أثر الصيام في كمال الانقطاع إلى الله (عز وجل)

 

الصوم.. حقيقته إعداد وتكوين.. وهو قبل ذلك وبعده تمام التسليم لله وكمال العبودية لرب العالمين والانقطاع الكامل إليه تعالى. وهذه الحكمة هي القدر المشترك في كل عبادة والهدف الأسمى من كل فريضة ولن تكون العبادة عبادة ولا العبد عبداً إلا بها. فعندما يقول رب العباد (أمرت ونهيت) يقول العباد (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

فالانقطاع الكامل إلى الله (عز وجل) هو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه كل إنسان في مسيرته العملية والجهادية والإيمانية.

لكن كيف يكون هذا الانقطاع؟ وكيف يمكن تحقيق الانقطاع إلى الله (عز وجل)؟ هل أن الابتعاد عن الحياة ومشاغلها وهمومها هو السبيل إلى الانقطاع إلى الله (عز وجل)، وهو ما يتيح الابتعاد عن كل ما يسيء للعلاقة بالله؟ هذا الطريق سلكه بعض المتصوفة والرهبان، لكنه ليس الطريق الذي يدعوا إليه الإسلام.

فالدين الإسلامي دعانا لكي نعيش الحياة بكل تفاصيلها وفي خضم مباهجها وشجونها، لكن بشرط أن يكون كل ذلك على قاعدة الإيمان وتطبيق الأحكام الشرعية.

فالانقطاع إلى الله (عز وجل) يجب أن يتم في معمعة الحياة ومشاكلها، ومن هنا يكون السؤال الأصعب، كيف ننقطع إلى الله ونحن نعيش هموم الدنيا ومباهجها ومشاكلها؟

إن هذا الانقطاع يتحقق عندما يكون الله (عز وجل) حاضراً في كل تصرف نقوم به وعندما يكون هدفنا السعي لمرضاة الله تعالى في كل عمله نعمله، وتلك هي المهمة الأصعب، وهذا التوجه الإيماني لا يمكن لنا أن نصل إليه إلا من خلال تحصيل العلوم الدينية وعبر الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية.

فالعلم والتفكير هما الطريق الصحيح للوصول إلى الانقطاع الحقيقي إلى الله (عز وجل) أما الجهل واللجوء إلى الخرافة والأساطير وعدم الفهم الصحيح للإسلام فلا تشكل طريقاً لتحصيل مرضاة الله تعالى، والانقطاع إليه. والإكثار من العبادات والمستحبات ليس هو السبيل لتحقيق مرضاة الله ما لم يكن هناك ترك للمنهيات كالكذب والنميمة والغيبة والخداع وعدم معاملة الناس بالحسنى وإضاعة حقوق الآخرين.

إن الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى هي مرتبة عليا من مراتب الإيمان واليقين والتدين والوصول إليها ليس بالأمر السهل فيحتاج نية خالصة وقلباً صافياً وجهداً متواصلاً وورعاً مستمراً والتفكير بعدم الفصل وذلك باتخاذ ما تحلو لنا ونستسيغها ونترك الصعب من العبادات.

ولا ينال ذلك إلا بفضل الله ورحمته، لذلك يجب الدعاء ومسألة المولى أن يوفقنا في ذلك بأن أي رب هب لي كمال الانقطاع إليك، وما أظهر هذا التسليم والعبودية في الصوم خاصة، فالصائم يجوع ويعطش وأسباب الغذاء والري أمامه ميسرة لولا حب الله والرغبة في رضاه.. وإيثار مائدته ولهذا نسب الله الصيام إليه سبحانه وتعالى وتولى جزاء الصائمين بنفسه فقال: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

فصيام الإسلام لم يشرع تعذيباً للبشر ولا انتقاماً! كيف ذلك وقد ختم الله آية الصوم بقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وإنما شرعه الله إيقاظاً للروح وتصحيحاً للجسد وتقوية للإرادة وتعويداً على الصبر.. وتعريفاً بالنعمة وتربية لمشاعر الرحمة وتدريباً على كمال التسليم لله رب العالمين وكمال الانقطاع إليه، فهو شهر الدعاء والتوبة شهر الفضيلة والإحسان شهر التبتل والخشوع، شهرٌ فيه ليلة القدر.