مجلـــة النبـــأ      العــدد 29      السنـــة الرابعـــة      شـــوال 1419

الثقافة أولاً ..

الامة الواحدة..                  


عبد الحسين السيد


الثقافة ماذا تعني..؟ أو ماذا نعني بها..؟

الثقافة في لغة العرب هي الحذق والفهم..

والتثقيف هو التهذيب والتشذيب والحذق والتقويم والفطانة..

أما تعريف (الثقافة) المصطلح عصري، أو مفهوم عصري فماذا يعني..؟ وعلى الرغم من تعدد التعاريف فيها إلا إنها جمعت في تعريف يقول: (الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة، كمركب كلي ونمو تراكمي.. مكون من مُحَصِّلة العلوم، والمعارف، والأفكار، والمعتقدات، والفنون، والآداب، والاخلاق، والقوانين، والأعراف، والتقاليد، والمدركات الذهنية والحسية، والموروثات التاريخية، واللغوية، والبيئية.. التي تصوغ فكر الانسان وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي في الحياة..).

هكذا عرف الاستاذ إبراهيم جواد (الثقافة) وبهذا جمع بتعريفه مختلف الآراء والنظريات حول الثقافة ومعناها الواسع. فعندما نقول ثقافة الأمة الإسلامية، فلا بد من إستحضار كـــــل هذه المفاهيم في ذاكرتنا من (علوم ومعارف.. معتقدات وأعراف.. فنون وتقاليد..) إلى الواقع ونوزنها بموازين الاسلام الحنيف.

وعندما يتم تقييم وتقويم كل هذه المفاهيم على ضوء الكتاب والسنة الشريفة وتتمسك الأمة بها.. يحق لنا أن نقول ثقافة إسلامية.. وأمة إسلامية..وفي هذا العصر أصبح الكون عبارة عن قرية مصغَّرة بالنسبة للمعلوماتية والحاسوبْ ووسائل الإتصال الحديثة المرئية والمسموعة والمكتوبة.. والإنسان البسيط تاه في بحرها الخضم وراحت تتقاذفه تياراتها في كل الاتجاهات.وكذلك الأمم الضعيفة والفقيرة والمتخلفة فهي ضاعت برمتها .. لانها لا تستطيع المقاومة .. ولم تستوعب نشأها الجديد فضاع هذا النشئ وتفتت الأمة، وتفرقت إلى فرقاً متناحرة.. وراحت تقطع أوصالها بأيدي أبنائها.. وذلك لأنهم لا يعرفون معنى الأمة الواحد..

والشعب الواحد.. والرسالة الواحدة.. والمصير المشترك الواحد إلى المستقبل الواعد..كيف تاهت أمة عظيمة (بكل ما تعني وتحوي العظمة) وكبيرة بكل ما تعني الكلمة.. كيف..؟؟!

فهل يمكن أن يصدق أن أمة تعد اكثر من (ملياري) نسمة كعدد.. وهي منتشرة في كل بقاع العالم -فلا أتوقع وجود بلد على وجه الأرض ليس فيه مسلمين، وهذا الانتشار يعني أنهم من كل القوميات الموجودة في الدنيا.. ويتكلمون بمعظم لغات العالم بمختلف مشاربهم ومأربهم..؟؟

وهذا التنوع يؤدي الى تنوع التلقي الثقافي والحضاري (من علوم وفنون وآداب وعادات وتقاليد..) إلا انها تلتقي في أصول العقيدة والمبدأ والدين (وهو الاسلام والقرآن) وهذا من أكبر النعم.. واعظم علامات النبوغ الحضاري والتفتح المثمر لهذه الأمة المباركة..

فدين الإسلام هو الدين الوحيد القادر على حمل وتحمل مثل هذه المسألة الشائكة وعلى جميع المستويات.. لأنه وبقوانينه وتشريعاته (الثابت منها والمتغير) الأصول والإجتهادات النابعة من الأصول (قرآناً وسنة وعقل).. قادر على ان يعطي رأياً عصرياً متماسكاً ضمن اطره الثقافية والعقائدية.. وهذا ما ليس موجوداً في أي دين أو حتى قانون عصري مهما بلغ من الدقة والتنوع في التفريعات والإستنباطات.. لمحاولة الوصول إلى قانون مثالي خالي من نقاط الضعف..

