثة: في مكة وقبل فتحها كان في الكعبة 360 صنماً ووثناً كلها تعبّر ـ في ذلك الزمن ـ عن حرية العقيدة ـ عقيدة الشرك بالله.. وتلك الاصنام والاوثان التي يحيط بها الآخرون متعبدين وخاضعين لها والتي تحدد مسار حياتهم ومماتهم وحركتهم وتنقلهم وأمور معيشتهم ورغم هذا الوجود المتعدد لهذه الالهة الا أن القسوة والعنف كان يغلف الحياة بجميع مفاصلها..

فالجاهلية كما يحدثنا الطبري هي الفظاظة المتولدة عن الجهل، انها القسوة المتولدة عن الجهل.. (6).

حين برز صوت الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الرأي الاخر والفكرة الاخرى المغاير والمغايرة لتصورات تلك التجمعات البشرية وكانت التهم التي اطلقت عليه(صلى الله عليه وآله وسلم) هي الكهانة والجنون والسحر.. هذا الصوت المغاير امتلك المعرفة.. وامتلك القدرة على التغيير من خلالها.. لقد كان رحيماً..

فالانسان الذي يعرف لا يستطيع أن يكون عنيفاً وفظاً.. وهذا الرأي الاخر اقترح وضع حد لذلك.. تحطيم الاصنام واحلال الرحمة..

في الصورة الرابعة: تبرز قيمة الإسلام العملي حين يكون متماشياً ومتماهياً مع حركة الآخرين وخصوصاً افكارهم ومعتقداتهم طالما هي لا تهدد الامن الاجتماعي أو العقائدي لمجموع المسلمين..

كان بامكان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قتل هذا الرجل لشركه وعدم ايمانه.. لكنه تركه حراً مع فكره رغم خطأه ولم يحاول قسره على اعتناق الرأي الاخر الذي فيه خلاصه الحياتي والأخروي..

في الصورة الخامسة: والاخيرة في سياق هذا السرد التاريخي وليست الاخيرة في سياق الوقائع تبرز قدرة احتواء التناقض والتضاد داخل النسيج الواحد الذي لا يخشى الاختلاف طالما هو على الحق يدور معه اينما دار..

كان يمكن أن يتحول الرأي السائد في شخص الحاكم إلى سلطة مستبدة قامعة لا تبقي رأياً معترضاً امامها.. فالسيف بامكانه أن يحل اكثر المواقف تعقيداً لكنه بالمقابل لا يستطيع أن يقدم حلولاً لاشكاليات سوف تبقى قائمة..

نعود إلى مسرح الاحداث ونصل ما انقطع منها ونصعد الان إلى المسرح العباسي حيث ظهور مصطلح الزندقة يوصم به كل رأي آخر أو يتهم به كل فكر اخر.. ولم تكن تلك التهمة صحيحة مائة بالمائة في غالب الأحيان لمن يُتهم بها بل هي نوع من التبرير المشروع الذي مارسته السلطة ضد خصومها السياسيين..

(لم يكن كل الذين يتهمون بالزندقة زنادقة حقاً وانما كان منهم من يتهم بالزندقة لاسباب سياسية. فقد اتخذ الخلفاء من هذا الاتهام وسيلة للقضاء على خصومهم الهاشميين ـ هل هم الزنادقة حقاً؟ وعلى هذا النحو اتهم ابن داود بن علي ويعقوب بن الفضل واتي بهما إلى الخليفة المهدي ولما كان الخليفة المهدي قد ارتبط من قبل بعهد الا يقتلهما فأنه لم يستطع أن يأمر هو بقتلهما وانما حبسهما واشار إلى ابنه الهادي أن يقتلهما حينما يتولى الخلافة بيد أن الهادي لم يتح له أن يقتل غير يعقوب لان ابن داود بن علي مات في سجنه قبل أن يتولى الهادي الخلافة)(7)..

