الصيام يكافح الاكتئاب ويحقق التوازن النفسي

 

اظهرت دراسة طبية نفسية حديثة اجراها استشاري ‏نفساني هنا عن (بيولوجيا الجهاز العصبي والسلوك أثناء الصوم) ان التحكم فى ‏الشهوات وكبح الاحساس بالجوع اثناء الصيام له فوائد جمة على الانسان مثل محاربة ‏الشعور بالاكتئاب الى جانب تحقيق التوازن النفسي وتعديل الحوار الذاتي والاسهام ‏فى حدوث تفكيك نوعي للحيل النفسية.‏

‏ وذكر صاحب الدراسة وهو رئيس وحدة التاهيل بمستشفى الطب النفسي بالكويت الدكتور ‏‏رامز طه فى لقاء مع وكالة الانباء الكويتية ان دراسته التي تحمل ‏عنوان (الاعجاز العلمي والنفسي في الصوم) تجيب على الكثير من التساؤلات التي تدور ‏فى اذهان البعض حول الفائدة من الصيام والحكمة من حرمان النفس من غرائز وشهوات ‏ورغبات حللها الله له طوال العام.‏

‏ وقال "ان حكمة الصوم وفوائده تأكدت لي من خلال دراسة أكثر من عينة عشوائية من ‏المتطوعين وأصحاب المشكلات النفسية واظهرت جوانب الاعجاز العلمي والنفسي في الصوم ‏وفعاليته في تعديل التفكير والسلوك والتخلص من العادات غير المرغوبة وتنمية ‏القدرة على الضبط الذاتي ". ‏

‏ واضاف ان فوائد الصيام التي توصل اليها من ناحية التنمية النفسية هي "الضبط ‏الذاتي" الذي يلتزم به الصائم بيولوجيا ونفسيا وسلوكيا حيث ثبت ان الصيام يمنح ‏الانسان تدريبا عاليا وقدرة جيدة على التحكم في المدخلات والمثيرات العصبية مع ‏القدرة على خفض المؤثرات الحسية ومنعها من اثارة مراكز الانفعال لديه بدرجة ترتبط ‏‏بخفض الاثارة في نشاط التكوين الشبكي في المخ.‏

‏ واوضح ان هذه الحالة هي درجة من الحرمان الحسي وقد ثبت أن تقليل المؤثرات ‏الحسية له تأثيرات ايجابية على النشاط الذهني والقدرة على التفكير المترابط ‏العميق والتأمل والإيحاء كما انه يمنح الانسان قدرات عالية على الصفاء والحكمة ‏والتوازن النفسي.

‏ واكد طه ان تحمل الم الجوع والصبر عليه يحسن من مستوى مادة ‏السيروتونين وكذلك ما يسمى "بمخدرات الألم الطبيعية" التي يقوم المخ بافرازها وهي ‏مجموعتان تعرفان بمجموعة (الأندورفين) ومجموعة (الانكفالين).‏

‏ وقال ان المجموعة الاولى تتركب من 31 حمضا أمينيا مستخلصا من الغدة النخامية ‏ولهذه المواد خواص في التهدئة وتسكين الألم أقوى عشرات المرات من العقاقير ‏المخدرة والمهدئة الصناعية اما المجموعة الثانية فتتركب من خمسة أحماض أمينية ‏وتوجد في نهايات الأعصاب.‏

‏ واضاف انه لكي يستمر افراز هذه المواد المهدئة والمسكنة والمزيلة لمشاعر الألم ‏والاكتئاب لابد أن يمر الانسان بخبرات حرمان ونوع من الم التحمل وأن يمتنع عن ‏تناول المواد والعقاقير التي تثير البهجة وتخدر الالم خاصة (الأفيون) ومشتقاته ‏وبعض العقاقير المخدرة الحديثة.‏

‏ وبين ان الصوم يمثل تدريبا يوميا منظما يساعد الانسان على تغيير افكاره ‏واتجاهاته وسلوكه بصورة عملية تطبيقة تشمل ضبط وتنظيم المراكز العصبية المسؤولة ‏عن تنظيم الاحتياجات البيولوجية والغرائز من طعام وجنس وأيضا الدوائر العصبية ‏والشبكات الترابطية الاحدث التي تشمل التخيل والتفكير وتوجية السلوك.‏