اسئلة ومحاورات

فهل من صحوة تعيدنا الى المحجة البيضاء الناصعة ..؟؟!وقد تقول لي: كيف لنا أن نتوحد أو حتى ننادي بهذه الشعارات الاسلامية (الوحدة.. الأخوة.. العدالة.. الحرية..) بمثل هذا الظرف وهذا العصر الذي إختلفت فيه النظم السياسية والإقتصادية والإدارية.. إختلافاً جذرياً..وتنوعت النظم الثقافية والتعليمية والتربوية حتى.. وتباينت الإنتماءات والولاءات والإتجاهات..وإتسعت المساحات ووضعت القيود والحدود.. بالجمارك والدساتير والهويات والتأشيرات المعاصرة حتى ضمن البلد الواحد..ولا تنسى التطور الهائل لماكينة الحرب والنقل والإتصالات والصناعات الحديثة في كل نواحيها حتى وصلت إلى القمر وربما تجاوزته إلى المريخ عما قريب.. فكيف لنا أن نجمع المختلف.. وأن نؤلف الذي لم يأتلف..؟؟

فهناك ألف معيق ومعيق.. وربما التفكير بذلك أصبح مُعَاقاً.. ومُعِيقاً..وخاصة مسألة الموازنات الدولية الإستراتيجية ومراكز القوة في العالم.. ونظام الأقطاب أو القطب الواحد فقط.. ونظام العولمة الجديد.. وبقية المصطلحات الحديثة.

وللجواب أقول: نعم يمكن لنا أن نتوحد.. أو لا أقل أن نتضامن فيما بيننا إسلامياً.. وذلك بتفاصيل كبيرة وكثيرة.. إلا أننا يمكن ان نجمل إلماعاً..

1- عندما قام الإسلام هل كانت هناك دولة عربية أو إسلامية..؟لا.. ولكن كانت هناك قبائل عربية متناحرة متقاتلة همها الغزو والقتل والسبي والفساد فيما بينها.. حتى أنـــه كانوا يقـــتلوا أبنــــاءهم خوفاً مـــن الجوع.. ويئدوا بناتهم خوفاً من العار والفضيحة كما يظنون(1) .. وساء ما يعلمون..ولكن عندما جاء الإسلام فقد جمع شمل القبائل وصهرهم في بوتقة واحدة، وقال لهم: (إنما المؤمنون إخوة..)(2)، وبالتالي جمعهم ووحدهم في دولة واحدة عاصمتها المدينة المنورة وقائدها الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (ص).وهذا الأمر من أوضح الواضحات واعظم الأعمال التي قام بها رسول الله (ص) والى الآن هو موضع إعجاب وتعجب من قبل الكثيرين من العلماء والمؤرخين في العالم أجمع..

2- وعندما جاء الإسلام هل كان هناك دين واحد..؟لا لم يكن هناك دين واحد .. بل أديان متعددة ومتنوعة ومختلفة من (نصرانية ويهودية ومجوسية ووثنية..وغيرها)..والإسلام جمعهم بشعار واحد (لا إله إلا الله - محمد رسول الله) فكان الجميع تحت هذه الراية المباركة.. فالرأي والموقف والحكم واحد نابع من الوحي ومأخوذ من الرسول الأعظم (ص) والتطلع والأماني والأحلام واحدة..

3- هل كان هناك جيش نظامي أو قوة عسكرية محددة في البلاد العربية..؟لا.. لم يكن هنالك إلا الرجال تتدرب على القتال تلقائياً بالسيف والرمح والترس.. وتركب الفرسان وترعى الإبل والأغنام.. والتدريب كله كان من أجل اتقاء الشَّر ومن أجل الشر نفسٍه.. لا العمل من أجل نشر الخير والسلام.. فكانوا إما للغزو أو لرد الغزو عن أنفسهم.. والسيادة للأقوى والأدهى في معظم الأحيان وفي كل القبائل..

