مجلـــــة النبـــــأ      العــــدد  27       السنــــة الرابعــــة       شعبــــــان  1419 هـ

حــوار في الولايـــة التكــوينيــــة

 لاهــل البيــت ـ عليهـم الســلام ـ


السيد جعفر الشيرازي

(1)

قبل البدء في الموضوع نسأل ما معنى الولاية؟ جاء في المنجد «ولى، يلي، وِلاية، ووَلاية: قام به وملك أمره، وولى يلي البلد تسلّط عليه»(1)..

وقال في مجمع البحرين:«الولاية أيضاً النصرة، وبالكسر الإمارة وفي النهاية: هي بالفتح: المحبة وبالكسر التولية والسلطان. والولي: الوالي، وكل من ولي أمر أحد فهو وليه، والوالي هو الذي له النصرة والمعونة، والولي الذي يدبّر الأمر، يقال فلان ولي المرأة إذا كان يريد نكاحها، وولي الدم من كان إليه المطالبة بالقود، والسلطان ولي أمر الرعية»(2).

فالمعنى الذي يستفاد من كلمة الوِلاية هو السيطرة. وهذه السيطرة قد تكون في التشريع وقد تكون في التكوين وقد تكون في غيرهما.

والأول: بمعنى السيطرة على الأحكام بجعلها أو نسخها أو غير ذلك.

والثاني: بمعنى السيطرة على الكون أو أقسام منه والتصرّف فيه حسب المشيئة والحكمة.

والثالث: بمعنى تمشية أمور المولّى عليه كولاية الأب على الطفل الصغير لتمشية أموره.

وكلامنا الآن في القسم الثاني من تلك الأقسام.

(2)

كل إنسان له ولاية على أجزاء من الكون، فيمكنه أن يسيطر ويتصرّف في تلك الأجزاء كما يشاء.

فالعامل له سلطة على الأحجار والطين فيضع بعضها على البعض الآخر ويغير أشكالها كما يشاء، وهكذا سائر الناس، حتى الأطفال الصغار يتمكنون من بعض تلك التصرفات.

وذلك لأن الله تعالى أعطى الإنسان القدرة على هذه الأمور وخلق فيه الإرادة فيمكنه فعل ما يشاء وترك ما يشاء، قال الله تعالى:( هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها) (هود: 60). بمعنى طلب منكم عمارة الأرض بعد أن أعطى الإنسان القدرة على ذلك.

والله تعالى خلق الناس بأشكال مختلفة وجعل فيهم قابليّات شتى، لذا فإن قدراتهم مختلفة، فترى إنساناً أقوى من إنسان آخر، فيمكنه التصرّف في الأرض وعمارتها اكثر من الآخر.

إذن فليس من المحال أن يرزق الله تعالى بعض من اصطفاهم من خلقه قدرة اكثر من قدرات سائر مخلوقاته، وهذا ما يعبَّر عنه بالولاية التكوينية، فالقائل بالولاية التكوينية يقول بان الله جعل دائرة قدرة بعض عبادة أوسع مما جعله لسائر المخلوقات، فهل هذا أمرٌ غير معقول؟

(3)

قد يقال: بأنّ النقص هو الذي يوجب الولاية، فالطفل مثلاً ناقص لا يمكنه تدبير شؤون نفسه فيحتاج إلى الولاية، ويقبح جعل الولاية على الكامل لأنه عمل لغوٍ، وهذا العمل لا يصدر من الله تعالى لأنه حكيم.

والكون لم يخلقه الله تعالى ناقصاً حتى يحتاج إلى الولاية عليه قال الله تعالى:( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (الملك: 3).

والجواب:

أولاً بالنقض

1- الإنسان مخلوق لله تعالى فلماذا هناك ولاية تشريعية وغيرها عليه؟ قال الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6).

2- الطفل أيضاً مخلوق له تعالى فلماذا جعل الأب ولياً عليه؟

3- جعلت ولاية للفقيه –على القول بها- فهل الناس ناقصين من حيث الخلق حتى جعل الفقه ولياً عليه؟

وثانياً: بالحل

1- بأنّا قد نلاحظ الشيء منفرداً وقد نلاحظه في ضمن مجموعة متكاملة، وإذا لوحظ الشيء منفرداً قد لا يدرك الإنسان فائدته أو فائدة عمله فمثلاً لو لوحظ القلب منفرداً فقد يتوّهم بأنه يعمل عملاً لغواً ولكن لو لوحظ مع سائر الأعضاء وانه مضخة للجسم ولولاه لماتت سائر الأعضاء، فإن النظرة تتغير وحينئذ يدرك الإنسان أهمية عمله وهكذا سائر المخلوقات، وكذلك الكون، إذا نظرنا إلى بعضه وأغفلنا البعض الآخر قد نتوهّم النقصان ولكن بالنظرة الشمولية يتضح لنا أن كل شيء في موقعه بلا زيادة أو نقصان، فلا يصح القول بأنّ هناك نقص في خلق التراب حيث لا يمكنه إنبات النبات، وذلك لان التراب جزء وهناك أجزاء أخرى مكملة كالسحب والأنهار وغيرها.