‏ واوضح ان الصوم يساعد على حدوث تفكك نوعي في الحيل النفسية وهي "حيل وأساليب ‏لا شعورية يلجا اليها الفرد لتشويه ومسخ الحقيقة التي لا يريد أن يقبلها أو ‏يواجهها بصدق وذلك حتى يتخلص من المسؤولية ومن التوتر والقلق الناتج عن رؤية ‏الواقع الذي يهدد أمنه النفسي واحترامه لذاته".‏

‏ ومضى قائلا انه وجد ان اغلب هذه الحيل المعوقة للنمو الانساني تضعف خلال الصوم ‏وأثناء جلسات العلاج النفسي مبينا ان هذا الانهيار للحيل الدفاعية يحدث مع الصائم ‏العادي كلما ازداد خشوعه وصدقه.‏‏

‏وقال طه انه لوحظ ارتباط ذلك باتساع دائرة الترابط بين التفكير ‏الواعي والعقل الباطن بما يسمى بعملية "اعادة تنسيق المعلومات" على مستويات المخ ‏المختلفة وهي تماثل اعادة برمجة العقل.‏

‏ واضاف ان الصوم يساعد ايضا على "ممارسة خلوات علاجية وتامل" مما يساعد الفرد ‏على الخروج من دوامة الصراعات اليومية والتوتر واهدار الطاقات النفسية والذهنية ‏واصدار اوامر للعقل بالتسامح والعفو.‏

‏ واكد انه يحدث اثناء الصيام "تعديل مستمر للحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه ‏طوال اليوم" من عبارات وجمل تؤثر في افكاره وانفعالاته حيث يمثل الصوم فرصة لغرس ‏‏معاني وعبارات ايجابية مع الاستعانة بالأذكار والدعاء وممارسة العبادات بانتظام.‏

‏ واوضح ان ذلك يحدث في اطار مباديء علم النفس الحديثة حيث يتم التعلم من خلال ‏التكرار واتباع قاعدة التعليم المتدرج والتعلم بالمشاركة الفعالة واسلوب توزيع ‏التعلم.‏

‏ وبين ان كل ذلك ياتي في اطار منظومة متكاملة تسمح باعادة برمجة حقيقية للجهاز ‏العصبي والسلوكي وتعديل التفكير وتغيير العادات حيث يصبح الصوم عبادة وتأمل وأيضا ‏تعديلا للنفس البشرية والتخلص من الانفعالات والاضطرابات النفسية واطلاقا لطاقات ‏العقل.‏

‏ واضاف ان الشيء المدهش فى الامر صدور سلسلة دراسات اغلبها من الولايات المتحدة ‏ومراكز علمية غربية أخرى تشير الى خطورة انفجار رغبات الناس وتضخم شهواتهم وفقد ‏قدرتهم على تقليل النهم وكثرة الاختيارات وتعدد الاستجابات وعدم السيطرة على ‏غريزة التملك وشهوة الرغبات.‏

‏ واستعرض جانبا من دراسة اجراها الدكتور كانمان من جامعة (برنستون) الأمريكية ‏اظهرت أن عدم خفض الاختيارات والتحكم في الرغبات قد ادى بالفعل حسب دراسته ‏الميدانية الى تزايد الاحساس بالكآبة بل وظهور معدلات الاكتئاب بدرجة تتناسب ‏عكسيا مع وفرة وكثرة الاختيارات.‏

‏ وتطرق الى دراسة غربية اخرى اجريت العام الحالي واكدت على "ارتفاع معدلات مرض ‏الاكتئاب ومشاعر الاحباط والتعاسة نتيجة الافراط في الاختيارات وعدم القناعة" ‏وهذا اللفظ بدأ يدخل ضمن الاصطلاحات النفسية العلمية كما توصل الى ان أغلب أفراد ‏المجتمع لا يعرفون طريقة لضبط شهواتهم وخفض نهم وشره رغباتهم.‏

‏ وقال ان كل هذه الدراسات وغيرها تؤكد ضرورة أن يتدرب الانسان ولو لأسابيع ‏محددة على هذا الاسلوب من الضبط الذاتي للشهوات وبالتالي للغرائز والانفعالات ‏والسلوك أي ضرورة أن يتعلم ضبط شهواته بالصوم لفترة كافية.