وعندما جاء الإسلام جعلهم قوة جبارة عظيمة فتحت الأرض كله بالطول والعرض في ذاك الوقت.. وعلى الخيول أو سيراً على الأقدام.. وبمعدل زمني بَهَرَ العقول.. وذلك بأقل من نصف قرن فقط.. فتح المسلمون أكثر من خمسين دولة من دول العالم المعاصر الآن.. وكانت جميعها تدار من قبل حاكم واحد.

علماً أن الخلفاء المسلمين لم يدرسوا القانون الدولي ولم يتخرجوا من الجامعات العالمية ولم يكن لديهم الآلاف من المستشارين أجهزة وأفراد.. ولم يكن تحت تصرفهم الأقمار الصناعية ولا شبكة الإنترنت ولا الفاكس والهاتف.. ولم يكن لديهم الحواسب الإلكترونية العملاقة لتخزين المعلومات وعرضها عند الطلب.. ولم يكن لديهم العشرات من أفرع الأمن المختصة داخلياً أو خارجياً.. ولم يكن لديهم طيران ودبابات وصواريخ لدك القلاع وتهديم الحصون وردع المتمردين..

لم يكن لديهم شيء من هذه المعطيات الحضارية الآن.. التي جعلت العالم بين يدي الحاكم يقلبها كما يُريد.. في العالم كل العالم والشواهد واضحة بيِّنة..

علم وعلماء

4- ما موقع العرب من العلم والعلماء..؟

كانوا في وضع مُزري مخزي لا يحسدون عليه.. فكانت حياتهم (ويكفيها هجاءاً) أنها عصر الجاهلية الجهلاء.. فجهلهم وتخلفهم أظلم من الظلام وأبشع مم تتصوره أنت..وعندما جاء الإسلام فأول كلمة نزلت وأول ما جاء به جبرائيل (عليه السلام) هو العلم والقراءة والكتابة، فأول سورة نزلت: (إقرأ باسم ربك الذي خلق. الذي علم بالقلم.. علم الإنسان مالم يعلم..)(3).

حتى كان فداء الأسارى هو تعليم عشراً من المسلمين مبادئ القراءة والكتابة. . أين تجد مثل هذا..؟ أما بقية العلوم فتكاد تكون معدومة لدى العرب قبل الإسلام.. وشجع الدين الجديد كل أنواع العلم والعلوم حتى قال: (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فإنفذوا لاتنفذون الا بسلطان)(4).

والسلطان (العلم) كما فسره بعض العلماء.. وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول وهو على المنبر: (سلوني قبل ان تفقدوني.. سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض).وكان يشير إلى صدره الشريف ويقول: (إن ها هنا لعلماً جماً.. لو اجد له حَمَلَه..).

من قال مثل هذا من الأولين والآخرين.. من عصر آدم (عليه السلام) والى اليوم الذي بلغ من التطور العلمي والتقني ما بلغ.. من..؟؟ ..لا أحد إلا علي (عليه السلام)..

وقالوا: أن من يريد أن يبني حضارة لا بد من أن يوفر لها شروطها.. ومقوماته.. وأول هذه الشروط هو .. الأمة الواعية..فالأمة التي تملك الأرضية الثقافية.. أي أنه لا يمكن أن تقوم حضارة في أمة ليس عندها الإستعداد والإستيعاب الحضاري.. أي التلقي والنبوغ بحاجة إلى أرضية صالحة..

كما أن من مقومات نشوء الحضارات الفكر الحضاري والثقافة العالمية المستوعبة.. وهذا متواجد في العرب والمسلمين ولا يمكن لأحد من المنصفين أن ينكره.. وأما العلوم العصرية فتحتاج إلى نهضة عامة وشاملة لكل مناحي الحياة.. وهذا يحتاج بدوره إلى إقتصاد قوي وصرف مدروس وتخطيط مسؤول..فالإقتصاد القومي أو الأممي ان صح التعبير وهو مأخوذ من الأمة الإسلامية، فهو عملاق إلا أنه بحاجة إلى تنظيم دقيق وإستثمار فعَّال للطاقات الهائلة المتواجدة لدينا..