ولم يقتصر الامر على الخلفاء في اتهامهم الخصوم بالزندقة لاغراض سياسية بل كان هناك من الوزراء من يتخذون الاتهام ـ الباطل غالباً ـ بالزندقة سبيلاً للكيد والوقعية بنظرائهم أو خصومهم الذين يحقدون عليهم.. ومن هنا نستطيع أن نفهم تلك الرواية التي ذكرها الطبري عن اتهام ابناء عبيد الله الوزير بالزندقة.. فقد اتهم الربيع صاحب الخليفة المهدي ومنافسه ابي عبيد الله الوزير ابناء هذا الاخير أو واحداً من ابنائه بانهم زنادقة، وقد افلح الربيع في هذا الدس عند الخليفة الذي أمر بأن يقتل عبد الله بن ابي عبيد الله الوزير وكان ذلك سبباً في توتر العلاقات بين ابي عبيد الله والمهدي حتى أن الخليفة عزله من منصب الوزارة وولى يعقوب بن داود بدلاً منه..(8)

والطبري يذكر صراحة أن اتهام ابن ابي عبيد الله بالزندقة يقصد به زعزعة مركز ابيه عند الخليفة المهدي وكان ابو عبيد الله موضوعاً لدسائس موالي المهدي.. ويذهب صاحب الاغاني إلى ابعد من ذلك فيقول أن المهدي ادرك من بعد السبب الحقيقي الذي من أجله أبلغه الربيع أخباراً عن زندقة ابن عبيد الله الوزير(9)..

تلك الكلمات التي دفعت في سياق رفض الاخر كأنها رماح وسيوف في يد المدافعين عن الايمان ـ الذي هو السلطان ـ تعني الشيء نفسه.. الابتعاد عن الطريق القويم.. وقد عملت تلك الكلمات نتيجة لهذا التزمت الديني ـ السلطوي عمل المقاصل والمشانق..

فهي كانت كافية لهؤلاء المدافعين عن الايمان لاتهام الآخرين بالالحاد أو بالكفر أو بالزندقة ـ لا تهم التسمية ـ حتى يتم تحويل الرأي الاخر إلى هدف مشروع للقتل أو القصاص وربما التعذيب أو التمثيل به..

أن هذا النفي البشع للاخر إلى درجة التمثيل به حياً أو ميتاً هو من فعل افراد أو جماعات شاردة جسداً وروحاً عن انسانيتها ومحيطها أي انها منسلخة تكويناً وعقلاً...

عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام) اتخذ الاخر وضعاً مغايراً.. فهو النظير في الخلق والانسانية أن لم يكن أخا في الدين والمعتقد.. ولا شيء يساوي حياة إنسان إن لم يخرج رأيه الذي يعتنقه عن حد الاعتراض المشروع ينقل لنا الطبرسي في كتاب الاحتجاج والذي هو أشبه بموسوعة لحوار الآراء المحقة مع الآراء الباطلة وفق نمط ديمقراطي لانراه حتى في اكثر الديمقراطيات تحرراً..

بعد موقعة الجمل ودخول الامام علي… بجيشه إلى البصرة.. اكثر عليه جيشه باعتراضاته حول الفيء.. فهم يقولون: من قاتلناه فهو وماله وولده فيء لنا..

وقد تكلم واحد منهم من بكر بن وائل وهو عبّاد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد.. فقال: يا امير المؤمنين.. والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت بالرعية.. فقال: ولم ويحك؟

قال: لانك قسمت ما في العسكر وتركت الاموال والنساء والذرية ـ فقال (ع) ايها الناس من كانت به جراحه فليداوها بالسمن.. فقال عبّاد: جئنا نطلب غنائمنا وجئت بالترهات ـ والترهات هي كناية عن الاباطيل..

لنتصور قائداً آخر لجيش منتصر وحاكم دولة في الوقت نفسه يخاطب بتلك اللهجة الوقحة والعبارات المؤلمة من جندي في جيشه وتحت امرته.. هل يمكن أن يدعه يتم كلامه ام يكون السيف اسرع في الجواب اليه؟

لم يزد… الا أن قال: يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل مكة..

يا اخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها ودار الهجرة يحرم ما فيها الا بحق..

