رمضان هل هلاله...فطوبى للمتقين!

أ.غريبي مراد

قال الرسول الأعظم (ص): "أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات"

ككل سنة يهل علينا هلال شهر الله، هذا الشهر المعروف في الثقافة الإسلامية بشهر البركة والرحمة والمغفرة والمودة والتسامح والتكافل والتعاون والتوبة والإنابة وماهنالك من تطلع إسلامي عظيم يصقل الشخصيات الفردية والاجتماعية بعناوين الرشد والإنسانية، هذا الموسم ميزته أنه أوان رسالي جدا في السنة الإسلامية كلها يجمع بين روحيات الفرائض الإسلامية في روحية واحدة...

حيث شهر رمضان لا يعرف بتلك الثقافة التي سادت واقعنا العربي والإسلامي في عصور الانحطاط وجعلت من علاقتنا به علاقة ابتهاج سطحي مادي غافل عن الروحية الإيمانية  المفروض اتسام كل أبعاد حياتنا بها، تلك الروحية  التي تعقلن صومنا وتلجم الشهوات الأربع وزيادة على ذلك توعي الواقع بالقضايا المصيرية، وبذلك تظلل روحية الصوم آفاق الحياة كلها، من الاجتماع للثقافة والاقتصاد وتحديدا  السياسة، لأنه إذا صام الواقع كله والسياسة وأهلها لم يصوموا عن الشهوات الموجعة للفرد والمجتمع والدولة  والأمة والعالم، فستبقى حقيقة رمضان بعيدة عنا...

لأن حقيقة رمضان هي التقوى ليس بمفهومها البرغماتي وإنما بمفهومها الإسلامي الأصيل، لأن النداء القرآني للذين آمنوا (كل المسلمين) بالصيام كفريضة عرفتها الأمم السابقة، ليس نداءا بسيطا وكل نداءات القرآن ذات بعد استراتيجي للنهوض بالواقع الإسلامي وتحصينه من الشرور والفتن والمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين، وهذا الهدف الكبير هو التقوى كعنوان يريد الله للإنسان المسلم  أن يعيشه في كل تفاصيل حياته ليكون المؤمن التقي اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وإعلاميا واقتصاديا، وهكذا من صام وقد بدأ يستشعر التقوى فليثبت عليها وليركز على تعميقها في شخصيته وحياته....

جميل أن تدخل ساحة رمضان وأنت عازم على نيل المغفرة واصلاح ذاتك الفردية والاجتماعية، لكن الواقع الحي لغالبية المسلمين، والسائد في مجتمعاتنا هو الصوم المادي أي الامتناع عن الأكل والشرب  واللذات الجنسية، وهذا ما يعرف بالامتثال للأمر أما الواجب فلا يهم إذا سقط، لأن الحديث الشريف المتواتر والمروي لدى المسلمين كافة يقول :  "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر"...

لأننا نصوم عن بعض الشهوات المادية لكن لا نصوم عن الكذب والنميمة والبهتان والفتنة والرشوة والسباب وعن كل ما يؤذي الناس ولا نصوم عن ظلم بعضنا البعض،ومنا من يصوم على هذه الأمراض في إطاره المذهبي والقبلي لكن في الدائرة الإسلامية يصطدم بالحرج الجهوي والحزبي الطائفي...!

للأسف، كل سنة صومنا فيه كل الانقطاع عن اللذات إلا الأخلاق البذيئة التي تحرق مجتمعاتنا وتفسد أمننا وتضيع مستقبلنا....لماذا ؟ لأننا لا نريد أن نفهم الصوم كما هو إسلاميا... !

إن صوم رمضان أيها المسلمون (سنة وشيعة) هو واجب شرعي مصداقه الصوم الأخلاقي، التي يبدأ بالصوم الصغير وهو صيام هذا الشهر الفضيل ليصل بك للصوم الكبير ألا و هوصوم العمر عن كل المحرمات التي قد تجعلك مفسدا ظالما، هكذا نفهم رمضان معركة صغرى مع نفسك تمهيدا وتدريبا للمعركة الكبرى مع الظلم بشتى أنواعه...

بصراحة : رمضان مدرسة أخلاقية وهبة إلهية للمسلمين ليتعلموا دروس الحياة، وأعظم الدروس هو التمرد عن العادات السيئة ولعلي لا أبالغ أن العادة الخطيرة التي تضغط على واقع المسلمين الآن هي عادة العبودية للطائفية والحزبية فعلينا أن نستفيد من هذه الأيام المباركة لنتحرر من أغلال الطائفية وليكن صومنا شاملا للسياسة بحيث يعزم أهلها على التسامح والتصالح والسعي من أجل الصالح العام الذي لا يتحقق إلا بعنوان التقوى السياسية  وهو مضمون الرشد السياسي والوعي الاجتماعي والإصلاح الثقافي...

الصوم-أيها المسلمون- صبر وجلسة في حساب مع الله، الصوم حركة للضمير الشرعي في حياتنا، الصوم الإيماني هو استدراك لقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة،

 فلماذا نصر على الفتنة والعداوة؟؟؟لنتأمل في رمضان ربيع القرآن، لتكون أمتنا على طول السنة ربيعا للقرآن الوعي والمحبة والحضارة والتسامح والتعايش...

رمضان نداء الله للهدى والبينات والفرقان بين مواطن طاعة الله ومعصيته....

رمضان فضاء إيماني رحب يسع كل المسلمين فلا نجعله ضيقا بأمراضنا العصبية وأفكارنا الإقصائية وعاداتنا التراثية التي لا تمت للإسلام بصلة...هكذا يمكننا أن نستفيد من آفاق رمضان الذي هل هلاله... فطوبى للمتقين...والله من وراء القصد

* كاتب وباحث إسلامي

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/أيلول/2009 - 18/رمضان/1430

[email protected]