فإننا من أغنى بلاد العالم على الاطلاق.. فالمعادن بأنواعها.. والخامات باختلافها.. والبترول بمشتقاته والأيدي العاملة والخبراء والعلماء كلها متوفرة لدينا.. رؤوس الأموال وغيرها.. إلا أن العديد منها مال إلى الَّدعَة والراحة والكسل .. بدلاً من التعب والجد والعمل..

وعدونا عرف من أين تؤكل الكتف.. فأكلنا ومازال يأكلنا..؟؟!أن الوحدة والإتحاد تعطي القوة للجميع.. والتفرقة والأنانيات تؤدي إلى قتل الجميع.. (فالمسلمون قد تشتتوا وتفرقوا وصاروا طرائق قددا.. ونصبت الحدود المصطنعة بين بلادهم..فبينما كان المسلم أخ المسلم اصبح غريباً عليه.. وهاهم المسلمون متأخرون في كل مكان ثقافياً وسياسياً واقتصادياً(5)..والحروب مشتعلة في طول البلاد وعرضها.. داخلياً وخارجياً.. فئات ومذاهب وقوميات.. وأحزاب وجمعيات.. وإضرابات ومظاهرات وإغتيالات..

وكل هذا لتدمير البلاد وهلك الحرث والنسل.. ولكن لماذا يحدث بنا مثل هذا..؟؟

لأنه هكذا تريد الدول العظمى (كما يسمونها أو تسمي نفسها) والدول الصناعية الكبرى.. وهي المالكة للقرار الدولي (كما يفهموه) ولا أحد يستطيع أن يقول لا..فالقوة عندهم.. والمال عندهم.. والحضارة عندهم.. والثقافة عندهم.. والفساد والإنحلال الخلقي عندهم.. وأحدث أنواع مبتكرات الجريمة عندهم.. والمخدرات بكل أنواعها عندهم..

بيننا وبينهم

كما أنهم وحدوا بلادهم ورسموا الحدود بيننا وقالوا لنا أنها مقدسة (وأوهمونا بتقديسها) تحت أسماء وشعارات عديدة أبطلها الاسلام لأنها جاهلية باطلة.. وجعل مكانها الأمة الواحدة.. الأخوة الإيمانية.. والعدالة الإجتماعية.. والعدل والحرية. بكل ما تعنيه هذه الشعارات من مضامين إنسانية..(فالإفتخار بالقوميات، والأقليميات، أو القبليات أو باللغات.. هذه كلها أعمال جاهلية..

فالتعصب للقومية العربية.. القومية الفارسية .. والقومية التركية، والقومية الكردية.. وغيرها وجعلها معياراً للتفاضل والتقارب والابتعاد بين الناس.. هذه القوميات هي التي سببت ضياع فلسطين وضياع الحرية في البلاد الاسلامية.

قتلونا في فلسطين، ولبنان ومصر والأردن والجزائر والجزيرة العربية، بريطانيا وعملاؤها قتلوا في وجبة واحدة في أطراف الجزيرة العربية أكثر من ستة وخمسين ألف إنسان مسلم عدا عمّا قتلوا في مصر والأردن والعراق وإيران وغيرها أثناء الانتداب البغيض..وقتلونا في الفلبين وكشمير وأرتيريا والأوغادين وبورما واليمن والباكستان الشرقية والغربية..منذ قرن ونحن نُقْتَل ونسجن وتهتك أعراضنا لماذا..؟

لاحظوا البلاد الأوربية الشاسعة والتي يبلغ نفوسها ما يقارب (سبعمائة مليون) فمنذ نصف قرن لا توجد فيها حروب ولا إنقلابات عسكرية..والحروب والإنقلابات العسكرية تقع بكثرة في البلاد العربية والاسلامية.. وهي ليست إلا أحابيل المستعمرين والمستكبرين.. فقد جاءوا إلى بلادنا لتقطيعنا وتمزيقنا ونهب خيراتنا وسفك دمائنا وتعذيبنا في السجون والمعتقلات..ويبقى السؤال لماذا كل هذا يفعل بهذه الأمة..؟؟وأعود وأكرر السؤال.. هل النقص في الإسلام؟ أو النقص في المسلمين كأمّة..؟ أو الخلل بعدم الإلتزام بالنظرية الإسلامية واقعاً وتطبيقاً على أرض الواقع..؟ أو النقص بالقيادة الواعية التي تكون على مستوى الأمة العظيمة (عظمة وعلماً وشجاعة ومسؤولية) لتعيد للأمة عزتها..؟الإسلام كامل متكامل لا نقص فيه أبداً في جميع مجالات الحياة.. لكلٍ موقع ولكلِ حكم حتى أرش الخدش.. ففي أي قانون من قوانين العالم يوجد مثل هذا..؟

تصريحات وإعترافات

وكم هي الصرخات المنصفة من كبار علماء الغرب لشعوبهم من أجل التعامل مع الإسلام كتراث حضاري عريق لاكند وعدو عنيد..فالرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) يقول في كتابه أمريكا والفرصة التاريخية: (إن العديد من الأمريكيين لا يعرفون أن العالم الإسلامي له تراث غني.. إنهم يتذكرون فقط أن المسلمين نشروا بسيوفهم الدين الإسلامي في آسيا وأفريقيا وحتى أوربا.. وينظرون بفوقية إلى الحروب الدينية في المنطقة..إنهم يغفلون واقع أن الإسلام لا ينادي بالإرهاب، وأنه لم يمض أكثر من ثلاثة قرون على الحروب الدينية التي تورط فيها المسيحيون في اوربا ضد المسلمين .. فعندما كانت اوربا تتقهقر في العصور الوسطى.. كانت الحضارة الإسلامية تتمتع بعصرها الذهبي..

لقد قدم العالم الإسلامي إسهاماً ضخماً في العلوم والطب والفلسفة..).أما الموسوعي (ويل ديورانت) صاحب قصة الحضارة وقصة الفلسفة فهو أكثر تحمساً لأنه أوسع إطلاعاً على الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي.. فإنه يقول..(إن تقدماً أساسياً في جميع المجالات قد أنجز من قبل المسلمين في ذلك العصر..)

(وأما علماء العرب المسلمون فساعدوا في تطوير اسلوب البحث العلمي وأعلن (بيكون) هذا الاسلوب في أوربا.. خمسمائة سنة بعد العالم المسلم (جابر بن حيان) الذي كان مديناً بعمله ذلك إلى العرب في إسبانيا الذين اقتبسوا المعرفة عن المسلمين في الشرق..)(وعندما أخذ كبار علماء النهضة الأوربية يوسعون آفاق المعرفة العلمية إنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم كانوا يقفون على أكتاف عمالقة العالم الإسلامي..)ويضيف ناصحاً للغرب كله..

(يجب علينا أن نتبنى سياسات من شأنها توحيد التطور التاريخي طويل الأمد للعالم الإسلامي في إتجاهات بَنَّاءة.. وفي الوقت نفسه علينا أن نتصدى للمشاكل المستعجلة التي تهدد بإثارة المزيد من سفك الدماء.. ومالم ننجح في مواجهة هذه التحديات فإن مهد الحضارة قد يصبح قبراً لها..)ويقول في موضع آخر معترفاً..(إن العالم الإسلامي حضارة حيوية نفتش عن هويتها التاريخية..)وكذلك ننقل إعتراف آخر من رجالات الغرب وهو ولي العهد للتاج البريطاني .. الأمبراطورية العظمى في التاريخ والتي كانت لا تغيب عنها الشمس.. وهو الأمير (تشارلز).. يقول:

(إذا كان الغرب يسيء فهم طبيعة الإسلام فما زال هناك جهل حول ما تدين به حضارتنا أو ثقافتنا للعالم الاسلامي .. إنه نقص نعانيه من دروس التاريخ الغربي الضيق الأفق الذي ورثناه..فالعالم الإسلامي في القرون الوسطى (من آسيا الوسطى إلى شاطئ الأطلسي) كان يعج بالعلماء ورجال العلم.. ولكن بما أننا رأينا في الاسلام عدواً للغرب وكثقافة غربية بنظام حياتها ومجتمعها.. فقد تجاهلنا تأثيره الكبير على تاريخنا(6)..