وخاطب جيشه قائلً: فمهلاً مهلاً.. رحمكم الله فأن لم تصدقوني واكثرتم عليّ.. فايكم يأخذ عائشه بسهمه؟

فقالوا: يا أمير المؤمنين.. اصبت واخطأنا وعلمت وجهلنا فنحن نستغفر الله تعالى.. إلى اخر الرواية التي اوردها الطبرسي(10)..

وموقف آخر رواه ابن أبي الحديد المعتزلي في نهجه حين خاطب الإمام علي… أهل الكوفة يعبئهم للقتال.. فلم يخرجوا.. فخاطبهم قائلاً.. منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت لا أبا لكم.. إلى اخر الخطبة.. وموقف هؤلاء الجنود يمثل الآن أعلى درجة من العصيان في القانون إذا تعرضت الدولة لعدوان خارجي ما و تكون عقوبته في الوقت الحاضر هي الإعدام رمياً بالرصاص. أو القتل صبراً بالسيف كما كان يفعل الحجاج فيما لا يخرج عند تعبئه الجيش لمعركة ما.. (11).

وكذلك موقفه… مع أصحابه التي أوردها ابن أبي الحديد في شرحه للخطبة 68 وعلق على قوله… أني عالم بما يصلحكم: يقول: إنما يصلحكم في السياسة السيف، وصدق فان كثيراً لا يصلح إلا عليه.. كما فعل الحجاج بالجيش الذي تقاعد بالمهلب فانه نادى مناديه: من.. وجدناه بعد ثالثة لم يلتحق بالمهلب فقد حل لنا دمه، ثم قتل عُمير بن خابئ وغيره فخرج الناس يهرعون إلى المهلب. وأمير المؤمنين لم يكن ليستحل من دماء أصحابه ما يستحله من يريد الدنيا وسياسة الملك قال عليه السلام لكن لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي) أي بإفساد ديني عند الله..(12).

لقد بدأت المسألة في التاريخ استلاب الاخر بغلو في التأويل اخرج المختلف معه أو الاخر من الملة ثم تراكم هذا الاستلاب واصبح غلواً اعمى فاخرج هذا الامر من حدود الحياة والنفس التي حرم الله قتلها الا بالحق ثم ضاع الحق في غلو الغلو وعلى ايدي المنحرفين عقلاً وروحاً والذين تجد هم في كل ملة فكانت عواصف التطرف ومجازر الرعب..

لقد دلت جميع التجارب التي عاشها المسلمون على أن الاستبداد حين يبدأ فهو يبدأ بالرأي الواحد والذي يحاول إلغاء الآراء الأخرى حتى لا تعود هناك معارضة حقيقية لهذا الواحد وليصير المجموع خاضعاً لجميع نزواته واهوائه..

تلك المعادلة التي افرزها التاريخ الإسلامي والسياسي منه على وجه الخصوص أدت بهذا الصراع الذي كان يبدأ بسيطاً في القاع ليصعد ناشياً وعنيفاً إلى القمة التي ترد بأسلحة أقوى و أمضى منه ومرات لا تسعفها تلك الأسلحة أو لا تملكها أصلا في الرد.

كل استبداد عاشه المسلمون قاد إلى التطرف والعنف وحلت بدلاً من لغة العقل لغة اليد.. وتلك قصة اخرى...

الهوامش

1 ـ سورة البقرة/اية 30.

2 ـ سورة البقرة/اية 34.

3 ـ الطبري/ج6/ص265.

4 ـ في البدء كان الكلمة/خالد محمد خالد/ 34

5 ـ السيرة الحلبية/ج1 ص293.

6 ـ تفسير القرآن العظيم/الطبري/ج7/ص208.

7 ـ الطبري/ج6/ص549/اخبار سنة 169هـ.

8 ـ الطبري/ج3/ص490.

9 ـ من تاريخ الالحاد في الإسلام/د. عبد الرحمن بدوي/ص33.

10 ـ الاحتجاج/ج1/ص394/رقم83.

11 ـ نهج البلاغة/ابن أبي الحديد المعتزلي/ج2/ص300/خ39.

12 ـ نهج البلاغة/ج6/ ص104/ خطبة68.

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية