مجلـــة النبـــأ      العـــدد 19      السنـــة الثـــالثـــة       رمضـــان 1418هـ

الحـــاجـــة إلــى إمـــــــام

يقول هشام بن الحكم: دخلت البصرة يوم جمعة فأتيت مسجدها، فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمر بن عبيد المعتزلي البصري، وعليه شملة سوداء متزر بها من صوف وشملة مرتد بها، والناس يسألونه. فاستفرجت الناس فأفرحوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي، ثم قلت: أيها العالم، إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم, فقلت له: الك عين؟ فقال: يابني، أي شيء هذا من السؤال وشيء تراه كيف تسأل عنه؟! فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني فيها، قال لي: سل. قلت: ألك عين؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص. قلت: فلك أنف؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة، قلت: ألك فم؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم. قلت: فلك أذن؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: اسمع بها الصوت؟ قلت: ألك قلب؟ قال: نعم. قلت: بما تصنع به؟ قال: أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس، قلت: أوليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بني إن الجوارح اذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته الى القلب، فيستيقن اليقين ويبطل الشك.

قال هشام، فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم. قلت: لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم. فقلت له: يا أبا مروان، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لهم إماماً يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟!

قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً. ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا. قال فمن أين أنت؟ قلت:من أهل الكوفة. قال: فأنت إذاً هو، ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت.

الكافي: ج1 ص169.