فهذه الشهادات الثلاثة تؤكد على عظمة الإسلام والحضارة الإسلامية، (وهي عندنا ليست بحاجة إلى تأكيد وتقدم هذا للمغتربين) وأصالة الثقافة الإسلامية في مجتمعاتنا النقية..

فالرئيس الأمريكي نكسون.. يؤكد فهمهم لنا بأننا إرهابيين وقلنا الواجب..أما ويل ديوارانت فإنه يعترف بأننا عمالقة وان الحضارة الأوربية تقف على أكتاف عمالقة الشرق المسلم..وأما تشارلز.. فإنه (وعلى ما يبدو أنه مثقف إسلامياً بشكل جيد) فانه يدعوا الى انصاف الحضارة الإسلامية والى التفاعل الجيد والجاد معها لا محاربتها وتدميرها لأنه لا يمكن تدميرها..

فماذا نقول نحن..؟؟نقول علينا العودة إلى الإسلام الحنيف بكله لا مجزءاً..بأن نأخذ جانباً ونترك بقية الجوانب..فالإسلام كما هو (صوم وصلاة وعبادة) هو زكاة وصدقات وواجبات.. وهو أمة واحدة.فإعراضنا عن كل الاسلام أدى إلى أن يتسلط علينا من لا يرحمنا كلنا.. وسبحانه يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.. قال: رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً.. قال: كذلك أَتَتْك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى..)(7).

وإعراضنا عن كتاب الله وآياته جعل الأمة (حقيقة) في معيشة ضنكاً في كل أقطارها.. فَسُلبت أحق حقوقها وأجملها وارفعها ألا وهو الحرية..(إن اعراضنا عن الله وقوانين الله وعن توحيد المسلمين سبَّب هذه المشاكل ولا علاج لها إلا أن ترجع إلى حكم الله سبحانه وتعالى.. لتوحيد المسلمين وإقامة حكومة (ملياري مسلم) لا حدود بينها ولا سدود ولا قيود ولا شروط..(ومثل هذا الحكم وهذه الدول لا يمكن أن تتحقق إلا بازالة الحدود الجغرافية واللغوية والقومية (التي غرسها وكرسها الإستعمار) وبعد أن تزال الحواجز النفسية لأن هذه الحدود والفواصل الخارجية منبعثة في الحقيقة عن الحدود والحواجز النفسية.. فهذا عراقي، وهذا كويتي، وهذا مصري، وهذا إيراني، وهذا هندي، وهذا باكستاني، وهذا تركي.. وكل هذا صحيح.. لكن لتعارفوا ويتعاونوا.. لا ليتناكروا ويختلفوا ويقتلوا..)

فعلينا أن نوحد كلمتنا وموقفنا وجهودنا في سبيل إيجاد ارضية حضارية.. نقف عليها من جديد وهذا لا يتم إلا.. (بنشر الوعي الاسلامي.. فمن الواجب على كل مسلم أن ينشر الوعي الاسلامي العقائدي والإقتصادي والسياسي والشرائعي والإجتماعي والتربوي والعسكري والزراعي والصناعي والإستقلالي.. في كل البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة والصحف والمجلات والنوادي والكتب والمؤتمرات وغيرها..)(8) من الأساليب الحديثة..

كالكمبيوتر والإنترنت والمحطات الفضائية والبرامج العلمية الهادفة.. والتي تكون بمستوى الرسالة التي نطمح في إيصالها.. وعلينا أن نثقف شعبنا واطفالنا ونسائنا (خاصة) بما نريده نحن لا بما يريده غيرنا.أن نثقفهم بثقافة الدين والأخلاق والعلم والحلم والآداب الاسلامية.. لا آداب هوليود الإباحية.. أو إسرائيل وبريطانيا وروسيا الداعرة..