فكمال الكون وعدم النقص في خلقه ليس معناه عدم حاجة بعض المخلوقات إلى البعض الآخر، لأنّ هذه الحاجة هي جزء من كمال الكون فاحتياج الإنسان إلى الحيوان والحيوان إلى النبات والنبات إلى الماء -مثلاً- جزء من كمال الكون وجماله.

فيتضح من ذلك أن جعل الله الولاية التكوينية لبعض من اصطفاهم من خلفه جزء من كمال الكون إذا لوحظ بنظرة شمولية. وقد ورد في القرآن الكريم أن هناك بعض الملائكة يدبّرون شؤون الكون قال الله تعالى:( فالمدبرات أمراً) (النازعات:5).

2- وقد اثبت القرآن الكريم هذه الولاية لمجموعة من الأنبياء في معاجزهم وأدلّ دليل على الإمكان الوقوع، فلا يهم عدم إدراكنا لسبب ذلك الأمر أو حكمته بعد ثبوت إمكانه. وقد يستشكل بأن معاجز الأنبياء لا تدلّ على الولاية التكوينية لأنهم كانوا آلة لإرادة الله تعالى والآلة ليس لها الولاية بل الولاية لمستعمل تلك الآلة وهو الله تعالى.

والجواب:

1- الآلة مجبرة والأنبياء والأئمة في معاجزهم لم يكونوا مجبورين وإنما كانوا يطيعون الله تعالى فيما أمرهم باختيارهم، فكما انهم يمتثلون أمر الله تعالى في الصلاة وسائر العبادات باختيارهم ولا يصح أن يقال بأنهم آلة في العبادات، فكذلك في معاجزهم كانوا يمتثلون لأمر الله تعالى في التصرف في الكون.

2- المعاجز نسبها الله تعالى في القرآن إلى الأنبياء، ولا يصح نسبة الفعل إلى الآلة إلا مجازاً، والمجاز يحتاج إلى القرينة، وإلاّ كان باطلاً، قال الله تعالى مخاطباً عيسى (عليه السلام):( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) (المائدة: 110)، وهكذا في سائر المعاجز.

وهنا سؤال وهو انه: إذا كانت لهم الولاية فلماذا لم يستفيدوا منها؟

والجواب:

1- إنهم استفادوا منها في مواقع الحاجة فهذا القرآن مليء بمعاجز الأنبياء (عليهم السلام)، وكذلك وردت متواتر الروايات في معاجز الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وكذلك دلّت الأدلّة على ارتباط الكون بهم ارتباطاً وثيقاً كما ورد في الحديث الشريف «لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها».

2- إنه تشريف لهم حتى إذا لم يستفيدوا منها، وهذا التشريف يسهل اتباعهم. فإن الإنسان يتبع العظيم بسهولة.

(4)

وأما الأدلّة الدالة على الولاية التكوينية، فقد ذكرنا في العدد الماضي بعض الأدلة من القرآن الكريم والحديث الشريف ونضيف هنا قوله تعالى:( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (المائدة: 55)، وكلمة وليّكم مطلقة تشمل جميع أنواع الولاية ومنها التكوينية مضافاً إلى أن ولاية الله تعالى عامة فكذلك ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) لوحدة السياق وهكذا يقال في قوله تعالى:( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (الأحزاب: 6)، ونفس الولاية جعلت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حديث الغدير المتواتر.

وتخصيص الآيتين بالولاية بمعنى الحكومة أو الولاية في الشؤون الاجتماعية، تخصيص بدون دليل بل خلاف ظاهر الآيتين.

(5)

والفائدة المترتّبة على علمنا بالولاية التكوينية، هو أن جهل أي حقيقة في الكون يسبب عدم تنظيم الحياة طبق تلك الحقيقة، ولذا كلّما اكتشف الإنسان حقيقة في الكون حاول تنظيم حياته طبق تلك الحقيقة حتى يصل إلى السعادة والرّفاه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هذه الحقيقة وهي الولاية التكوينية، فإن الإنسان إذا جهلها نظر إلى الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) بنظرة عادية كنظره إلى أي إنسان آخر، وقد يخطئ كلامهم، لكنه إذا علم بهذه الحقيقة وانهم مرتبطون بالله تعالى وان الله تعالى جعل الكون بيدهم فتكون نظرته إليهم والى كلامهم مختلفة عن نظره إلى كلام سائر البشر. ولذا اكثر الله تعالى في القرآن ذكر معاجز الأنبياء (عليهم السلام).

(1) المنجد: ص918. (2) مجمع البحرين: ج1/ص455.

(2) مجمع البحرين ج1 ص455.