خطوة أولى

نعم علينا نشر الوعي الوحدوي.. والوعي المسؤول.. الوعي الأخوي بين جميع أبناء الأمة..ولا يوجد أي عائق أمام الإرادة القوية فقد ذكر أن الزعيم الصيني (ماو تستونغ) القائد الشيوعي الأحمر وحَّد الصين وهي أكبر دولة في العالم اليوم.. وصاحبة أقدم حضارة عرفتها البشرية.. ألا وهي الحضارة الصينية العريقة.. الذي تُرجم كتابه ( الكتاب الأحمر) إلى (400) اربعمائة لغة.. طبع بمليارات النسخ ووزع مجاناً في جميع أنحاء الصين والعالم..

فقد وحد مائة شعب يتكلمون أكثر من (120) لغة ويبلغ عددهم حينها (650) ستمائة وخمسين مليون نسمة.. في دولة واحدة.. كما خصَّه الدكتور (أسعد علي) بدراسة مفصلة تحت هذا العنوان (ماو تستونغ وتربية ستمائة مليون حكيم).يذكر أنه كنت لا ترى في الصين كلها عاطلاً عن العمل.. أو تجد بها بغي واحدة..(9)ولعل اوضح من هذا تجربة غاندي في توحيد الهند ثم تحريرها.نعم.. لقد تركنا توعية الناس ونشر المعارف الإلهية فتأخرنا وقام المبطلون والمخربون بنشر افكارهم فتقدموا.. وتلك هي سنة الله في الحياة (من يعمل يتقدم ومن يكسل يتقهقر ويتخلف..)

إن عملية التوعية هذه.. ونشر الثقافة الإسلامية الأصيلة هي التي تذكر الأمة بعمالقتها التي وقفت على اكتافهم حضارات الغرب كله.. فيقفوا على أقدامهم ويصعدوا على أكتاف الحضارة الحديثة ليعيدوا بناء حضارتهم العملاقة من جديد..لأن الأمة التي لا تملك الوعي الحضاري لا يمكن لها أن تبني حضارة أبداً..يقول (جارودي): أن الإسلام دين المستقبل، ويقول: (برنارتشو) إنني أكن كل التقدير لدين محمد (ص) لحيويته العجيبة فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقة هائلة لملائمة أوجه الحياة المتغيرة وصالح لكل العصور..وما علينا جميعاً إلا العمل والانطلاق (بعملية التثقيف الواسعة النطاق لنكون قد أدينا بعض واجبنا الذي افترضه الله علينا.. وبذلك نخطو الخطوة الأولى في طريق تحقيق الحكومة الإسلامية الواحدة..)(10).

معلوم انه لا يمكن وجود ف راغ في الكون مطلقاً.. بل هناك دائ ماً وأبداً التوازن..فإن لم نث قف شعبن ا فسوف يتلقى الثقافات الدخيلة ( كوضعنا الآن) وإن لم نبادر فإن العلاج سيكون أصعب لأن الداء سيكون قد أنتشر اكثر واستفحل وافسد من الأمة أعضاءاً أكثر.. فالكون أصبح ضيقاً.. والتنافس أشدّ وأقوى.. والبقاء للأفضل والأجدر.. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..)

(1) راجع (موجز تاريخ الإسلام) الإمام الشيرازي (حفظه الله).

(2) سورة الحجرات (49).

(3) سورة العلق (1-5).

(4) الرحمن (33).

(5) راجع (السبيل إلى إنهاض المسلمين) لسماحة الإمام الشيرازي (دام ظله)، ص،13.

(6) لألا يكون صدام الحضارات، العلامة السيد هادي المدرسي، ص122.

(7) سورة طه، الآية (124-126).

(8) السبيل إلى إنهاض المسلمين -للإمام الشيرازي (حفظه الله)، ص16.

(9) ماو تستونغ وتربية ستمائة مليون حكيم (د، أسعد علي).

(10) راجع (السبيل إلى إنهاض المسلمين) للإمام الشيرازي، حفظه الله، ص18.